سمير السعداوي: طلعت ريحتهم من زمان ولكن/اميل خوري: معطّلو انتخاب رئيس للبنان هم المسؤولون عن تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب/مرح البقاعي: تعويم النظام السوري

316

«طلعت ريحتهم من زمان» ولكن...
|سمير السعداوي/الحياة/25 آب/15

لا يختلف اثنان على منطلقات حملة «طلعة ريحتكم»، المقصود منها الإشارة الى رائحة الفساد في الوسط السياسي اللبناني والذي انعكس شللاً في التعاطي الرسمي مع أمور يفترض أن تكون بديهية مثل إزالة القمامة من الشوارع. السجال المستحقّ الآن هو حول آفاق هذا التحرك الذي ربما يكون حُمّل أكثر مما يتحمل لجهة الرهان عليه مشروعاً يتيماً خارقاً للطوائف والانقسامات، في حين لا يستطيع مضاهاة الطبقة السياسية تنظيماً وقدرة على الحشد وإثارة الغرائز. والجدل أيضاً حول جدوى رفع شعارات من نوع «إسقاط النظام» من دون وجود بدائل وآليات مناسبة للتغيير. «طلعت ريحتهم… من زمان» والمطالب التي حملها آلاف من المتظاهرين إلى الشارع نهاية الأسبوع الماضي، محقة ومستحقة، لولا اختراق الحراك من جانب من أُطلقت عليهم صفة «مندسين»، وثمة ترجيحات أن يكونوا «مدسوسين» من قبل هذه الجهة أو تلك، لتخريب الحراك برمته، بتحويله إلى أعمال عنف تبرر قمعه بكل الوسائل المتاحة. معظم السياسيين اللبنانيين وعلى اختلاف توجهاتهم، أيّد بدهاء معهود، المطالب التي نزل الناس إلى الشوارع من أجلها، منادين بتأمين الخدمات ووقف المحاصصات وإهدار المال العام. لكن التأييد السياسي للحراك الشعبي ظل بمعظمه، مصلحياً واعتباطياً، من دون بحث معمق في كيفية الوصول الى آلية لتنظيف البلد من «النفايات السياسية»، التعبير الذي بات متكرراً في وسائل الإعلام، ويُستدل من تعميمه على أنه سيبقى تعبيراً لتنفيس الاحتقان وتقاذف المسؤوليات، لا يرقى إلى مستوى التحوّل شعاراً لتغيير. والمأزق أن المطالب التي رفعها بعض المتظاهرين لجهة «إسقاط النظام» تبدو غير ناضجة، فماذا لو استقالت الحكومة ومعها المجلس النيابي؟ من يسيّر أمور البلاد حينها؟ وهل ستبقى بعدها هيبة لشرطي أو رجل أمن لتدارك فوضى واعتداءات محتملة على الأملاك العامة والخاصة؟ في غياب الحكومة ومجلس النواب وطبعاً الفراغ الكبير في كرسي الرئاسة، ثمة جدل كبير حول إمكان إجراء انتخابات لإعادة تكوين سلطة بديلة، وهو جدل يكاد يتحول بيزنطياً كسائر السجالات في لبنان، لكن السؤال يتناول أيضاً مدى قدرة المجتمع على إفراز طبقة سياسية جديدة خالية من «ثقافة» الفساد ومنطق المحاصصات، أو أن هذا الفرع المهترئ من جذع عطيب، وعندها الخوف ألا ينفع تقليم حتى يصل إلى حد اقتلاع الجذع وتلك طامة كبرى.
ربما أوحت الأحداث في شوارع بيروت نهاية الأسبوع الماضي، أن ثمة ربيعاً تهب نسائمه على البلاد، لكن أي ربيع متوقع في ظل الشواهد المخيفة في المنطقة، ومن دون قيادات سياسية تتبنى مشروعاً لدعم الحرية والتداول السلمي، وأيضاً تضبط سلوك المجتمع وتقدم نفسها نموذجاً ومرجعية للقيم، لينعكس ذلك على أداء المؤسسات. لا ربيع متوقعاً ما لم يتضمن مشروعه التأسيسي عملية تنمية شاملة بعيدة من المحاصصة في ظل تكافؤ الفرص، وذلك من أجل تعميق إيمان الناس بالدولة بدل إبقائهم أسرى مجتمع يتنافس على التقرب الى السلطة لتحقيق المكاسب وانتزاع الحقوق بحدها الأدنى. وربما يكون المدخل الوحيد لتغيير تدريجي وبطيء، هو إجراء انتخابات بقانون متطور، خارق للمحاصصات، يعطي حينها اللبنانيين فرصة ويضعهم أمام امتحان صعب، هو اختيار كفاءات على قدر كبير من التعفف والنزاهة لتمثيلهم في المجلس النيابي ووضع آليات مناسبة لمعالجة التدهور في الأوضاع المعيشية والتعامل بشكل ملحّ مع تفاقم الدين العام. فهل يمكن إجراء انتخابات، من دون إنجاز الاستحقاق الرئاسي أولاً؟
وأضاف “نبغي التحرك بحيث يتم فضلا عن تطوير العلاقات, تغيير الاحكام التارخية للشعب تدرجيا”. واعتبر “الأجواء الناجمة عن الاتفاق النووي اجابية للغاية”, داعيا ايران وبريطانيا الى الاهتمام “بالمصالح المشتركة لشعبهما والمنطقة, على البلدن تغير علاقاتهما التجارة الى علاقات اقتصادية مثمرة”. ومساء أول من أمس, وصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إعادة افتتاح السفارتين الإيرانية والبريطانية, ب¯”البداية الجديدة” في العلاقات بين البلدين. وأشار ظريف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع هاموند, إلى وجود خلافات في وجهات النظر بين البلدين حيال بعض المواضيع, مؤكداً تطابق آراء الطرفين بشأن ضرورة تقييم الإمكانات التي يمتلكها البلدان, ومجالات التعاون بينهما. وأشار ظريف إلى أن العلاقات الإيرانية الأميركية مختلفة عن العلاقات مع بريطانيا, داعيا الولايات المتحدة إلى تغيير الممارسات التي تتبعها تجاه إيران.

 معطّلو انتخاب رئيس للبنان هم المسؤولون عن تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب
اميل خوري/النهار/25 آب 2015

صار واضحاً للقاصي والداني أن من تعمدوا تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية هم المسؤولون عن تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب، وهم الذين دسّوا في تظاهرة الاحتجاج على النفايات من حوّلوها إلى أعمال شغب تدعو ليس إلى إسقاط الحكومة فحسب، بل إلى إسقاط النظام… ولإدخال لبنان في الفراغ الشامل وفي فوضى المنطقة ليرتفع عندئذ ثمن حل إخراج لبنان منها. أفلا يتساءل من يذهبون بلبنان إلى الهاوية أن جميع اللبنانيين، وهم منهم، يتضرّرون من كل ذلك ولا أحد سواهم، وأنهم يخطئون إذا تصوّروا أنهم يخدمون اللبنانيّين عندما يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية وعمل الحكومة وعمل المجلس، بل يخدمون خارجاً يضمر الشر للبنان بوضعه بين خيارين: السيئ والأسوأ، أي حكومة سيئة ورحيلها أسوأ في ظروف صعبة ودقيقة لا بديل منها سوى الفراغ الشامل.
لذلك على من يريدون “تشريع الضرورة” في مجلس النواب أن يجعلوا انتخاب الرئيس هو الضرورة التي لا ضرورة قبلها. وعلى من يريدون عقد جلسات مجلس الوزراء بشروطهم أن يجعلوا مصلحة الناس قبل مصالحهم. وما على الرئيس تمام سلام في هذه الحال سوى ان يقوم بواجبه الوطني إذا تخلى الآخرون عن القيام به، فيدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد ويضع جدول أعماله وفقاً لما نص عليه الدستور وليس وفقاً لأي تفسير خاطئ أو اجتهاد ليقرّ ما يهم الناس وليس ما يهم وزراء المصالح أو مصالح وزراء يعتمدون سياسة النكايات في حل مشكلة النفايات إذا أقفلت في وجوههم أبواب السمسرات، ويحمّل كل من يتغيّب عن الجلسة، خصوصاً تلك المخصصة للاهتمام بأولويات الناس، المسؤولية، وأن ينشر محضر كل جلسة كي يطلع الناس عل موقف كل وزير من المواضيع المطروحة علّ الشعب يحاسبهم يوم الانتخاب. وعلى الرئيس نبيه بري من جهته دعوة مجلس النواب لعقد جلسات يقر فيها المشاريع الحيوية والمهمة ولا سيما ما يتعلق منها بالأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ويحمّل كل من يتغيّب عنها المسؤولية سواء بذريعة أن لا تشريع في غياب رئيس الجمهورية، مع أنهم هم المسؤولون عن عدم انتخابه، أو بذريعة أنهم يريدون هذا المشروع لأنه ضروري وليس ذاك ليصبح الخلاف على تصنيف ما هو ضروري وما هو غير ضروري معطلاً عمل كل المؤسسات، وعندها يكون الفراغ الشامل الذي يسقط الجمهورية ويفتح الباب للبحث في إقامة جمهورية جديدة قد لا يبقى جمهور لها بفعل الهجرة الواسعة والهرب من الفقر والبؤس والتشرد. والأغرب من كل ذلك أن ثمة من يعتبر مجلس النواب غير شرعي لأنه ممدد له ويطلب منه في الوقت عينه انتخاب رئيس للجمهورية وإقرار مشاريع ضرورية قبل انتخاب الرئيس وهو أكثر ضرورة من أي مشروع.
الواقع أن لوضع جدول أعمال مجلس الوزراء نصاً واضحاً في الدستور، ولوضع جدول أعمال مجلس النواب نصاً في نظامه الداخلي، كما أن لفتح دورة استثنائية نصاً واضحاً أيضاً، فلا يحق إذاً لأحد أن يتلاعب بالدستور خدمة لمصالحه أو لأهوائه السياسية ويخضع كل ذلك لشروطه. فعلى الرئيس سلام إذاً تطبيق الدستور في جلسات مجلس الوزراء ولا سيما المادة 65 التي تنص على الثلثين للموافقة على مواضيع حددتها هذه المادة وعددها 14، وعلى النصف زائدا واحداً في المواضيع الأخرى عندما لا يحصل توافق. وعلى الرئيس بري ان يدعو مجلس النواب الى جلسة ولا يستجيب لرغبة المعطلين لغايات شتى لتكشف الجلسة حقيقة نيات من يحضرها ومن لا يحضرها. أفلا يكفي أن يتأتى ضرر من تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية حتى يضاف اليه ضرر تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب خدمة لمن يضمرون شراً للبنان؟ فلا استقالة الحكومة ولا تعطيل جلسات مجلس النواب يؤديان الى انتخاب رئيس للجمهورية، بل يزيدان الضرر ضرراً. وإذا كانت استقالة الحكومة ممنوعة فإن تنشيط عملها غير ممنوع، وعلى الرئيس سلام ايضا ان يلقي المسؤولية على المعرقلين، ونذكّر هنا بحديث له أدلى به في حزيران الماضي وقال فيه: “أخشى على لبنان وكل شيء فيه، فالوعي والادراك المطلوبين من القوى السياسية كافة هو اليوم على المحك. وكما يعلم الجميع هناك صراع سياسي يصب في أسماء وأشخاص وفي أمكنة بعيدة عما أنا شخصياً أراه في هذه المرحلة من ضرورة ممارسة سياسة التوافق، فلا مجال اليوم للمناكفات والصراع السياسي ولا لتسجيل مكسب من فريق على آخر، بل المطلوب التمسك بالتوافق الذي جاء بالحكومة ويجب أن يأتي برئيس للجمهورية. فهذا التوافق في هذه المرحلة الصعبة هو السبيل والملجأ للخروج من الأزمة السياسية التي نتخبط فيها”. فهل من يسمع وهل من مستجيب، خصوصاً بعدما حدد سلام في مؤتمره الصحافي الأخير موقفه بوضوح مما جرى وما قد يجري، وربط فقدان صبره بفقدان صبر الناس ونتائج جلسة مجلس الوزراء المقبلة

تعويم النظام السوري
مرح البقاعي/الحياة/25 آب/15
هل الرحلات المكوكية التي قام بها وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم بين العواصم الحليفة، متبوعة بزيارة غير مسبوقة منذ اندلاع الثورة السورية في 2011 لبلد عربي لم يقطع علاقاته الديبلوماسية مع حكومة دمشق وهو سلطنة عُمان، تعبير عن بلوغ النظام حالة من الدرك والتهتك لم يعد ينفع معها الصمت على الوضع الميداني الميؤوس منه لمن لم ينشق بعد أو يْقتل من أفراد جيش الأسد، أم أنها وليدة مناخ إقليمي متبدّل الأهواء حيث بدأ حلفاء الأسد يراجعون مواقفهم بما يتلازم مع مصالحهم السياسية في المنطقة والعالم؟
فالحليف الصعب روسيا كان قد سحب العديد من كبار مستشاريه من الذين كانوا يمدّون نطام الأسد بخطط استراتيجية، عسكرية وسياسية، تساعده على الوقوف على قدميه لأطول فترة ممكنة. وبدأ الكرملين يبث رسائل سياسية وإعلامية تشي بتذمُّر موسكو من شدّة توغل الأسد في العنف وامتناعه عن قبول النصائح بما فيها ما يقدّمه له حلفاؤه، حتى أن طهران التي دخلت النادي الدولي من أعرض أبوابه إثر توقيعها مع الدول الكبرى للاتفاق النووي العتيد، تحدّث رئيسها حسن روحاني عن «مذهب ثالث» ستعتمده إيران في قضايا حاسمة في اليمن وسورية، وسيتطلب هذا بعض التضحيات. والتضحية الكبرى طبعاً بالنسبة الى إيران ليست سوى تغيير موقفها المتشدّد في حمايتها المطلقة للنظام السوري ورأسه، والاكتفاء بحماية مصالحها السياسية والعقيدية في سورية بغض النظر عمن يحكمها أو سيحكمها.
وتأتي المبادرة الإيرانية بمثابة بالون اختبار تطلقه القيادة الإيرانية لقياس مدى تجاوب المعارضة السياسية السورية، القابعة في إسطنبول والممثلة بالائتلاف السوري، مع إمكانية إيجاد صيغة بديلة لـ «جنيف-1» تضمن انتقال السلطة بواسطة حكومة مختلطة، ومن غير أن تأتي تلك المبادرة على ذكر مصير الأسد وكل من شارك في قتل أبناء الشعب السوري على مدى السنوات الأربع الأخيرة، هذا ناهيك عن جرائم الأسد الأب على مدى ثلاثة عقود. وليس في ما ورد في المبادرة من طروحات تتعلق بتعديل للدستور تليه انتخابات عامة ومراقبة دولياً على المستويين البرلماني والرئاسي أي جديد يغري أو يهدّئ من روع لسببين رئيسين: الأول أننا سبق أن سمعنا هذا الاقتراح مباشرة من بنت شفة وزير الخارجية الأميركي جون كيري في لقائنا الرسمي معه خلال زيارة الزميل معاذ الخطيب لواشنطن في آذار (مارس) الفائت، ما يجعل الأمر مختلطاً عن طبيعة هذه المبادرة: هل جاءت إيرانية أم أميركية، أم وليدة حوارات بين الوزيرين كيري وظريف خلال جلساتهما المطولة، والتي بالتأكيد كان للشأن السوري حصة الأسد منها. أما السبب الثاني فمعرفتنا الأكيدة بأن هناك أطرافاً في المعارضة قد ترضى بهذه التسوية ليس لإيقاف نزيف الدم السوري وحسب، بل للوصول إلى مواقع في السلطة ولو جاءت بمشاركة ضعيفة لن تتعدى حقيبة وزارية أو اثنتين لوزارات غير سيادية. إن التوافقات التي خلص إليها لقاء الوزير الأميركي كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في العاصمة القطرية الدوحة، والتي ظهرت تباشيرها في تصويت روسيا في مجلس الأمن لمصلحة مشروع القرار 2235 والذي ينص على تشكيل لجنة استقصاء وتحقيق في هجمات غاز الكلور في سورية، وهو قرار يمسّ النظام السوري في شكل مباشر كون الغارات الكيماوية كانت تتم بواسطة الطائرات التي لا تملكها المعارضة بالطبع بل هي من أدوات النظام القتالية حصراً، هذه التوافقات ستفضي إلى تحويل مسار جنيف المفاوض باتجاه تفعيل طاولة الحوار في موسكو بين طرفي المعارضة والنظام بعدما وافق الائتلاف السوري على الدعوة التي وُجّهت إليه لزيارة موسكو إثر رفضه المتواصل للقيام بها. فصل المقال أنه في علم الاقتصاد هناك مصطلح يدعى التعويم، وهو يعني في ما يعنيه «تحرير سعر الصرف للعملات الأجنبية في مقابل العملة الوطنية وإطلاق قوى العرض والطلب لتُحدِّد قيمة تلك العملة الوطنية». فإذا كانت عملة الثورة ستخضع للعرض والطلب الإقليمي والدولي، وإذا كانت الولايات المتحدة وبعض الدول التي استثمرت و «سمِّنت» الائتلاف السوري لموسم «الأضحى» المرتقب، تريد تعويم النظام السوري في مقابل مكتسبات ضيقة وآنية لن تحل تعقيدات الأزمة السورية المترامية الأطراف أو تضبط فوضى انتشار السلاح على الأرض، إذا صح هذان الاحتمالان أو أحدهما فلن يكون مصير المبادرة الإيرانية (أو الأميركية بالتناغم والتخاطر السياسي) أفضل من مصير مؤتمري «جنيف-1 و2» مجتمعين، ولن تكون محاولة تعويم النظام تالياً سوى مسمار آخر يُدقّ في نعشه، ولكن بيد حلفائه هذه المرة.