علي الحسيني: حزب الله يُحلّ دماء شهداء دوما/أسعد حيدر: خروج الحزب» من سوريا يُخرجه من سلة المفاوضات/مصطفى فحص: الحل السوري والتناقضات الإيرانية الروسية

337

«حزب الله» يُحلّ.. دماء شهداء دوما
علي الحسيني/المستقبل/18 آب/15

أكثر من مئة قتيل وأربعمائة جريح والعدد قابل للارتفاع، هو حصيلة المجزرة التي ارتكبها النظام السوري في بلدة دوما في الريف الدمشقي في سوريا والتي حرّكت مشاعر العالم بأسره أمام هول مشهد الأطفال والنساء الذين توزّعت أشلاؤهم على الطرق وبين الدمار والركام اللذين خلفتهما براميل الحقد المتفجرة، لكنها بقيت عاجزة عن تحريك مشاعر «حزب الله» على قاعدة أبناء ست وأبناء جارية. لم تشفع بلدة الثمانين مسجداً وربما أكثر المُحاصرة منذ سنوات ولا حتّى دعوات أهاليها وصلواتهم رغم حالة الجوع والعطش، في إبعاد شبح الموت ونار البراميل المتفجرة عن أطفالها ولا بتحريك مشاعر «حزب الله» الذي ادّعى دخوله الحرب السورية بهدف حماية المقامات ودور العبادة. مجزرة أعادت اللبنانيين على وجه التحديد، بالذاكرة إلى زمن حرب تموز ومن قبلها مجزرة «قانا» التي سقط فيها أطفال ونساء ذنبهم الوحيد أنهم التحفوا خيمة «الأمم المتحدة» ظنّاً بأنها قد تحميهم من الموت. صمت مريب ومخيف يُمارسه الحزب في سوريا، تارة من خلال قتله المدنيين وارتكاب عناصره أبشع المجازر، وطوراً من خلال سكوته عن مشاهد الجثث والأشلاء التي تُخلّفها براميل حلفائه المتفجرة، وكأن هناك تناغماً يصل إلى حد الشراكة والتواطؤ على سوريا الوطن وعلى شعبها. فلا بيانات اعتذار ولا توضيحات استنكار صدرت عن عن الحزب حول مجزرة دوما كانت لتكفي ربما في أن تُريح أجساداً أنهكت وهي تنتظر ستر عورتها في التراب، وكأن المجازر في حسابات الحزب العامة والخاصّة أصبحت تُصنّف بين مجزرة «حلال» و»حرام». اليوم وبفعل مشاركته النظام السوري في حربه ضد المدنيين، تحوّل «حزب الله» إلى ساكت عن الحق، فعندما يعجز عن إحراز أي تقدم في «الزبداني» وفي فك الحصار عن بلدتي «الفوعة وكفريا»، يلجأ إلى تدمير الأولى فوق رؤوس أهاليها وإلى إحراق قرى وبلدات في «القلمون»، وينتهج سياسة «التطنيش» عن مجازر تُرتكب بحق المدنيين سواء في «دوما» أو غيرها من مناطق كالغوطتين الشرقية والغربية، وهو كان مارس سياسة الصمت نفسها يوم استشهاد الطفل حمزة الخطيب في سجون النظام تحت التعذيب مروراً بصورة الطفل الغارق تحت براميل بشّار الأسد المُتفجّرة، وصولاً إلى آخر طفل في دوما سرقه القتل من حضن والدته. صور ومشاهد مجزرة دوما أقشعرّت لها الأبدان وهزّت العالم بأسره، لكنها لم تستطع تحريك مشاعر قيادة «حزب الله». فبالأمس لم يسأل أهل دوما الأحياء الحزب عن رد الجميل ولم يطلبوا منه شربة ماء يروون بها عطشاً خلّفه لهيب البراميل المتفجرة في حناجرهم، ولا حتى سألوا عن إنصافهم في الموت بعد التنكّر لهم في الحياة، بل كل ما توسلوه لا يتجاوز كلمة «الرحمة».

أصبح معلوماً أن جرائم الحلفاء بالنسبة إلى «حزب الله» بحاجة على الدوام إلى أدلة وبراهين، وإلا تبقى في قاموسه السياسي والعسكري مُجرّد دعاية «مسبوقة الدفع» يستخدمها الأعداء والخصوم في مواجهتهم مع محور «الممانعة». وهذا النوع من التعاطي الذي يُمارسه الحزب والذي يصل إلى درجة الاستخفاف بدماء الأبرياء والتغاضي عن جرائم حلفائه، قوبل منذ أيام بتعاطف واسع من كل فئات المجتمع اللبناني مع مقطع فيديو بُث على مواقع التواصل الاجتماعية لعنصر من الحزب مرميّاً على الأرض يوصي أصدقاءه بوالدته ويطلب منهم إيصال سلامه لها بعدما أصيب برصاصة في رأسه في الزبداني. بين سياسة القتل التي يُصر «حزب الله» على ممارستها في سوريا، وبين الوجع الذي يُصيب الشعب السوري من جرّاء هذا التدخل، توجه والد طفل استشهد أمس في دوما إلى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بالقول «اليوم أحسدك يا سيد حسن نصرالله، فيوم استشهاد نجلك استطعت بعد استرجاع جثته أن تحتضنه للمرة الأخيرة وأن تُشبع نظراتك ونظرات والدته منه، لكن يا سيد اليوم لم أتمكن من إلقاء النظرة الأخيرة على ولدي الذي ضاعت أشلاؤه بين أشلاء الآخرين». جملة لا شك بأنها اختصرت وجع الشعب السوري وعكست مدى المظلومية الفعلية التي تلحق به على يد الحزب، وهنا يبرز السؤال التالي: مع كل هذا التورّط الذي يزداد يوماً يعد يوم، ماذا سيتبقّى في الوجدان المُقاوم على أراضٍ حوّلت «المقاومة» زرعها وبساتينها إلى مقابر جماعية لا تنبت أرضها سوى روائح البارود والموت؟.

خروج «الحزب» من سوريا يُخرجه من «سلة» المفاوضات
أسعد حيدر/المستقبل/18 آب/15

ليس سهلاً تجرّع «كأس السم» حتى الثمالة. لذلك من الطبيعي وقوع توتر وغضب وحتى تهديد، لكن ذلك ليس إلا جزءاً من الاعتراض العاجز عن وقف «قطار» انطلق. المرشد آية الله علي خامنئي، يعاني حالياً هذه الحالة، فهو اعتاد مخاطبة الولايات المتحدة الأميركية بـ»الشيطان الأكبر»، وهو شاء أو أبى مضطر للتعاون معها«، رفض المرشد للعلاقات بواشنطن يكاد يماثل مطلب الزعيم الكوبي التاريخي كاسترو بأن على الأميركيين دفع ملايين الدولارات لبلاده تعويضاً لعقود الحصار والمقاطعة، وهو يعلم جيداً أن الكوبيين كما الايرانيين يقفون بالصف لاستقبال الشركات ورجال الأعمال والسياح الأميركيين. بعيداً عن العجز عن وقف «كرة الثلج» المتدحرجة، التي متى تمّ التوقيع على الاتفاق في أيلول المقبل، تكون فترة الـ 100 يوم مساحة للتجاذب السياسي تمهيداً لهدم جدران عدم الثقة والبدء بمرحلة جديدة هي مرحلة «الانفتاح المتدحرج». ترددات الاتفاق النووي، بدأت مفاعيلها تظهر، من قواعد هذا التطور، العمل على الخروج من حالة النزاعات التاريخية منها والدموية خصوصاً. لا يمكن العمل على قاعدة كسر «جدران« عدم الثقة وفي الوقت نفسه الاستمرار في القفز بين «أحزمة النار». لكل حالة شروطها وقواعدها ونتائجها والتزاماتها. من الثابت والمؤكد، أن فلسطين ستبقى القضية التي ترسم كل المسارات. لا تستطيع قوة أن تكون فاعلة ومؤثرة ولاعبة فعلية في الشرق الأوسط دون الالتصاق بالقضية الفلسطينية. الثورة في إيران أدركت ذلك فرفعت علم فلسطين عالياً هوية لها، ونجحت في ذلك. الآن جاء دور تركيا. وجود «حماس» في غزة فتح أمامها ثغرة في الجدار الفلسطيني ولن تتنازل عنها خصوصاً بعد سقوط «الإخوان« في مصر. إيران وضعت كل ثقلها في «حزب الله»، ونجحت. المشكلة التي تواجهها الآن، انها ربطت مستقبل «الحزب« ببقاء بشار الأسد، وهي غير قادرة مهما بذلت. المحافظة على نظام الأسد، الذي يخوض حرباً تستنزفه حتى الموت. في الوقت نفسه تريد طهران ضمان سلامة ومستقبل «حزب الله«. مأزق إيران، أنها ستشارك في مفاوضات طويلة حول سوريا، وهي مجبرة في النهاية على تقديم تنازلات قاسية. توجد «محطات» عديدة على سكة هذا «القطار»، قد يكون بعضها دامياً ومشتعلاً، المهم الوصول الى «المحطة« الأخيرة. تركيا بدورها التي لم تشجع المقاومة المسلحة تدفع باتجاه تفاهم اسرائيل وحركة «حماس» على هدنة طويلة مدعمة بتفاهمات حقيقية ومنتجة. من ذلك فتح خط بحري بين غزة وقبرص التركية يحل مشكلة التنقلات ويخفف عملياً من الحاجة الى معبر رفح، ويفتح أمام الغزاويين الأبواب للخروج من حالة الحاجة والعَوَز ومحاربة «طواحين الهواء» نكاية بالسلطة الوطنية وحركة «فتح».

«حزب الله« يؤكد ليلاً ونهاراً أنه حليف لإيران وليس حزباً لخدمتها. يستطيع الحزب اليوم قبل الغد أن يثبت ذلك ولو بالتفاهم مع طهران بالخروج من سوريا، ونقل لبنان من حالة السباحة في الفراغ الى الوقوف على أرض الواقع على قاعدة أن لبنان للجميع، أو الاستمرار حتى حصول المفاوضات. مفاوضات فيينا انتهت بتخلّي إيران عن «سيادتها النووية» لعقد من الزمن. في صلب هذا المأزق إن استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان يراد منه تجميد الموقف الى حين تحديد حجم التنازلات في سوريا، لكن بعد مضي عام على الفراغ زائد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتعرّض السلم الأهلي البارد لهزة يومية سيجعل هذا الفراغ عبئاً على الحزب وإيران نفسها في المفاوضات. طهران تعرف، أن من بين الضمانات التي ترضي واشنطن وإسرائيل، تلك المتعلقة بفرض هدنة طويلة حقيقية وثابتة أوسع من هدنة القرار 1701. إيران ترى الحل في إجراء استفتاء يضم اليهود والمسلمين والمسيحيين من الفلسطينيين لتحديد مستقبل الدولة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. هذا الحل كان قد طرحه في البداية الرئيس محمد خاتمي ثم الرئيس أحمدي نجاد ومؤخراً المرشد خامنئي. مجرد تبني مثل هذا الحل يعني الاستعداد للتخلي عن المقاومة والسلاح لتحرير القدس. يمكن المكابرة والمزايدة، لكن انزلاق الحزب حتى رأسه في «المغطس» السوري، سيجعله لاحقاً ملفاً للتفاوض عليه ويكون بذلك خاسراً في جميع الحالات. تركيا فتحت مساراً أمام «حماس» للخروج من «أسرها«. «الحزب« قادر مع إيران على الخروج أيضاً من «أسره« في سوريا و«اسره« للبنان، ليربح مستقبلاً لا تصوغه المتغيّرات المتسارعة والسريعة.

الحل السوري والتناقضات الإيرانية الروسية
مصطفى فحص/الشرق الأوسط/18 آب/15

التباين في وجهات النظر بين موسكو وطهران حول مستقبل الأزمة السورية قائم، لكنه لم يصل إلى حد التباعد، فالتوافق حول المصالح المشتركة في سوريا مستمر في الأمدين المنظور والمتوسط، ويمكن إرجاعه إلى غياب مشروع حل دولي وإقليمي جدي، ينهي الصراع السوري، ويتحمل الجزء الأكبر في هذه المعضلة التعاطي السلبي لإدارة البيت الأبيض مع هذا الصراع، ويعود سببه إلى تفريط الرئيس الأميركي بارك أوباما في موقع واشنطن ودورها في السياسة العالمية. هذا التفريط قابله إفراط إيراني روسي بتدخلهما في مناطق مختلفة من العالم خصوصًا الشرق الأوسط، واعتقادهما أنهما يستطيعان ملء الفراغ الناجم عن غياب واشنطن في عدة ملفات حساسة. فالانسجام الروسي الإيراني الحاصل حاليًا في سوريا ليس نهائيًا، وسيهتز عندما يضطر الطرفان للفصل بين مصالحهما، حيث سيحتفظ كل طرف لنفسه بما يملك من أوراق القوة، منفصلاً عن الآخر. حتى اللحظة تستمر موسكو في استخدام أدواتها الدبلوماسية لمنع الفرقاء الدوليين والإقليميين من استثنائها من أي مشروع حل لا يلحظ حماية مصالحها، على الرغم من تعطيلها لمسار «جنيف 1» بسبب تمسكها بقراءتها الخاصة لمقرراته المتعلقة بمستقبل الأسد، في حين تتقاطع مواقفها مع أغلب مواقف اللاعبين الدوليين والإقليميين المجمعين على خيار الحل السلمي للأزمة، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، مع ضرورة إجراء تغييرات في التركيبة الأمنية، إلا أن إطالة أمد النزاع أدت إلى تحطيم بنية مؤسسات الدولة السورية خصوصا الجيش المنهك، وتقلصت قدراته ونفوذه لصالح ميليشيات أجنبية، تخضع للمنطق الطائفي، إضافة إلى حالة الترهل والتفكك التي تصيب كل مرافق الدولة والنظام، وهذا ما بات ينعكس سلبًا على موقع الكرملين في المعادلة السورية، القائم على التمسك بسوريا الموحدة وبحكومة مركزية قوية في دمشق، باعتبار أن هذه المعادلة ضمان وحيد لوجوده الأخير في الجغرافيا السياسية لشرق المتوسط وسواحله.

في المقابل، تعاملت طهران بوضوح كامل مع الأزمة السورية، حيث قررت خوض معركة الحفاظ على ما تبقى من منظومة الحكم، وقامت بربط مصالحها كاملة بهذه المنظومة، وهي تدفع الآن ثمن الكلفة العالية لحمايتها، وعلى الرغم من كل ما تعرضت إليه هذه المنظومة من ضعف وإنهاك ترفض طهران التخلي عن شخص الأسد، وهي تعي أن القبول بهذا التخلي هو بداية لمسلسل تنازلات، لن يكون بمقدورها رفضها أو منعها، فالأسد رأس الهرم الذي تدير من خلاله ما تبقى من الدولة، وهو رمز لمعركة الدفاع التي تخوضها عما تسميه سوريا الممانعة، وهي فعليًا معركة إبقاء سيطرتها الجيوسياسية على سوريا، التي تمكنها من القبض على القرار السياسي لبغداد وبيروت، وتضعها في تماس مباشر مع الحدود الإسرائيلية والأردنية، كما أن الاحتفاظ بصلابة المنظومة الأمنية هو الاحتفاظ بسطوة النظام وحلفائه في المنطقة، وحماية لظهر حليفها الأقوى حزب الله الذي سيتأثر مباشرة بأي تحول في بنية النظام مهما كان حجمها. وبانتظار تحديد موعد الحسم المؤجل في سوريا فإن طهران تراهن على أن موسكو ليست بوارد مساومة المجتمع الدولي على سوريا، مقابل استعادة موقعها في أوكرانيا، وتعي جيدًا أن الكرملين لن يقبل بأن يخرج خاسرًا في كلتا الأزمتين (الأوكرانية والسورية)، لكنها تراهن على واشنطن في الإبقاء على حصتها من التركة السورية، بينما تنظر موسكو بعين الريبة إلى التقارب الإيراني الأميركي الجاري تحت غطاء الاتفاق النووي،

والذي سيفسح المجال أمام الطرفين للبحث في عدة قضايا عالقة في مقدمتها سوريا، وفي حال تم التوافق بينهما على حلحلة في الملفات إقليمية فستجد موسكو نفسها وحيدة في سوريا، مما سيدفعها للبحث عن حصتها عند فرقاء آخرين كانت قد دعمت طهران والأسد بوجههم، لكن معضلة الطرفين «الإيراني والروسي» الأكثر تعقيدًا أن واشنطن باراك أوباما ليست بالموقع الذي يمكنها أن تحقق لهما طموحاتهما التوسعية، ولا يمكن لها أيضًا انتزاع اعتراف إقليمي ودولي بما يعتبرانه حقًا لهما، فعلى ما يبدو أن الحل أمامهما هو الحفاظ على التوافق الظاهري بينهما، حتى تحدد واشنطن كيفية تعاطيها مع طهران بعد الاتفاق النووي، ويتضح موقف المجتمع الدولي أكثر في أوكرانيا، واقتناع الرياض بخفض إنتاج «أوبك»، لكن القلق من أن تبقى الأمور معلقة بانتظار المقيم الجديد في البيت الأبيض.