زهير قصيباتي: دعوة إلى اغتيالٍ في لبنان/اميل خوري: لبنان يستغيث فهل يُنقذه حوار 9 أيلول/ريفي: نضع اللمسات الأخيرة على مشروع المحاكم المتخصّصة بالإرهاب

288

لبنان يستغيث فهل يُنقذه حوار 9 أيلول بالاتفاق على انتخابات رئاسية ثم نيابية؟
اميل خوري/النهار/3 أيلول 2015
الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه برّي في اللحظة الدقيقة والحساسة من حياة لبنان هل يكون ككل الحوارات، جدل بلا قرارات، أو قرارات بلا تنفيذ ولمجرد كسب الوقت الى ان يصبح الخارج، وتحديداً ايران، جاهزاً ليقول كلمته في الانتخابات الرئاسية؟ إن من يحاول في حوار 9 أيلول أن يدير أذنه الطرشاء كي لا يسمع استغاثة لبنان، سوف يدير له الشعب ظهره، “ففيليب هذه المرة هو فعلاً على الأبواب” ولا وقت للبحث في جنس الملائكة. إن الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية باتت تحظى بشبه اجماع داخلي وخارجي ولا ينبغي أن يتقدم هذا الانتخاب أي أمر آخر. وما الكلام على اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية سوى مضيعة للوقت وجعل الكلمة في موضوع الرئاسة للخارج وتحديداً إيران، وفي انتظار أن تقول كلمتها يبقى لبنان عند حافة الهاوية. إن عدم انعقاد القمة الروحية المسيحية – الاسلامية من دون إعلان الأسباب قد يكون مؤشراً سلبياً ينعكس على حوار 9 أيلول، إلا إذا كان مطلوباً من المرجعيات الدينية وتحديداً الشيعية أن تترك للمرجعيات السياسية أمر اتخاذ القرار في موضوع الاستحقاق الرئاسي. إن اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم ينتظرون بفارغ الصبر نتائج ايجابية لحوار 9 أيلول كي يتنفسوا الصعداء قبل أن تخنقهم روائح النفايات والفساد. لقد اختار الرئيس برّي مناسبة مرور 37 عاماً على قضية اخفاء الإمام موسى الصدر ليدعو الى حوار ينهي غياب أو تغييب رئاسة الجمهورية، ومعرفة من المسؤول عن اخفاء الإمام، وكذلك عن بقاء لبنان بلا رئيس كي يحاسبه الناس والتاريخ… فهل يظل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” يتحملان وحدهما مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي بحجج واهية وأعذار أقبح من ذنب؟ وحرص الرئيس بري أيضاً على ألا يحصر جدول أعمال الحوار بموضوع واحد هو البحث في رئاسة الجمهورية، بل أضاف اليه مواضيع تتعلق بعمل مجلس النواب وعمل مجلس الوزراء وماهية قانون الانتخاب وماهية قانون استعادة الجنسية ومشروع اللامركزية الادارية وموضوع دعم الجيش اللبناني، لكي يجعل من البحث في هذه المواضيع المهمة ممراً واسعاً نحو الانتخابات الرئاسية. أما ترتيب أولويات المواضيع في جدول أعمال الحوار فينبغي ألا يثير خلافاً بين من يريد اعطاء الأولوية للانتخابات الرئاسية ومن يريد اعطاءها للانتخابات النيابية، ربما الى حين تصبح ايران جاهزة لتقول كلمتها فيها بعد أن تكون قد عرفت دورها في المنطقة وحجم نفوذها فيها. وما المطالبة بانتخابات نيابية قبل الرئاسية إلا تحقيقاً لهذه الغاية. ولكي لا يمرّ هذا الوقت سدى، فإن من يريدون تقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية قد يكونون مستعدين في المقابل لتفعيل عمل مجلس الوزراء وعمل مجلس النواب للحدّ من الأضرار التي تلحق بالوطن والمواطن من جراء استمرار الشغور الرئاسي.
هل يمكن التوصل الى اتفاق على قاسم مشترك بين من يريد الأولوية للانتخابات الرئاسية ومن يريدها للانتخابات النيابية، كأن يتم اقرار قانون جديد للانتخابات فور انتخاب الرئيس وجعل جدول أعمال الحوار كلاً لا يتجزأ، ولكي يصير في الامكان اجراء انتخابات نيابية خلال ربيع العام المقبل، لتنطلق عندئذ مسيرة النهوض بلبنان في شتى المجالات، وان تبقى جلسات الحوار مفتوحة الى أن يتمّ الاتفاق على ما يجب اقراره في جدولها؟
لقد أطلق الرئس بري بدعوته الى الحوار نداء اغاثة للبنان عندما سمعه يستغيث، ليتحمل كل القادة مسؤولية نجدته وانقاذه أمام الله والوطن والتاريخ، وإلا نبذهم الوطن وخرجوا من التاريخ.

ريفي لـ”النهار”: نضع اللمسات الأخيرة على مشروع المحاكم المتخصّصة بالإرهاب غالبية الحراك المدني مُحق وهناك من يحاول حرفه والمندسّون كشفوا أنفسهم
كلوديت سركيس/النهار/3 أيلول 2015
كان وزير العدل اشرف ريفي منهمكا في اجتماع اللجنة التي تعد مشروع المحاكم المتخصصة بقضايا الارهاب والجرائم الكبرى لدرس ملاحظات هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل على هذا المشروع الذي يحل المحاكم المتخصصة محل المحاكم الاستثنائية والمجلس العدلي.
وبدا ريفي مطمئنا الى الوضع العام في البلاد والوضع الامني خصوصا بازاء ما يحصل من حراك مدني في وسط بيروت وما تخلله من اعمال شغب، خلال حديثه الى”النهار” بعدما ترأس اجتماع اللجنة التي تضم قضاة وحقوقيين من مختلف الاعمار لإضفاء “الخبرة والحيوية” على المشروع الذي اعلن صيغته في السابع من آب الماضي، و”اعطت اللجنة ملاحظات بعضها محق وبعضها الآخر شكلي. ونحن في طور اعداد صيغته النهائية التحسينية قبل تعميمها على النواب والوزراء وكليات الحقوق في لبنان ونقابتي المحامين لمناقشتها وترويجها. واكبنا خلال المناقشة التطور العلمي في العالم حيث انتفت المحاكم الاستثنائية وغابت المحاكمات ذات الدرجة الواحدة. نستفيد من خبرات دول صديقة. وكذلك من خبرة القضاة الذين لديهم باع طويل في هذا المجال. ونضع اللمسات الاخيرة على الصيغة النهائية. 7 آب كانت ذكرى مشؤومة للمحاكم الاستثنائية وكانت في الوقت نفسه لمحة مضيئة في القضاء العدلي اللبناني بالقضاة رالف رياشي وخضر زنهور وبركان سعد الذين اتخذوا في قرار حينذاك موقفا الى جانب القانون والانسان، واعتبروا ان لا صلاحية للقضاء العسكري للنظر في الامر. وكان موقف لـ”النهار” وصحف اخرى اشارت الى دور القضاء الذي شكل ومضة في تاريخه. نحن نقدم للبنانيين مشروع قانون يليق بلبنان المستقبل ويحفظ في الحد الاقصى الممكن امن البلاد واستقرارها”. ويضيف: “الكل يعرف اليوم في لبنان ان ثمة صوتا لبنانيا صارخا مآله انه لا يمكننا البقاء في دولة مزرعة او في شبه دولة او في دولة فساد وفاسدين. هذا المشروع خطوة اصلاحية ضمن هذا الاطار. وسيأخذ مساره التقليدي عبر مجلس الوزراء وتبنيه من عشرة نواب في اقتراح قانون”. واعرب عن تفاؤله بوصول المشروع الى نهاياته “ولكن ليس بسهولة. لأن ثمة قوى سياسية تعارضه، ولكنني متفائل على المدى الطويل بسقوط الاعتبارات التي ستشكل عائقا في وجهه لأسباب سياسية وغير قضائية او اصلاحية، وأثق بأن الرأي العام اللبناني وجمعيات حقوق الانسان والجمعيات الحقوقية وكل من يعمل بمنطق متجرد لن يكون ضده”.
وتابع: “نحن على عتبة سنة قضائية جديدة تبدأ في 15 ايلول. وهذه المرة مع حراك مدني شعبي”. ويعتبر ان “من غير المقبول الا يؤدي القضاء دوره وخصوصا في الاصلاح”. ويدل في مكتبه الى مجسمات متفرقة تظهر الهيكل التنظيمي لوزارة العدل وقصر العدل، والمحاكم المتخصصة، وتوزيع المحاكم على خريطة لبنان. ويركز على “اطلالة جديدة في كل مرحلة لنعرض ما توصلنا اليه في مشروع اصلاحي للقضاء اللبناني. هذه خريطة طريق موضوعية ومنطقية، تتطلع الى مجمعات توقيف نموذجية للاحداث والنساء والمساجين ذوي الخصوصية الصحية. فتطلعات اللبنانيين يترجمها بفريق عمل نوعي بخبرته ومهنيته وتوجهاته الوطنية لانتاجه. وسنعلن هذه الخريطة تباعا. وعقبتنا الاساسية عدم وجود تمويل لبناء المباني. فكلفة المشروع نصف مليار دولار تقريباً. ويمكن ان نضع خطة على خمس سنوات او اكثر لبنائها. وأسف وزير العدل لأن فاتورة تكلفة الخطة الاعمارية للبنيان الكامل لجسم القضاء اللبناني توازي ربع فاتورة العجز الكهربائي في سنة واحدة وهي ملياران و200 الف دولار. بدأنا بخطة العمل منذ فترة وسندفع الامور لتحقيق خطواتنا.
ويستبعد ريفي حصول تشكيلات قضائية حاليا “حتى انتظام العمل الحكومي، انما بدأنا بتشكيلات على مستوى المساعدين القضائيين في لبنان. وهي لم تحصل منذ 15 عاما ولم تنفذ بتدخل من السوريين. بدأنا بمحافظة تلو الاخرى. وجدنا عقبات جمة. معاييرنا موضوعية وهي ان الفاسد يحال على التفتيش القضائي وينقل من مركزه ان عاث به فسادا الى مكان أقل اهمية. وسيتم تحريك البقية الذين مضى على وجودهم في مكانهم خمسة اعوام وما فوق ونبدل في مواقعهم مهما كلّف الامر. وستتم العملية على ثلاث مراحل بتبديل الثلث الاول اول شهر والثلث الثاني في الشهر التالي والثلث الاخير في الشهر الثالث. ولا يعتبر أحد ان ثمة محمية له او سقفاً فوق رأسه. انجزنا محافظة الشمال. وهناك محافظتان شبه جاهزتين نضع اللمسات الاخيرة عليها. وستشمل العملية كل المحافظات بلا استثناء وفق المعايير الموضوعية نفسها. فالتغيير حتمي. وهذه التشكيلات الشاملة للمساعدين القضائيين تجري بالتنسيق مع الرؤساء الاول في المناطق. ولن يستطيع احد ايقافها. وعند تشكيل المنطقة القضائية في عكار بعد ثلاثة اشهر سيتم تحريك الموظفين ممن لم تشملهم التشكيلات في الشمال. كما قطعنا شوطا في انجاز منطقة البقاع الشمالي”.
إهدار المال العام
ينتقد ريفي خلال كلامه تكراراً اهدار المال العام في موضوع الكهرباء. ويعتبر انه “لم يعد خافيا على احد في لبنان واقع الكهرباء بكل اسف. وهو غير مقبول. سئلت عن توزيري بدل الداخلية عند تشكيل الحكومة فطلبت ان اكون وزيرا للطاقة بعد فصل وزارة النفط عنها. وقلت لهم انا اتطوع على عاتقي لمهمة تأمين التيار 24 على 24 خلال سنتين او ثلاث وبأسعار معقولة مثل كل دول العالم، ولسجن كل الفاسدين الذين ينهبون مالنا كمافيات، مافيا الفيول وقطع الغيار والتحصيل والانتاج والواردات، فلا يجوز بعد 15 عاما ان يبقى اللبنانيون بلا كهرباء. في اميركا يعتبر من يدفع مئة دولار فاتورة كهرباء انها باهظة ونحن ندفع مليارين واكثر خلال سنة. ما يحصل في الكهرباء هو عيب واهانة لنا. طرحت هذا الموضوع مرات عدة في مجلس الوزراء وطالبت بعدم المعالجة ترقيعا. نخجل بوضع الكهرباء تجاه اللبنانيين. انا لا احمل المسؤولية للوزير الحالي لانني اعرف ان لا علاقة له . عام 1992 اعلن الرئيس رفيق الحريري حالة طوارئ وأمن الكهرباء تماما. ونحن يمكننا اليوم ان نعلن حالة طوارىء لتأمين الكهرباء 24 على 24. أهم شيء ان نضرُب المافيات، وهي قوة الاعتراض على الاصلاح. نحن حاضرون لضربها فلا يجوز ان تكون اقوى منا كدولة او كاصلاحيين”. ويعلن ريفي رئيس “الشبكة العربية لمكافحة الفساد” عن اعداد مشروع اصلاحي لمكافحة الفساد، مذكرا بالاعلان عن ثروته عندما عين مديرا عاما لقوى الامن الداخلي ووزيرا للعدل. ويعتبر انه “في الجو الاصلاحي اللبناني الحالي المتأتي من الصرخة الشعبية التي بدأت تتنامى”، سيدعم تجديد اطلاق مشروع تعديل قانون الاثراء غير المشروع “الذي وضعته ولم يسلك طريقه لتعسره في الاروقة. فالحراك الشعبي يشكل دافعاً اليوم لهذا المشروع. وفي رأيي كل من يرغب تعاطي الشأن العام يجب ان يكون شفافاً وواضحاً. ويقبل بإعلان ثروته عند خروجه من الحكم والا فنستمر في المزرعة ولا نبني دولة. وقريباً سأعيد اطلاق مشروع مكافحة الفساد. وسبق ان تكلمت مع رئيس الحكومة للدعوة الى اجتماع الهيئة الوطنية للجنة مكافحة الفساد في لبنان الذي لا يمكنه ان يستمر في هذا الشكل”.
وأيّد ريفي الحراك الشعبي “في غالبية مطالبه. ثمة مطالب كثيرة محقة هي مطالبنا نفسها وأصفّق لها وأؤيدها تماماً وأترجمها في عملي الوزاري وحتى في سلوكياتي الشخصية. لكن ثمة من يحاول ان يركب الموجة ويحرفها نحو عمل امني وانا ضده.
وهل يعقل ان تستمر الزبالة على الطرق شهراً ونصف الشهر والحكومة لا تجد حلا لها؟ آسف للقول انها بين عجز حكومي وفساد في بعض المؤسسات ندور في حلقة مفرغة. وقد تكون للبعض رغبة الا نصل الى نتيجة معينة ويبقى الاحتقان الشعبي ونغرق في ازمات اجتماعية. يجب ان تكون ارادة اللبنانيين اقوى من كل هذه العوامل. كفى تعسرا. لم علينا ان نكون غير دول العالم الاخرى؟ نحن في مساحة محدودة جغرافيا وسكانيا ويمكننا ان نكون دولة نموذجية”.
وهل هذا البعض داخلي او خارجي؟ أجاب: “هو داخلي ويمكن ان يكون خارجياً ايضا. ولكن نحن مسؤولون داخليا. ندور على انفسنا. طرح الحراك المدني بدء فرز القمامة في المنزل والكنس لا احد ضده. ثم طرق المعالجة فنختار الاقل ضررا على البيئة. واللبناني يدعم الشفافية والمنطق في العمل وعندما لا يثق يجب ان نتوقع منه الاعتراض. ولم يعد يقبل بدولة عاجزة وغير قادرة. ولا يجوز ان تكون هناك دويلة فوق الدولة وفوق القانون. ننشد دولة واحدة مركزية لا يشاركها احد في قرارها السيادي ولا حصرية السلاح”.
لا خوف أمنياً كبيراً
وهل يتخوف من الفلتان الامني بازاء تنامي الحراك الشعبي، قال: “الكل في هذا الحراك يدركون أنهم بالانحراف لا سمح الله الى سلوكيات غير وطنية ولا تصب في مصلحة الاستقرار يكونون يدينون انفسهم. ثمة من يحاول حرف حراكهم واستغلال هذه الموجة. فلندعه حراكا مدنيا للسعي نحو اقامة الدولة المدنية النظيفة. وثمة شعارات كنا رفعناها في طرابلس وهي بدنا رئيس جمهورية ودولة نظيفة والعيش معا”. والعلاج يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية”.
تحدثت عن انحراف في التظاهرات، والاعلام تحدث عن مندسين، ما مدى الصحة في ذلك؟ يجيب: “المندسون كشفوا انفسهم في الصور. واللبنانيون رأوهم، وثمة 22 موقوفا معروفة اسماؤهم وانتماؤهم السياسي بالنسبة الى غالبيتهم. هم مدفوعون. وأتوا من “سرايا المقاومة” في حزب الله، واللافت ان غالبية الصور تقريبا تظهر انهم قُصّر. كأن اختيارهم جاء عمداً ليكونوا دون السن القانونية. ثمة من يحاول ان يصادر ويشوّه صورة الحراك الذي يجب ان يحمى ما دام ينادي بالاصلاح والدولة الواحدة”. وكرر ريفي: “لا خوف كبيرا على الوضع الامني. قد نمر بخضات امنية متفرقة ومحدودة ولكنها ضمن قدرتنا على السيطرة عليها. أقول ذلك من خلال قراءاتي دوليا واقليميا. نحن في مخاض غير سهل والجريمة الكبرى كانت عدم انتخاب رئيس جمهورية. الشغور الرئاسي هو اصل الداء وبمعالجته تنتظم الامور شيئا فشيئا”.

دعوة إلى اغتيالٍ في لبنان
زهير قصيباتي/الحياة/03 أيلول/15
من أين جاء هؤلاء الشبان ليباغتونا بغضبهم؟ يحاسبونا؟ أي مزحة سمجة، وهل صدّقوا أنهم ينتزعون الشارع؟ الشارع حصة الأحزاب والتيارات والقوى المنظّمة التي تتقاسم الأدوار والنفوذ والمصالح، وإنما بـ «نظافة»، قد يفيد بيرلوسكوني أن يتعلم منها ليطهّر نفسه من خطايا المافيا.
لم يعد السؤال مَن الفاسد في لبنان الذي يتاجر بالماء والكهرباء والنفايات، ويقدّم الحماية السياسية والأمنية للإتجار بالدواء الفاسد، ومن يشوّه صورة لبنان فيما يستمرئ لعبة التكاذب بين «الفاعلين» في السياسة، المعطّلين حياة جيل شاب، ظنّ أن تطهير دماغه من لوثة عروش الطائفية، وأن تحصيله الشهادة الجامعية كفيلان بمنع كأس الهجرة والفقر عن طموحاته وأحلامه. رغم كل ما حصل خلال الأسبوعين الماضيين، من بعض التجاوزات ومظاهر فوضى، خصوصاً من الطوابير الخامسة، من حق شبان لبنان وشاباته أن يدّعوا انتصاراً على عفن طبقة كاملة، حوّلت السياسة مهنة تدرّ ذهباً لمن يمارسها وكوارث على جميع اللبنانيين، من أقصى عكار إلى أبعد نقطة في الجنوب، من بيروت إلى خط التماس مع «التكفيريين». ما قاله الساسة للناشطين في تحرُّك قلب بيروت، لا يعني عملياً إلا رسالة واحدة: لعبة الشارع نحن نقررها، كما تقنين الكهرباء وإذلال الناس بالعطش، والتعطُّش لفرص عمل لا يتيحها هروب أصحاب المشاريع ورؤوس الأموال من جحيم بلد توقّفت فيه الحياة، إلى أن يتقرر مصير سورية… ومصير الحرب فيها، وكعكة الحصص في نظام آخر هجين، لا أحد يمكنه التكهُّن بموعد ولادته. القضية إذاً، أكبر بكثير من أزمة نفايات وعيش مئات الآلاف من اللبنانيين في الظلام، ويأس عشرات الآلاف من الجامعيين من التعايش مع طبقة لا تجيد سوى الكذب والمراوغة، والتلاعُب بخيوط «الفتنة»، لتبدو هي المُنقذ الوحيد، كما كانت منذ عقود… الفتنة أداة «البزنس» النفخ بنارها موسمي، كلما أحس «الكبار» بملل «الصغار» أو تلمسهم هوية اللص الملثّم. ما على اللبنانيين سوى التسليم بكفاءة توصيف رئيس مجلس النواب نبيه بري المصيبة الأم التي تسجن أحلامهم في نفق «الفتنة»… إنها الطائفية، وما دامت هي اللعنة التي يراها «أقوى من إرادة المجلس»، لماذا لا ينتفض الشباب عليها؟ لماذا لا يغتالونها، ولو في غفلة من الساسة المنهمكين بمصير الحرب السورية، و «النصرة» وتطاولها على «داعش»، ومسار الحرب في اليمن، وطموحات كيم جونغ أون، وانتفاخ ريش إيران، وقدرة بوتين على لجم جموح كييف، وتلقينه الغرب درساً ليتعلم عدم الاستعلاء على الروس في حدائقهم العامرة، نفطاً وغازاً وبراميل متفجرات. هكذا، هل يدرك شباب لبنان هموم ساسته؟ هم لا يضحّون فقط من أجل اللبنانيين، بل لسلام الأرض ومَن عليها. أليس عيباً أن يعكّر الشباب صفاء الذهن لدى «حكماء» البلد الذين لم يفعلوا شيئاً إلا لخدمة مصالحه، باستثناء اختصار المسافات إلى دروب العوز واليأس، وتخيير الناس بين ذل انتحار صامت، ومراكب الموت المكتظة بالهاربين من جحيم الحروب والتنكيل؟
ولكن، أليس عيباً أن ننكر فضل «الحكماء» الذين قبضوا بيد على بلايين «البزنس»، وباليد الأخرى على خيوط لعبة «الفتنة». ولماذا لا نصدّق مَنْ يخاف على لبنان من عدوى «ربيع عربي» متأخر، فلا يملك إلا أن يسأل مَنْ يقف وراء تحرُّك الناشطين في قلب بيروت؟
ولماذا لا يعطون فرصة لحوار أقطاب السياسة، لعله ينجح في إجهاض «فتنة» مطوّرة، يديرها مَنْ في الخارج لتخريب «النعيم» اللبناني؟ أي حوار بين مَنْ يملك القوة وأوراق السياسة، ومَنْ يجد نفسه مرغماً على التعايش معه، في انتظار مصير لا يأتي، وهو يقدّم التنازلات لحماية لبنان، فيما اللبنانيون لا يجدون من يحميهم؟ أكبر رصيد للطبقة التي يصارعها جيل الشباب، هو ورقة الطائفية تلوّح بها كلما عكّر مشاريعها مَنْ لا يدركون شروط اللعبة. جولة حوار منقّح؟ لمَ لا، أشواط طويلة على الطريق، فلننتظر نتائج الاتفاق النووي مع إيران، ونختبر قدرة كيم جونغ أون على الصمود والتصدي في مواجهة الإمبريالية، وقدرة بوتين على تيئيس الشعب السوري… ولا ننسى بالطبع نصيحة أوباما بالتبصّر بعواقب تغيُّر المناخ. «إنهم يتفقون علينا»… قالها أحد المتظاهرين الذين زكّمت أنوفهم روائح النفايات والصفقات والفساد الذي يتطاول ضمن الخطوط الحمر للطائفية. وإن كانت هذه أقوى من إرادة البرلمان، فلماذا لا يغتالها جيل انتفاضة آب؟