غازي دحمان: هل يشهد عام 2016 انكفاءً إيرانياً/خيرالله خيرالله: ما فاجأ إيران في اليمن

283

 هل يشهد عام 2016 انكفاءً إيرانياً؟
غازي دحمان/الحياة/02 أيلول/15

بعد انقشاع ضباب الاتفاق النووي بين إيران والغرب بدأت تنجلي صورة مختلفة في المنطقة بعد أن راح جزء كبير من المشهد يتفكك شيئاً فشيئاً، وكان توجيه الأنظار طوال الفترة الماضية صوب عواصم القرار وملاحقة أخبار الاتفاق قد غيّب كثيراً صورة الوضع في المنطقة وتحديداً في مقلب ما يسمى حلف إيران، حينها لم تتسنّ قراءة المشهد على حقيقته خارج تهويلات إيران وحلفائها حتى من قبل خصوم هذا الحلف وأعدائه. وبالتزامن مع الاتفاق انطلقت جملة من التقديرات التي روّجت لعهد إيراني جديد ومختلف قوامه سيطرة كاسحة للأدوات الإيرانية على المنطقة، وبنيت جميع تلك التقديرات على فرضية أنّ الطرف الذي يواجه إيران لم يكن يتبنى استراتيجية واضحة ومحددة لمواجهتها، وانحصر سلوكه بمجرد ردود فعل آنية وضربات هنا وهناك، في حين كانت للمشروع الإيراني إستراتيجية وأدوات تنفيذ وبرنامج وموارد، أو على الأقل هكذا كان في نظر خصومه، لكن يتضح أن تلك التقديرات وقعت ضحيّة الدعاية السياسية الإيرانية التي قدمت معلومات جاهزة لم يتم تفحّص حقائقها، وبالتالي إسقاط جملة من الحقائق: أولها أنّ الضربات التي تلقاها المشروع الإيراني، وإن كانت متفرقة، فقد ساهمت بدرجة كبيرة في تثخين جروحه وإنهاك جسده، والحقيقة الثانية أنّ المشروع الإيراني بدأ يواجه بالفعل قوة منظمة تجلت في «عاصفة الحزم»، والحقيقة الثالثة أن هذا المشروع جرى استنزاف احتياط قوته الإستراتيجية (نظام الأسد و «حزب الله» والميليشيات العراقية واليمنية) وعلى المستويات العسكرية والاقتصادية، عبر تفاصيل وتكتيكات هامشية وبقوة احتياطية، في حين ما يزال خصومه يحتفظون بفائض قوتهم الأساسية. وللمفارقة فان الاتفاق النووي الذي ادّعت القوة الحليفة لإيران أنه سيشكل متغيراً فارقاً على صعيد توازنات القوى، هو نفسه الذي كشف عن تهافت قوة إيران، حيث صار مطلوباً منها، وبشكل ملحّ، تسييل هذا المتغير في الوقائع الميدانية وترجمة عوائده السياسية ما أمكن، وعند هذه النقطة انكشفت صورة المشهد أكثر للعالم ولأهل المنطقة بأن المشروع الإيراني دخل مرحلة الضعف منذ زمن من دون أن يلتفت أحد، ربما باستثناء دوائر صنع القرار الغربي التي كانت تملك تقديرات أكثر دقّة عن حقيقة قوة الحلف الإيراني ومقدار تراجعها، وقد يكون ذلك وراء تصريحات مدير وكالة الاستخبارات الأميركية جون برينان التي قال فيها إن «الولايات المتحدة لا ترغب في انهيار نظام بشار الأسد»، وهذا يعني أن أدوات المشروع الإيراني من صنعاء وبغداد إلى دمشق وبيروت صارت تحت مظلة الغرب، ليس بهدف حمايتها أو رعايتها، إنما بانتظار تحقيق تسوية لإخراجها من المشهد وضمان حماية بيئاتها، وهو ما فسره بشكل واضح بعد أيام كلام وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند «لا نرغب في سقوط نظام بشار الأسد، إنما نريد مرحلة انتقال سياسي».
وفي الوقائع صدرت عدة مؤشرات عن انكماش وتراجع قوة المشروع الإيراني ودخوله في مرحلة النهايات:
المؤشر الأول: نضوب الموارد البشرية التي تشكل الأداة الأساسية في توسع هذا المشروع، وقد أقر أحد أركان هذا المشروع، بشار الأسد، بهذه الحقيقة، وهو عندما فعل ذلك لم يكن يتحدث عن مشكلة ساحة واحدة. طبيعي أنه يتحدث عن جسم المحور كله باعتبار سورية أحد أركانه، ذلك أن طهران بعد أن حشدت جميع مواردها التي راهنت عليها، اتبعت إستراتيجية أدت إلى استنزافها من دون تحقيق جدوى مهمّة، فقد لوحظ عند مفاصل ومحطات معينة من الصراع تكثيف إيران لتحشيد أدواتها في معارك موضعيّة ذات أهداف أنية، كالفترة التي سبقت إعادة انتخاب بشار الأسد، وكذلك ربيع هذا العام عندما كانت المعركة الدبلوماسية النووية على أشدها.
المؤشر الثاني: حالة النزق والاستعجال التي باتت تنطوي عليها سلوكيات إيران وأذرعها، وذلك يتجلى من خلال مظاهر عديدة، مثل عمليات الإبادة العلنية التي ازدادت وتيرتها في سورية، وعملية خلط الأوراق عبر استهداف الجولان، وعمليات التطهير العرقي والطائفي في غلاف دمشق، كل هذه المحاولات تؤشر إلى أنّ إيران تسعى إلى التعجيل بإحداث متغيرات تستند إليها لتقوية مواقفها، أقله في الوقت الراهن، بانتظار حصول متغيرات تستفيد منها، ويندرج في هذا الإطار أيضا ما يسمى «مبادرة إيران» لحل الأزمة السورية وكذلك الموافقة على خطة دي ميستورا، وكذلك مساعي روسيا كلها تنطوي في إطار شراء الوقت الإضافي علّ ذلك يساهم في حصول تطورات تغيّر المعادلة.
ولعلّ الإشكالية التي باتت تواجه طهران تتمثل بخروج غالبية أذرعها من حقل المساومة وعدم فعاليتها في هذا المجال، فمن يساوم بعد على منظومة فوضوية مشتتة غارقة في الهزائم مثل منظومة الأسد؟ وكيف يمكن صرف وضع «حزب الله» في السياسة والمساومة الحاصلة في سورية وهو يحتاج لمن يخرجه من هذه الورطة؟ والأمر نفسه ينطبق على المنظومة الحوثية الآيلة إلى التفكك. بالأصل ليس مطروحا أمام هذه التشكيلات سوى طريقين إجباريين، إما استمرار النزف حتى السقوط في الميادين، وإما الخروج والنجاة بأنفسهم من دون أي أثمان سياسية. يبقى أن المشروع الإيراني يمثل نمطاً من المشاريع الصلبة التي تكون مصممة باتجاه واحد لا تعرف المرونة والتعديل وإعادة التقويم، بل يجري الإصرار على اتباع النهج ذاته عبر ترقيعه وتغذيته موسمياً، تارةً بمقاتلين من آسيا وتارةً أخرى بما يتيسر من عوائد نفطية. بناء على ذلك يصعب وضع تقديرات سياسية صحيحة عن خطواته القادمة، لكن المؤشرات الميدانية تشير إلى قرب انتهاء طاقة هذا المشروع واستنفاد جهوده، وأنّ ما يملكه من إمكانات تكفيه لفترة محدودة سقفها أشهر وليس سنوات.

ما فاجأ إيران في اليمن
خيرالله خيرالله/المستقبل/02 أيلول/15
مع مرور الأيّام، يتبين أن القرار العربي القاضي بالتدخل في اليمن، كان منعطفا على الصعيد الإقليمي. فاجأ هذا القرار الذي تمثّل في «عاصفة الحزم» ايران التي كانت تعتقد أنّ الحوثيين، أي «انصار الله» سيكونون قادرين على بسط نفوذهم على كلّ اليمن وسيحوّلون البلد إلى قاعدة تستطيع منها طهران تهديد الأمن الخليجي من جهة والسيطرة على مضيق باب المندب الإستراتيجي من جهة أخرى. لعلّ اكثر ما فاجأ الإيرانيين قدرة التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، على متابعة الحملة العسكرية الهادفة إلى ردّ الحوثيين إلى مناطقهم، وذلك على الرغم من تحالف هؤلاء مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح لأسباب محددة. هذه الأسباب مرتبطة إلى حدّ كبير بالأحداث التي شهدتها عدن في آذار ـ مارس الماضي والتي تمثلت بالهجوم الذي شنته قوات موالية للرئيس عبد ربّه منصور هادي على ثكنة لـ»لقوات الخاصة» (الأمن المركزي سابقا). ويعتبر القسم الأكبر من «القوات الخاصة»، خصوصا تلك التي كانت مرابطة في عدن، مواليا للرئيس السابق الذي لا يزال يتحكّم أيضا بالوية من «الحرس الجمهوري». وهذه الألوية منتشرة في مناطق عدة في اليمن، إن في الشمال أو الجنوب أو الوسط.
كان الإعتقاد السائد في طهران، ولدى مناصريها، مثل «حزب الله» في لبنان، أن الحملة العسكرية التي بادرت إليها السعودية مع حلفائها العرب لا يمكن أن تستمرّ طويلا. هذه الحملة مستمرّة منذ خمسة اشهر. ليس ما يشير إلى أنّها ستتوقف قريبا.
لن تتوقف الحملة إلّا بعد تحقيق أهدافها. كانت استعادة القوات الشرعية لعدن، قبل شهر تقريبا، نقطة التحوّل. كانت نقطة التحوّل الحقيقية والمهمّة، لا لشيء سوى لأنّها المرّة الأولى التي يتلقّى فيها الحوثيون ضربة عسكرية قويّة. إنّها الضربة الأولى لهم منذ العام 2004 تاريخ الحرب الأولى التي خاضها «انصار الله» الذين كانوا ما زالوا يعرفون بـ»الشباب المؤمن» مع الجيش اليمني. بين 2004 ومطلع 2010، وقعت ستة حروب بين الحوثيين والقوات المسلحة اليمنية. في كلّ تلك الحروب، لم يحصل حسم من أيّ نوع كان، خصوصا أن خلفية تلك الحروب كانت التجاذبات السائدة في صنعاء بين علي عبدالله صالح وخصومه من الإخوان المسلمين. في اساس تلك التجاذبات كانت قضية التوريث التي لم يستطع علي عبدالله صالح حسمها والتي استغلها خصومه، على رأسهم اللواء علي محسن صالح الأحمر والشيخ حميد الأحمر إلى أبعد حدود من أجل اضعافه وصولا إلى احداث 2011 التي كانت في الواقع محاولة انقلابية للإخوان المسلمين استهدفت السيطرة على البلد.
خلافا لما كان يؤمن به الحوثيون الذين استطاعوا تجاوز صنعاء والتوجه إلى تعز، للإلتفاف عليها، بعد سيطرتهم على ميناء الحديدة، ظهر بوضوح أنّ هناك أخيرا قوة قادرة على مواجهتهم. هذه القوة عربية ويمنية في الوقت ذاته. لم تكتف القوات العربية باستعادة عدن التي سيطر عليها «انصار الله» بدعم من الموالين لعلي عبدالله صالح، بل استطاعت ايضا اعادة الحياة إلى قسم من الوية الجيش اليمني الذي بقي مواليا للشرعية والذي لم يستطع عبد ربه منصور هادي، عندما كان في صنعاء، توظيفه في مشروع يخدم السلطة الشرعية.
استطاع التحالف العربي كسر المشروع الإيراني في اليمن. اكثر من ذلك، لم يعد بعيدا اليوم الذي ستعود فيه الشرعية إلى صنعاء. المهمّ أنّ التحالف العربي تمكّن من تجميع اليمنيين حول مشروع قادر على التصدي لإيران والحوثيين الذين يشكلون رأس حربة لمشروعها في اليمن.
ليست عدن وحدها التي خرجت من تحت سيطرة الحوثيين، بل كلّ المحافظات الجنوبية. وقسم من مناطق الوسط اضافة إلى مأرب التي كان الرهان الإيراني على اختراقها للتمدد في اتجاه شبوه وحضرموت.
حققت «عاصفة الحزم» جزءا كبيرا من اهدافها. أظهرت قبل كلّ شيء أنّ العرب ما زالوا قوة في المنطقة وأنّهم قادرون على التصدّي للمشروع الإيراني الذي بات يشكل حاليا أكبر تحدّ لهم، خصوصا بعد التطور الخطير الذي شهده العراق في العام 2003.
ما يؤكّد أهمّية ما حصل اليمن منذ انطلاق «عاصفة الحزم» قبل خمسة اشهر وانعكاسات ذلك على الصعيد الإقليمي التراجع الذي يشهده اليوم المشروع التوسعي الإيراني القائم على الإستثمار في الغرائز المذهبية. هذا التراجع صار ظاهرا في العراق وصار ظاهرا في سوريا وصار واقعا في اليمن. ربّما كان هذا التراجع يفسّر إلى حدّ كبير الهجمة الإيرانية على لبنان والضغوط التي تمارس على حكومة الرئيس تمام سلام والتركيز الخاص على وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يجسّد خط الدفاع الأوّل عن مؤسسات الدولة اللبنانية، ممثلة بقوى الأمن الداخلي. فقوى الأمن بفروعها المختلفة باتت ترمز حاليا، مع مؤسسة الجيش، إلى ما بقي من الدولة اللبنانية. مع اقتراب موعد معركة صنعاء، دخل الوضع اليمني مرحلة جديدة. صحيح أنّ التحالف العربي تمكن من وضع نهاية للمشروع الإيراني في البلد. لكنّ الصحيح أيضا أنّ الحوثيين سيعملون من الآن فصاعدا على تحصين شمال الشمال. وهذا يفرض اعادة مدّ الجسور مع كلّ القوى، خصوصا القوى القبلية وغير القبلية، التي يمكن أن تساعد في افشال مشروع الدويلة الحوثية.
عاجلا أم آجلا، ستبرز الحاجة إلي التفكير في كيفية ايجاد قيادة يمنية قادرة على ان تكون واجهة مقبولة من الجميع، في الشمال والجنوب والوسط. والأمر الذي لا شكّ فيه أن حكومة خالد بحاح يمكن أن تكون نواة لما يمكن أن تكون عليه القيادة الجديدة التي تؤمن بأن لا أحد يستطيع الغاء أحد في اليمن. ما لا يمكن تجاهله أنّ تسمية خالد بحاح رئيسا للوزراء، جاءت بعد دخول الحوثيين صنعاء. هؤلاء لم يعترضوا عليه، كما لم يعترضوا على وزرائه. كان الاعتراض على احمد عوض بن مبارك، مدير مكتب الرئيس هادي الذي اصبح الآن سفيرا لليمن في واشنطن. من الآن، ثمة حاجة إلى التفكير في كيفية اعادة تركيب اليمن الجديد عبر مشروع للمصالحة الوطنية يأخذ في الإعتبار أن الدولة المركزية التي تحكم من صنعاء صارت جزءا من الماضي… كذلك العودة إلى مشروع الدولتين، أو الإقليمين في الشمال والجنوب.
تحقّق الكثير في اليمن في الأشهر الخمسة الأخيرة، خصوصا في مجال التصدي لإيران. لكن اليمن ما زال في حاجة إلى الكثير في مجال التصدي للفقر واعادة بناء ما دمرته المعارك الأخيرة… فضلا عن منع صعود «القاعدة» التي تنمو دائما وتتوسع من خلال الحضن الدافئ للإخوان المسلمين. هؤلاء سيسعون إلى اعادة عقارب الساعة إلى خلف وسيشكلون أكبر خطر على اليمن في مرحلة ما بعد التخلص من المشروع الإيراني الذي سعى الحوثيون إلى تنفيذه على مراحل منذ ما قبل المواجهة الأولى مع القوات الحكومية في 2004.