نبيل بومنصف: قبل تعميم الانهيارات/موناليزا فريحة: روسيا وإيران تتقاسمان سوريا/علي نون: منطق الفشل/وسام سعادة: لا حلول شاملة للأزمة الشاملة والشارع أكورديون

409

قبل تعميم الانهيارات!
نبيل بومنصف/النهار/16 أيلول 2015
لا ندري ماذا تخبئ جولات الحوار في مجلس النواب من معطيات تحمل القدرة على انعاش الرهان الميت على لبننة خالصة لأزمة الفراغ الرئاسي من شأنها أن تضع حداً للتلاشي المتسارع للجمهورية، دولة ومؤسسات ومجتمعاً سواء بسواء. ولكن على رغم العتمة التي تغلف كل افق ممكن لانتخاب رئيس الجمهورية في المدى المنظور سيرتب انهيار التجربة الحوارية الطالعة تبعات شديدة الخطورة خصوصاً وسط انفجار الازمة الاجتماعية مما لا نظن أن احداً يخفى عليه معنى هذا الانهيار ما لم يخرج الحوار بشيء ما يحدث ثغرة في الواقع المحتقن. يكفي للدلالة على حراجة المعترك الذي يظلل جولات الحوار النظر الى مسائل شكلية ورمزية تواكب هذه الجولات قبل التوغل في دلالات المأزق السياسي. يتحول وسط بيروت الى قلعة امنية حصينة في بقعة امنية تطوق مجلس النواب، وتتحول الساحات اللصيقة الى مسارح للعن الطبقة السياسية وشيطنتها بما لا سابق له. هذه المبارزة لا تحتمل ترف الاطالة في الحوار متى تبين أن “النقاش” الرئاسي لن يغادر المربع المنبري العقيم الذي يستنزف الوقت من دون طائل والذي من شأنه كذلك أن يقضي قضاء مبرماً هذه المرة على “مؤسسة” الحوار الرديفة لمجلسي النواب والوزراء. قد يصح أن “المؤسسة السياسية” برمتها لا تستشعر خطراً فوق العادة في تهاديها على وقع الجولات المتعاقبة على خلفية تأهيل المناخ السياسي الداخلي لتلقي ذاك الشيء الموعود الآتي مع تحولات المنطقة حاملاً معه رياح الحل للأزمة الرئاسية اللبنانية. ولكنه “سمك في البحر” واقعياً لان شيئاً مما يجري الآن في المنطقة لا يشكل ضمان الحد الادنى حيال اقتراب لبنان من أن يغدو اولوية في اجندات الكبار الدوليين والاقليميين. وتبعاً لذلك يقترب لبنان بسرعة من مفارقة ستعمم الخسائر والانهيارات في كل الاتجاهات. لا “السلطة الحاكمة” حاكمة ولا الشارع المعتمل بالسخط والنقمة قادر على التغيير. وكما الحكومة والمجلس صارا في نهايات خط العجز ليس ثمة ما يشكل ضماناً للشارع من أن يبلغ مصيراً مماثلاً في الاستنزاف متى تمادى التحرك الاحتجاجي من دون أن يقترن تحركه بنتائج حقيقية وعاجلة اقله على صعيد حمل السلطة فعلاً على حل بعض الازمات الاجتماعية الاكثر ايلاماً للناس. بذلك سيكون الحوار امام مسؤولية تنافس في اولويتها المسألة الرئاسية على الاهمية الحاسمة لهذه الازمة وهي مسؤولية فتح ثغرة ولو محدودة في الواقع المؤسساتي المختنق. لن يكون الامر هنا خاضعاً للحسابات الطوائفية اطلاقاً لانه يعني الهرولة قدماً نحو مقتلة سياسية اذا كان ما سيلي الحوار كما سبقه بل أسوأ. اقله سيملي الامر”تواضعا” يبدأ باعادة الاعتبار الى حكومة معطلة ومجلس متبطل يقف عند مشارف دورته العادية عاجزاً عن تبرير رواتب اعضائه.

روسيا وإيران تتقاسمان سوريا
موناليزا فريحة/النهار/16 أيلول 2015
الجهد الذي بذلته روسيا لإتمام الاتفاق النووي في طهران كان لافتاً. في ذروة مواجهتها المفتوحة مع الغرب في أوكرانيا، لم تخرج عن الاجماع في مجموعة 5+1. حتى أن الرئيس باراك أوباما بدا ممتناً لموسكو لتذليلها العقبات التي كانت تهدد المفاوضات. الواضح أن موسكو كانت تخطط لمشاريعها الخاصة في الشرق الاوسط. مشاريع تذهب أبعد من صفقات الاسلحة مع طهران، ورفع العزلة الدولية عنها. الزخم الروسي الجديد في اتجاه سوريا بدأ عقب انجاز الاتفاق النووي. وتشير التقارير الى أن شحنات الاسلحة براً وبحراً تكثفت مطلع آب. وما يسترعي الانتباه أن التعزيزات العسكرية تزامنت أيضاً مع الحراك الديبلوماسي الروسي في اتجاه المنطقة ومحاولتها تسويق مبادرتها لتحالف اقليمي واسع ضد المتشددين. مثل هذا التناقض يدل على أن الحل السياسي الذي كانت تتحدث عنه موسكو لم يكن جديراً بإرجاء مساعداتها العسكرية للنظام. تسعى روسيا حاليا الى ضمان مصالحها ومصالح طهران في سوريا بعدما شعرت بأن النظام السوري لم يعد قادراً على ذلك. هدفها كان ولا يزال الحفاظ على نظام صديق يضمن لها الوصول الى الساحل السوري حيث القاعدة الروسية الوحيدة على المتوسط. وجهودها الراهنة ترمي أيضاً الى ضمان مصالح طهران في سوريا وجنوب لبنان. التعزيزات الروسية المباشرة تصب في المناطق الخاضعة لسيطرة طهران، على الساحل الغربي الذي تقطنه غالبية علوية، اضافة الى المناطق القريبة من جنوب لبنان. عرض القوة الروسية قد يكون الاكبر من نوعه في المنطقة منذ عقود. الخبير في الشؤون الروسية العسكرية في “المجلس الاميركي للسياسة الخارجية” ستيفن بلانك شبه التعزيزات الروسية في سوريا بالوجود السوفياتي في مصر في سبعينات القرن الماضي. حدود التعاون بين موسكو وطهران في سوريا ترتسم تدريجاً. الثابت أن ثمة تقاطعا كبيرا للمصالح بين الجانبين ومعهما “حزب الله”. موسكو تستفيد من خبرات طهران الموجودة في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات. والاجواء الايرانية وفرت لها ممرا الى سوريا بعدما ضغطت واشنطن على بلغاريا لإقفال “الطريق السريع” أمام طائراتها. والعراق الذي يستعين بمستشارين أميركيين لمواجهة “الدولة الاسلامية”، حصل ايضاً على مساعدات ايرانية كبيرة وهو يشتري اسلحة من موسكو. لذا فهو ليس في موقع قوي يتيح له منع موسكو من استخدام أجوائه. تتحرك روسيا وايران في الاتجاه نفسه في سوريا. تصعيدهما في سوريا يدفع النزاع الى مستوى جديد من المواجهة والعنف ويؤذن على الارجح بموجة جديدة من الجهاديين الى سوريا. تُرى هل يكتفي الغرب والعرب بعدّ الطائرات الروسية المتجهة الى سوريا والمراهنة على تغيير ايران سلوكها في المنطقة؟

منطق الفشل
علي نون/المستقبل/16 أيلول/15
الجملة الوحيدة المباشرة التي قالها الرئيس الأميركي باراك أوباما تعليقاً على الخطوات التسليحية الروسية لبقايا سلطة بشار الأسد، كانت أن تلك الخطوات «آيلة الى الفشل». لكن موسكو في مكان آخر.. وكل كلامها، وآخره على لسان فلاديمير بوتين أمس تحديداً، يدل على أنها فتحت باباً للشر ولن تقفله بالهيّن. وهي في ذلك، تقول للرئيس الأميركي، ان سياستها المستجدة التي يتوقع فشلها، ليست في الواقع إلا ترجمة لفشله هو في سوريا! وفشل سياسة الانكفاء التي يعتمدها.. ومقارباته غير المتماشية مع الدور الأميركي، وثقله وتأثيراته وضروراته في معظم المناطق الحارة في العالم، وخصوصاً في العراق وسوريا.
ويمكن لموسكو أن تقول ما تشاء ثم أن تفعل ما تشاء، استناداً الى سياسات أوباما نفسه! قبل أن تستند الى استراتيجية القيصر بوتين الباحث بدأب عن اعادة بناء الحيثية التاريخية التي كانت لبلاده في العالم.. وهي (أي موسكو) في ذلك تصدق القول، ولا تبلف! ولا تبني على وهم انما على حقائق المشهد كما هو عليه من دون أي اضافات. كثيرون جادلوا منذ انطلاق العهد الأوبامي، بأن خطورة استراتيجية الانسحاب من حروب جورج بوش تكمن في انها تستجيب لمتطلبات معالجة الأزمات المالية والاقتصادية الأميركية التي كانت تلك الحروب جزءاً من أسبابها، لكنها في المقابل تفتح الباب أمام انفلات صراعات كثيرة واعادة إحياء مفاهيم الحرب الباردة وآلياتها ومتطلباتها بما يوصل في نهاية المطاف، الى أزمات لا تقل خطورة عن تلك التي أوجدتها سياسة بوش الابن! عدا عن انها يمكن أن توصل الى تورّط غير مطلوب، في نزاعات مباشرة أخطر من تلك التي انخرط فيها السلف الجمهوري.. وهذا (تقريباً) ما يمكن أن يحصل في سوريا! وربما في غيرها. والحاصل، هو أن أوباما وحده الذي لم يقتنع بعد على ما يبدو، بأن سياسته السورية لا تليق حتى بمبتدئين ومراهقين وهواة. وانها في المحصّلة أنتجت حتى اليوم عكس ما أراده علناً. إن لجهة البحث عن «حل سياسي» وفق «جنيف واحد» أو لجهة محاربة الارهاب، أو لجهة مسايرة إيران في الهامش للحصول منها على ما يريده في المتن، أي تشليحها إمكانية عسكرة مشروعها النووي. «الاتفاق» على «جنيف واحد» ما كان ولا مرة حاسماً. وفي اللحظة المناسبة إرتأت موسكو شيئاً آخر يقوم على تلزيم بشار الأسد قضية «محاربة الارهاب»! وفي أمر الارهاب هذا، لم توصل الحرب عليه، بعد أكثر من عام، على إطلاقها وبمشاركة (نظرية!) من ستين دولة صغيرة ومتوسطة وكبيرة الحجم والامكانات والقرارات، الى أي نتيجة حاسمة، خارج نطاق وقف التمدد الداعشي بالطريقة التي كان عليها في حزيران العام 2014!. أما «مسايرة» إيران فأنتجت المزيد من الأضرار «الهامشية» والى حد ان العراقيين أنفسهم لم يتحملوها! فيما حصد اليمنيون الكارثة مع الانقلاب الحوثي، وانتقل السوريون من نكبة الى نكبة حتى وصلوا الى قلب أوروبا نفسها! تراهن موسكو على نجاحها بالاستثمار في فشل مستر أوباما. وهذا عين العقل وزبدة المنطق السليم! لكن يفوتها، مثلما يفوت إيران ودميتها في دمشق، مثلما يفوت الرئيس الأميركي أيضاً، أن أربع سنوات وسبعة شهور من الاستهداف الأسطوري للثورة السورية (المصطلح في مكانه تماماً!) ومع ذلك، تقدمت وتراجع أخصامها! ولا تزال تتقدم ولا يزال أخصامها وأعداؤها وسفّاحوها يتراجعون! ولذلك أسباب كثيرة، لكن أولها بالتأكيد، هو انها لم تكن وليدة «قرار» من مستر أوباما!

لا حلول شاملة للأزمة الشاملة.. والشارع «أكورديون»
وسام سعادة/المستقبل/16 أيلول/15
الأزمة المؤسسية شاملة منذ شغور قصر بعبدا، بل منذ تمديد المجلس النيابي لنفسه، بل منذ وصول الأخذ والرد حول مشروع القانون الانتخابي الى طريق مسدود، حين اجمعت القوى على انه لا عودة الى قانون الستين، وانشطرت حول مشروع قانون «كل طائفة تنتخب نوابها». بل قبل ذلك أيضاً، صارت أزمة المؤسسات شاملة مباشرة بعد انتخابات ألفين وتسعة، بفرض معادلة: لو ربحنا الانتخابات، نحن جماعة «حزب الله»، لكنا «اعدنا تشكيل السلطة»، لكن ما دمتم انتم من ربح الانتخابات، سوف نتكفل «بإعادة تشكيلكم». الأزمة شاملة لكن لا مخرج شاملاً منها. بالكاد يمكن تلمّس ثقب هنا وثقب هناك. بالكاد، لأنّ مكابرات كثيفة وعنتريات غليظة تعود فتسدّ ما ظهر من ثقب في جدار الأزمة. في العام الأول من شغور الرئاسة تجلت الأزمة ركوداً يتشبّه بنوع، جزئي وهشّ، من الاستقرار. لم نكد ندخل في العام الثاني شغور حتى تحلّت الأزمة بالحيوية. أخذت الأزمة شكل الحراك، وأخذ أهل الحراك على عاتقهم، التفلت من عنق الأزمة. كان ذلك على خلفية صاعق من نمط خاص: مشكلة عويصة ومستعصية كمشكلة النفايات، وتأخر جسيم من قبل السلطة التنفيذية وجهاز الدولة لاستباق الكارثة المحدد تاريخ وقوعها قبل اشهر عديدة. لكن علاقة هذا الحراك المدني الشعبي مع الناس، مع الرأي العام، جاءت كالأكورديون. في أواخر آب، توسع الاكورديون شعبياً، وفي ايلول انحسر. في أواخر آب، اعداد غفيرة تظاهرت للمرة الاولى في حياتها، ولهدف مطلبي، وفي ايلول حدث انكفاء نسبي من جهة، وعمل دؤوب من طرف انصار «النظام الامني» البائد لفرز الحراك، بين «ممانع مقبول»، وبين «مدني مردود»، ما ترافق مع بدعة خدمة المطلب البيئي بوسيلة معادية للبيئة. الاكورديون لا يتسع صدره وينحسر اعتباطاً طبعاً. معدل الزيادة في خشونة الاستهدافات، ومعدل «الساينس فيكشن» في بعض أساليب التعاطي مع الخطة المقترحة من الوزير اكرم شهيب، بدلا من ان يكون المسعى نقاش الضمانات الضرورية لتحصين ايجابيات الخطة، كل هذا جعل الناس تدغم بين أزمة ثقتها بالسلطة التنفيذية وجهاز الدولة في ما يتعلق بمسألة النفايات، وملفات اخرى، وبين أزمة ثقتها بمسار الاحتجاجات. ومع ان هذا ليس الا محاولة وصف الامور في النقطة الراهنة المحددة الا ان طابع الازمة الشاملة سيتعزز، ان كان، من بعد ازمة تعطل المؤسسات بين شغور وموت سريري، وبعد انسداد او اتلاف قنوات التفاوض الاجتماعي في البلد منذ سنين عديدة، فاننا أمام انعدام ثقة العدد الاكبر من الناس سواء بسواء من الادارة القائمة للملفات، بدءا من النفايات والبيئة، ومن الاحتجاجات على هذه الادارة او على انعدامها، او على قلة حيلتها. فهل سيعني ذلك العودة مجددا في منحنى الازمة الى فترة ركود بعد الصخب؟ هل انها دورة زمنية نفسية سننكب بها مطولاً؟ أم أن الشارع سيبقى منفذ تصريف بعض الازمة الشاملة، سواء كان بعناوين مطلبية او بعناوين «فكرية» اذا ما اعتبرنا ظاهرة ميشال عون؟ طالما ان الاقرار بشمولية الازمة لم يستتبع باقرار بأن لا أحد يملك الحل لوحده، وبأنه ليس هناك حل شامل بشمولية الازمة نفسها، فان التفاؤل غير جائز كثيراً هنا. ستكون له فرصة فقط اذا جرى الاقرار بأن انفجار مسألة النفايات ونشوب الحراك وطرح خطة شهيب تشكل مداخل ثلاثة للدخول في فترة انتقالية على طريق طرح عناوين الازمة الشاملة. لا خروج من ازمة شاملة الا بفترة انتقالية. والتفكير الانتقالي بالذات هو المفتقد اليوم عند شتى القوى والحركات. مع انه اساسي.