روزانا بومنصف: ارتكابات الأسد الدموية تُسابق المساعي الروسية/ علي نون: في المجزرة والنكبة/راشد فايد : متى يعتقل الفعل/الياس الديري: المتزَعِّمون والهتَّافون والعبرة!

341

ارتكابات الأسد الدموية تُسابق المساعي الروسية لا ترجمة عملية قبل حسم مصير “النووي”
روزانا بومنصف /النهار/18 آب 2015
في حمأة المفاوضات التي تتولاها روسيا مع افرقاء اقليميين كالمملكة العربية السعودية وايران فضلاً عن أفرقاء الازمة السورية، أعاد إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التأكيد ان موقف روسيا من حل الازمة السورية لا يتغير، مشدداً على انه “من الضروري ان يقرر الشعب السوري بنفسه مستقبل بلاده”، الى الاذهان ما كان يعلنه النظام السوري بوصايته على لبنان من انه يعود للشعب اللبناني ان يقرر ما يريده بنفسه بالنسبة الى مستقبل بلاده في الوقت الذي كان هذا النظام يقرر بالنيابة عن اللبنانيين ويفرض ارادته عليهم. وفي رفض روسيا ان يكون مطلب استقالة الرئيس السوري شرطا لحل الازمة في هذا البلد، تناقض كلي مع اعلانها ضرورة ترك الشعب يقرّر ما يريد ما دامت روسيا تضع حدودا الى جانب افرقاء داعمين للنظام في مقابل معارضيه. والمغزى كما يفسر ديبلوماسيون الموقف الروسي، انه في الوقت الذي يظهر التناقض بين رفض التدخل وترك الشعب يقرّر والتدخل عملياً من اجل حماية النظام ان روسيا ترغب في الانطلاق من الستاتيكو القائم من اجل ايجاد حل. بمعنى ان هذا الستاتيكو يستند الى استمرار وجود الاسد بحيث تكون له كلمة في المرحلة الانتقالية وصولاً على الأرجح الى انتخابات قد تكون برعاية الامم المتحدة تحدد مصيره سلباً أو ايجاباً. وتفيد المعطيات المتوافرة لدى هذه المصادر بأن الروس قد يكونون متشجعين برأي مماثل لدى واشنطن انطلاقا من ان الهمّ الاساسي لدى الولايات المتحدة هو مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية والذي تشارك فيه مع روسيا ودول كثيرة اخرى كما انها تهتم تاليا بعدم انتهاء الاسد في غياب البديل بحيث تقع المؤسسات السورية في يد مسلّحي داعش او ان تتفتت الدولة السورية كما حصل بالنسبة الى العراق. والموقف الأخلاقي من ارتكابات الاسد وعدد الضحايا الهائل الذي تسببت به الحرب التي شنها ضد مواطنيه يفترض ان يكون رادعاً قوياً من اجل التمسك بعدم بقائه، وهو أمر يرتب احراجا خصوصا على الدول التي تتهم الاسد بممارسة الارهاب كما على تلك التي تقول بفقدانه الشرعية وتاليا بعدم امكان ان يشكل جزءاً من مستقبل سوريا. ولذا فإن التفاوض من اجل ايجاد حل لا يزال لا يهمل وجوده بما في ذلك ترك المجال مفتوحا امامه لكل الاحتمالات، على غرار قول لافروف انه “اذا كان بعض شركائنا يرون انه من الضروري التوصل الى اتفاق مسبق ليترك رئيس الجمهورية منصبه في نهاية الفترة الانتقالية فان روسيا ترفض هذا الموقف”. وهو عمليا امر لافت قياسا على المواقف التي اطلقها مسؤولون كبار كما الرئيس باراك اوباما او الرئيس التركي رجب طيب ارودوغان او معارضون سوريون زاروا موسكو ونقلوا عنها تبدلا في موقفها من عدم التمسك بالاسد.
تقول المصادر الديبلوماسية ان التحرك الروسي في الاسابيع القليلة الماضية في شأن الازمة السورية ايجابي في نقطة اساسية مهمة الى جانب واقع محاولة بذل جهود جدية لإنهاء الازمة وهي انه يبرز مساعي الحل استنادا الى بقاء سوريا موحدة وليس وفق ما يبرزه التورط الايراني ومعه تورط “حزب الله” مع النظام لجهة تقسيم المناطق السورية مذهبيا او تأمين ممر طائفي مفيد بين لبنان ودمشق واللاذقية وطرطوس. وفيما اظهرت روسيا حسن نية دفعها الى الواجهة في المساعي من اجل الحل او لعله كان ثمناً لذلك، من خلال الموافقة على لجنة دولية تقررت في مجلس الامن من اجل كشف من استخدم الاسلحة الكيميائية ضد المدنيين في سوريا، فانه يخشى ان يكون بشار الاسد يقوض هذه المساعي من خلال استمرار استهدافه المدنيين على غرار مجزرة دوما التي ذهب ضحيتها ما يزيد على المئة من المدنيين من خلال القصف الجوي متحديا بذلك مساعي تردد ان الولايات المتحدة تقوم بها من اجل ردع النظام عن استهداف مواطنيه بالبراميل المتفجرة. ويستفيد الرئيس السوري من الحماية المستمرة له ومن الصمت الدولي على بقائه في السلطة حتى اشعار آخر من اجل تصعيد استهدافه المدنيين بالطريقة التي حصلت في دوما، مستبقا كذلك بيانا رئاسيا كان متوقعا صدوره عن مجلس الامن دعما لجهود المنسق الدولي ستيفان دوميستورا يدعو الى وقف الاعتداءات على المدنيين والمناطق السكنية واستخدام اسلحة على غرار البراميل المتفجرة، وكانت فنزويلا التي هي من اعضاء دول البريكس وداعمة للنظام عرقلت صدوره حتى الآن متمسكة بصيغة تعطي اولوية للعودة الى ما يتضمنه الدستور السوري، ما من شأنه ان يمنع الصيغة التي اتفقت عليها الدول في دعم مرحلة انتقالية في سوريا.
ومع ان الحركة الديبلوماسية الروسية ناشطة على خطوط اقليمية ودولية عدة بما قد يؤدي الى تشكيل مجموعة من الدول تعمل على هذه الازمة وتضم دولاً اقليمية عدة لها مصالح في الأزمة السورية كالمملكة السعودية وايران وتركيا الى جانب الولايات المتحدة وتركيا، فإن المسألة قد لا تجد ترجمة فعلية قبل اقرار الاتفاق النووي في الكونغرس الاميركي او حسم مآله سلباً أو ايجاباً في مقابل انشداد ايراني الى مواقف مماثلة في الداخل الايراني. يضاف الى ذلك ان هذه المدة يفترض ان تشهد نشاطاً اقليمياً يخفّف التوتر القائم بين ايران ودول الخليج العربي انطلاقاً من ان استمرار هذا التور سيشكل مانعا دون نجاح اي جهود ديبلوماسية في المدى المنظور.

 

في المجزرة.. والنكبة
علي نون/المستقبل/18 آب/15
تؤكد مجزرة دوما أشياء كثيرة.. منها، بطبيعة الحال، ان الميزان المكسور بين طرفي النكبة السورية لا يتصل بالسلاح فقط! وان بقايا السلطة الاسدية غير معنية بأي شيء أقل من مزدوجة الحياة او الموت، وانها لا تراهن او تعوّل، (أو تريد) أي كلام له علاقة بـ»الحل السياسي». وان ارتكاباتها وفظاعاتها تدلّ على تيقنها من انعدام أي أفق لخلاصها أو حتى لافتراض ذلك. وان تلك الارتكابات والفظاعات تحيل النكبة الفلسطينية الى نزهة صيفية شابتها بعض «المنغصات»، ليس إلا! أخطر ما في سلوكيات تلك الجماعة السلطوية المسلحة هو انها تحاول إعادة تشكيل الوعي العربي والاسلامي الراهن باتجاهات معاكسة لما بُني عليه على مدى العقود السبعة الماضية. وتمضي قدماً في تقديم اوراق اعتماد استثنائية للخارج الاسرائيلي والاميركي.. أي كأنها تعمل «وتجهد» على تعويض فقدانها صلاحياتها وقدراتها على ممارسة أي من وظائفها الاقليمية السابقة، السياسية والميدانية، بواحدة فكرية وجدانية أعمق أثراً وأبعد مدى، وتذهب في ذلك الى حدود الاعجاز. في مرتكب مجزرة دوما وقاحة اللجوج الذي يريد تأكيد «إبداعه» الوظيفي! وتدعيم ملفه بعيّنات وشواهد اضافية على أهليته: كل مجزرة يرتكبها في حق السوريين تقول للعرب والمسلمين، ان ما فعلته اسرائيل بالشعب الفلسطيني لا يليق به وصف «النكبة»! وان أحد الأسس النظرية للمشروع اللصوصي الاسرائيلي، الخاصة باستحالة «العيش» بين العرب والمسلمين، ليست تخريفاً، إنما هي وليدة وقائع ملموسة ويراها العالم كله.. رآها بالأمس في لبنان، ويراها اليوم اكثر فأكثر، في سوريا! بهذا المعنى، يبدو التجاهل الدولي لمجزرة دوما، وقبلها في الاجمال، لكل الفظاعات التي ارتكبتها العصبة الاسدية في حق السوريين، متناسقاً مع الوظيفة الساعية الى إعادة تشكيل الوعي العربي والاسلامي باتجاهات ناسفة لكل الموروث الذي تراكم على مدى عقود النكبة الفلسطينية.. الاضاءة على تلك الفظاعات قد تلجم مرتكبيها، مثلما حصل، الى حدود معروفة، في قضية استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الدمشقية! وبالتالي فإن، الشروع راهناً، في الندب والعزف على اوتار «حقوق الانسان» والجرائم ضد الانسانية» قد يعني إنهاءً، قبل الأوان، لمقومات الوظيفة التي يجهد الأسد للحصول عليها! .. ولكن، اذا كان التجاهل العربي العام (بالمناسبة!) وفي السياسة والاعلام، للمجازر اللاحقة بالسوريين، مدروساً ومحكوماً بجليد الحسابات الاستراتيجية الخاصة بعموم المنطقة وشعوبها ومكوناتها وموروثاتها وعاداتها، فماذا عن تجاهل أهل الممانعة، في الاعلام والسياسة ومكارم الاخلاق، لتلك الفظاعات؟! وهل من طريقة أخرى، غير الرد على السؤال بسؤال: مع من نعيش في ديارنا العزيزة هذه؟!!

متى “يعتقل” الفعل؟
راشد فايد /النهار/18 آب 2015
لا يهم كيف أوقف الشيخ أحمد الأسير. المهم ان توقيفه اعطى مؤشراً إلى ان الدولة موجودة حين تريد، أو يسمح لها بأن تريد وتنفذ. ليس معنى ذلك أن الأسير كان في حماية طرف سمح باعتقاله بعد سنتين من التواري، بل هو بلا أي غطاء سياسي منذ ما قبل أحداث عبرا، ولن ينفع التهليل والتهريج الإعلاميان، ولو اتخذا مسحة من الجدية، في رد تحركاته الى رعاية سعودية أو حريرية، خصوصا ان عداءه للطرفين لم يكن غائباً عن خطبه في السابق، وتغريداته في وقت لاحق. لكن حركة الأسير لم تولد من فراغ، ولن تُنسي إدانته أنها رد فعل، وليست فعلا بذاتها. ذلك ما يفسر تزايد التأييد الشعبي لحركته، يوم اقتصرت على إعلان مواقف ترفض مظاهر فائض القوة التي لم يقصر “حزب الله” في إشهارها، وصولا الى الهيمنة على مفاصل الدولة، مستغلا نتائج حرب تموز 2006 لفرض معادلة وطنية جديدة. كوّن الأسير شعبيته من الاعتراض اللفظي على استثمار الحزب نتائج هذه الحرب في الواقع الداخلي اللبناني، بغية تعديل التوازن الوطني. وكلما كان يعلي الصوت كان يزيد من المريدين. لكنه زعزع هذا الإلتفاف الشعبي يوم نشرت صور له يحمل السلاح في القلمون السورية: فمن يرفض سلاح “حزب الله”، يرفض كل سلاح خارج الدولة. نمت حركة الأسير في ظل نهج تطويع الدولة بمؤسساتها منذ تموز 2006 باحتجاجات “شعبية” مفتعلة ومنسقة، على تناول شخصية الأمين العام في برنامج “بس مات وطن”، وتوٍّج في 7 أيار 2008 وما تردد عن سلبية القوى العسكرية امام تفلّت حملة السلاح في شوارع العاصمة، وسقوط اكثر من 50 شهيداً من المواطنين العزّل. وشهد ما بين التاريخين مفاصل مهمة: – ففي بداية 2007، نفذ الاتحاد العمالي العام، بتأثير من تحالف “8 آذار”، إضراباً، احتجاجاً على السياسة الاقتصادية للحكومة، تلاه بعد 3 أيام اعتصام أمام قصر العدل. ثم حصلت اشتباكات متنقلة أدت الى سقوط 3 قتلى و150 جريحاً، وقطع طرق وإشعال اطارات، في العاصمة ومدن أخرى. وبعد يومين، سقط 4 قتلى وعدد من الجرحى في اشتباكات في محيط جامعة بيروت العربية. – وفي كانون الثاني 2008، شهد الشارع بين منطقتي الشياح وعين الرمانة، اطلاق نار، خلال احتجاج على تقنين الكهرباء في الضاحية الجنوبية، وتعددت الروايات، بين مؤكد إن مصدرها مضرمو النار، وقائل بأن قوة الجيش المتمركزة هي من بادر. في النتيجة، حوكم ضباط الجيش، ورافق الأمر ابتزاز سياسي معروف، وضرب لمعنويات المؤسسات غير المدنية، الى حد فرض صيغة تواطؤ، كانت حوادث 7 أيار شهادة واضحة عليه.
إعتقال الأسير، إعتقال لرد الفعل. متى يُعتقل الفعل نفسه؟

المتزَعِّمون والهتَّافون والعبرة!
الياس الديري /النهار/18 آب 2015
لا حاجة إلى بناء القصور والجسور على عملية اعتقال الشيخ أحمد الأسير الناجحة، إلاّ من زاوية الإشادة الحقّة بيقظة جهاز الأمن العام، وقوى الأمن الداخلي، والجيش بصورة عامة. وفي الوقت المناسب. التطوّرات العنيفة والأزمات المتداخلة التي تعصف بدول المنطقة وتشرِّد الملايين من أبنائها، تبدو في هذه المرحلة كأنها تتهيّأ في شكل أو في آخر لاستقبال طلائع الحلول والتسويات. بل توحي كأن هذه الحروب والبراكين والمجازر تتحضّر لتضع أوزارها تباعاً. وربّما بطرق وأساليب متقاربة ومتشابهة. هنا، عند هذا الاحتمال، يصير من المفيد التأكيد أن لبنان ليس مضطراً، في أزماته المكدّسة والحرزانة، إلى انتظار نتائج المواجهة العنيفة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو لقطف “العنقود الرئاسي” الذي جهّزه طقس آب للأكل بلذة ومتعة. وبعد طول انتظار. وطول فراغ. وطول قلق.
وخصوصاً إذا تمكّن الدور الفرنسي من إنجاز نتائج فعّالة، على صعيد الاستحقاق الرئاسي في لبنان، خلال زيارة الرئيس الإيراني روحاني لباريس… أو بعد فترة، أو قبل أن تبدأ في حال نجاح مساعي التقارب بين طهران والرياض. صحيح أن المعارك تشتدّ عنفاً في سوريا والعراق واليمن وليبيا، إلا أن “الخبراء” ينسبون هذا العنف إلى رغبة مختلف الأفرقاء والأطراف المعنيّين في تسجيل “غولات” أكثر قبل إطلاق صفارة انتهاء المباريات أو المنازلات. غير أن جملة من الأدلة و”المستندات” تشهد لمصلحة القائلين إنّ المنطقة العربيّة الملتهبة تعدُّ العدّة للملمة “حصاد”و”ثمار” هذه الحروب المجانية التي دمّرت البشر والحجر والأرض والمياه والمكانة… وكل ما كانت تتمتّع به الدول التي أسقطتها أنظمتها في مجازر جماعيّة ووزّعت تاريخها المجسَّد في أرقى الأبنية، والقلاع، والجسور، والآثار العريقة، والمدن المتألِّقة في سطور وصفحات ومجلّدات التاريخ الغابر والجلي… إلى أنهر من دماء نافست كل الأنهر. في هذا “المجال”، وبين هلالين، يمكن “ارتكاب” مغامرة القول إن اللبنانيّين قد تغيّروا. لهذه الفترة على الأقلّ. وريثما تتمّ “العجائب” المنتظرة على صعيد الفراغ الرئاسي وصرخة “خلصت الحرب” في الربوع العربيّة التي كانت غنّاء. انفضحت أمامهم، مباشرة، كل الألاعيب. وسقطت كل الهالات والشعارات الكاذبة. كما الصياحات والخطب الطنّانة. وأدركوا بعد غفوة نافست غفوة أهل الكهف أن القصة قصة مناصب ومراكز ومكاسب ومصالح للأقربين أولاً وثانياً وثالثاً وأخيراً…
اما سائر الهتَّافين، والمتحمِّسين، فليس لهم أكثر من التصفيق، والنزول إلى الشارع، وحمل الشعارات، والتصويت في “علبة” المتزعّم يوم الانتخابات لأزلامه. العزُّ والرزُّ للمتزعّم وأنسبائه والأقربين، والهتافات ودخول السجون والتشرّد والبهدلات للآخرين.
هل من مكان لهذه العبر في لبنان؟