علي الحسيني: بقايا يسار الوصاية السورية تسطو على الحراك/اميل خوري: ليست أزمة نظام ولا أزمة انتخاب رئيس إنما السلاح وتعذّر إقامة دولة قويّة عادلة/غسان حجار: النظام اللبناني متجذّر ولا خوف عليه

291

بقايا يسار الوصاية السورية تسطو على الحراك
علي الحسيني/المستقبل/22 أيلول/15
تحوّل الحراك في الشارع من حركة مطلبية أساسية تعبر عن تفاصيل مهمة من حياة الشعب اللبناني، إلى حركة إستغلالية تقوم على شعارات فضفاضة أكل الدهر عليها وشرب ولم تجر على البلد في الأصل سوى الخراب والويلات، تتخذ من المطالب الشعبية واجهة للإطلالة من خلفها بعدما نبذها الزمن ورماها خلفه مع خروج آخر عسكري يتبع لامرة نظام الوصاية السورية من لبنان. بقايا يسار الوصاية السورية وعلى رأسهم مَن تبقى من الحزب «الشيوعي»، قرروا استغلال المطالب الشعبية والسطو على التحركات في الشارع لصالح اجندات معروفة ما زالت ترى في لبنان بلدا غير قابل للحياة ولا للتطوير وتريد له ان يبقى تابعاً لا مستقلا والعودة به الى زمن التقاتل والتناحر وتقسيمه الى مناطق على احجامها. وجد «يسار« الوصاية السورية في تحركات الناس العفوية منفذاً جديداً للعودة إلى الظهور في شارع سبق ان لفظهم اكثر من مرّة، رافعين شعارات خارجة عن المألوف العام ومستبدلين الدعوات الى حل ازمة النفايات بمطالب اخرى تدعو الى اسقاط النظام وحل مجلسي الوزراء والنواب، مطلقين العنان لأغان ثورية ذكّرت اللبنانيين بزمن الخيبة والويلات التي لحقت بهم من جراء هذه الممارسات إضافة إلى الدعوات الى الانقلاب على الدولة واسقاطها من خلال احتلال المؤسسات العامة من دون تحديد البديل وكأن الفراغ وأخذ البلد إلى المجهول هو هدفهم المنشود. لم ينفك هذا «اليسار« عن تحويل وسط بيروت بشكل يومي إلى ساحة دامية وساحة صراع وحرب بين اللبنانيين وبين المتظاهرين أنفسهم، وذلك من خلال توجهات تقودها غرف سوداء وكأنهم في حالة بحث مستمرة عن قضية مطلبية ما، يستغلونها ليعبروا من خلالها على أوجاع الناس وفوق جراحهم وأوجاعهم لتحقيق مكتسبات خاصة. وهنا يُعبّر أحد رموز الحزب الشيوعي السابقين عن حالات التسلل بين صفوف المتظاهرين التي تقوم بها جماعة امين عام الحزب الشيوعي خالد حدادة على حد وصفه لهم، بالقول «هؤلاء يريدون ضرب الحراك بشتّى الطرق ويستغلون قضايا الناس ومطالبهم للظهور مجددا في الشارع وللقول بأنهم ما يزالون يتمتعون بحيثيات ومكانة بين الناس». ويتابع: نحن كنا نشارك في جزء من تحركات في الشارع، لكن تحت مطلب الدعوة الى اجراء انتخابات نيابية وهو امر يجتمع عليه كل الشعب اللبناني، ولكن جماعة يسار الوصاية السورية سرقوا مطالب الناس واعتدوا على شعارات مطلبية محقة لصالح شعارات زائفة تحمل نفس النظام السوري. ومن ذهب منذ فترة الى سوريا تحت جنح الظلام للقاء الاسد وعاد بمشروع جديد عنوانه «المقاومة» عند الحدود اللبنانية السورية وقام باخراج مقاطع مصورة تظهر عناصره المسلحة في الجرود لحماية نظام بشار، لا يحق له النزول إلى وسط العاصمة والمطالبة بإسقاط النظام اللبناني ونسفه». من مساوئ استغلال الحراك، ظهور وجوه على الساحات مجدداً بعدما كانت الناس قد نسيتها وكانت تنشط في مجال اعداد التقارير الامنية لصالح المخابرات السورية في زمن الوصاية. رموز ذكرت بزمن الفوضى وتفلّت السلاح وبزمن الإنقلابات. خالد حدادة، شربل نحاس وزاهر الخطيب ونجاح واكيم وغيرهم من الذين سبقهم تاريخهم إلى الساحة. أسماء لمعت في زمن الحرب وهم من امرائها، عادت اليوم لتنكأ الجراح وتقلب مواجع الناس خصوصا وأن جزءاً من الذين نزلوا الى الشارع لهم مع كل شخص من هؤلاء حكاية تذكر بقتل شقيق وخطف اخ وإعدام جار.
الشيوعي السابق نفسه يُنهي كلامه حول من اسماهم بـ»اليسار المتسلّق» او «يسار حدادة»: «ثمة صاعدون على اكتاف اليسار القديم أوقعوا انفسهم في فخ المزايدات، فعلقوا بين مطالب التغيير على الطريقة الديموقراطية وبين براثن سياسيين هم في الأصل تملّقوا مواقفهم حتى صعدوا مواقعهم حتى ضاعت مطالبهم بين دعوات التحريض ومشاهد الدماء التي سالت على الأرض وعلى أسرّة المستشفيات، والأمرّ من هذا كله أنهم شاهدوا وسمعوا بالصوت والصورة هتافات مذهبت الحراك وجيّرته وكأنهم يُعطون من خلال الشعارات التي يُطلقونها كلمة السر للنظام السوري للعودة الى لبنان من النافذة بعدما لفظناهم من الباب العريض». عبثاً يحاول يسار الوصاية السورية ركوب موجة التحضر، فهو يُصرّ على التبعية. يبحث عن تغرة ينفذ عبرها الى الواجهة لكنه سرعان ما يكتشف بأن الصفوف الخلفية تليق به أكثر.

 

النظام اللبناني متجذّر ولا خوف عليه
غسان حجار/النهار/22 أيلول 2015
كتبت الأسبوع الماضي عن الأسباب المجتمعة التي تحاصر الحراك المدني وتساهم تدريجاً في إضعافه وصولاً الى القضاء عليه. ليس الهدف الانتقاص من قيمة الحراك الذي ما زلت أؤيده، وأثمن حيوية المشاركين فيه وإن تعددت أهدافهم ومشاربهم، فأنا أنظر الى الجانب الإيجابي فيه وهو تحريك المياه الراكدة في المستنقع اللبناني، ورفع الصوت ضدّ منظومة الفساد التي استفحلت وتضاعفت وازدادت وقاحة مرتكبيها. فإعلان رفض واقع إغراقنا في النفايات جاء نتيجة إهمال البعض وتواطؤ البعض الآخر في صفقات مشبوهة يتشارك فيها أكثر من طرف، ولا يجرؤ أي طرف، ولو ادعى العفة، على فضح الآخرين، في ما يشبه الاتفاق على تقاسم السلطة والكراسي والمغانم… هذا الحراك، وإن وقع في أخطاء، مقصودة وغير مقصودة، أو ركب موجته البعض ممّن طواهم الزمن، يبقى دليلاً الى أن “شعب الفينيق” لا يستسلم ولا يرضخ لواقع مرّ ولو استمر دهراً. لكن الحقيقة ان الحراك الذي يجمع عشرات الآلاف، وأكثر بكثير من الذين ينزلون الى الشارع، لا يبلغ عددياً ما يوازي الموالين لهذا النظام والمتمسكين به. فالنظام، الذي نشتمه ويدعو البعض عبثاً الى إسقاطه، يحرص كثيرون عليه، ويخافون تغييره. هذا النظام يوافق الأحزاب السياسية في معظمها لأنها تتقاسم الحصص فيه، وفي المواقع النيابية والوزارية والوظائف العامة، ولولا هذه المكاسب لهجرها مناصروها وأكثرهم لا مبدأ لهم سوى انتماء غريزي مذهبي طائفي أو مصلحي. ويوافق النظام معظم الزعماء والمسؤولين لأن النظام الانتخابي الطائفي يساعدهم في التربع على مقاعدهم ويوفر لهم توريث أبنائهم من بعدهم. وبقاؤهم في السلطة يضمن لهم ولعائلاتهم سلسلة من الامتيازات والخدمات، ويفتح لنسائهم الصناديق لتنظيم المؤتمرات والاعمال “الخيرية”. والنظام اللبناني يوافق الطوائف والمذاهب، وأربابها الأقوياء الى حد كبير، لأنهم يؤثرون في مجمل الحياة العامة، وهم يفيدون من ترك الدولة أمور العباد لهم يتحكمون بها إنسانياً ومالياً، كما يتمتّعون بامتيازات مالية واجتماعية تفوق ما هو لأي مواطن آخر. والنظام الحالي بفساده ورشاواه يفيد كبار التجار والصناعيين وأصحاب المصارف لأنه يساعدهم في التهرّب من الضرائب والرسوم، ويوزع عليهم أرباح سندات الخزينة والمناقصات وغيرها في شبكة مقفلة يصعب اختراقها. والنظام عينه يفيد أمنيين كباراً، فيحفظ رؤوسهم ويضمن ترقياتهم ويمنع محاسبتهم على أخطاء يرتكبونها عمداً بتوزيع ولاءاتهم على السياسيين. والنظام إياه يفيد موظفي الدولة إذ يمنع صرف أي واحد منهم مهما ارتكب من أخطاء، ويحول دون معاقبة أحد محمي من زعيم أو طائفة. من يكون إذن ضد النظام الحالي؟ علمانيون ومواطنون عاديون لا حول لهم ولا قوة، كلما تحركوا تألبت عليهم كل فئات المتضررين منهم، والمنتفعين من النظام، والخائفين من كل تغيير، لقمعهم، وغالباً ما تنجح حركتهم.

 

ليست أزمة نظام ولا أزمة انتخاب رئيس إنما السلاح وتعذّر إقامة دولة قويّة عادلة
اميل خوري/النهار/22 أيلول 2015
قبل سنوات قال وزير الخارجية سابقاً فؤاد بطرس عندما كان لبنان يواجه أزمة انتخابات رئاسية: “إن موضوع الرئاسة المطروح راهناً ليس سوى مظهر من مظاهر الأزمة الأساسية اللبنانية التي هي أعمق بكثير من هذا، ورئاسة الجمهورية ليست سوى وجه من أوجهها، ومعالجة موضوع الرئاسة بمعزل عن كل شيء آخر هي في الحقيقة نوع من تهرّب من معالجة الأساس، لكن الوقت داهم ولا بد من معالجة هذا الموضوع، وأتمنى أن يتفقوا على شيء مقبول لا على شيء مبني على الخيانة”… إن ما قاله الوزير بطرس قبل سنوات يصح قوله اليوم في أزمة انتخابات رئاسية أشد من أي أزمة سابقة، فلا يكفي أن يكون للبنان رؤساء وحكومات ومجالس نيابية إذا لم تكن فيه دولة لا دولة سواها، فمنذ السبعينات ولبنان تحكمه ميليشيات لبنانية وغير لبنانية الى جانب دولة صورية ضعيفة لا هيبة لها لفترة دامت 15 سنة، أو وصايات مباشرة أو غير مباشرة كان أبرزها الوصاية السورية التي دامت 30 سنة. فهل يتعلم القادة في لبنان دروساً من الماضي ويتفقون على إقامة دولة سيدة حرة مستقلة، فلا يظل لبنان محكوماً من الخارج وكأن القادة فيه لم يبلغوا بعد سن الرشد؟ إن اللبنانيّين كانوا يأملون في أن يروا قيام دولة قوية قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها بعد انتهاء الوصاية السورية، وإذ بسلاح “حزب الله” يعرقل قيام هذه الدولة ويفعل ما فعله السلاح الفلسطيني بإقامة دولة ضمن الدولة. لذلك فإن الأزمة في لبنان ليست أزمة انتخابات رئاسية فقط، ولا هي انتخابات نيابية، ولا هي أزمة نظام، إنما هي أزمة سلاح خارج الدولة. فما لم يتم التوصل إلى حل لها فلن تقوم في لبنان دولة لا دولة سواها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، بل يكون رئيسها شبه رئيس والحكومة شبه حكومة ومجلس نواب لا يستطيع ان يحاسب مرتكباً ومختلساً إذا كان يحظى بغطاء سياسي او حزبي او مذهبي أو يحميه سلاح. هذا الوضع الشاذ يعيشه لبنان منذ عام 2005 بعدما عاشه قبلاً في ظل السلاح الفلسطيني ثم في ظل الوصاية السورية، واليوم في ظل سلاح “حزب الله”. والسؤال المطروح هو: هل سيكون في استطاعة لبنان الخروج من الوضع الشاذ إذا ما انتُخب رئيس للجمهورية وتشكلت حكومة جديدة واجريت انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس ربما بوجوه جديدة؟ وهل ستقوم الدولة القوية القادرة والعادلة التي تخرج لبنان نهائياً من الوضع الشاذ؟ الواقع ان القرار ليس للقادة وحدهم في لبنان انما هو لخارج يفيد من انقساماتهم ويلعب على تناقضاتهم، وهذا الخارج هو اليوم إيران تحديداً كما كان من قبل سوريا ومصر عبد الناصر. فإذا كانت ايران تريد في لبنان دولة قوية قادرة وعادلة فما عليها سوى ان تطلب من “حزب الله” تسليم سلاحه للدولة، أو أقله وضع هذا السلاح في كنفها كما فعلت سوريا عندما خضع لبنان لوصايتها بسلاح الميليشيات اللبنانية، لكنها استثنت لحسابات خاصة بها السلاح الفلسطيني في المخيمات، وما كان خارجها رحّلته مع حامليه الى تونس. لكن هذا السلاح كان تحت سيطرة الوصاية السورية وليس تحت سيطرة الدولة اللبنانية المستعارة، وكان ابقاء هذا السلاح وسيلة تخويف اللبنانيين به لتبقى الوصاية الى أجل غير معروف. والسؤال الذي يحتاج الى جواب ولا سيما من ايران، ليس انتخاب رئيس للجمهورية فقط ولا تشكيل حكومة جديدة، ولا حتى اجراء انتخابات نيابية، انما هل ان الدولة الشقيقة والصديقة مستعدة لان تساعد لبنان على اقامة دولة قوية فيه قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها، ولا يكون قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، ام انها تريد ان تبقى فيه دولة داخل دولة ما دام لها مصلحة في ذلك، وان يبقى الامن فيها مستعاراً والدولة شبه دولة؟ إن اللبنانيين ينتظرون كلمة ايران تحديدا لمعرفة ما اذا كان سلوكها بعد الاتفاق النووي هو غير سلوكها ما قبله كي يكون لانتخاب رئيس للجمهورية معنى مع قيام الدولة، او يبقى من دون معنى ولا مبنى اذا لم تقم هذه الدولة.