/.علي نون: نفي روسي/روزانا بومنصف: لا حلحلة إيرانية بعد للملفّ الرئاسي/غسان حجار: هل يكون التأزيم مدخلاً إلى الحل/الياس الديري: في اتجاه انتخاب رئيس

321

نفي روسي
علي نون/المستقبل/03 أيلول/15
نفت موسكو أمس، ما نشرته «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أول من أمس عن إرسالها طائرات حربية إلى سوريا مقدمة لإرسال «آلاف المقاتلين» للمشاركة في محاربة «داعش» والعمل مع إيران «لإنقاذ» بشار الأسد. النفي الروسي جاء مختصراً، فيما الكلام الإسرائيلي كان مفصلاً ومرتاحاً في الشرح ومستنداً إلى «مصادر ديبلوماسية غربية» أكدت أن «قطاراً جوياً روسياً» وصل بالفعل إلى سوريا وعلى متنه تلك الطائرات على أن يلحق بها «آلاف المقاتلين الروس» قريباً. وهذه قصة كبيرة! رغم أن الاستدراك واجب، وهذا يستدرج بدوره بعض التحفظ عن أخذ الرواية الإسرائيلية كما هي، خصوصاً لجهة خلطها الخطير بين نقيضين: محاربة «داعش» و»إنقاذ الأسد». الشق الأول يعني أن موسكو تنخرط في الحرب العالمية المعلنة ضد الإرهاب. وهذا أمر قد يُبلع رغم الأجندات السياسية المختلفة للمشاركين في تلك الحرب. لكن في الشق الثاني، هناك شيء يعني أن احتمال تحوّل السماء السورية إلى فضاء لحرب جوية بين الطيران الروسي من جهة والطيران الأميركي والتركي والغربي المشارك في المعركة ضد «داعش» من جهة ثانية أمر وارد! مثلما يعني أن الأرض السورية قد تصير بدورها مسرحاً لحرب كبيرة تنخرط فيها «جيوش» بينها الجيش الروسي؟! إلاّ إذا كانت الرواية المذكورة تنقل عن «المصادر الديبلوماسية الغربية» بشكل غير مباشر، أن إدارة مستر أوباما «طوّرت» موقفها السوري من الاكتفاء بضرب الإرهاب الداعشي إلى التسليم بالموقف الروسي الإيراني المتمسك ببقاء الأسد والتطنيش عن الانخراط العسكري المباشر في حرب إنقاذه؟! والواقع أن أي شيء يمكن أن يُصدّق عن إدارة مستر أوباما في ضوء توجهاتها ومواقفها السياسية و»الفكرية»، إزاء المنطقة العربية في مجملها والتحديات الكبيرة التي تواجهها، كما في موقفها الإيراني الاستعادي، وفي سياسة الانكفاء السلبي التي اعتمدتها إزاء النكبة السورية، ولا تزال.. لكن قصّة تحرك الجيش الروسي خارج حدود بلاده، أمر يبقى، في حدود المعروف، شأناً استراتيجياً كبيراً ويتخطى «المسألة» السورية، خصوصاً أن روائح أدبيات الحرب الباردة تتصاعد مجدداً من أوكرانيا (مثلاً) ومن إبداء «حلف الأطلسي» شيئاً من اليقظة العسكرية القريبة خطوة واحدة من حالة الاستنفار! … صعب المرور بخفة على تقرير «يديعوت أحرونوت» الخطير رغم النفي الروسي الجزئي له! وصعب في المقابل افتراض صحّة أو دقّة تلك التحولات الاستراتيجية التي تكاد تجعل من سوريا منطلقاً لحرب عالمية! لكن بين الأمرين هناك شيء يمر خلف سطور المواقف المعلنة ويتمحور حول فكرة التخلّص من الأسد والإبقاء على النظام وتحت ستار محاربة الإرهاب الداعشي! .. وهذا أمر قد يكون عرضة للتجربة، طالما انها ستكون بدماء السوريين، وطالما ان تلك النكبة برمّتها لا تعني شيئاً لساكن «البيت الأبيض».

لا حلحلة إيرانية بعد للملفّ الرئاسي طمأنة الحلفاء حول مساعي الانفتاح خارجياً
روزانا بومنصف/النهار/3 أيلول 2015
فيما يفترض ان تلقى زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان لبيروت اهتماما باعتبارها الزيارة الديبلوماسية الثانية خلال اقل من ثلاثة اسابيع بعد زيارة وزير الخارجية محمد جواد ظريف للعاصمة اللبنانية، فإنه تم التعامل معها على اساس ان إيران تستهدف أمرين: احدهما ما يتصل بسوريا وما يجري من اتصالات أو مساع في شأنها، بدليل ان ظريف حمل زيارته في آب الماضي البحث مع الرئيس السوري في المبادرة الإيرانية فيما تركزت زيارة عبد اللهيان على لقائه الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا في مبنى السفارة الإيرانية في بيروت، لعله من باب حفظ ماء الوجه للنظام السوري حول اجتماعات تبحث في مصيره بين اطراف خارجيين على أرضه. والأمر الآخر يتصل بطمأنة إيران “حزب الله” الى عدم التخلي عنه ما بعد الاتفاق النووي والمترتبات التي يحتمها على استيعاب إيران من ضمن المجتمع الدولي. زيارتا الديبلوماسيين الإيرانيين كان يفترض ان تحملا الى لبنان حلحلة في موضوع الملف الرئاسي التي تقبض إيران على ناصيته من خلال رفضها اتاحة حصول الانتخابات. عبد اللهيان اعاد في بيروت ملف الرئاسة الى خانة المسيحيين بقوله ان “اتفاق المسيحيين حول ذلك أمر مهم جداً بالنسبة الى إيران” وان بلاده تدعم “استكمال الية العمل السياسي لانتخاب رئيس” وذلك في حين ان رئيس مجلس النواب نبيه بري بالذات كان أخرجه منذ زمن بعيد وتبعاً للفشل المسيحي ثم اللبناني في الاتفاق الى التوافق الحتمي المفترض بين المملكة السعودية وإيران. ما يعني ان طهران لا تبدي استعدادا حتى الان للتخلي عن ورقة عرقلتها للاستحقاق الرئاسي وان لا جديد طرأ على موقفها من خلال تأكيد رمي الملف مجددا في ملعب المسيحيين، وإصرارها على دعم انتخاب العماد ميشال عون.
لكن قبيل زيارة عبد اللهيان العاصمة اللبنانية سبقه قوله في أثناء استقباله وفداً من قوى 8 آذار في طهران “حاولنا أن نرسل رسالة بصوت عال الى أشقائنا في محور المقاومة بأن لا تغيير في السياسة الإيرانية ازاء أطراف محور المقاومة” ما يشير بوضوح الى مدى المخاوف التي بات يثيرها حصول متغيرات في السياسة الخارجية الإيرانية ما بعد الاتفاق النووي على حلفاء طهران في لبنان أو في سوريا التي أكد الرئيس الأسد قبل أسبوعين أن روسيا وطهران لا تزالان مستمرتين في دعمه. فكل المخاوف المعلنة أو المضمرة تشي في مكان ما ان هناك أخذاً ورداً في الحلول المحتملة وان ذلك يرتب أثماناً وتنازلات. وهو أمر غير معهود كلياً في الأدبيات الإيرانية باعتبار ان الدعم الإيراني لـ”حزب الله” لا يمكن ان يهتز في حين ان الافرقاء الآخرين يتخوفون دوماً من بيع لبنان لإيران مثلاً كما من قبل لسوريا تبعاً للمصالح الاقليمية أو الدولية. كما اعلن عبد اللهيان وجود خطوط حمر بالنسبة الى إيران “لا يمكن ان تساوم عليها وهي دعم المقاومة ومكافحة الارهاب والاهتمام بالمطالب الشعبية وتوفير الامن والاستقرار في المنطقة”. الا انه بدا لافتا ان زيارة الديبلوماسي الإيراني صادفت أمرين أمنيين بالغي الاهمية: أحدهما مساهمة بيروت في تسليم أحد أبرز الارهابيين الذين كانوا وراء تفجير الخبر في المملكة العربية السعودية والذي يحمل جوازاً إيرانياً ووصل الى بيروت من طهران الى المملكة. وهو أمر لم يثر على غير ما هو متوقع أي ضجة أو رد فعل لا من إيران ولا من “حزب الله” على رغم أن المسألة تمسهما مباشرة وهل حصل ذلك بالتوافق معهما أم بالتعاون من جانبهما ولهذا الأمر دلالاته أكان في هذا الاتجاه أم ذاك. فيما الأمر الآخر تمثل في المدى الذي أخذه اتهام الكويت “خلية العبدلي” التي كشفت عنها الشهر الماضي بالانتماء الى تنظيم “حزب الله” والتخابر مع إيران، وهو أمر لم يحظ هو الآخر بأي رد فعل.
ويأتي التطوران الأمنيان في وقت حرج بالنسبة الى إيران أولاً لان ذلك يعطي دفعاً أو زخماً لمضمون اللقاءات المرتقبة هذا الاسبوع بين الرئيس الاميركي باراك اوباما والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والذي على جدوله السعي الى التصدي لاعمال إيران في المنطقة. أضف الى ذلك ان الكويت كانت من أولى الدول التي قصدها وزير الخارجية الإيراني في مسعى للدلالة على رغبة في الانفتاح على دول الخليج في الوقت الذي لم يستكمل بعد جولاته في دول المنطقة لاطلاع دولها على الاتفاق النووي وطمأنتها الى النيات الإيرانية. وكان لافتاً إبداء ظريف سخريته في تونس من الحديث عن “نفوذ” لبلاده في أربع عواصم عربية قائلاً: “احترامنا كبير للعالم العربي ونعتقد بأن لا هيمنة لأحد على أي عاصمة عربية والشعوب العربية راشدة وتدير بنفسها عواصم بلدانها”. وهذه تبدو محاولة واضحة من الديبلوماسية الإيرانية لتبديد الانطباعات أو المواقف الكثيرة التي اعلنها مسؤولون إيرانيون كبار مرارا وتكرارا خلال فترة التفاوض على النووي مع الدول الست الكبرى والسعي الى فتح طريق امام التفاوض مع الدول الخليجية عشية لقاءات مفترضة في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة التي تشارك فيها إيران للمرة الاولى منذ عقود من موقع آخر غير موقع الدولة الخارجة على القانون الدولي والخاضعة لعقوبات دولية فيما تحتاج الى خطوات ملموسة لقبولها من المجتمع الدولي.

في اتجاه انتخاب رئيس
الياس الديري/النهار/3 أيلول 2015
عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرُ لكم. وعسى أن تكرهوا ورشة الزبالة وما فرَّخت من شَوشرات مُمَسرحة وممجوجة أحياناً وهي خيرُ لكم. وربما كانت، من حيث لا يدري “المُمسرِحون”، هي المفتاح السحري في مسلسل “فَتحْ الأبواب بلا أسباب” المطلوب من الشاطر نبيه برّي لا من الشاطر حسن، تمهيداً للوصول إلى طاولة التشاور والتحاور حيث الكنز الرئاسي، وكنز انتشال لبنان من جُبّ الأفاعي. الصور، والأصوات، والمطالب، والاحتجاجات، كان يمكنها أن توجّه الأنظار والاهتمامات كلّها صوب الفساد والفاسدين، وصوب أكَلَة الجبنة وصيّادي الغنائم، فهل فعلت؟ حين بدا الرئيس برّي خلال الأسبوع الفائت كالنائم على بنت الكبَّة في لعبة السبعة ونصف، قيل إن في أجواء عين التينة “شيئاً رئاسيّاً” في شكل من الأشكال، وإلاّ لما كان الرجل الذي يزن الكلام بميزان ذَهَب الأربع والعشرين قيراطاً قد جاهر بكل هذا التفاؤل، وهذا الارتياح، وهذا الاستعداد لطاولة حوار جديد… يدور حتماً في فلك الاستحقاق الرئاسي، أو يصبّ في خانته. وعلى رغم المناخات التأزيميَّة التصعيديَّة التي أشاعتها جولات الاحتجاج حول الزبالة وموضوعها الذي لا يزال مبهماً في الكثير من فصوله حتى الساعة، بقي برّي مواظباً ومتابعاً جهوده الصامتة في سبيل “الهدف الكبير”: الإنقاذ قبل فوات الأوان. وهذا الأمر تحديداً حظي باهتمام مساعد وزير الخارجيَّة الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي أمَّ العاصمة اللبنانية في هذا الوقت المتأرجح بين مَنْ “يعلمون” ومَن لا “يعلمون”، ليُرسل إلى اللبنانيين إشارة مشجّعة ومميّزة. وخصوصاً حين نوَّه بمبادرة رئيس المجلس الحواريَّة، والتي يرى أن نتائجها الإيجابيَّة ستصبُّ في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية… مع التأكيد “أن طهران تدعم بكل قوّة استكمال آليّات العمل السياسي في لبنان”. بالطبع، كان لهذا الكلام الإيراني المناسب والمريح والمطمئن “وقْع خاص”، ونزل على اللبنانيين برداً وسلاماً، في الوقت الذي كان قُدامى التظاهريين وقُدامى الحزبيين، إلى التنظيمات الغارقة في سبات عميق، يحاولون إرجاع الشيخ إلى صباه. في بلد كلبنان لا تزال الحريات تنعم أو ترفُل بقسط وافر من المساحات والنفوذ، كان في الإمكان القيام بخطوات احتجاجيَّة، معبِّرة ومدروسة، وتتحلّى بشيء من المنهجيَّة المطلبيَّة التي تحظى بإجماع شعبي بعيداً من الدعسات الناقصة. في كل حال، ما حصل قد حصل. وليس سيّئاً أن يُعرب الناس عن سخطهم واعتراضاتهم، كيفما تيسَّرت لهم الظروف، وكيفما كانت الوسيلة. إنما كان مفضّلاً حتماً تفادي كل ما أساء إلى خطوة اختلط فيها الحابل بالنابل. يبقى الاستحقاق الرئاسي موّالنا، مثلما يبقى الاستقرار هاجسنا، وتبقى الحريَّة سيدتنا.

هل يكون التأزيم مدخلاً إلى الحل؟
غسان حجار/النهار/3 أيلول 2015
يقول المثل الشعبي “اشتدي يا أزمة تنفرجي”، وهذا واقعي في ما يعنينا كأفراد، وأيضاً في سياسات الدول التي تعتمد التصعيد الذي يقود إلى إنهاك كل الاطراف تمهيداً لقبول ما هو حل أو ما يفرض عليها من إرادات خارجية. اتفاق الطائف مثالاً جاء وليد أزمة امتدت لـ15 سنة، واتفاق الدوحة ولد من رحم الشارع في 7 أيار 2008. في لبنان حالياً إنهاك جماعي، بعضه ظاهر الى العلن، وبعضه الآخر مغطى بمظاهر القوّة. والأزمة التي انتقلت الى الشارع باتت تتهدّد الطبقة السياسية. ومع ان المتظاهرين لا يملكون برنامجاً، او رؤية لسلطة بديلة، إلاّ أنهم تمكنوا في مدة يسيرة من هز عروش تربّع عليها أمراء الحرب مدّة تزيد على عشرين سنة. وتكشف نظرة الى واقع القوى السياسية، حجم الإنهاك الذي أصابها. فريق 14 آذار لم يعد موجوداً منه الا أمانة عامة فولكلورية، ومجلس وطني لم يقلّع أصلاً. وفريق 8 آذار مفكك، لا تجمعه، من دون اجتماع ولو شكلي، الا قوة “حزب الله” الذي بالكاد يقدر على منع الطلاق بين مكوناته. حتى فريق 11 آذار الذي اطلقه رجل الأعمال مرعي أبو مرعي غاب بعروضه السياحية وسندويشات الشاورما اللذيذة. وإذا نظرنا بالمفرّق الى تلك المكونات، لوجدنا ان جمهور “المستقبل” مأزوم في غياب رئيسه الرئيس سعد الحريري، وتناتش القرار، كما من تراجع الدعم السعودي. ويعاني الشارع السني مما يمكن تسميته “عقدة ضعف” تجاه “حزب الله”. بدوره الحزب، الغارق في رمال الحرب السورية، يقدّر الموقف جيداً، ويدرك الأثمان التي يدفعها، ويتخوّف من أي خربطة سياسية أو أمنية ترتد سلباً عليه وعلى جمهوره، مع غرقه في البحر السني، خصوصاً بعد وفود نحو مليون ونصف مليون سوري من الطائفة السنية الى لبنان، يضاف اليهم نحو 500 ألف فلسطيني سني أيضاً. أما العماد ميشال عون فيتخبّط في دوامة قاتلة، مع فشله في تحقيق الحد الأدنى من مطالبه، بدءاً من رئاسة الجمهورية، مروراً بقيادة الجيش، والانتخابات النيابية، وانزعاج حلفائه من تفرّده بالقرارات، وصولاً الى الشارع الذي لم يلبِّ طموحاته. حزب “القوات اللبنانية” يعتقد بأنه نجا من شرك الحكومة السلامية، لكنه حتماً لن يفلت من شباك الرئيس نبيه بري وحواره الذي لا يمكن مقاطعته، ما دام معتبراً “فرصة أخيرة” لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الجمهورية، وهو أمام خيار الرضوخ أو الابتعاد عن الساحة. أما النائب وليد جنبلاط فوضعه “لا مع ستي ولا مع سيدي بخير”. وهو، على رغم اعتقاده انه حاجة، لكن أياً من الآذاريين، ومن وراءهم، لم يعد يثق به. فهل يشكل الوضع القائم، وبضغط من الشارع، مدخلاً الى حلّ ما؟