حسين شبكشي: الحرب العالمية الثالثة: ذكية/ميشال أبو نجم: الدبلوماسية الروسية ومصير الأسد

467

الحرب العالمية الثالثة: ذكية؟!
حسين شبكشي/الشرق الأوسط/27 آب/15
كل فترة وأخرى تخرج علينا وسائل الإعلام المختلفة لتنقل حادثة اختراق أمني لمواقع إلكترونية شخصية أو رسمية أو أمنية أو تجارية، وتكون هذه الاختراقات بالغة الحساسية والدقة. وفي اعتقاد معظم المحللين والخبراء الأمنيين أن ما يحدث من مناوشات منها المعلن وغير المعلن هو جولات خفية في الحرب «الجديدة»، الحرب الفعالة بالتكاليف الأقل والنتائج الأكثر تأثيرا. إنه عصر الحروب الجديدة بامتياز. حروب سيكون الاعتماد فيها على تقنية متقدمة للغاية؛ على الإنسان الآلي المتطور، على الأقمار الصناعية، على الطائرات دون طيار، على أعداد أقل من المقاتلين ولكن بفعالية أكثر، ولكن الأهم ستكون حروبًا معلوماتية في المقام الأول. ولعل من أهم مؤشرات التغيير القادم المستقبلي هو ما تنتجه الكتب والأفلام الأميركية في هذا المجال. فلقد أقبل القراء في الولايات المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي الميلادي على نمط قصص الحروب القادمة وتحديدًا عبر كتب توم كلانسي التي باتت معيارًا يلهم كتابًا آخرين مع انتشار ونجاح مؤلفاته التي كانت تمزج خليطًا دقيقًا بين الخيال والواقعية والدراما والفنون القتالية والخطط العسكرية والتقنية الدقيقة المستقبلية. وقراء توم كلانسي يعرفون مدى أهمية كتبه ومدى تأثيرها، فلقد كتب منذ فترة ليست بالقليلة عن أنظمة رادارات وأجهزة رصد معقدة وطائرات خفية لا تظهر وأنظمة تقصي وتتبع العدو، كل ذلك قبل أن تعلن عنه الولايات المتحدة صراحة. والآن مع وجود كثير من المعطيات الجيوسياسية المستجدة المتعلقة بالتطور والنمو الملحوظ للصين، وإدراك أميركا تمامًا للخطر المنتظر منها عليها، ولذلك كانت هناك رواية جديدة من ذات «النفس» الخاص بتوم كلانسي بعنوان «الأسطول الشبح الصيني.. الحرب العالمية الثالثة القادمة»، وهي رواية جريئة تتخيل شكل وسيناريو الحرب العالمية المتوقعة بين الصين والولايات المتحدة وأهم المعطيات التي ستتسبب فيها وأهم الأدوات التي ستستخدم، وترى الرواية عالمًا جديدًا بعد سنوات قليلة يتقاسم السيطرة عليه قوة مؤثرة وصاعدة هي الصين والتي خرجت من هيمنة الحزب الشيوعي الحاكم ويسيطر على مجريات الأمور فيه حفنة من رجال الأعمال المؤثرين ومجموعة من رجال الجيش يواجهون إمبراطورية قدمت وتعبت وإلى أفول وهي الولايات المتحدة. وتتخيل الرواية أجواء حياتية جديدة ومغايرة مستوحاة تمامًا من إلهام الخيال العلمي الثري، فتقنية الروبوت هي المسيطرة وعلوم النانو هي الأساس وتطورت لتصبح وسائل مساندة في كل شيء؛ غرف نظيفة، وأدوات تنصت بالغة الدقة، وطائرات وغواصات تدار عن بعد، وحسم المعارك يكون في الفضاء وعلى الشاشات المعلوماتية قبل أن يكون بالقذائف والرصاص كما كان قديمًا.
الشرارة الأولى للحرب المتخيلة كما تصورها الرواية هي تدمير أقمار التواصل الصناعي العسكري لأميركا عن طريق سلاح ليزر لتسلب الصين أميركا أهم أدواتها القتالية وهي القدرة الرقابية الاستباقية وقدرة التحكم، وجاءت هذه المرحلة بعد «حادثة» متخيلة أن قنبلة نووية في الخليج العربي يخرج المنتجون فيه من السوق ثم تبرم أميركا اتفاقا هشًا وضعيفًا وركيكًا مع الصين لتوريد النفط مقابل السلع ثم تكتشف الصين احتياطات مهولة من الغاز في مضيق ماريانا مقابل الفلبين فلا تعود مقيدة باتفاق أميركا، وتبدأ الرواية في تتبع أحداث الحرب وتساقط الطائرات والغواصات والتي أصبحت أهدافا سهلة للصين بعد أن فقدت أميركا السيطرة عليها. هكذا تتخيل الرواية الحرب القادمة؛ انتصار الصين ذات التقنية الآلية الميكانيكية القديمة أمام الآلة الحربية الأميركية المعتمدة على التقنية الحديثة حتى باتت مهددة بسبب ذلك. الكتاب يريد في رسالة منه استلهام «فن الحرب» بصورة جديدة برؤية عصرية لمؤلفها الصيني العبقري «صن تزوي»، وترغب الرواية في تحذير إدارة الحرب الأميركية وإحراج آلة الصناعة الرأسمالية ورغبة في نقدها لتغيير أسلوبها الذي يهددها.
الحرب الجديدة لم يعرف العالم مثلها، وما يحدث من تحكم ومناورات ما هو إلا مقدمات لحرب ذكية في ظاهرها وغبية في أهدافها. الحرب العالمية الثالثة قادمة ولكنها غير كل مرة.

الدبلوماسية الروسية ومصير الأسد
ميشال أبو نجم/الشرق الأوسط/27 آب/15
تجتهد الدبلوماسية الروسية للعب دور «الوسيط» الساعي إلى حل سياسي تقبله جميع الأطراف للحرب في سوريا التي أوقعت وفق الأمم المتحدة ما يقارب الـ240 ألف قتيل وشردت 13 مليون إنسان ودمرت البنية التحتية وفتحت البلاد أمام المنظمات الإرهابية وتمددت إلى العراق، وهي تهدد لبنان والأردن وتركيا وبلدان الخليج. خلال الأسابيع الأخيرة، راحت الدبلوماسية الروسية تتحرك في كل الاتجاهات: الوزير لافروف كان في الدوحة لاجتماع ثلاثي مع نظيريه الأميركي والسعودي بينما نائبه بوغدانوف زار طهران والتقى، إلى جانب المسؤولين الإيرانيين، وزير الخارجية السوري. والثلاثاء، استضافت موسكو وزير الخارجية السعودي بعد أن كانت قد استضافت نهاية يونيو (حزيران) الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع.. والدبلوماسية الروسية لا تنسى تركيا التي تتواتر الزيارات إليها بشكل غير منقطع، كما لا تنسى المعارضة السورية التي يصل بعضها إلى موسكو في الساعات القادمة من أجل جولات جديدة من المشاورات. والدبلوماسية الروسية تتشاور باستمرار مع واشنطن وأكثر من اجتماع ضم لافروف وكيري خصص للملف السوري ولنقاط التقارب بين العاصمتين التي يمكن تلخيصها بما يلي: الأولوية لمحاربة الإرهاب و«داعش» في سوريا «والعراق»، وبعد ذلك سنرى. وباختصار، يمكن رسم إطار التحرك الروسي بالقول إن موسكو تتواصل مع كل الأطراف الفاعلة محليا (باستثناء التنظيمات الإرهابية) وإقليميا ودوليا لغرض طرح نفسها وسيطا مقبولا والإمساك بعدد كبير من الأوراق للعب بها. هذا واضح، ولكن الأمر الأقل وضوحا يتمثل بالسؤال التالي: ما الخطة الروسية ولأي غرض؟ إذا كان هدف موسكو حقيقة العمل على ترجمة خطة الرئيس بوتين التي طرحها في شهر يونيو الماضي والداعية إلى إقامة تحالف دولي ضد الإرهاب يضم دولا إقليمية (تركيا، السعودية، الأردن، سوريا) وخارجية بالتوازي مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، فإن هذه الخطة لن تكلل بالنجاح بسبب رفض أطراف فاعلة السير فيها وأولها المملكة العربية السعودية. والسبب أن موسكو تريد ضم النظام السوري إلى المنظومة التي تسعى إلى إقامتها بحجة أنه «يقاتل داعش». لذا، فمن الواضح أن المساعي السورية لن تذهب بعيدا، وهذا ما أشار إليه الوزير الجبير صراحة عقب لقائه لافروف في موسكو يوم الثلاثاء الماضي.
تسعى موسكو للترويج لعدد من الأفكار والمبادئ «السهلة» التي تريد أن تكون أساسا لإعادة تشكيل المواقف، بل لإعادة اصطفاف الأطراف المعنية وفق الرؤية الروسية. والأسانيد التي يرتكز إليها الوزير لافروف أصبحت واضحة ومعروفة: لا أحد يريد أن يرى «داعش» في دمشق، سقوط الأسد يعني وصول «داعش»، الأسد لا يهدد أي بلد بعكس «داعش» التي تهدد الجميع بمن فيهم روسيا…
ليس من شك أن بلدان المنطقة تستشعر خطر الإرهاب وغالبيتها منضوية في التحالف الدولي الذي يقصف مواقع «داعش» في العراق وسوريا منذ أغسطس (آب) الماضي. وبعض ما تركز عليه الدبلوماسية الروسية لا يجافي الصواب، لكن عيب منطق موسكو أن الخلاصات التي تصل إليها موضع جدل، إذ كيف يمكن أن تتصور أنها قادرة على تسويق فكرة «تعويم» الأسد عبر بوابة الإرهاب من غير أن توفر للأطراف التي تخاصمه أو تقاتله ضمانات حول ابتعاده عن السلطة بعد مرحلة انتقالية محددة يتم خلالها تشكيل هيئة حكم تؤول إليها السلطة بموجب مبادئ جنيف للحل السياسي؟ وعندما يثار هذا الجانب من المسألة فإن الدبلوماسية الروسية تختار أسهل الأجوبة بحيث تردد ومن غير اقتناع أنه يعود للشعب السوري أن يحدد المرحلة الانتقالية ومصير النظام. لكن تبين أن الشعب السوري ليس من يمسك بزمام مصيره وأن النظام ليس في وارد التخلي عن السلطة ولا التعاطي مع المعارضة لأن كل معارضة -بحسب مفهوم الوزير المعلم- «إرهاب» والنظام «لا يتعاطى مع الإرهابيين».
الحقيقة أن كثيرين من الذين يتعاطون بالشأن السوري «حائرون» إزاء ما تريد موسكو الوصول إليه. فبعض التسريبات يفيد بأن ما يهم الكرملين ليس شخص الأسد، بل بقاء الدولة السورية ومؤسساتها والمحافظة على المصالح الروسية في شرق البحر الأبيض المتوسط وإعادة فرض موسكو لاعبا أساسيا في المنطقة لا يمكن تجاهل مواقفه أو مصالحه وحماية روسيا والجمهوريات المحيطة بها من خطر الإرهاب والتشدد الإسلامي. ومنذ أيام، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن بوتين «لم يعد متمسكا بالأسد»، بينما نقل عن لافروف قوله لوزراء غربيين أن بلاده «ليست متزوجة الأسد»، ما يعني أنها مستعدة للنظر في مصيره ولكن «شرط توفر البديل». ولإعطاء هذه الفرضية المصداقية اللازمة يتعين البحث عنه في التحولات الميدانية، إذ لم يعد الأسد قادرا على القتال في كل الجبهات ولا على وقف تراجع مواقعه المستمر، ناهيك بإعادة الإمساك بسوريا. وبالمقابل، فإن المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الجبير ولافروف في موسكو بين أن روسيا ما زالت متمسكة بالأسد وأن تفسيرها لبيان جنيف الصادر في نهاية يونيو عام 2012 لم يتغير، وهي ترى وتؤكد أنه لم يشر إلى تنحي الأسد وأن مصير النظام رهن بإرادة السوريين. بعد نحو أربعة أعوام ونصف من الحرب في سوريا، تعود عقدة «مصير الأسد» لتجهض التصورات والحلول المطروحة. بالطبع، حصلت متغيرات خلال شهر يوليو (تموز) وما انقضى من الشهر الحالي من شأنها المساعدة على إخراج الوضع من عنق الزجاجة. وأبرز التحولات الاتفاق النووي الإيراني – الدولي وتغير الموقف التركي وخطط إردوغان في سوريا وخصوصا الوعي الروسي – الإيراني أن مسار الأمور في سوريا «ليس لصالح الأسد»، الأمر الذي أشار إليه الرئيس أوباما شخصيا، معتبرا أن «نافذة» قد فتحت للعثور على حل سياسي في سوريا يقول الجميع إنهم يبحثون عنه. في ظل هذه المعطيات، تبدو المسؤولية الروسية كبيرة للغاية وتبدو موسكو ممسكة بالمفتاح الأول بسبب رعايتها الدولية للنظام السوري والمظلة الدبلوماسية – السياسية التي توفرها له في مجلس الأمن ومساعيها لإخراجه من الزاوية الضيقة عبر إعادة تأهيله، بيد أن الوصول إلى نتائج جدية يفترض أن تحسم موسكو مواقفها وأن تطرح خطة يمكن التوافق عليها لجهة السير بمرحلة انتقالية وفق منطوق بيان جنيف على أن يخرج الرئيس السوري من الصورة في مرحلة من المراحل مع توفير ضمانات صلبة لذلك. لكن تبقى في الأفق علامات استفهام كثيرة، أولها يتناول موقف طهران ومدى تناغمها مع الطروحات الروسية واستعدادها للتعاون، وخصوصا الثمن الذي تطلبه. والحال أن وزير الخارجية الفرنسي الذي زار طهران مؤخرا عاد بانطباع أن لا تغيرات في الأفق الإيراني على الأمد القصير. لذا تبدو الأسابيع والشهور القادمة حاسمة لجهة المسار الذي ستسلكه الأزمة السورية، إما باتجاه مزيد من المعارك بحثا عن حسم عسكري لا يبدو قريب المنال إن لم يكن مستحيلا إذا بقيت المواقف على حالها، وإما السير نحو تسوية سياسية لا يظهر أنها أصبحت اليوم على بعد رمية حجر.