/شادي علاء الدين: الحزب الشيوعي الإلهي وزمان الرخص الثائر/خلف الحربي: أبو قمامة ينظم الحج/محمد الوشيحي: آمال: إيران صديقة الورود والبيئة والحجاج/عبدالله بن بجاد العتيبي: تدافع الحج وثالوث الشر

636

أبو قمامة ينظم الحج!
خلف الحربي/عكاظ/27 أيلول/15
من بين أكوام القمامة التي تملأ شوارع بيروت خرج علينا حسن نصر الله مطالبا بدور إيراني في موسم الحج!.. هكذا وبكل بساطة يتحدث رجل إيران الذي حول لبنان إلى بلد عاجز حتى عن رفع أوساخه من الطريق، عن تنظيم أكبر تجمع بشري سنوي في هذا العالم. لو شاهد أبو قمامة فيلما وثائقيا عن جهود شركات التنظيف في موسم الحج لعلم أن المسألة أكبر منه بكثير وأكبر من إيران طبعا وربما أحتاج هو والإيرانيون إلى مساعدة أشقائهم الروس لرفع القمائم من الطريق، ونحن نتحداه في مشاريع النظافة فقط لأن تنظيم الحج وخدمة ضيوف الرحمن مسألة تفوق كل حساباته الفارسية كما أنها شرف ورثه أهل هذه الأرض من أيام سيدنا إبراهيم عليه السلام ويستحيل أن يتنازلوا عنه لمن قتل أطفال سوريا وباع وطنه ودينه وإنسانيته وعروبته من أجل الحفاظ على كرسي بشار الأسد. نعم نحن نواجه في بعض السنوات حوادث مؤسفة أثناء تنظيم موسم الحج وعلينا مسؤولية تاريخية في مراجعة الأخطاء البشرية إن وجدت وقد فعلنا ذلك أكثر من مرة، كما أننا نقبل النصائح ونستعين بأهم الخبراء في العالم من أجل تطوير خبراتنا في إدارة الحشود البشرية الهائلة ولكننا لسنا سذجا كي نستمع إلى قمامات رجل شارك في قتل مئات الآلاف من السوريين ويتباكى اليوم على بضعة مئات من الحجيج توفاهم الله في حادث هو في أول الأمر وآخره قضاء وقدر ويمكن أن يحدث أكبر منه في أي مكان في العالم. لو كان لحسن نصر الله وحزبه المجرم أدنى دور في تنظيم الحج (إزالة القمامة مثلا) لقضى يومه على الجوال مع قاسم سليماني في طهران، وكلما واجه مشكلة ردد عبارته الحائرة على الجوال: (كيفك جنرال.. شو بدنا نعمل؟)، لذلك ننصحه بصدق أن يبقى في مخبأه في الضاحية ويبحث عن حلول مبتكرة لتخليص المدينة التي يعيش فيها من أكوام القمامة التي زكمت الأنوف في ذلك البلد الذي كان جوهرة الشرق قبل أن يصبح هذا الرجل صاحب الكلمة العليا فيه.

 

آمال: إيران.. صديقة الورود والبيئة والحجاج
محمد الوشيحي/الجريدة الكويتية/27 أيلول/15
يا عيني على إيران عندما تتحدث عن قيمة الإنسان. يا عيني على مسؤولي طهران عندما يبكون على أرواح البشر. يا عيني على الإنسانية الرقيقة القادمة من بلد الاستخبارات والميليشيات والإبادات ومقاصل الأوناش. إيران، لا شك، صديقة الورود والبيئة والحياة والتعمير، وصديقة الطفولة والكهولة، وصديقة الإنسان والحيوان، ومن يصرخ محتجاً: ‘إيران لم تكتفِ بالطائفية ضمن حدودها، بل غلّفت الطائفية بورق السولوفان، وألصقت عليه (قابل للكسر)، وشحنته إلى دول المنطقة، وأبرزها سوريا واليمن ولبنان والبحرين، وكادت تصدرها إلى الكويت، وها هي تبحث في جدران مصر عن شقوق تتسلل من خلالها”، سنقول لقائل هذا القول: ‘هذا هو، بالضبط، تبادل الثقافات يا جاهل”. وللمشكك نقول: ألم تسمع بكاء إيران على شهداء الحج؟ اترك عنك الملايين الذين تسببت إيران في موتهم وتهجيرهم وغرقهم، وانظر إلى دمعتها الحارة على شهداء الحج، واستمع إلى نواحها الذي يقطع نياط القلب! ستقول: ‘إيران ذات الماضي الكالح في مواسم الحج، إيران التي أطلق حجاج استخباراتها الغاز في نفق المعيصم، وحملوا السكاكين، وقاموا بالتفجيرات في مكة الطاهرة، الآن تحتج على تنظيم السعودية لشعائر الحج، وتريد تدويل مكة”. وأرد عليك: ‘صحيح أن إيران قامت بكل ذلك، وصحيح أنها لا تسمح ببناء مسجد واحد للسُّنة داخل حدودها، لكن هذا لا يمنع تسامحها مع الأديان، فمعابد اليهود موجودة هناك، ثم إن إيران ستضمن عدم تدافع (حجاج استخباراتها) عندما يحين دورها في إدارة أحد مواسم الحج”. فقط جربوا، ولو مرة واحدة، أن تتولى إيران إدارة الحج، وسأضمن لكم ألا يحدث أي تدافع. على أن مطالباتنا بالتحقيق في الفاجعة التي حدثت في الحج هذا العام، واتخاذ الإجراءات الصارمة التي تمنع تكرارها، لا تعني نكران جهود المسؤولين السعوديين في تسهيل الشعائر، وصرف مليارات الدولارات من أجل ذلك، وبذل الجهود الجبارة خدمة لضيوف الرحمن.

 

تدافع الحج وثالوث الشر
عبدالله بن بجاد العتيبي/27 أيلول/15 الشرق الأوسط
كانت حادثة تدافع الحجاج في منى يوم العيد حادثةً مؤلمةً بكل المقاييس، في عدد الضحايا وحجم المصابين، ومثيرةً للدهشة في مكانها، حيث لم تكن قريبةً من الجمرات التي نسي الناس حوادث التدافع عندها بعد التوسعات الكبرى التي نفذتها السعودية تخفيفًا على الحجاج وحرصًا على أمنهم وسلامتهم.
تعاملت السعودية كعادتها مع الحادثة بكل شفافية وأعلنت الأرقام أولاً بأول عن طريق الدفاع المدني ووزارة الصحة، وتحدث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عن الحادثة في خطابه السنوي بمنى معزيًا ذوي الشهداء وآمرًا بلجنةٍ موسعةٍ للتحقيق في ملابسات الحادث ونشر نتائج التحقيق وتفادي أي أخطاء إن وجدت في المواسم اللاحقة. وبانتظار نتائج التحقيق لا يمكن لأحد أن يخمّن تفاصيل الحادث، ولكن يمكن قراءة الصورة العامة التي يمكن أن يوضع فيها، فتاريخيًا، كانت حوادث التدافع تقع بين فترةٍ وأخرى بين الحجاج لأسبابٍ متعددةٍ، منها ضيق المساحة وكثافة الحجيج وهو أمرٌ تم التعامل معه بتوسعاتٍ كبرى لمداخل الجمرات ومخارجها وبخطط تفويج الحجاج المحكمة والتي ضمنت لسنواتٍ عدم وقوع أي حوادث للتدافع بين الحجيج. وتاريخيًا كذلك ثمة جهةٌ واحدةٌ كانت هي التي تسعى لإفساد الحج واستهداف أرواح الحجاج والإصرار على جعل موسم الحج موسمًا يخدم مصالحها السياسية وشعاراتها الثورية، وهذه الجهة هي تحديدًا الجمهورية الإسلامية في إيران، ويتذكر الكثيرون كيف قامت عام 1987 بالإيعاز لحجاجهم المنظمين بضباط الحرس الجمهوري بقتل الحجاج بكافة أدوات القتل من سكاكين وقطع حديد وكل ما يمكن أن يقتل به الإنسان، وقد قامت السعودية آنذاك بدورها في حماية الحجيج وأوقفت الإرهاب الإيراني عند حدّه.
وحادثةٌ أخرى وقعت في نفق المعيصم بمنى عام 1990 وذلك عبر مجموعةٍ إرهابية منظمةٍ غالبها من الكويت ولكن بتخطيط وتدريب إيراني كامل قامت بقتل عشرات الحجيج بدمٍ باردٍ وترصدٍ وتصميم على تنفيذ الجريمة.
وقد اقتصر هذا السياق على الحج فحسب وإلا فرعاية إيران للإرهاب والجماعات الإرهابية السنية والشيعية ثابتة تاريخيًا ويتكشف فيها جديدٌ بين فينة وأخرى كما جرى مؤخرًا مع بعض وثائق أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي التي تم تسريب محتوياتها والتي تثبت تعاونًا كاملاً مع إيران، واستهداف إيران للسعودية بشكل عامٍ ولدول الخليج بعمليات إرهابية معروفٌ ومرصودٌ تاريخيًا في السعودية والكويت والبحرين، وهو ما زال مستمرًا حتى اليوم، ومنه الخلايا الإرهابية التي تم الكشف عنها مؤخرًا في الكويت والبحرين. بعد هذه التوطئة السريعة فإن من اللافت ظهور تكتلٍ سريعٍ إثر حادثة التدافع بين ثلاث جهاتٍ ترفع راية العداء للسعودية وهي إيران وجماعة الإخوان المسلمين وبعض الناشطين من كل لون ونوع مع بقايا بعض القوميين واليسار الذين اعتادوا مهاجمة السعودية، فإيران عبر مسؤوليها وأذنابها في المنطقة بادرت بمهاجمة السعودية واتهامها بالتقصير وركبت نفس الموجة جماعة الإخوان المسلمين عبر رموزها في الداخل والخارج وعبر الدول التي تمثل الثقل الإخواني الجديد فيما بعد الربيع العربي انطلاقًا من دولتين: إقليمية كبرى وعربية صغرى. تراوحت تلك الهجمات بين الاتهام المباشر بالتقصير دون أي إحساس بالمسؤولية أو انتظار لنتائج التحقيق وهو ما تبناه الإخوان المسلمون وبعض رموز الإسلام السياسي في الداخل والخارج وبين الترويج لـ«تدويل الحج» الذي مثّل دعايةً إيرانيةً شاذةً عبر سنواتٍ يعارضها كل المسلمين والدول الإسلامية، وبين الاتهامات التي تلقى جزافًا من بعض أيتام القومية واليسار وكذلك من بعض الناشطين الجدد الذين لا يعرفون طريقًا لإظهار أنفسهم بمظهر المستقل أو النزيه إلا بالتهجم على أوطانهم ودولهم والانخراط في كل حملةٍ معاديةٍ وكل شعارٍ معارض. إيران عدوٌ كاشحٌ وهي لا تحاول إخفاء عدائها للسعودية منذ قامت بثورتها الطائفية والأصولية، وهي اليوم أشد عداءً بعد بروز السعودية كقائد ٍإقليميٍ ينازعها في كل الملفات الكبرى في المنطقة ويرفض كل تدخلاتها بل ويواجه مشروعها التوسعي بالقوة العسكرية الضاربة في اليمن وهو قص يد إيران الممتدة هناك، وهذا زاد من حنقها وعداوتها، والعدو الآخر هو جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي بشكلٍ عامٍ، وهذه أقل ظهورًا في العداوة من الأولى، ولكن الباحثين المختصين يعلمون علم اليقين حجم العداوة الذي تكنه للسعودية وحجم التناقض لا مجرد التعارض بين مشروعها والدولة السعودية، وهي سعت قبل إيران لزرع تنظيماتها وخلاياها في السعودية وقد زاد حقدها بعد قيادة السعودية لاستعادة الدولة المصرية من اختطاف الجماعة وتأييدها لخيار الشعب المصري.
إن خدمة السعودية للحرمين الشريفين وسعيها الطويل لخدمة ضيوف الحرمين من حجاج ومعتمرين وزوّار وإنفاقها الذي يفوق موازنات دولٍ في توفير الأمن والسلامة وكافة سبل الراحة للحجيج من توسعاتٍ وإعادة بناء وتنظيم وشق طرق وتوفير المواصلات وغيرها الكثير لهي شرفٌ للسعودية وواجبٌ أدته وتؤديه على أكمل وجهٍ بشهادة المسلمين من كل أنحاء العالم، ولا يمكن أن ينكر كل هذه الجهود الجبارة إلا عدوٌ كاشحٌ أو مكابرٌ جاهلٌ. ليس من غرض هذا السياق نفي أي خطأ أو تقصيرٍ بأي شكلٍ من الأشكال ولكن هذا شأن التحقيق ونتائجه ورهن التقرير الذي سترفعه اللجنة المشكلة بأمرٍ ملكيٍ بخصوص هذه الحادثة وكشف ملابساتها، ولكن وكما لا يمكن نفي التقصير لا يمكن استبعاد القصد الجنائي وكلا الأمرين رهنٌ باللجنة المشكلة والنتائج التي ستعلنها. نجاح السعودية في إدارة الحشود هو نجاح مشهودٌ له على المستوى الإسلامي والدولي، ولا يعني النجاح أن الحوادث لا تقع، ولكنها حين تقع تتم دراستها ورصد مواضع الخلل وإصلاح النقص إن وجد، ولكن هذا لا ينفي أن بعض هذه الحشود تخطئ وتخالف الأنظمة المعلنة وتربك الخطط المتبعة، ويعلم كثيرون أن بعض الحجاج يأتون الحج باعتقادٍ خاطئ هو أن «الحج جهادٌ» لا بمعنى الطاعة فحسب بل بمعنى استخدام القوة البدنية ومدافعة الحجيج بشكل عنيفٍ وهي ثقافةٌ خاطئةٌ ويجب التواصل مع تلك الدول لتصحيح هذا المفهوم لدى حجاجها. أخيرًا، قال الملك سلمان في تعليقه على الحادثة: «إن هذا الحادث المؤلم الذي وجهنا الجهات المعنية بالتحقيق في ملابساته والرفع لنا بالنتائج في أسرع وقت ممكن لا يقلل مما تقومون به من أعمال جليلة».

الحزب الشيوعي الإلهي وزمان الرخص الثائر
شادي علاء الدين: العرب اللندنية/27 أيلول/15

يؤمن اليسار، والحزب الشيوعي، وحزب الله، وحركة أمل والخليفة أبو بكر البغدادي بفكرة تثوير المكان. علاقتهم مع المكان ملتبسة وتضعه دوما في محل خطأ يتطلب تصحيحات قاسية وغير جراحية حتى يخرج من حال الاعتلال الدائمة. المكان مريض طالما لا يستطيع احتضان المعاني الخاصة المنسوبة إليه، وهي باتت في إطار المعاني المشتركة بل الموحدة بين الحزب الشيوعي والثنائية الحاكمة في الوسط الشيعي. تحدد شبكة المعاني هذه هوية المكان بوصفه امتداداً للثورة وانعكاساً لها، وتالياً عليه أن يكون ثورياً على الدوام وناطقاً بلغة الثورة ومعبّرا عنها. تثوير المكان في عرف الإلهيين المستجدين والإلهيين الأصليين والعابرين إلى عالم التأليه عبر تقديس صورة الأستاذ نبيه بري يقوم على تحويل المكان، كلّ المكان، إلى ‘أبو رخوصة”. ليس المقصود بهذا المصطلح المعنى الذي شاع مؤخرا إثر تصريحات رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، ولكن بمعنى إشاعة الرخص في كل شيء، وتحويل هذا الرخص إلى سيكولوجيا عامة تنطق الذات من خلالها، وتمارس السياسة والحراك عبر ما تمليه عليها. الرخص يبني ‘سيستاما” محكما يكون فيه مطلب تغيير الأوضاع ليس دعوة لتحسينها، ولكنه يقضي بإعادة المكان إلى ما يراه أصلا تنبع منه كل القيم ألا وهو الرخص. يجب تحويل كل المكان إلى ساحة للرخص. هكذا يكون المطلوب هو تحويل المدينة إلى مكان رخيص بمعنى القابلية للإهدار. هذا هو التغيير المطلوب الذي من دونه لا يمكن للمكان أن يكون موجوداً وحياً وثوريا. فكرة الرخص ليست فكرة تجارية يمكن اختصارها بالمنطق الطبقي التبسيطي الذي يهوى الشيوعيون بسطه كمنطق عام يمكن من خلاله تفسير كل شيء، ولكنه مفهوم أكثر تعقيدا، وهو موصول بشبكة إحالات واسعة وخطيرة. الرّخص هو البنية التأسيسية التي تقوم عليها كل منظومة مقفلة إلهية كانت أو دكتاتورية. يقوم الرخص على نشر إيمان يقنع الناس أنهم رخيصون ولا يساوون شيئا على الإطلاق، وإن المجال الوحيد لهم ليكونوا شيئا هو في تعميم هذا الفراغ الذي يسكنهم ونشره ليصار بعد ذلك إلى خلق مكان الرّخص الحاضن لزمان الرّخص والإقامة الدائمة فيه.

المشهد الذي جرى مؤخرا في وسط بيروت حيث كان المتظاهرون الشيوعيون في معظمهم يطالبون بالدخول إلى ساحة النجمة، يؤكد على أن ما يسمى السلطة نجحت في خلق معادل مترهّل لها. بدا المشهد وكأن هناك حلفاً محكماً بين عجز السلطة وخواء الخطاب الشيوعي اليساري المطالب بالدخول إلى ساحة النجمة. السلطة العاجزة عن القمع الفعلي وغير القادرة عليه سمحت للمتظاهرين بالتعبير عن عجزهم عن تحقيق إنجازات فعلية وسمحت لهم بالدخول إلى ساحة النجمة. أهدتهم السلطة العاجزة انتصاراً وهمياً انطلاقا من فهمها لمنطق الرخص الذي جاء بها، والذي لا يشكل المتظاهرون سوى بعض جماهيره ومناصريه. أهدتهم انتصارا رخيصاً كان كافيا لتحقيق نشوة عارمة ولحظوية وآنية يأتي بعدها التراخي والانكفاء. هكذا كان فبعد احتلال ساحة النجمة وتحويلها إلى مكان رخيص يعكس زمان الرّخص لم يعد الخطاب المطلبي المتعلق بأزمة النفايات والكهرباء ومحاربة الفساد موجوداً وحيّاً. زمن الانتصارات لا يسأل عن التفاصيل ولا عن العناوين، بل هو عبارة عن نشوة متواصلة ومكتفية بذاتها لا تقبل التعب المنتج للأسئلة، ولا بإدراج الحماسات في سياق اجتماعي ما. هناك النشوة الخالصة فقط ومن يعارضها أو لا يحيا فيها سيكون خائنا وعميلا.

هناك فرق كبير بين الاستعادة والتحرير. من يعتبر المكان ملكاً له لا يتصرف معه بكل هذه العدائية التي وسمت تعاطي الشيوعيين الإلهيين مع المكان، بل يحرص على الحفاظ عليه باعتباره مقر العيش والذاكرة، ومسقط رأس الحميم والخاص القابل للتشارك. استعادة المكان التي رفعها الشيوعيون ومن معهم شعارا للعلاقة مع المكان تمثلت في جرّه إلى صيغة يكون فيها قابلا للإهدار والهتك. كانوا يقولون بوضوح إن هذا المكان ليس لنا ولن يكون لنا إلا بعد تحريره من عموميته وتحويله إلى مكان خاص بنا، يعكس دواخلنا وطموحاتنا الثورية المتماهية مع خطاب الحزب الإلهي.

هكذا وجدت السلطة نفسها مرتاحة ومطمئنة لأنّ ما كان يمكن أن يخيفها هو الخطاب العام الذي يمكن له في ظل تفاقم الأزمات المعيشية المباشرة أن يشكل حالة يمكنها كسر الولاءات الطائفية وتجاوزها. الخاص الذي جر الشيوعيون الحراك إليه تسبب في إعادة تمكين الولاءات الطائفية، ودفع الناس الذين كانوا قد وجدوا في شبكة المطالب المحقة الذي نادى بها الحراك إثر انطلاقه صدى لآمالهم وتطلعاتهم إلى الابتعاد عن النزول إلى الشارع. تجلى هذا الأمر في التناقص الهائل لأعداد المتظاهرين الذين كانوا قد وصلوا إلى حدود الستين ألفا في مظاهرة سابقة، ولكن عددهم مع حلول بركات الشيوعيين ونزعة خصخصة الشأن العام الذي حكمت منطقهم لم يتجاوز الثلاثة آلاف على أبعد تقدير. المكان وفق الترسيمة الجديدة عليه أن يكون ترجمة حرفية للتأويل الجديد للعلم اللبناني الذي أطلقه عضو كتلة الوفاء للمقاومة نواف الموسوي مؤخرا. الموسوي اعتبر أن الخطين الأحمرين في العلم اللبناني هما من دماء المقاومة، حيث يمثل الخط الأول دماء المقاومة التي بذلت في مواجهة العدو الصهيوني والخط الثاني الدماء التي بذلت في مواجهة التكفيريين.

هذه المعادلة الجديدة جعلت واحدية دماء المقاومة تلغي ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة السابقة. لم يعد هناك لا جيش ولا شعب بل فقط دماء المقاومة، وبما أن هذه الدماء حققت الانتصار على إسرائيل، وهي لا زالت تبذل من أجل تحقيق الانتصار على التكفيريين، فإن وزنها في الحياة اللبنانية الداخلية لن يكون أقل من التسليم للحزب ومن معه بالحق في السيطرة الكاملة على مقاليد الأمور. الحزب الشيوعي يحاول أن يكون له وجود ضمن الخريطة الجديدة التي يحاول حزب الله رسمها. يستجيب لمتطلبات الخريطة كما حددها الموسوي فيعمد إلى إعلان استعداده للمشاركة في قتال التكفيريين في سوريا دفاعا عن الرئيس العلماني بشار الأسد، ويدرج تاريخه في قتال إسرائيل في إطار دماء المقاومة التي ينطق حزب الله باسمها. هؤلاء التكفيريون المقصودون هم جميعا من الطائفة السنيّة، بل هم السنّة دون أيّ فرز. هكذا يهدي الحزب الشيوعي المنظومة الإلهية سلسلة من الهدايا. أبرز هذه الهدايا يتمثل في أن دخول حزب يوصف بالعلمانية على خط محاربة التكفير السنّي، يساهم بشكل كبير في رد تهمة الحرب الشيعية على السنّة ويجعلها حرب العلمانيين على التكفيريين. هكذا يمكن تأسيس ثلاثية جديدة، وهي ثلاثية الحلف العلماني ضد التكفيريين والتي تتألف من الحزب الشيوعي الإلهي، وبشار الأسد والرفيق بوتين.

هكذا يرسم حزب الله لنفسه مشهدا مخاتلا يبدو فيه وكأنه في خدمة العلمانية مع بقاء صيغة التكفير جاهزة لضم من يمكن للتطورات اللاحقة أن تضعه في موقف يتعارض مع مصالحه. هدية أخرى قدمها الحزب الشيوعي تتمثل في أنّه أقصى السنّة من المشاركة في الحراك، حيث بدا أن ما يجري هو استهداف لهم ولمرجعياتهم، إثر تحريم تناول رموز الشيعة من قبيل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أو رئيس المجلس النيابي نبيه بري تحت طائلة التعرض للاعتداء. هكذا تم إلغاء الاعتراض السنّي على المستقبل وعلى القيادات السنيّة حيث أنه لم يعد ممكنا تحت ظل عنوان تعرض الطائفة للهجوم. هذه الطريقة ضمنت القضاء على الصوت السنّي المحتج والمعارض والذي كان من شأنه أن يكون جزءا فاعلا من الحراك الشعبي. الشيوعيون يسعون لإدراج دماء شهدائهم وتاريخهم في بنية دماء المقاومة، كي يكون لهم حصة في جمهورية لبنان الجديدة التي سيحررها الحزب من أهلها ومن زمانها ومكانها، ويدخلها في زمان الرخص الثائر حيث يسود الإهدار التام لكل شيء.