علي رباح: حزب الله بين الانتصار الإلهي وانتصار»الزبداني/اميل خوري: إيران تتدخّل في حرب تموز وحرب سوريا /نبيل بومنصف: حين يُستباح الناس

448

حزب الله» بين الانتصار الإلهي و «انتصار» الزبداني
علي رباح/المستقبل/17 آب/15
بعد عدوان تموز 2006، حوّل حزب الله تلك المعركة الى «سرد اسطوري». منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، يخرج الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله في كلّ عام ليستعيد «المشهد المدهش». صحيحٌ ان العدو الاسرائيلي فشل «بسلاح جوّه وبقوة الدمار وبهَول المجازر»، في ان يحسم المعركة بوجه شعبٍ آمَنَ وصبر وصمد وواجه، إلّا ان الحرب السورية افقدت الجماهير العربية وحتى جمهور حزب الله رونق تلك «الدهشة». إذا كان صمود حزب الله في حرب 2006 ، «معجزة»، كما يصفها «سيّد المقاومة»، فماذا يقول عن صمود الزبداني مثلاً؟
أسطورة «حزب الله« صارت من يوميات الشعب السوري، وصمود الحزب بوجه العدو الاسرائيلي اصبح في الجانب الآخر من الأسطورة. بات هو من يملك سلاح الجو والدبابات، في مواجهة اهالي القرى والمدن السورية، الذين يلعبون، بصمودهم وبصبرهم، دور «رجال الله». تحدّث نصرالله في خطابه الأخير عن «وادي الحجير المبارك»، وقبل أعوام قليلة، وفي اطار تكريسه لـ»الدهشة» في نفوس جمهوره، ذكّر بـ»مارون الراس المعجزة». يومها قال، «إن جيشاً يقاتل بقوات النخبة وبالدبابات، يسانده سلاح الجو، يعجز عن دخول مارون الراس إلّا بعد 5 أيام من القتال وخسائره الكبيرة، فهو جيشٌ مهزوم وفاشل». فماذا يقول «سيّد المقاومة» عن الزبداني، التي فشل في اقتحامها بعد حوالى الشهرين من القتال واكثر من عامين من الحصار، على الرغم من امتلاكه لسلاح الجو وللبراميل المتفجّرة وللدبابات ولقوات النخبة»؟ هل هذا يعني ان حزب الله هو حزب مهزوم وفاشل؟ ينتقل نصرالله الى الملف السوري، ليقلب كافة الحقائق، بقوله «إنّ جون كيري أعلن في الدوحة ان داعش تشكّل خطراً على سوريا، وكي نمنع داعش من الوصول الى دمشق يجب ان يرحل النظام الحالي». من أين أتى نصرالله بهذا التصريح؟ أولاً، لا وجود في الادبيات السياسية الاميركية اي اشارة الى «رحيل النظام»، بل هي تعتمد صيغة ان «لا مكان للاسد في مستقبل سوريا». حتى في الصيغة الاميركية الكثير من الإلتباس. قد يكون من الفائدة انعاش ذاكرة السيّد في بعض التصريحات الأخيرة للادارة الاميركية. قال مسؤول اميركي منذ ايام، «إن واشنطن ضغطت على الأردن لقطع الامدادات عن «الجيش الأول» في درعا، الأمر الذي ادى الى وقف تقدّم «عاصفة الجنوب» والثوار، التي تصفهم ادارات غربية بـ»المعتدلين». أهكذا يتآمر «الشيطان الأكبر» على الأسد؟ ومن ثمّ يخرج مسؤول اميركي آخر قبل ساعات على خطاب السيّد، لينفي علم واشنطن بكلّ ما قيل عن منطقة عازلة على الحدود التركية- السورية»! فكيف يقول السيّد ان واشنطن تريد «اسقاط النظام السوري»؟
يُكمل السيّد قلب الحقائق، فيؤكّد، ان «واشنطن توظّف داعش سياسياً للتخلّص من النظام الحالي». ويتساءل، «هل هذه المعارضة المعتدلة، خارج داعش وجبهة النصرة، هي قادرة على مواجهة داعش»؟ ويضيف قائلاً، «أصلاً كيري يقول إن تجربة تدريب المعارضة المعتدلة فشلت، ومن بين 2000 شخص درّبتهم المخابرات الاميركية في تركيا يوجد 60 شخصا فقط وافقوا ان يقاتلوا داعش». هنا، يزوّر نصرالله، تصريحات حلفائه قبل الخصوم. يعرف نصرالله جيّداً ان 60 مقاتلاً من أصل 2000 تدرّبهم أميركا، وافقوا على توقيع تعهد يقضي بقتال داعش فقط وليس النظام. اي عاقل يتوقّع بأن يوافق ثوار، يطالبون بإسقاط الاسد، ان يواجهوا داعش حصرا؟ اي معارض عاقل يرضى بأن يدفع فاتورة محاربة داعش دون تقديم ضمانات له بإسقاط الأسد؟ حتى ان نصرالله تابع، بالطبع، تصريح «رفيق السلاح» وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال زيارته لسلطنة عمان قبل أيام، حيث أكد ان «الولايات المتّحدة أبلغت دمشق بأن المعارضة المعتدلة ستواجه داعش حصراً، ولن تمسّ الجيش السوري»! هكذا بالحرف. هل يعقل بعد هذا كلّه أن يتّهم السيّد الاميركيين بمحاولة اسقاط الاسد؟ أم أنه يريد ان يُبقي على مشروعية العداء لـ»الشيطان الأكبر» حتى بعد ان اصبح في خندق واحد معه في سوريا!
«كلّه كوم» واتّهامه للسعودية وللاميركيين بمحاولة تقسيم سوريا «كوم تاني». اذا كانت اتّهاماته صحيحة، فلماذا يستميت الايرانيون، في مفاوضاتهم مع «احرار الشام» في اسطنبول، لارساء اتفاق يفضي بانسحاب اهالي الزبداني والقرى المجاورة، مقابل إخراج 40 الف شيعي من الفوعة وكفريا؟ حتى ان المرصد قال امس الاول، «إنّ أهالي الفوعة يجمعون سندات الاراضي والبيوت ليفاوضوا عليها»! هذه الطروح بحد ذاتها تكشف نيات ايران وحزب الله لمستقبل سوريا. من يطرح هذا «الترانسفير» لا يمكن ان يقنع الناس بأنه يخوض حرب الضرورة، وبأن لديه نيات مصالحة بين السوريين. الايرانيون وحزب الله يخطّطان لعقود مقبلة من إعادة رسم الديموغرافيا السورية، وتعزيز الوجود الشيعي في المركز عبر الاستيطان، وتهجير ما أمكن من السنة مما يسمّونها «سورية المفيدة» الى الاطراف. حتى ان هذه الممارسات لم تحدث بين الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة.
أمّا في الموضوع اللبناني، فقد تناوله السيّد وفقاً لمقولة «دقّة على الحافر ودقّة على المسمار». القول بأن رئيس تكتّل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون هو «ممرّ إلزامي» للرئاسة، بدل التأكيد على ما دأب عليه قادة الحزب من أن «عون رئيساً أو لا انتخابات»، بمثابة تراجع خطوة الى الوراء. ولكيلا ينصدم «الجنرال» بهذا التراجع، جاءت دقّة السيّد على مسمار الشراكة. تماهي السيّد مع نظرية عون حول الشراكة، باعتبار أن هناك من يحاول كسره، على الرغم من ان احداً من قوى 14 آذار لم يتحدّث بمنطق الإلغاء هذا، ما هي إلّا محاولة لصرف النظر عن تورّط الحزب في حروبه المتنقلة، عبر تحميل تيار المستقبل تبعات الازمات، وهذا ما أكّد عليه الرئيس سعد الحريري. وما تهديده بالشارع الا محاولة لانقاذ عون معنوياً بعد ان تحوّل من مرشّح دائم الى «ممرّ إلزامي».
فشل نصرالله، في احياء ذكرى «الانتصار الالهي» على العدو الاسرائيلي، باستعادة «المشهد المدهش». سوريا أعادت «الرؤوس الحامية» الى أرض الواقع. وما كان يشتكي منه السيّد من همجية العدو، بات يشتكي منه الشعب السوري. وبعد سنوات من صمود حزب الله وبيئته بوجه ترسانة اسرائيل العسكرية، بات السيّد يواجه صمود الشعب السوري الأعزل. فشل نصرالله أيضاً في قلب حقيقة الجهة المُتّهمة بقيادة مشروع التقسيم، وما استماتة ايران لتكريس طرح «الترانسفير» المذهبي، إلّا دليل واضح على الجهة التي تعمل على التقسيم. انهى السيّد خطابه، دون ان يتطرق الى اعتقال خلية حزب الله الارهابية في الكويت! ألم يقل في أحد خطاباته إن سحر داعش سينقلب على الساحر الخليجي؟ بات واضحاً من يعمل على نسف أمن الخليج ونسيجه، تزامناً مع خطاب «الجار» قبل «الدار»..»الظريف»!

إيران تتدخّل في حرب تموز وحرب سوريا ولا تتدخّل في الانتخابات لأنّها “شأن لبناني”
اميل خوري/النهار/17 آب 2015
لا تزال نتائج زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للبنان تثير كثيراً من التساؤلات والقراءات المختلفة الايجابية منها والسلبية. فثمة من يتساءل كيف يمكن التوفيق بين تقديره الدور الكبير الذي يلعبه الرئيس تمام سلام لتوفير الأمن ومكافحة التطرف وتنمية أيضاً هذا الدور الذي أدى الى مزيد من الهدوء والاستقرار والامن في لبنان فيما حليف حليفه “التيار الوطني الحر” يتحرك في الشارع ويرفع بعض المتظاهرين شعارات تحرض على الفتنة وتهدد الأمن والاستقرار ويكون “حزب الله” هو الحاضن والداعم علناً له وينعكس كل ذلك سلباً على جلسات مجلس الوزراء ويشله؟ وكيف يمكن ان تساعد إيران على تسهيل إجراء انتخاب رئيس للجمهورية عندما تكرر بلسان أكثر من مسؤول فيها ان هذا الانتخاب هو شأن لبناني ولا تتدخل فيه؟ فمن يصدق هذا الكلام والكل يعلم ان ايران هي التي تدخلت في اذكاء حرب تموز ضد اسرائيل التي كبّدت لبنان خسائر بشرية ومادية جسيمة لا يزال يعاني الى الآن من نتائجها. والكل يعلم أيضاً ان ايران هي التي جعلت “حزب الله” يتدخل في الحرب السورية دعماً للنظام السوري ويخالف سياسة “النأي بالنفس”، التي اعتمدتها حكومة الرئيس ميقاتي ونالت ثقة مجلس النواب على اساسها فضلاً عن مخالفة “إعلان بعبدا” الذي وافق عليه اقطاب الحوار بالإجماع وبينهم “حزب الله”.
لذلك فإن ايران عندما تقول انها لا تتدخل في موضوع الانتخابات الرئاسية مع انه تدخل مقبول عندما يكون ايجابياً، ومرفوض عندما يكون سلبياً. معنى ذلك انها لا تريد انتخابات رئاسية في لبنان وهي القادرة على تسهيل ذلك لأن من يعطِّل اجراءها هو حليفها “حزب الله” وحليف حليفها “التيار الوطني الحر” ولا يجوز ان يكون تدخُّل ايران في لبنان انتقائياً ساعة يكون سلبياً ومضراً بمصلحة لبنان وساعة يكون هذا التدخل ايجابياً ومطلوباً ايضاً. وهو ما فعلته دول كانت تتدخل في شؤون لبنان لاخراجه من أزماته. فمصر عبد الناصر تدخلت بالتنسيق مع اميركا لانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، وطلبت من مناصريها في لبنان الوقوف مع الرئيس شهاب وتسهيل مهمته، وسوريا كانت تتدخل علناً في انتخاب رئيس للجمهورية ولا تفعل ما تفعله ايران التي تنكر أي تدخل لها في الانتخابات الرئاسية وتكتفي بدعوة اللبنانيين للاتفاق وهي تعلم ان لا اتفاق في ما بينهم لتبقى رئاسة الجمهورية شاغرة الى أجل غير معروف واعمال الحكومة معرضة للتعطيل وعمل مجلس النواب معطل ايضاً فيواجه لبنان عندئذ خطر الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي بحيث يصبح مستعداً للقبول بأي حل وان سيئاً.
وثمة من يرى خلاف ذلك ويقول ان ترجمة الكلام الايجابي الذي صدر عن وزير الخارجية الايراني يتطلب بعض الوقت لأن هذه الترجمة مرتبطة بتطورات الوضع في اليمن التي تدفع نحو تحقيق تقارب سعودي – ايراني يكون له دور اساسي ومهم في تسهيل اجراء انتخابات رئاسية في لبنان وان ايران لا تستطيع وحدها تقرير ذلك ولا بد من التفاهم مع السعودية التي لها هي ايضاً دورها وتأثيرها في لبنان. كما ان ترجمة كلام الوزير الايراني مرتبطة بتطورات الوضع في سوريا. فتخلي ايران عن الرئيس الأسد قد يكون له ثمن في لبنان أو في غير لبنان، وما كلمة السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” في ذكرى انتصار حرب تموز سوى الدليل على ان ايران لم تقل كلمتها بعد. لذلك فإن على القيادات في لبنان ان تنتظر الخارج المعني بوضعه الى حين يتم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية او ان يستيقظ ضمير هذه القيادات فتتفق على انتخاب الرئيس باحدى الوسائل الثلاث الآتية:
أولاً: أن يتفق الاقطاب الموارنة الاربعة على مرشح واحد منهم. ثانياً: أن يتفقوا على ترشيح اثنين منهم يتنافسان ويكون الفوز لمن ينال أكثرية الاصوات المطلوبة أو أن يكون الاقطاب الاربعة هم المرشحين الحصريين وتنتخب الأكثرية النيابية واحداً منهم.
ثالثاً: أن يترك للأكثرية النيابية انتخاب من تشاء من بين مرشحين معلنين وغير معلنين وهو ما يقضي به الدستور والنظام الديموقراطي، والا تحملت القيادات ولا سيما المارونية منها مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي الى ما شاء الخارج…

حين يُستباح الناس!
نبيل بومنصف/النهار/17 آب 2015
يشبه الكلام على تحييد أزمات الناس عن الاحتقانات الحكومية والسياسية الآخذة في التصاعد تلك الأسطورة الفارغة التي ترددها ألسن الساسة منذ انفجار البركان السوري عن تحييد لبنان عن حممه. واذ يجد الرئيس تمام سلام نفسه وحكومته الآن أمام مسلك أخير ووحيد باجتراح تفاهم الحد الادنى الممكن لتحييد الازمات الاجتماعية والخدماتية والمالية الضاغطة والشديدة الخطورة على الاستقرار الاجتماعي عن المقلب الطالع للصراع السياسي يبدو هذا المسلك ايضا مهددا بالسقوط. والحال ان شهرين واكثر من التحجير القسري على أعمال مجلس الوزراء وشله يكشفان الأهداف المضمرة لاسترهان أزمات الناس وجعلها الوسيلة الأخرى نحو زعزعة النظام عن آخر حلقاته العاملة واشعال توترات اجتماعية بات يتعين الالتفات اليها بقوة كهدف بذاته وليست مجرد أضرار جانبية للتصعيد السياسي. فليس من قبيل القصور وتقاسم كعكة الفساد فقط ان تتمادى أسوأ ازمة نفايات عرفها لبنان ويمنع مجلس الوزراء من احتواء كل ما جنت أيادي بعضه وبعض سواه في حكومات سابقة في انفجار هذه الفضيحة. وليس من باب المصادفة ان تترك أزمة الكهرباء تستفحل وتشتد وتعيد البلاد الى عصور الجاهلية في الطاقة فيما كان القاصي والداني في الحكومة وخارجها يعرف سلفاً ان ارتفاع منسوب الخزان البشري المقيم في لبنان مليوناً ونصف مليون لاجئ سوري سيفضي هذا الصيف الى الكارثة الحتمية. وما ينطبق على الأزمتين السالفتين ينسحب على الامعان المتعمد في التسبب بأزمات تمويلية قد تكون الاخطر في حال تركت الإنذارات المتكررة التي يطلقها وزير المال في شأن التحسب لازمة رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام تردد صداها بلا استجابة، علما أن هذه الازمة تنذر بتفرعات منها ما يمسّ الأسلاك العسكرية والأمنية ومترتباتها المالية التي لا تحتمل ترف التريث واللهو السياسيين. وما دامت صفحات هذا الجانب التسلسلي من الاستحقاقات قد فتحت على الغارب يكفي الاكتفاء بواحدة اخيرة منها هي التسبب (عمداً او عفواً لا فرق) بإحدى اكبر خسائر لبنان من الهبات ومشاريع القروض الميسرة التي يقال انها تناهز المليار دولار ما لم تسلك اصول اقرارها في مجلسي الوزراء والنواب، علما ان ما فقد منها حتى الان بات رقما موجعا بذاته. قد نجافي الحقائق والوقائع ان قلنا ان تجارب الازمات الحكومية والسياسية السابقة لم تشهد استرهان الصراع السياسي لواقع الناس بدليل جرجرة ذيول صراعات صار عمرها عقداً واكثر حول الموازنات والملفات المتراكمة المفتوحة التي لم تقفل ابدا. مع ذلك لن نتحمّل ازمة ضمير اطلاقا ان قلنا ان إمعان الجهات المسترهنة حالياً لازمات الناس في أخطر ما يواجهه اللبنانيون من تداعياتها بات الوجه التقويضي الأخطر من كل هدف سياسي. فما لم يؤخذ بالسياسة يبدو انه استبدل باستباحة الناس.