نبيل بومنصف: عن حوار خشبي/علي الأمين: فساد بسمنة وفساد بزيت والحل: كلن يعني كلن/عبدالعزيز التويجري: التحالف الروسي – الإيراني في سورية وتخاذل الغرب

438

عن حوار خشبي
نبيل بومنصف/النهار/18 أيلول 2015
ثمة كثير من اللامنطقي الذي لا يبرر مما يطغى غالباً على كل تمرد غاضب كذاك الذي يتصاعد حالياً في شوراع بيروت وساحات وسطها، ولا غرابة في الأمر أمام تحرك احتجاجي لم يبلغ من نشأته شهراً ولا يملك سلاحاً امضى من الرفض للرفض. ومع ذلك ترانا نحار اكثر أمام مشهد الحواريين في مجلس النواب وهم يخرجون على الناس عقب انفجار العنف بالطريقة التي حصلت الأربعاء الماضي بلغة خشبية تستفز أي لبناني، متظاهراً كان أم قابعاً في بيته متوجساً من منقلب يجتاح البلاد بلا أي أفق. بصراحة، لم يعد ممكناً احتمال تلك القواعد المتكلسة في سلوكيات سياسية تتفرج على الانهيارات المتدحرجة بعقل القواعد الكلاسيكية السائدة وترفض الالتفات إلى الغليان المتصاعد مهما ساد التحرك الاحتجاجي من شوائب واندساسات مزعومة أو حقيقية. الأمر يتصل بالتخاطب مع العقل العاقل للبنانيين الذي لم يعد يحتمل بدوره هذا الاستعلاء الفارغ في اللغة السياسية. كل ما صدر عن جولتين للحوار حتى الآن لا يقيم أي اعتبار للعقل الرازح تحت وطأة الخوف من انهيار لبنان بكل مقوماته. فماذا تراهم قالوا ويقولون حين يستفزونك بأنهم مارسوا العصف الفكري العقيم في أزمة الفراغ الرئاسي فيما تدور على بعد امتار منهم معارك زجت فيها القوى الأمنية والجماعات الاحتجاجية في الموقع الخاطئ والهدف الخاطئ. ماذا تراهم سيتكلفون لو تتنازلوا وارسلوا رسالة إلى الناس تنبئ برفضهم تحويل محطات الحوار مواعيد للمواجهات بين لبنانيين، امنيين ومدنيين؟ “لاقيني ولا تطعميني” يقول المثل القروي فكيف بزحف الفقر والافقار والغضب الذي بدأ يتساوى معه جميع اللبنانيين بكل قطاعاتهم؟ ألم تسمعوا صرخة الهيئات الاقتصادية بالأمس ومدى الذعر الذي يتملكها على وسط بيروت الذي يتهدده اليباس والهجرة؟ وما الفارق بين صرخة الاقتصاديين والناشطين الاحتجاجيين، وحتى من موقعين متصادمين، حين لا يجمع بينهم سوى الصراخ على السياسيين؟ وهل تراه احد يتملكه الوهم في ان الانهيارات لن تأتي الا تسلسلية متعاقبة صارخة متى افلت زمام الاستقرار من آخر معاقله؟
هذا الحوار الجاري في ساحة النجمة قد يكون امراً لازماً ما دام الموقع الطبيعي للحوار في عمل مجلس النواب وانتظامه معطلاً وما دامت الحكومة شلت تماما. ولكنه محكوم حتماً بالعقم ما دام لا يتفاعل مع اللحظة الحارة الشديدة التوهج والخطورة. هذا الحوار يختصر المؤسسات ما دام يقيم نفسه بديلاً من مؤسسات عطلت بفعل فاعلين يجلسون وراء طاولة الحوار اياها. ولذا من غير المقبول أو المسموح ان يصم آذانه عن قرقعة المواجهات المؤلمة والمؤسفة والمرفوضة بين لبنانيين. هذا الاعتمال هو البند الاستثنائي الأول في حواركم وإلا فاعفونا من محطات العراك على الأقل.

«فساد بسمنة وفساد بزيت» والحل: «كلن يعني كلن»
علي الأمين/جنوبية/17 سبتمبر، 2015
الحراك المدني فتح نافذة أمل على امكانية الخروج من حلقة التدهور السياسي والاجتماعي. فهو اظهر ان لبنان ما يزال يضم من يتنفس وينبض قلبه خارج البنى الاجتماعية الطائفية التي ترسخت في الحياة اللبنانية بشكل مدروس وراسخ. والسمة الشبابية التي ميزت الحركة الاعتراضية في الشارع لم تكن الوحيدة، بل بدت السمة المدنية والحقوقية عنصرين مميّزين لها اذا ما قيست باحتجاجات مطلبية تركزت في قطاعات محددة او قضايا تخصّ فئة من المواطنين.
لقد فتح الحراك نافذة ضوء لامكانية مكافحة الفساد والحدّ منه، ولاحداث هزة في معادلة السلطة لجهة الالتزام بالدستور والقانون. وهو حقق نجاحات مهمة على صعيد فرض مقاربة جديدة على جدول أعمال الحكومة في ما يتصل بموضوع النفايات حتى الآن. وهو الى ذلك ايضاً أثار مخاوف لدى السلطة السياسية مجتمعة من ظاهرته ومن احتمال تطورها. مخاوف لم تصل الى حدّ يجعل السلطة السياسية تتحسس مخاوف وجودية. وهذا ما دفع طرفي الانقسام في السلطة عفويا الى التشكيك بالحراك وإلصاق الاتهامات بالناشطين فيه. فتقاسم الطرفان التصويب على الحراك كل من زاوية اختارها وبنى عليها وسيلة دفاعه الذي تطور الى هجوم غايته انهاء الحراك.
وفي الدلالة على هذا التضام تفادى الطرفان، في زخم الحراك، الهجومات المتبادلة والمعتادة التي ملّها اللبنانيون. اذ لم تشهد المنابر الاعلامية والسياسية ايّ فتح لملفات الفساد المتبادلة، وتحولت المنابر الاعلامية الحزبية الى منابر للتصويب على الحراك المدني بطريقة خبيثة، عبر التسليم بمطالب المتظاهرين المحقة، لكن مرفقة بتشكيك بالاهداف وبالغايات المضمرة وما الى ذلك من اطلاق سهام تحاول ان توقع الحراك… ولو في اذهان الناس، في موقع اللعبة التآمرية على البلد.
قوة السلطة تكمن في المحاصصة التي لا يخل بها الانقسام وتجذيره بين اطراف المعادلة السياسية، بل ربما هو شرط استمرار نظام المحاصصة وقوته ومصدر من مصادر الاستقطاب وحصر اللعبة السياسية بين ثنائية تستبد ودولة تتجوف. من هنا كان الحراك المدني ردة فعل على عبثية الانقسام السياسي القائم وعلى دائرته المغلقة والمدمرة للدولة، عبر محاولة دخولها كطرف جديد على هذه المعادلة. من هنا بدأت معركة جرّ الحراك الى هذه الدائرة ومحاولة تطويعه بمحاولة إيقاعه في لوثة الانقسام السياسي، لأنه شكل بداية لتأسيس خطاب سياسي جديد مرشح أن يفرض مفرداته في المرحلة المقبلة. فقد بدت مخيفة مكافحة الفساد والشفافية، ومحاولة جادة لاثبات حضور لبناني في المجال العام وفي الشارع خارج القيد الطائفي او الآذاري.
على أنّ الحراك المدني لم ينجُ تماما من امراض الانقسام السياسي. ولأن تحالف اطراف السلطة هو تحالف موضوعي، نجح اطرافه بمنع انزياح جزء من الجمهور باتجاه الحراك. فقد بدا للكثيرين ان معايير الشعارات التي رفعت في الحراك وفي مسيراته لم تكن على قدر واحد من الجرأة. لذا طرحت في وجهه مقولات من قبيل “انكم تتجرؤون على السراي وتخافون من الاقتراب من مجلس النواب، تستطيعون ان تنالوا من كل رموز 14 آذار فيما تحاذرون المسّ بكل رموز 8 اذار”. وفيما كان التصعيد في لغة الشعارات يأخذ منحى على حساب تهميش منحى آخر لا سيما في تناول ملفات الفساد، سهُل افقاد الحراك القدرة على اجتذاب فئات مترددة استسلمت الى الشكوك وتبنت اتهامات اطراف السلطة له.
في يوم جلسة الحوار الثانية الاربعاء جمعت السلطة كامل اوراقها التي تملكها وانقضت على المتظاهرين في محاولة للقضاء على الحراك، مستفيدة من تراجع الالتفاف الشعبي حوله. فوجهت ضربتين في آن واحد: واحدة من خلال القمع المباشر واعتقال اكثر من ثلاثين شاباً، والثانية بمحاولة اظهار عجز الحراك عن مواجهة الميليشيوية المحمية من السلطة، من خلال الاعتداء الذي قام به انصار الرئيس نبيه بري على المعتصمين امام وزارة البيئة. اعتداء بذريعة تعرض بعض المعتصمين في شعاراته لشخص الرئيس بري، وتمّ ذلك تحت انظار القوى الامنية وربما اشرافها.
هذه الحادثة تجعل الحراك امام تحدي إعادة الثقة مع جمهور 29 آب وغيرهم، وسط مؤشرات تدل على ان اقطاب السلطة لن يسمحوا باستمراره ونموه. فاللبنانيون الذين حفظوا عن ظهر قلب ان الفساد في الدولة هو اساس نظام المحاصصة، يتوقعون من الحراك المدني ان يبقى محصّنا من الانزلاق في متاهة الانقسام السياسي في السلطة. وهذا بالضرورة يتطلب بداية اعادة الاعتبار الى شعار “كلن يعني كلن”… وسوى ذلك سيبدو الحراك في احسن الأحوال وكأنه يستقوي على طرف فيستطيع ان يكيل له الشتائم ويوجه له سهام الاتهام، ويقف مذعورا أمام طرف آخر يحاذر منه خوفا من بطشه.. يعنيى باختصار “فساد بسمنة وفساد بزيت”، فيما السلطة تظهر كل يوم تضامنها حول نظام مصالحها على حساب الدولة والدستور والقانون.

التحالف الروسي – الإيراني في سورية وتخاذل الغرب
عبدالعزيز التويجري/الحياة/18 أيلول/15
منذ بداية ثورة الشعب السوري على ديكتاتورية النظام الطائفي، الذي جثم على صدره أكثر من أربعين عاماً، وقفت روسيا وإيران بكل إمكاناتهما إلى جانب هذا النظام، حيث تم تزويده بالمال والسلاح والخبراء العسكريين والمقاتلين من إيران وحزب الله اللبناني وغيرهما. ودخل النظام العراقي الذي تهيمن عليه إيران، في هذه المؤازرة مقدماً هو أيضاً دعماً مالياً كبيراً، ومرسلاً الميليشيات الطائفية مثل عصائب أهل الحق ولواء أبي الفضل العباس للقتال مع جنود النظام، وفاتحاً مجاله الجوي للطائرات الإيرانية لتمدّ النظام بما يحتاجه من عتاد ومقاتلين. وأمام هذا التدخل السافر من روسيا وإيران والعراق إلى جانب النظام في سورية، وقفت الدول الغربية موقفاً ضعيفاً ومخادعاً، ما أتاح له أن يواصل قتل شعبه وتدمير مدن وقرى سورية، واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً من دون عقاب أو عتاب. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل أصرّت روسيا على منع إصدار أي قرار من مجلس الأمن الدولي يدين النظام السوري ويسمح بمعاقبته، مستخدمةً حق النقض مراراً.
بفضل هذا الدعم السياسي والعسكري والمالي غير المحدود، استمرت معاناة الشعب السوري، وزادت أعداد القتلى والجرحى والمهجرين، وتفاقم حجم الدمار الذي لحق بالمدن والقرى وطاول الآثار والمعالم الحضارية والمساجد، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من 400 ألف كثير منهم أطفال ونساء وشيوخ، وعدد المهجرين واللاجئين أكثر من 10 ملايين تتوزّعهم مخيمات وبلدان مختلفة، ويغرق كثر منهم في مياه البحر المتوسط في مشهد محزن رهيب. وفي خضم مأساة الشعب السوري، ظهرت تنظيمات إرهابية مشبوهة المنشأ، كـ «داعش» الذي صرف أنظار العالم عن جرائم النظام الطائفي بجرائمه البشعة، والذي وجّه نيرانه إلى فصائل الثوار السوريين فأضعف قوتهم ومزّق صفوفهم، وكأنه صُنع لقتالهم وليس لقتال النظام ومن يدعمه. بل إنه عمل على استهداف دول خليجية ففجٰر فيها المساجد وقتل الأبرياء وأعلن مراراً أن هدفه أبعد من العراق وسورية. واليوم، تكشف روسيا ما تبقّى من أقنعة عن وجهها، فترسل طائراتها العسكرية وبوارجها حاملة أنواعاً جديدة من الأسلحة الفتاكة وجنوداً وخبراء عسكريين، وتبدأ في إنشاء قاعدة جوية في مطار حميميم في اللاذقية، بل وتعلن إصرارها على بقاء رئيس تلطّخت يداه بدماء مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري، وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في تحدٍّ سافر للقانون الدولي والقيم والمبادئ الإنسانية.
أما ردة فعل أميركا وحلفائها الغربيين تجاه هذه التطورات الخطيرة والمنازلة الروسية المتحدية، فلم تتجاوز عبارات التحذير من خطورة الموقف والتبشير بفشل روسيا في ما أقدمت عليه. ويبدو أن حرص الرئيس أوباما وحلفائه على إتمام الاتفاق النووي مع إيران الذي عملوا على إنجازه وقتاً طويلاً، هو الذي يجعل موقفهم من التطورات الجديدة في سورية ضعيفاً وغير متكافئ مع خطورة الوضع وما ستؤول إليه الأمور لاحقاً. فروسيا حريصة على التمسّك بنفوذها في سورية، الذي استثمرت فيه أموالاً طائلة ولن تتنازل عنه. وإيران تستغل حاجة الغرب إلى أموالها وأسواقها ومشروعاتها المغرية، فتعمد إلى المناورة بجانب روسيا، حليفتها في دعم نظام الأسد، لتفرضا رؤية النظام بأنّ ما يجري في سورية هو حرب على الإرهاب، وأن نظام الأسد هو الأقدر على مواجهة هذا الإرهاب. وهذه خدعة كبيرة تم الترويج لها بكل خبث، فالتنظيمات الإرهابية لم تظهر في المشهد السوري إلا بعد أن كادت قوى الثورة السورية أن تسقط النظام القمعي الديكتاتوري، لذلك فظهورها في ذلك الوقت كان أمراً مشبوهاً، كما أن بقاءها وتمدّدها حتى الآن أمر مشبوه. ومهما يكن من أمر، فالانغماس الروسي في المستنقع السوري ستكون له نتائج عكسية على المديين القريب والبعيد، لأنه سيستفزّ أعداداً كبيرة من المسلمين المؤيدين لثورة الشعب السوري والمتعاطفين معه في مأساته المستمرة، الذين سيرون في هذا الانغماس احتلالاً روسياً لبلد مسلم كما كان الأمر في أفغانستان من قبل، ما سيدفع أعداداً كبيرة منهم إلى الانضمام إلى التنظيمات المقاتلة في سورية على اختلاف أشكالها. وستصبح المنطقة ساحة لصراعات أكبر وأكثر خطورة تهدّد السلم والأمن الدوليين، وربما تقود في وقت لاحق إلى مواجهة روسية – غربية عندما يأتي إلى البيت الأبيض جورج بوش جديد. وفي كل الأحوال، فإن الخاسر الأكبر في هذه المأساة هو الشعب السوري الذي فقد وطنه وشُرّد في أنحاء الأرض، والعرب الذين بضعفهم وتفكّكهم سمحوا لإيران وروسيا بأن تغزوا عدداً من بلدانهم، وأن يكون لهما قولٌ في شؤونهم. فهم اليوم كالأيتام على مأدبة اللئام.