جورج سمعان: ربيع العراقيين يهزم نظام المحاصصة والتقسيم/داود الشريان: قصة إيران والثوب والخيّاط/غسان شربل: النمل الأبيض/محمد برهومة: في انتظار حل «عقدة» الأسد وبدء «ورشة» الإعمار

419

«ربيع» العراقيين يهزم نظام المحاصصة و… التقسيم؟
جورج سمعان/الحياة/17 آب/15
إنها الفرصة الأخيرة أمام العراقيين. التظاهرات الشعبية فتحت باب التغيير الجدي. زخم الشارع وضغوطه وفّرت لرئيس الوزراء سلاحاً لم توفره له المؤسسات، لا السياسية ولا العسكرية ولا الإدارية. ووقوف المرجعية في النجف وراء موجة الاحتجاج قدم سلاحاً إضافياً وحاسماً. المهم عدم التراخي أو التلكؤ في تنفيذ الإصلاحات. مراكز القوى متجذرة في مواقع كثيرة. تكاد تكون وحدها عماد النظام القائم. والأهم والأخطر أن لها شارعها وميليشياتها المسلحة أيضاً. ولها مرجعيتها في الداخل والخارج. ولا يمكنها أن ترضخ أو تقدم رأسها بلا مقاومة. وقد أطل بعضها قبل يومين في ساحة التحرير بسلاحه وشعاراته الدينية ومحاولة التشويش الأمني على المتظاهرين. والذين لم يجرأوا على مقاومة إجراءات الحكومة وقرارات مجلس النواب بدأ بعضهم يطل برأسه للحديث عن دستورية هذه الإجراءات. ذلك أن إلغاء مناصب نواب الرئيس يستدعي تعديلاً دستورياً، وأن هذا الأمر يتطلب استفتاء شعبياً، ومثل هذا الأمر لا يبدو متعذراً بل مستحيلاً في هذه الظروف. يكفي أن «الدولة الإسلامية» تسيطر على محافظات سنية بأكملها، فضلاً عن أعداد اللاجئين إلى كردستان أو مناطق أخرى داخل البلاد وخارجها.
لكن بقاء نواب الرؤساء في مواقعهم أو خروجهم منها ليس هو العنوان. الجوهري في الإصلاحات هو مضمون الشعارات التي رفعها الشارع: توفير الخدمات ومحاربة الفساد ومحاكمة بعض كبار المسؤولين من الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ عام 2003 إلى اليوم. وإقامة دولة المواطنة والدولة المدنية بعدما فشلت الدولة الدينية بأحزابها وقواها المختلفة. وإصلاح القضاء والمؤسسات الأمنية وأجهزة الاستخبارات لوقف التفجيرات، على حد ما نادى الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني. التعجيل في تطبيق هذه الإصلاحات كفيل بنقل النظام القائم على المحاصصة إلى نظام ديموقراطي يحل الكفاءة مكان الطائفة والمذهب والعرق والقوة الحزبية والمحسوبية والارتهان لقوى خارجية تناصر فئة على أخرى.
التفاؤل بتغيير جذري في العراق يظل مقروناً بموجة واسعة من الحذر، والخوف من الفشل. القوى السياسية التي ماشت حزمة الإصلاحات وعيونها على غضب الشارع، هي نفسها موجودة في مواقع مؤثرة. كفتها راجحة في البرلمان. ولها شارعها أيضاً وميليشياتها وسلاحها ومراكز هيمنتها في المؤسسات والإدارات عموماً. ولها مرجعيتها. معظم الميليشيات التي تؤلف «الحشد الشعبي» وجهتها الدينية ولاية الفقيه في إيران وليس في النجف. وهذه لن تستسلم أو تقف على الحياد أمام دعوات تنادي بتجريدها من السلاح وحلها. صحيح أن السيستاني هو من نادى بفتوى «جهاد الكفاية» لمواجهة «داعش»، لكنه طالب بأن ينخرط المتطوعون في المنظومة العسكرية الرسمية وتحت عباءتها لئلا ينفردوا ببناء قوة رديفة كما هو حاصل اليوم. لذلك، يناديهم النجف بعدم التدخل في السياسة وعدم التدخل في التظاهرات والانصراف إلى قتال «الدولة الإسلامية». كما أن السيد مقتدى الصدر دعا إلى ضربهم، وهدد بتظاهرات مليونية لمواجهتهم، بعد مشاركة بعضهم في ساحة التحرير بسلاحه!
لا يخفى أن هذا الحراك الشعبي الذي تهيمن على واجهته القوى الشيعية يخفي صراعاً بين هذه القوى المؤتلفة في التحالف الوطني. ثمة حسابات ستصفى في الطريق إلى الإصلاحات. لكن المحرك الأساس الذي دفع الناس إلى الشارع هو القضايا المطلبية الخاصة بالخدمات. وهي نفسها التي حركت الشارع مطلع عام 2011، لكن سطوة رئيس الوزراء نوري المالكي يومذاك قمعت الحراك في مهده. ولم تعوزه الذرائع، كان كافياً اتهام المتظاهرين بأنهم من فلول البعث والنظام السابق. مثلما فعل بحراك المحافظات السنّية وساحات الأنبار حيث ضرب الناس بالحديد والنار تحت شعار مواجهة الإرهاب و «القاعدة». ما يخشاه المتفائلون بالتغيير أن يأتلف المتضررون من الإصلاحات، وهم لا يقتصرون على المكون الشيعي. موجودون في كل المكونات، حتى داخل المؤسستين الدينيتين الرسميتين. رئيس الوزراء نفسه حذر من أن «هناك أحزاباً عرقلت الإصلاحات وأخرى أيدتها». لكن الاعتماد اليوم يظل على الجمهور الشيعي. فأهل السنّة يرزحون تحت نير «داعش» وليست هناك قيادة أو زعامة راجحة يمكنها أن تختصر كل أصواتهم وقواهم المختلفة. علماً أن رئيس البرلمان كان أول المرحبين بقرارات الحكومة. كما أن الكرد منهمكون بتصفية خلافاتهم السياسية التي أنعشها قرب نهاية ولاية رئيس الإقليم مسعود بارزاني، فضلاً عن انشغالهم أيضاً بالحرب على «دولة البغدادي»، والوضع المتفجر بين تركيا وحزب العمال الكردستاني وما يواجهه الأكراد السوريون…
إذا تحقق الإصلاح الحقيقي ينفي الكثير من تظلم أهل السنّة. فإلغاء المحاصصة – وهو منطلق الإصلاح كما قال العبادي – واعتماد الكفاءة في إشغال المناصب من الحكومة إلى باقي الإدارات الرسمية والعسكرية والأمنية، يطويان صفحة التشكي من الإبعاد والتهميش والتفرد بالقرارات. وإصلاح القضاء الذي اتهم بمحاباة الحكومة السابقة ورئيسها وبتنفيذ رغباتهما، يعيد إلى هذه السلطة استقلالها، ويبعدها عن سيل الاتهامات بشراكتها في اضطهاد مكونات لحساب أخرى. لعل العقبة الكبرى هي في سوق المفسدين أمام العدالة. لن يكون سهلاً رفع الحصانة النيابية عن نواب ووزراء ورؤوس كبيرة أعضاء في البرلمان الذي يتشكل من كتل هؤلاء المتهمين بالفساد. ولا يحتاج بعضهم إلى حماية خارجية لرفع سيف العدالة عنهم. يتمتعون بهامش كبير للمقاومة وحتى تهديد التوجه الحكومي وعرقلة الإصلاحات… إلا إذا لعبت التسويات دورها ودُفع برؤوس وموظفين ليكونوا ضحايا بديلة من كبار المتهمين.
المتفائلون بإمكان سقوط صيغة النظام السابق وتقاسم البلاد والعباد، يستندون إلى تجربة العام الماضي عندما أُزيح المالكي عن سدة رئاسة الحكومة. فعلى رغم كتلته الكبيرة في البرلمان والدعم الذي تلقاه من طهران، لم يستطع مقاومة رغبة القوى الشيعية الأخرى وعلى رأسها المرجعية في النجف، فضلاً عن رغبة الأميركيين الذين اشترطوا لمواجهة «داعش» تغيير السلطة في بغداد. والأميركيون اليوم يرحبون بخطوات العبادي، ولكن عليهم ألا يغالوا في التفاؤل وفي قدرته على تمرير كل إصلاحاته. يجب ألا تسقط من الحساب قوة الآخرين والتأثيرات الإقليمية والدولية. إيران المعنية الأولى بما يجري قد لا تكون راغبة أو هي ليست قادرة علناً على الأقل، على مواجهة هذه الموجة. لا ترغب بالتأكيد في ضرب مراكز القوى التي تعتمد عليها في إدارة العراق. لكنها من جهة أخرى لا يمكنها الوقوف في وجه ما تراه غالبية الشيعة ومرجعيتهم في النجف مصلحة وطنية في إعادة تصويب النظام وإسقاط صيغته السابقة، فضلاً عن أن ثمة صراعاً سياسياً داخل الجمهورية الإسلامية على وقع تداعيات الاتفاق النووي وكثير من القضايا الإقليمية. ولا شك في أن أطرافاً في طهران ترغب في رؤية عراق مستقر ما دام أن كلمتها تظل مسموعة لدى مختلف القوى الشيعية ولا خوف تالياً على مصالحها في هذا البلد. كما أن ظروف مواجهة «داعش» والحركات الجهادية تعزز هذه الرغبة. وسبق لها أن تخلت عن المالكي اقتناعاً أو استجابة للضغوط. ولا مصلحة لها في بقاء جارها كرة ملتهبة بين يديها. هل ينجح «ربيع» العراق في تفادي المنزلقات التي انتهى إليها الربيع في ربوع عربية أخرى؟ العراقيون أمام مفترق مصيري. أثبت نظام المحاصصة أنه الوجه الآخر لتسلط فئة أو مكون على شركائه في الوطن استقواءً بغلبة الديموغرافيا أو بغلبة السلاح. هذه حال لبنان وحال العراق اليوم، وحتى اليمن إلى ما قبل «عاصفة الحزم». إسقاط المحاصصة إسقاط لحروب أهلية لا نهاية لها إلا بالتقسيم. أن يرى رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال رايموند أوديرنو تقسيم العراق حلاً لإنهاء الصراع بين الشيعة والسنّة ليس دعوة جديدة. هذا المشروع تداولته وما زالت دوائر أميركية وغربية كثيرة. نادى به من زمن وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسينجر. وقد لا يكفي العراقيين إسقاط النظام القائم منذ 2003. يجب رفع الأيدي الخارجية التي تتصارع في الإقليم ويسعى بعضها إلى حشد القوى لمحاربة «دولة الخلافة». فلا يكفي هؤلاء أن يلقوا المسؤولية على أهل العراق وأهل سورية بدعوتهم إلى توحيد صفوفهم لمواجهة الإرهاب. مواجهة هذا الوحش تبدأ برفع أيديهم مثلما تبدأ بالسعي إلى الدولة المدنية وترسيخ مبدأ المواطنة بدل المذهب والعرق. أليس لأهل السنّة مصلحة في دفن المحاصصة وإزاحة «داعش» وضرب «دويلات الإرهاب»؟ أليس للكرد مثلما لشركائهم في الوطن مصلحة مماثلة، ومصلحة إضافية في الخروج من وطأة الصراعات الإقليمية على إقليمهم؟ هل يفرض العراقيون إرادتهم وينجح «ربيعهم» في السباق مع المتضررين في الداخل والخارج من أصحاب مشاريع التقسيم والحروب الأهلية؟

قصة إيران والثوب والخيّاط
داود الشريان/الحياة/17 آب/15
إيران تريد حواراً مع دول الخليج. كان هذا عنوان الخبر الذي نشرته «الحياة» أول من أمس، وتضمّن تصريحات منسوبة إلى معاون وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان. وهو قال إن طهران «اقترحت إجراء محادثات مع دول مجلس التعاون الخليجي في شأن كل القضايا المطروحة» لوضع «أسس جديدة للعلاقات العربية – الإيرانية بما يضمن إعادة الأمن والهدوء إلى المنطقة». وطالب السعودية بأن تتخذ «خطوات ديبلوماسية لاستغلال الأجواء المتوافرة من أجل خدمة مصالح البلدين». عبداللهيان لم يحدّد هل الحوار مع منظمة «مجلس التعاون» أم مع دوله. وأشك في أن تقيم إيران حواراً مع المجلس لأنها لا تعترف به، فضلاً عن أنها رفضت الحوار حول الجزر الإماراتية المحتلة مع وفد يمثل المجلس، وطلبت ان يكون مع دول فيه، وعلى رغم ذلك وافق بعضهم على الطلب، وتلك أزمة «مجلس التعاون». إيران تتعامل مع دول الخليج استناداً الى الآية الكريمة «تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى». في حوار مع جريدة «الشرق الأوسط»، قال وزير خارجية قطر، خالد العطية: «وفق علمي، السعودية حاولت أكثر من مرة الدعوة إلى الحوار، لكن الطرف الإيراني سعى إلى تجنُّب أن يوضع على الأجندة الملف الأمني. هذا ما فهمته. ولكن إذا صفت النيات، يمكن أن نصل إلى نتيجة». في الحديث النبوي «إنما الأعمال بالنيات»، والمثل الشعبي يقول «النية مطية»، والمطلوب من إيران أن تحدد وجهة مطيتها، وإن فعلت فالسعودية ستكون مستعدة للذهاب الى ما هو أبعد من الحوار، وتطوير علاقات حسن الجوار، وهي فعلت سابقاً. طهران تريد الحَور وتسميه الحوار، والحَور هو الرجوع، والنقصان بعد الزيادة، بتقرير من آيات القرآن الكريم، وفي الحديث «نعوذ بالله من الحَور بَعد الكَور»، بمعنى فساد الأمر بعد صلاحه. إيران تريد من الحوار التسليم لسياستها، وهذه ليست غاية الحوار الذي يُفترض أن يقوم على أساس الندّية ونزع الخلاف. دعوات إيران إلى الحوار تذكّرنا بقصة أحد السلاطين مع خيّاط. تقول القصة إن أحد السلاطين احتال عليه خيّاط، وأقنعه بأنه سيصنع له ثوباً عظيماً، لا يراه سوى الحكماء من الناس. اقتنع السلطان بفكرة الخيّاط المحتال ومهارته، وخرج على وزرائه عارياً تماماً، وقال لهم: «انظروا، ما رأيكم في هذا الثوب السحري الذي لا يراه سوى الحكماء»؟ بعض الوزراء خاف من غضبه، فقال: «هذا ثوب مدهش يا مولاي». كان هناك شاب في القاعة، قال: «أين الثوب الذي تتحدثون عنه. إنني أرى السلطان عارياً». حاول الوزراء إسكات الشاب الصادق بأي طريقة، وهدّدوه، لكنه استمر يردّد: «إنني أرى السلطان عارياً»، فأخرجوه من المكان. سياسة إيران تلبس ثوب الخياط الذي لا يراه إلا «الحكماء». والسعودية لم تصدّق قصة الثوب والخياط. وهي تتعامل مع دعوات طهران إلى الحوار على أنها كلام لا يستره أساس ولا مضمون.

النمل الأبيض
غسان شربل/الحياة/17 آب/15
أنا العربي الجديد. أقسم أنني تغيرت. تنازلت وتعلمت. لا أشبه أبداً ذلك العربي السابق. المغرور والمتطلب والمتعجرف. العربي الذي كان يصدّق الأكاذيب ويتعاطى الأوهام. لم أعد أتحدث مطلقاً عن حق هذه الأمة في مكان لائق تحت الشمس. لم أعد أحلم لا من قريب ولا من بعيد بالوحدة العربية. لم أعد أطالب بأن يكون للعرب دور رائد في الإقليم. علمتني التجارب أن كل هذا الكلام كان كلاماً ومكلفاً. أنا العربي الجديد. لا أتحدث مطلقاً عن حقوق المواطن. وحقه في الشراكة. والرقابة. ولا عن حقوق الإنسان. واحترام الدستور. والمواثيق الدولية. والحريات الأساسية. ومعاملة السجناء. والقضاء المستقل. والفصل بين السلطات. ومكافحة الفاسدين. أنا لا أطالب أبداً أن يقوم الجيش الوطني بشطب العدو من الخريطة كما وعدنا. ولا أن يهدر كل يوم ليذكرنا بأنه يذود عن الحياض. وأن يصمّ آذاننا بالأناشيد الوطنية التي تمتدح القوات المسلحة والقائد الملهم. أنا مواطن قنوع وخنوع لا أريد من الجيش أكثر من أن ينساني. أي أن لا يسكب حممه على أجساد مواطنيه وأن لا يحول أحياءهم مستودعات لعظام أبنائهم. أنا العربي الجديد. لا أطالب بتعليم يستحق التسمية. ولا بجامعة عصرية. ولا بخطة تنمية. ولا بفرص عمل. أطالب فقط بقطرة ماء كي لا أموت من العطش. وقطرة كهرباء كي لا أموت من الظلم والظلام. وكسرة خبز كي لا أتوارى من الجوع. أطالب فقط بهدنة. كي أحصي كم بقي من أطفالي. كي أرفع ركام ما كنت أسميه بيتي. كي أعثر على قبر في ما كنت أزعم أنه وطني. ما هذا الانحدار. ما هذا الانتحار. كان على رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أن يخاطب مواطنيه في ذكرى الاستقلال. بدا الرجل محرجاً. صحيح أن بلاده لا تتعرض لتهديد وجودي. وخريطتها ليست مهددة بالتآكل. وجيشها ليس غارقاً في زحمة المليشيات. و»داعش» لا يتمدد على جزء من أراضيها. والحرب الأهلية لا تلتهم مدنها وقراها. لكن الصحيح أيضاً هو أن مواطنيه يريدون نتائج ملموسة. يريدون منه أن ينفذ ما وعد به قبل عام لجهة مكافحة الفساد. لم توجّه إلى حكومة مودي اتهامات باختلاس المال العام. لكن اتهامات طاولت بعض مساعديه وتحدثت عن فوائد غير شرعية حققوها بفعل مناصبهم. جدد مودي تأكيده أن «الأمة ستتخلص من الفساد… وعلينا أن نبدأ من القمة». وزاد أن «الفساد يشبه النمل الأبيض ينتشر ببطء ويصل إلى أي مكان ولكن يمكن القضاء عليه بواسطة حقنة تعطى في الوقت المناسب». حدّد مودي مهلة ألف يوم لمد شبكة الكهرباء إلى كل القرى وقال: «بعد سنوات من الاستقلال لا تزال 18500 قرية بلا كهرباء». وجدد رئيس الوزراء عزمه على مكافحة الفقر بلا هوادة محذراً في الوقت نفسه من النتائج الكارثية لـ «سم التعصب». أنا العربي الجديد. أشعر بحسد فظيع وقاتل. أعرف أن أمواج النمل الأبيض كانت أشد فتكاً في بلداننا من أمواج الجراد. يكفي الاستماع إلى ما يقوله العراقيون أنفسهم. يتحدثون عن هدر تريليون دولار. يتحدثون عن البلايين التي ضاعت في مرحلة ما بعد صدام حسين. يكفي النظر إلى ما يجري في ليبيا. وفي سورية. وفي لبنان حيث يخطئ من يسيء تقدير دور النمل الأبيض. أنا العربي الجديد أحسد الهندي على أوضاعه. أحسده على رئيس وزرائه وإن كان متهماً بالتعصب. أنا العربي الجديد وقعت ضحية النمل الأبيض والأسود معاً. النمل الأسود الحامل سمّ التعصب وكهوف الماضي. أكل النمل الخريطة والمؤسسات. أكل الخبز وسرق الكهرباء. أكل الأطفال والزرع. ما هذا الانحدار. ما هذا الانتحار.

في انتظار حل «عقدة» الأسد وبدء «ورشة» الإعمار
محمد برهومة/الحياة/17 آب/15
يدلّ الحراك الإقليمي والدولي حول سورية في الأشهر الأخيرة على توجه واستعداد الأطراف المنخرطة في هذا الحراك نحو القبول بمقاربات سياسية طرأ عليها تطور نوعي، يعكس، في الواقع، الاختلاف والتغير الذي أصاب البيئة الجيو ـ سياسية في الإقليم، خصوصاً بعد المعطى الاستراتيجي المهم المتمثل في تسوية الملف النووي الإيراني. طهران، مهما كابرت، لن تستفيد اقتصادياً من تسوية ملفها النووي ببقاء الصراع محتدماً في سورية واليمن والعراق. كانت إدارة أوباما تخشى قبل هذه التسوية من أي مقاربات سياسية في الإقليم وملفاته المتشابكة قد تفسد تلك التسوية أو تؤثر فيها سلباً. اليوم تكاد واشنطن تتحرر نسبياً من هذه العقدة، من دون أن يعني ذلك أنّ ثمة مواقف انقلابية أو دراماتيكية، بخاصة في الملف السوري. يساعد واشنطن على الظهور بهذه الصــــورة أنّ روسيا وإيران أصبحتا اليوم، أكثر قناعة، بأنه من الصعب الإبقاء علــــى الدرجــة نفسها من الدعم اللامحدود للنظــــام السوري، فالتغيرات على الأرض، وفـــــي المزاج الإقليمي والدولــــي، والاستنزاف المالي دفعهما لأنْ يكون الهدف اليوم التمـــسك بالرئيس بشار الأسد، والرياض وأنقرة والدوحة، لديهم اليوم المزيد مــن المسوغات والأسباب للتحدي وعـــدم التراجـــع عن دعم المعارضة السورية والسعي لإسقاط الأسد. وحتى بعد زيارة عادل الجبير لموسكو، ومن قبلها لقاء المسؤولين السعوديين بعلي مملوك في جــدة، قيل إنه رسالة موجهة الى موسكو عن أنّ المرونة والبراغماتية متوافرتان لدى السعودية، فإن الرياض مصرّة على عدم التـــنازل عن مسألة «لا مكان للأســـد في مستقـــبل سورية وأنه جزء مـــن المشكلة وليس الحل». الرياض ماضية بالتفاهم مع أنقرة والدوحة في استكمال التغييـــر في سورية، والجديد اليوم، الذي تتقارب فيه الرياض مع موسكو، هو الاعتـــراف بأهمية المحافظة على مؤسسات الدولة السورية بما فيها الجيش، إلى جانب الاعتراف بأولوية محاربة «داعش»، وهما أولويتان تقربان أيضاً بين موسكو وواشنطـن، وقد تؤسسان لتسويات جزئية وهدنة إنسانية هنا وهناك، وما حدث في الزبداني مثال قد يتكرر مع بعض التعديل.
قبل شهور كانت توصف العلاقات السعودية ـ الروسية (ومنذ أحداث «الربيع العربي») بالجمود والفتور. هذا الوصف لم يعد صالحاً اليوم، وكلا الطرفين لا يريدانه. هذا انزياح مهم، تكشف عنه أهمية المقارنة بين ردّ الأمير الراحل سعود الفيصل على المبادرة الروسية في القمة العربية الأخيرة في القاهرة، وتمني الجبير لدى لقائه الأخير بلافروف أن تحدث موسكو مزيداً من التحول في مواقفها من الأسد، ورغبة موسكو، في المقابل، في أن تغيّر الرياض موقفها من موضوع بقاء الأسد، وتسعى الى أنْ يكون هناك حوار بينه وبين المعارضة يفضي إلى مرحلة انتقالية قد تصل إلى خمس سنوات كما يريد الكرملين. السعودية وروسيا تتفقان على مرجعية «جنيف 1» وتختلفان حول بقاء الأسد ضمن النظام الانتقالي المقبل، وحتى الأطراف الأوروبية والأميركية ـ التي تؤيد الفترة الانتقالية ولا تصرّ على إبعاد الأسد ـ تختلف مع موسكو على المدة ولا تريدها أن تطول لخمس سنوات. الدخول في التفاصيل يعني الرغبة في التسويات والحلول والتهدئة، والسؤال عما إذا كانت جزئية أم شاملة. العقدة في بقاء الأسد، لكنّ ذلك لن يمنع من احتمال قيام خطوات تهدئة وهدنة وتسويات جزئية هنا وهناك، وسيصيب البعض التناقض والارتباك حين يرون هذه التهدئة الجزئية تتزامن مع تصعيد في الميدان، لأن جميع الأطراف تعي أن التسوية الشاملة مربوطة بمصير الأسد، وأن اي حراك ديبلوماسي سيبقى قاصراً ما دام يتجنب هذه المسألة ويؤجلها. الحراك الإقليمي والدولي حول سورية يهدف أيضاً إلى تقوية المعارضة الوطنية المعتدلة، وهي ما زالت ضعيفة. غالبية الأطراف، وليس جميعها، لا تريد أن يخلف الأسدَ «داعش» و «النصرة» و «أحرار الشام»؛ حتى لو استمر الصراع لفترة أطول، على رغم إشكالية أن إطالة الصراع هي في الواقع تغذية لكل نزعات التطرف والعنف والفوضى. لذلك ينبغي التفكير بآليات أكثر ذكاء ونجاعة لحل هذا التناقض. الإقدام على هذا التفكير يعني توجهاً نحو