نديم قطيش: بري يستنزف نصرالله/علي حماده: لبنان في غرفة الانتظار/روزانا بومنصف: نصر الله شغَل حلفاءه قبل خصومه انتظار مُكلف لتسوية رئاسية واضحة المعالم

359

لبنان في غرفة الانتظار
علي حماده/النهار/20 آب 2015
كل شيء مؤجل ولبنان لا يزال في غرفة الانتظار ريثما تتبلور صورة المشهد الاقليمي المتحرك راهنا على النحو الآتي:
أولاً – يتوازى التصعيد العسكري في سوريا مع حركة نشطة على الصعيد الديبلوماسي، فمحركات المبعوث الدولي ستيفان دو مستورا عادت تدور بعد صدور “خطة سياسية” عن مجلس الامن، وتتحدث عن “اطلاق عملية سياسية تقود الى انتقال سياسي، على ان تتمتع هيئة حكم انتقالي بكل الصلاحيات التنفيذية”. وتستند الى مرجعية “جنيف – ١” انما من دون تحديد مصير بشار الاسد. لكن الواضح ان موسكو تتحرك على خط حل سياسي تحت انظار واشنطن، وتعمل على تنظيم “جنيف – ٣”. اما الارض فتتحرك على وقع الحركة السياسية اي أنها راهنا تشبه حرب المواقع في انتظار تطور المسار السياسي. ولذلك تغيب التطورات الحاسمة عسكرياً.
ثانياً – في العراق تطور كبير مع “انتفاضة” رئيس الحكومة حيدر العبادي على تركيبة حكم رئيس الحكومة السابق نوري المالكي التي ورثها قبل عام، خصوصا بعد تقدم تنظيم “داعش” قبل اشهر في منطقة الانبار، ويحظى العبادي بدعم المرجع الاعلى السيد علي السيستاني في مواجهة المالكي الذي تحتضنه طهران.
ثالثاً – التطور الأبرز هو الحاصل في اليمن مع تحرير عدن وعدد من المحافظات الجنوبية، وضغط حملة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الشرعية عسكرياً في اتجاه العاصمة صنعاء، بينما تتراجع قوات الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح، مما اعاد في مرحلة اولى التوازن على الارض. والتقديرات تشير الى ان القوات الشرعية مدعومة بالتحالف العربي – الدولي اصبحت في طريقها الى حسم معركة صنعاء، وهذا التطور بالتحديد يعتبر ضربة موجعة للايرانيين الذين يراقبون إخفاق محاولة الاستيلاء على اليمن.
هذه العوامل مضاف اليها قرب تصويت الكونغرس على الاتفاق النووي بأكثرية مؤيدة متواضعة، يحيل الملف اللبناني الى مرتبة متأخرة في الاهتمامات. لذلك يبدو التغيير مستبعدا على صعيد الاستحقاق الرئاسي الذي اصبح خارجيا بامتياز. ولن يخرجه من عنق الزجاجة سوى اتفاق اقليمي كبير برعاية اميركية توصل مرشحا مقبولا من جميع الفئات ولا يشكل تحديا لأي جهة داخلية مرتبطة بنزاع اقليمي. وهذا ينطبق على بقية الملفات اللبنانية مثل تعيين قائد جديد للجيش بعد انتهاء مدة الولاية الممددة للقائد الحالي، اذ تنتهي مهماته في شكل شبه اوتوماتيكي مع انتخاب رئيس جديد. فإما يصير جان قهوجي الرئيس ويخلي موقعه في القيادة، او يضع استقالته بتصرف الرئيس الجديد والحكومة المقبلة. اما العماد ميشال عون فلا رئاسة ولا قيادة جيش يمكن ان يحصل عليهما، بل مكاسب وزارية مصلحية على جاري العادة منذ سنوات. في الانتظار مسموح أن تمر صفقات النفايات على قاعدة إعادة توزيع “الكعكة” لإدخال من لم يدخل بعد الى “جنة” النفايات. ومسموح أن تمر صفقات أخرى لا تؤثّر في المعطى الاقليمي. ويبقى الشعب اللبناني كما كان… مخدّراً!

بري يستنزف نصرالله
نديم قطيش/المدن/الخميس 20/08/2015
قول أمين عام حزب الله حسن نصرالله في خطاب “وادي الحجير” إن الجنرال ميشال عون ممر الزامي لرئاسة الجمهورية، أثار إلتباسات سياسية كبيرة بشأن تغيير محتمل في موقف حزب الله من وقوفه خلف ترشيح عون. فُهم الأمر على قاعدة أن عون ممر وليس “مستقراً” للرئاسة، وأنه بات معبراً للتسوية السياسية وليس عنواناً لها، بمعنى وجوب الاتفاق معه بعد إستحالة الاتفاق عليه. هذه الالتباسات فرضت على نصرالله إيضاحاً لموقفه، على خلاف عادة حزب الله في التعاطي مع تصريحات أمينه العام التي قلما خضعت للايضاح والشرح والتبرير. المفارقة أن ما كان هدفه إزالة الالتباس، فاقم من أسبابه، حيث بدت الايضاحات والشروح تفتقر للحماسة والجزم اللذين ميزا مواقف نصرالله من ترشيح عون.فقال نصرالله في سياق استقباله وفداً تربوياً: “كنا وما زلنا وسنبقى ندعم ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وعبارة الممر الإلزامي للانتخابات لا تقدم ولا تؤخر ولا تغيّر ولا تمسّ ولا تضعف من قوة هذا التبني والالتزام”. وأضاف: “عندما تقول إنّ عون ممرّ إلزامي لانتخابات الرئاسة ، فهذا لا يعني أنّه لم يعُد مرشّحاً، فهو ممرّ إلزامي سواء أكان مرشّحاً أو لم يكن مرشّحاً”، ويكمل بلغة عامة أن “العماد عون هو مرشّح طبيعي ومرشّح قوي وله قاعدة تمثيل عريضة، ونحن كنّا وما زلنا وسنبقى ندعم هذا الترشيح”.
يُبقي نص التوضيح المجال مفتوحاً أمام إحتمال ألا يكون عون مرشحاً، وهي المفردة الجديدة في اللغة التي أدار عبرها حزب الله ملف الانتخابات الرئاسية، بالمقارنة مع اللغة السابقة التي ميزها الحسم بأن لا رئاسة خارج عون. ثم في معرض التوصيف، لا يقول نصرالله إن عون هو مرشحنا، بل يحيل ترشحه على بداهة لا يناقشه فيها أحد، وهي أن عون “مرشّح طبيعي ومرشّح قوي وله قاعدة تمثيل عريضة”، ويلتزم بدعم الترشح، وهو توصيف أبرد من حرارة ما اعتاد عون على سماعه من حزب الله.وإذا كان من المفيد ترك هامش للشك في “فائض القراءة” هذا لنص حزب الله حول ترشيح عون، يبقى أن مصداقية التزام حزب الله بالترشيح الجدي للجنرال لا تتأتى عن التباسات لغوية في اعلان الموقف ومن ثم في ايضاحه. هذه الالتباسات انعاكس لمعضلة أعمق تواجه موقف حزب الله. حتى إشعار آخر، سيبقى الطاعن الرئيسي في مصداقية نصرالله بخصوص ترشيح الجنرال ميشال عون للرئاسة، هو الكلام اليومي للرئيس نبيه بري بحق الجنرال. وبالتالي لن تنفع كل الإيضاحات في العالم لعبارة “ممر إلزامي” في دعم مصداقية حزب الله، ما دامت الضربات تأتي متواترة من القنص السياسي، وأحياناً القصف المركز، الذي يمارسه رئيس مجلس النواب نبيه بري ضد عون.المفارقة أن بري يبدو مستمتعاً بإصابة عصافير كثيرة بحجر هذه المعركة مع الجنرال. فقصف عين التينة المركز على عون، وفائض دعمه للحكومة وشهيته للتعبير الدائم عن التزام وزرائه بالرئيس تمام سلام الذي كاد عون أن يتوّجه “خليفة” لداعش، كل ذلك يصيب بشظاياه، حزب الله وحسن نصرالله شخصياً.ما يزيد الامر صعوبة على مصداقية حزب الله ونصرالله، أن بري يركز ضرباته في أصعب الظروف التي تمر بها زعامة عون، وفي أكثر اللحظات عوزاً للدعم والترميم والنفخ.
ليس خافياً على الرئيس بري أن النزيف العوني يتوزع على خسائر عديدة، منها ما يتصل بمعركته العامة والتي انتهت بتأخير تسريح قائد الجيش جان قهوجي، ومنها ما يتصل ببيته الداخلي وزعامته المفترضة.فبعد طول ترويج ونفخ صدور، أحجم الجنرال عون عن خوض استحقاق الاستفتاء على تحديد حجم الزعامات المسيحية، علماً بأن المنطق السياسي والتعبوي للحالة العونية يقول إن المضي قدماً في الاستفتاء في هذه اللحظة بالذات، لا بد وأن يكون لصالح عون الذي يخوض في المؤسسات وفي الشارع معركة ما يسمى إستعادة حقوق المسيحيين! الا اذا كان مستشارو الرابية لمسوا قلة شهية مسيحية لمعارك الجنرال بإسمهم. يضاف الى ذلك فشل عون في استدراج حليفه الوزير سليمان فرنجية لتغطية الاستفتاء، دعك عن موقف حزب الكتائب الرافض لها.وبعد طول ترويج أيضاً، بذل الجنرال كل جهوده وإمكاناته لإخراج معركة رئاسة التيار الوطني الحر من دائرة التجاذب الى خيمة الأمان التوافقي على الوزير جبران باسيل، رغبة منه في عدم تعريض التيار لإهتزازات علنية تكشف حجم الاهتراء في البنية التحتية، والبنية “الصهرية” للحالة العونية.
واللافت ان التوافق على رئاسة التيار يعكس في العمق فهم الجنرال لماهية التوافق، بما هي وضع الجميع أمام معادلة إما “خياري” أو الأثمان الصعبة. حزبياً، يعني التوافق “باسيل أو ضعضعة التيار” بنتائج معارك داخلية. ووطنياً يعني “عون أو ضرب البلاد بالتعطيل والفراغ والشارع”.مؤشرات الضعف هذه، تستوجب إحاطة الجنرال بكل أشكال الدعم، من قبل حلفائه على الأقل، وهو ما يخرقه بري يومياً بصوت عال، ويرفده فرنجية بلا ضجيج يذكر.ليوضح نصرالله ما يشاء. وليذهب بتكبير أوهام مؤامرة العزل المستقبلية، عزفاً على وتر التناقض السني الماروني في مخيلته. هذا كله لا ينفع. فدم مصداقيته يسيل من “ظلم ذوي القربى”، الأمضى من الحسام المهند.

 

نصر الله شغَل حلفاءه قبل خصومه انتظار مُكلف لتسوية رئاسية واضحة المعالم
روزانا بومنصف/النهار/20 آب 2015
اضطر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى توضيح ما فهمه الرأي العام اللبناني من كلامه عن اعتبار العماد ميشال عون ممراً الزامياً للانتخابات الرئاسية على انه خطوة متقدمة على طريق التراجع عن اعتباره المرشح الأوحد لدى الحزب. أثار هذا الاستدراك باعتباره خطوة نادرة يمكن ان يقدم عليها الأمين العام للحزب تفسيرات متناقضة ورسم علامات استفهام حول مغزاها ومقصدها، خصوصاً انها أتت في أعقاب زيارة قام بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبيروت ووجه منها رسائل انفتاح. لكن هذا الانطباع او التفسير لكلام السيد نصرالله لم يقتصر على وسائل الاعلام أو على الفريق السياسي الخصم، بل شمل سياسيين من قوى 8 آذار كان لهم ردّ الفعل نفسه في تفسير هذا الموقف لدى اعلانه، وهو الأمر الذي دفعهم الى استيضاحه من مصادره من أجل محاولة تبين حقيقته وخلفيته. وينقل هؤلاء أن كلام الامين العام للحزب تمّ فهمه خطأ وتم تحميله أكثر مما يحتمل لجهة تراجع الحزب خطوة الى الوراء في موضوع دعم العماد عون للرئاسة دون سائر الخيارات الأخرى. ويعزز هؤلاء السياسيون رأيهم بأن الحزب لن يبلغ حليفه المسيحي الأساسي موقفاً مماثلاً بهذه الأهمية عبر شاشة التلفزيون بل أنه حين سيتم التوصل الى تفاهم أو حلّ على الموضوع الرئاسي فانه سيتم طبخ المخرج الذي يحفظ ماء الوجه للجميع. ويعود ذلك الى اقتناع بأن الحزب كما سواه من القوى السياسية يدرك جيداً بأن حظوظ العماد عون في الرئاسة الاولى ليست كبيرة على الاطلاق لكن قد يكون مبكراً في المرحلة الراهنة اظهار أي تراجع ولو على سبيل حسن النية أو ابداء ايران الرغبة في الحوار مع الدول العربية الخليجية لأن التخلي عن أي ورقة راهناً انما هو بمثابة التخلي عنها في الوقت الضائع في ظل عدم وجود من يمكن ان يتلقفها. فاذا كانت المملكة السعودية وفق ما هو مفترض ومتوقع الطرف الذي سيتلقف المبادرة في حال وجدت في هذ الاطار، فانه ليس أكيداً أو واضحاً ان المملكة جاهزة في الوقت الحالي لذلك في ظل انشغالات قوية لها في اليمن وسوريا كما في انشغالات داخلية موازية. وتالياً فان رمي ورقة احتمال التخلي عن التمسك بالعماد عون لن يكون مربحاً في هذا التوقيت لأنها ستكون من دون ثمن، في حين أن واقع الأمور يدفع نحو توقع ان لهذه الورقة أثماناً استناداً الى تعطيل الرئاسة لما يزيد على سنة وثلاثة أشهر حتى الآن من أجل بيعها في الوقت المناسب. ومن هذه الزاوية فان الورقة المتصلة بعدم التخلي عن اعتبار العماد عون مرشحاً وحيداً يرتبط به استمرار تعطيل انتخاب رئيس جديد للرئاسة قائماً حتى اشعار آخر في غياب أي مؤشرات على معطيات مختلفة عملاً بالمعادلة التي تقول أن لا تغيير في الستاتيكو الراهن ما لم تفرض معطيات خارجة عن المألوف هذا التغيير وفق ما تؤكد مصادر سياسية. فكل فريق سيبقى محافظاً على اوراقه من دون تعديل في انتظار ما تحمله التطورات الاقليمية على أكثر من صعيد وفق ما يشير رئيس مجلس النواب نبيه بري مشدداً على أن اليمن يمكن ان تشكل الاختبار الاول في هذا الاطار.
وتبعاً لذلك، فان أي جديد غير متوافر على خط هذا الملف كما سائر الملفات. اذ ليس لدى اي فريق ما يمكن ان يعطيه للعماد ميشال عون من أجل ان يفك اسر مجلس الوزراء، ولا احد يعرف ما الذي يمكن ان يقدمه في ضوء اعتقاد واسع حتى لدى حلفاء التيار من انه يصل دوماً متأخراً الى المفاصلة حيث لن يرغب أحد في شراء الطروحات التي يسوقها بعدما يكون جرت “عمليات الشراء والبيع”. فالاقتراحات التي يتم تداولها من أجل محاولة ارضاء العماد ميشال عون من أجل وقف تعطيل وزرائه أعمال مجلس الوزراء وتالياً شؤون المواطنين لا تبدو قابلة لان تعتمد. اذ ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان ولا يزال واضحاً في مسألة عدم الخضوع لفرض شروط عليه من أجل فتح دورة استثنائية لمجلس النواب من أجل اقرار الاقتراحات الموجودة في التداول. وثمة مشكلة في الاقتراحات نفسها المتعلقة بايجاد مخرج يسمح بترفيع عمداء في الجيش الى رتبة لواء وقصر الاختيار على بعض العمداء دون سواهم ما يترك علامات استفهام كبيرة يتردد ان العميد روكز ليس في وارد القبول بها أصلاً مراعاة منه للحساسية التي يمكن ان يثيرها ذلك في الجيش. وهو الأمر الذي يمكن ان يعني استمرار عرقلة أعمال مجلس الوزراء التي يطلق الرئيس تمام سلام ووزراء كثر الصرخة تلو الصرخة من أجل انقاذ قروض تزيد على الملياري دولار موضوعة على جدول أعمال مجلس الوزراء ومجلس النواب على حدّ سواء اضافة الى مشكلة رواتب القطاع العام.
وفيما يسود اعتقاد ان الحزب والتيار لن يتركا وصول الأمور الى هذا الحدّ نظراً الى انه يرتب مسؤولية لن يكون في قدرتهما تحملها أمام جمهورهما وأمام اللبنانيين أقلّه، فان مصادر ديبلوماسية غربية تأسف أن يعيش لبنان انتظاراً مضنياً ومكلفاً جداً لتسوية داخلية يفترض أنها واضحة المعالم في عناوينها في ضوء التطورات التي لا يمكن ان تفضي سوى الى رئيس يوافق عليه الجميع ويكون محل اجماع على الأقل.