صلاح سلام: التيار العوني ومهاوي الفوضى القاتلة/فاطمة عبدالله: آخر إبداعات دولة الفساد: جدار الفصل في بيروت/أسعد حيدر: لماذا فشلت وأفشلت «حركة 6 ابريل» اللبنانية

333

لماذا فشلت وأفشلت «حركة 6 ابريل» اللبنانية؟
أسعد حيدر/المستقبل/25 آب/15

الرصاص المتعدد المصادر الذي لعلع بسبب وبلا بسبب، وخراطيم المياه الضاربة، وهجمات رجال الأمن الحذرة، ليست وحدها التي فشلت وأفشلت تحرك حركة «طلعت ريحتكم» المدنية في ساحة رياض الصلح. حتى «المندسون» العراة الصدور، الذين نجحوا في تحويل مسار «الحركة»، كانوا مجرد «رسائل» للمدنيين بأن الشارع كان لهم، وهو لهم، وسيبقى لهم. أسباب هذا الفشل عديدة منها الكامن ومنها الظاهر، ومنها الذاتي ومنها الموضوعي. في الأساس أن النظام اللبناني، ليس كما يعتقد البعض نظاماً هشًّا من السهل فكفكته وضربه. إنه نظام معقد جداً. هذا التعقيد هو الذي ابقاه ويبقيه رغم الحروب الأهلية. و«حركة 6 ابريل» في مصر نجحت لأن النظام ليس مركباً. تلاقت مطالب القوى المدنية مع قلق المؤسسة الوطنية الكبرى أي الجيش، فسقط حسني مبارك. في لبنان النظام اللبناني، نظام تتقاطع فيه مصالح الطوائف والمذاهب. وهي مهما تنافست وتزاحمت على السلطة والمواقع فإن من مصلحتها المحافظة على النظام حتى تستمر وتبقى. في اللحظة التي يتعرض النظام للخطر تنسى الطوائف بكل ممثليها خلافاتها وتتحد. أيضاً النظام اللبناني نظام توريث دائم حتى لو اختلفت العائلات والأسماء ووسائل الوراثة والتوريث. الأخطر في كل ذلك أن الاستقطاعات الاقتصادية والمالية متداخلة، لذلك تصبح أي محاولة لاختراق هذا «الجسم» مهما كان «مريضاً»، مرفوضاً ومحارباً. أيضاً يجب الانتباه الى أن «حزب الله»، وليس الشيعة ليس جزءاً من هذا «الجسم» لذلك فهو يتحرك ضمن خطة مدروسة وببراعة تنفيذية لكي يخترق هذا «الجسم» ويصبح جزءاً منه، حماية له متى تحولت الأحوال. تبقى الأسباب الذاتية التي وضعت حركة «طلعت ريحتكم» الى الفشل بدلاً من أن تحدث «زلزالاً» قوياً يُخرج لبنان من حالة السباحة في الفراغ. هذه «الحركة» على غير مثال «6 ابريل» ليست منظمة ولا يعرف لها وجه ولا بيان بجميع مطالبها الكاملة، التي انتشرت على مروحة أهداف واسعة بدأت «بالزبالة» ووصلت الى المطالبة بإسقاط الحكومة. لذا بدا خطابها مشوشاً وغير متماسك، وكان من السهل اختراقها وتشتيتها. ولا شك أنه مهما بلغت قوة حركة مدنية مثل حركة «طلعت ريحتكم»، فإنها لا تستطيع مطلقاً، تثبيت خطها والانطلاق بقوة وثبات والانتشار على مساحة مواقع القوى المدنية التي لها مصلحة في إخراج البلد من السباحة في الفراغ، ومن ثمَّ التغيير. فكان حصارها ممكناً وحتى سهلاً. لم تتمكن أو لم تنجح أو انها أخطأت في حساباتها، لضعف خبرتها، في التحالف أو التفاهم مع قوى فاعلة من اتحادات العمال فالطلابية وهي الأهم فالأساتذة. هذا التفاهم ضروري وملزم لنجاح أي تحرك مدني خصوصاً وأنه في قلب المطالب ما يفرض وحدتها. فشل التحرك في ساحة رياض الصلح، ممكن أن يكون بداية وليس نهاية، على الأقل التحرك المدروس والمنفذ بدقة، يمكن أن يشكل قوة وقع لإخراج لبنان من حالة الفراغ، بأسرع ما يمكن لأنه لم يعد ممكناً ضبط الاحتقان الشعبي، هذا الاحتقان الذي يمكن أن يأخذ تفجيره أشكالاً أخطر بكثير. في عزّ غرق ساحة رياض الصلح بالعنف، تساءل لبنانيون، هل يمكن للجيش أن ينقذ البلد ويقوم بالمستحيل وهو الانقلاب العسكري، وكان الجواب بسيطاً هذا الحل أصعب بكثير من اجراء انتخابات رئاسية، لأنه يتطلب توافقاً داخلياً متداخلاً مع الخارج، في وقت المطلوب نصف هذا التوافق لإنجاح الانتخابات الرئاسية. لم يبقَ للبنان واللبنانيين الا العمل والصلاة لإنجاح فصل المسارين اللبناني والسوري عن بعضهما البعض، ليخرج من «السباحة في الفراغ».

آخر إبداعات دولة الفساد: جدار الفصل في بيروت!
“النهار/فاطمة عبدالله/24 آب 2015
ترفع القوى الأمنية، في مشهد يُذكّر بعَسكرة الأوطان، جدار اسمنت بغيض قبالة السرايا تحسّباً لغضب الشارع. يتفنّن الأمن اللبناني في تعميق الشرخ بين المواطن والشرطة، مقدّماً نماذج ومبررات تُثبت استحالة لقاء الدولة والشعب. هبّت إلى تظاهرة #طلعت_ريحتكم عناصر بالغت في التكسير والتحطيم، حتى اتخذت لنفسها مظهر الزعرنات وقطّاع الطرق. يواصل الأمن ادعاء الحرص على حياة الناس، ظناً منه أنّ أمان الأجساد من دون كرامة النفوس يكفي. يُكثر بياناتٍ وخطباً فحواها تبريرات تفتقر إلى الاقناع، في مقابل السلوك الميليشيوي الذي يُترجَم على الأرض. المفارقة أنّ الاحتياطات ضدّ “الشغب” تكثّفت قبالة #السرايا_الحكومية كما لم يحدث في أيّ زواية أخرى معرَّضة لـ”التخريب” و”الدسّ”.
لن نصدّق أنّ أمناً يدّعي حماية الناس، ينصب في وجوههم جداراً يعيد إلى الأذهان معاناة الشعوب مع جدران العنصرية. شاهدنا كيف هاجمت القوى الأمنية حشد المتظاهرين، وعاملتهم بما يشبه بطش أصحاب القوة لمَن لا يملكون إلا الصرخات. دخول مَن قيل أنّهم مُرسَلون من جهات لا تريد الثورة أن تتبلور، يُحرِج العناصر الأمنية عوض أن يُبيّض صفحتها. أن يُرفع جدارٌ أسماه المغرّدون “جدار العار” حصراً قبالة السرايا، يثبت مرّة أخرى أنّ الشرطة في خدمة السلطة، وما الكلام النقيض عن أنّها مكلّفة خدمة الشعب سوى هراء. الخوف من “تسلّل” مواطنين نحو السرايا وما قد يحدث لو “تكمّش” غاضبٌ بوزير أو مَن يمتّ إليه بصلة، هو وحده ما يُقلق أزلام الجدران والرصاص المطّاط. لا يُرحَّب بالعنف أياً كان مصدره، لكنّ الجائع ليس له أن ينضبط ويهدأ ويُقدّم للآخرين دروساً في الرقيّ والاتيكيت. وليس له، في المقابل، أن يُخرّب ممتلكات الغير ويُسيئ إلى مَعْلَم الأمكنة ويعتبر رجل الأمن عدوّه الأوحد الذي يستحقّ أن يُحارَب ويُقتل، فذلك ليس الخلاص. الزعم أنّ الجدار الاسمنتي المثير للاشمئزاز يُرفَع بسبب مَن وُصفوا بالزعران وترقّباً لِما قد يُقدِمون عليه، دعابةٌ كبرى لا تُقنع حتى مَن تسيطر عليهم بساطة الأطفال. يُضبَط الشارع بتحقيق مطالبه لا بصدّ المطالبين بالمياه والرصاص والحصار والطرد والكلام المسموم من سياسي إلى آخر. هنا السلطة تجد الشعب مصدر خطر، لئلا يرانا البعض حاقدين لو قلنا إنّ الشعب في نظرها احتمال عدو سيكشّر عن أنيابه في أيّ لحظة. كيف “تُكافَح” ظاهرة الشعب؟ برشقه بالمياه وتفريقه بالرصاص والتفرّج على الجرحى، ومظاهر ديموقراطية أخرى كجدار الفصل.
أخبار ذات صلة
هكذا وقعت الاعتداءات قرب رواد Le Gray وحركة مفاجئة فيDunkin donnuts
لا نذكر الدولة إلا والتراخي قد نخرها، كما اللاهيبة وتعمُّد إحباط الناس. لكنّها في مواقف المصير، لا تتوانى عن الاستشراس وصبّ غضبها على الشعب. نحاول فهم “منطق” السلطة القائم على التذرّع ببثّ الطمأنينة في القلوب مع كلّ إجراء بائس يُتخد. لماذا خراطيم المياه؟ لماذا الرصاص الحيّ والمطّاط؟ لماذا أعداد الجرحى؟ لماذا قمع الأصوات؟ ولماذا الجدران الكريهة في مواجهة الناس؟ لأنّ وظيفة الدولة الإبقاء على ما يُسمّى “حُفظ النظام”. أيّ الأنظمة يجري حفظها الآن؟ “النظام اللبناني” البهيّ القابع على الصدور كمخلّفات الحرب. من خصاله: الطائفية، الفساد، التجويع، امتهان الكرامات، حماية النفايات، وتخريب الجمال وإن كان تظاهرة ترفع الرأس.

التيار العوني.. ومهاوي الفوضى القاتلة!
صلاح سلام/اللواء/24 آب/15
ما حصل في وسط بيروت، اليومين الماضيين، يُعيد مشهد اليوم الانقلابي في 7 أيار 2008، الذي استهدف إسقاط الحكومة بالقوة، والذهاب إلى مؤتمر الدوحة، الذي استجاب لمطلب «الثلث المعطل» في تشكيلة الحكومات، وأدى في ما بعد إلى إسقاط حكومة الحريري، خروجاً على كل التعهدات التي تضمنتها بنود اتفاق الدوحة! ما يحصل في ساحة رياض الصلح، من استغلال سياسي وحزبي مفضوح، تجاوز أزمة النفايات، التي دفعت الشباب للتظاهر والاحتجاج على روائح الصفقات، وما تظهره الحكومة من تعثر ومماطلة في بتّ هذا الملف الحيوي، وكأن وزارة البيئة تنتظر أكلة الجبنة، أو عفواً النفايات، على التوافق على توزيع الحصص والمغانم، لتبت ظروف المناقصات، التي حيّرت الناس: هل هي ظروف، أي مغلفات ورقية، أم هي «الظروف» المحيطة بالتنافسات والمفاوضات الدائرة حول التزامات النفايات؟!
ما يجري في ساحات بيروت، من تنفيذ خطط مبيتة، ليس للإطاحة بالحكومة، آخر المعاقل الدستورية في الجمهورية، وحسب، بل الهدف منه إسقاط النظام الحالي من أساسه، والقفز في المجهول، تحت شعار الإعداد لمؤتمر تأسيسي جديد، ينهي «مرحلة الطائف»، ويطوي صفحة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ويُعيد تعويم قواعد العدّ والإحصاء، لتحديد دور الطوائف اللبنانية بما يتناسب مع تعدادها السكاني الحالي!
المفارقة – المهزلة فعلاً، أن الأداة المستخدمة لتحقيق هذا المخطط الخبيث، هي الجهة التي ترفع شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين، والتي تدّعي أنها الأكثر تمثيلاً للمسيحيين.. إلى آخر المعزوفة المعروفة، حيث تكبر الهوّة، يوماً بعد يوم، بين ادعاء مثل هذه الشعارات البرّاقة، والواقع الفعلي على الأرض، بعدما تبين أن مواقف التيار العوني، أدت إلى إضعاف المركز المسيحي الأول في الدولة، عبر تعطيل انتخابات الرئاسة منذ أيار من العام الماضي، كما عطّلت الدور المسيحي في التشريع، عبر تعطيل جلسات مجلس النواب، الذي تتوزع مقاعده مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والتيار نفسه يحاول تعطيل جلسات مجلس الوزراء، الأمر الذي يعني استكمال مواصفات «الدولة الفاشلة»، ودفع البلاد والعباد إلى مهاوي الفوضى القاتلة!
الرئيس تمام سلام غلّب، في مؤتمره الصحفي أمس، حكمته على مشاعره وانفعالاته، ولم يشأ الخوض في كلام يضع النقاط فوق حروفها الصحيحة، ويكشف الأطراف التي تحاول اللعب ليس بنار الاستقرار وحسب، بل وتهدد ما تبقى من مقومات الوطن والدولة.
وأصبح معروفاً للقاصي والداني من أطراف محلية وأشقاء وأصدقاء، أن رئيس الحكومة ليس متمسكاً برئاسة مجلس الوزراء، التي تحوّلت إلى كرة نار، في زمن سياسة المكايدة والتعطيل والعناد، بل إن وريث البيت الوطني الكبير كان على أهبة الاستقالة في الشهر الماضي، ولكن تمنيات عواصم القرار العربي والدولي بالبقاء في السراي، والاستمرار في تحمّل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الصعبة، دفعته الى البقاء، والتمسّك بسياسة الصبر والاحتواء.
إذاً، الاستقالة ليست واردة مهما اندفع جنرال الرابية في تنفيذ تهديداته بالتصعيد في الشارع، واللجوء إلى أساليب غير متوقعة، وغير مسبوقة، لإحراج الحكومة ورئيسها، لأن مثل هذا القرار الكبير دون مستوى حرتقات التيار العوني، مهما بلغ تصعيده في الشارع، على النحو الذي جرى مساء أمس مع القوى الأمنية، وأدى إلى سقوط العشرات من المصابين في صفوف المدافعين عن الأمن والشرعية والاستقرار!
ولم تكن مجرّد صدفة، أن يسارع الوزير العوني الياس بو صعب إلى تحميل الوزير نهاد المشنوق مسؤولية المواجهات بين القوى الأمنية والمتظاهرين، وذلك في إطار حملة الاستهداف المبرمجة للرموز السياسية التي تعارض توجهات التيار العوني الملتبسة، وتتصدى لمحاولات الهيمنة على مفاصل القرار في الدولة.
ولكن مسارعة وزير الداخلية إلى الإعلان عن إجراء تحقيق سريع وشفاف لتحديد المسؤوليات في تلك الليلة السوداء، أبطل مفعول المزايدات العونية، ووضع الأمور في إطارها المؤسساتي القانوني الصحيح، وقطع الطريق على محاولات المصطادين في المياه العكرة.
الواقع أن الأمر المستغرَب في هذه النطقة بالذات، كان مسارعة النائب وليد جنبلاط إلى تحميل وزير الداخلية مسؤولية ما يجري على الأرض، قبل أن يتأكد من الوقائع الفعلية، حيث لم يتردد في سحب كلامه بعدما تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في المواجهات التي حصلت بين قوى الأمن وبعض المتظاهرين.
وساعدت التدابير الأمنية التي طلب الوزير المشنوق من القيادات الأمنية اتخاذها، خاصة على صعيد السماح للمتظاهرين بحرية التعبير تحت سقف القانون، ومن دون التعرّض للأملاك الخاصة والمؤسسات العامة، نقول ساعدت هذه التدابير في تهدئة التوتر على الأرض، والحد من إمكانية الاستغلال الحزبي الرخيص!
من حق الشباب والصبايا أن يتظاهروا استنكاراً لأزمة النفايات، التي لم توفّر منطقة، ولم تميّز بين طائفة وأخرى.
حق التظاهر وحرية التعبير كفلهما الدستور، وهما في صلب النظام الديمقراطي الذي يتمسك به اللبنانيون، ودفعوا أثماناً باهظة للحفاظ عليه.
والتظاهر ضد مشكلة النفايات، وروائح الصفقات حولها، تستقطب مئات الألوف من اللبنانيين، شيباً وشباباً، الذين طفح معهم الكيل من وقاحة الفساد الذي تسبح في بحره الطبقة السياسية المفلسة، والغارقة في حسابات المصالح والمغانم!
ولكن كل تلك الاعتبارات تتلاشى، الواحدة بعد الأخرى، في خضم التسييس والاستغلال المتعمد لحملة الشباب، وصولاً إلى أهداف انتحارية مشبوهة، ليس أقلها دفع الوطن والمواطنين إلى مغامرات متهورة ومدمرة، مقابل حفنة من الدولارات، وانتقاماً من منصب.. بقي بعيد المنال!