هيرالد براون: الاتفاق النووي سلبياته وإيجابياته/نيكولاس كريستوف: آراء قد تضيء الطريق لأوباما في شأن الاتفاق الإيراني/وسام سعادة: حل سياسيّ.. من دون طيران آل الأسد/خيرالله خيرالله :مشروع العبادي ترقيع لمشروع المالكي

343

الاتفاق النووي.. سلبياته وإيجابياته
هيرالد براون/وزير الدفاع الأميركي (1977 – 1981)
الشرق الأوسط/17 آب/15
من واقع خبرتي السابقة وزيرًا للدفاع أثناء أزمة الرهائن الأميركيين في إيران، أستطيع أن أقول إن إيران قد تحاول الالتفاف على الاتفاق النووي. ومما يعزز من موقفي الاحترازي تجاه إيران مشاركتي في مفاوضات التسليح النووي مع الاتحاد السوفياتي، بدءا من عام 1958 حتى الجولة الثانية من مفاوضات الحد من التسلح التي جرت على صفيح ساخن أثناء الحرب الباردة. بيد أن الولايات المتحدة بوسعها فقط قبول أو رفض الاتفاق، ولذلك اسمحوا لي أن أناقش الحد الأدنى من سلبيات الاتفاق وإيجابياته، رغم أن التقدم في البرنامج النووي قد عُلق خلال فترة المفاوضات، إلا أنه لم يتبقَّ لإيران سوى عامين كي تكون قادرة على إنتاج السلاح النووي، وهذا الأمر في حد ذاته يعد مشكلة تتطلب الانتباه الفوري، إذ إن امتلاك إيران للسلاح النووي سوف يغري باقي القوى الإقليمية على السير على نفس النهج، وسوف تشتعل الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والخليج. وبكل تأكيد، فقد شجع هذا الأمر الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين على تبني موقف موحد، ويعتبر هذا من المرات النادرة التي تتفق فيها تلك الدول على موقف موحد. ويشير المؤيدون للاتفاق إلى أن هناك بنودًا تضمن التزام إيران بالاتفاق، في حين يشير معارضو الاتفاق إلى مخاوف أخرى، منها برنامج إيران للصواريخ الباليستية، ناهيك بدعمها للإرهاب، وتهديداتها وتصريحاتها ضد وجود إسرائيل. رغم صحة تلك الملاحظات، فإنه ليست هناك صلة بينها وبين المهمة العاجلة التي تتمثل في محاولة منع إيران من امتلاك سلاح نووي بحلول عام 2017. الوضع الآن هو كالتالي: إما أن تلتزم الولايات المتحدة بالاتفاق الذي اعتمدته كل الأطراف المشاركة أو يرفض الكونغرس التزام الولايات المتحدة بالاتفاق. وفي حال وافقت الولايات المتحدة وإيران على الاتفاق، فسوف يتوجب على إيران تخفيف أو تصدير مخزونها من اليورانيوم المخصب بالفعل حتى لا يكون بحوزتها مخزون كافٍ لإنتاج سلاح نووي. سوف يعمل ذلك على إعادة قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي نحو 10 – 15 عامًا إلى الخلف. حتى في حال قررت إيران التنصل من الاتفاق، فسوف تتأخر إيران عامًا كاملاً عن إنتاج سلاح نووي، مع الوضع في الاعتبار أن إيران الآن لم يتبقَّ لها سوى شهور معدودة حتى تتمكن من الحصول على يورانيوم عالي التخصيب يكفي لإنتاج سلاح نووي.
كيف لنا أن نتحقق من تلك الحدود؟ بالمقارنة مع اتفاقات سابقة مع الخصم الذي شكل تهديدًا أكبر، الاتحاد السوفياتي السابق، فإن بنود المراقبة تضمن تدخلاً وقوة أكبر. وتعتبر فرص التحقق من خروقات إيران التي تقلص من فرص إنتاج سلاح نووي لأقل من عام واحد جيدة جدًا. الأكثر من هذا أن الاتفاق يشتمل على بنود تتيح العودة لفرض العقوبات الاقتصادية مجددًا في حال أخلّت إيران بالاتفاق. سوف يكون التفتيش الصارم والتعاون مع هيئة الطاقة الذرية أمرًا حيويًا.
هل يخفف الاتفاق الضغط على إيران بعد السماح لها بالتصرف في أصولها البنكية التي تقدر بالمليارات؟ نعم، إذ إن تلك هي طبيعة الاتفاق التي تجعل الخصوم يتخلون عن بعض الأهداف. كان بمقدورنا أن نصوغ اتفاقا أفضل، لكن إيران كانت سوف ترفض التوقيع على الوثيقة. في حال منع الكونغرس الولايات المتحدة من الالتزام بالاتفاق، فسوف تسير إيران بكامل قوتها في برنامجها النووي. غير أن معارضي الاتفاق يحذرون من أن الاتفاقية تسمح لإيران بإنتاج سلاح نووي في غضون عامين، وذلك بعد 10 – 15 عاما من الآن. وبناء عليه، لماذا يبدو قبول ذلك الخطر المحدق الآن أمرًا أكثر إزعاجًا من قبول خطر يتهددنا بعد عشر سنوات؟ هل هناك طريقة أخرى لتأخير إنتاج إيران لسلاح نووي؟ حتى من يتوقون للحرب لا يقترحون الغزو، وحتى هجوم بواسطة القوات الخاصة، حسب يقيني التام، سوف يرتهن بالحظ بسبب تشتت مواقع التخصيب الإيرانية، وتظل الضربة الجوية الوقائية ضد المواقع النووية خيارًا وكارثيًا. سوف تهلل بعض الحكومات العربية للضربة على استحياء، لكنها لن تنضم إلينا، وسوف تصب شعوبها غضبها على الولايات المتحدة رغم بغضهم الشديد لإيران. في أحسن الأحوال، سوف تتسبب الضربة في تراجع البرنامج النووي الإيراني عامين إلى الخلف فقط، وسوف تعمل إيران على إعادة بناء موقع يصعب تحطيمه بالقوة العسكرية التقليدية، وسوف نترك إيران بسلاح نووي ورغبة أكبر في الانتقام. لن تتحمل روسيا والصين العقوبات الاقتصادية، وسوف تضعف كذلك العقوبات المفروضة من قبل دول أخرى. مع وضع كل تلك الأمور في الاعتبار فإن الحاجة إلى اعتماد الاتفاقية أمر لا يحتاج إلى ذكاء.
وزير الدفاع الأميركي (1977 – 1981)* خدمة «واشنطن بوست»

آراء قد تضيء الطريق لأوباما في شأن الاتفاق الإيراني
نيكولاس كريستوف/الشرق الأوسط/17 آب/15
سوف يكون الأمر كارثيًا لنفوذ الولايات المتحدة في العالم لو أجهز الكونغرس على الاتفاق النووي مع إيران. ربما لأن المخاطر عالية، فقد أصبح الجدل مؤذيًا إلى حد بعيد، حيث يوجه النقاد اتهامات سخيفة للرئيس باراك أوباما بالتقرب من الجماعات المعادية للسامية، في حين يرى أوباما أن بعض الخصوم كانوا «مثيرين للمخاوف»، و«جهلاء»، «يشاطرون» الإيرانيين هتافهم «الموت لأميركا». يأتي حديث أوباما بمردود عكسي، حيث أبلغني السيناتور الجمهوري السابق عن ولاية تكساس، كاي بيلي هتشسون، أنه «فيما يخص هذه النقطة، فقد جعل الرئيس من المستحيل للجمهوريين التصويت في صالح الاتفاق». يطالب الغالبية العظمى من الناخبين الكونغرس بالتصويت ضد الاتفاق، ومع تحدي السيناتور تشانك شومر للبيت الأبيض بمعارضته للاتفاق، تبدو معارضة الاتفاق وقد شملت كلا الحزبين، على عكس حجم المؤيدين. يبدو الأمر تراجيديًا، حيث إن الإجهاز على الاتفاق سوف يغضب الكثير من المؤيدين، ويعزل الولايات المتحدة أكثر مما يعزل إيران، وفى النهاية سوف يزيد من خطر استحواذ آيات الله على السلاح النووي. لن يتسبب إجهاز الكونغرس على الاتفاق النووي الإيراني في تراجع قيادة الولايات المتحدة للعالم فحسب، بل سيزيد كذلك من خطر إنتاج إيران للقنبلة النووية.
شرحت بالفعل أسباب مساندتي القوية للاتفاق، وأدعو الرئيس أوباما للشروع في تسويق الاتفاق بالتركيز على ثلاث نقاط:
أولاً: بالتأكيد على أن الاتفاق ليس كاملاً، إلا أنه أفضل السبل لتحقيق هدف نسعى جميعًا بحماس لتحقيقه؛ والهدف هو منع إيران من إنتاج سلاح نووي.
تأييد الغالبية العظمى من الخبراء العسكريين الاتفاق قد يقبله البعض بحماس وقد يقبله آخرون على مضض. هم يدركون ما شاب الاتفاق من نواقص، لكن إجمالاً وفي ضوء الخطاب المفتوح الذي أرسله 29 من كبار العلماء النوويين وخبراء السلاح الأميركيين للرئيس أوباما الأسبوع الماضي جاءت آراؤهم كالتالي: «تضمنت الاتفاقية قيودًا أكثر صرامة من أي اتفاق حظر انتشار نووي تفاوضنا بشأنه في السابق». وبنفس المعني، أفاد نحو 30 من كبار جنرالات الجيش الأميركي المتقاعدين في خطاب مشترك بأن «الاتفاق يعد الأداة الأكثر تأثيرًا الآن لمنع إيران من حيازة سلاح نووي». قد تحتاج إيران لفترة تتراوح ما بين عدة شهور وسنة كي تنتج قنبلة نووية، ورغم أن الاتفاق لم يحل المشكلة القائمة فإنه قد يمد الأجل لخمسة عشر عامًا قادمة. نعم بالتأكيد سوف يكون من الأفضل لو أن إيران تخلت تمامًا عن تخصيب اليورانيوم، لكن أليس من الأفضل أن تتخلى إيران عن 98 في المائة من مخزونها من اليورانيوم من ألا تتخلى عن أي شيء؟
الجميع يعرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعارض الاتفاق، لكن ليس الجميع يعرف أن غيره من الإسرائيليين من ذوي الخبرة العسكرية الأكبر يؤيدون الاتفاق. ويصف عامي عايلون، الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك)، الاتفاق بأنه «أفضل بديل ممكن»، في حين يتساءل أفرام هيفلي، الرئيس السابق للموساد: «ما الغرض من إلغاء اتفاق يبعد إيران عن إنتاج القنبلة؟».
ثانيًا: صحيح أن إيران قد تحاول الخداع، إلا أنه من السهل الإيقاع بها وإيقاف الخداع عن طريق الاتفاقية، وذلك أفضل من عدم وجود اتفاق من الأساس.
يشير النقاد أحيانًا إلى أن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون توصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية حول الأسلحة النووية عام 1994 فقط كي يرى كوريا الشمالية تحاول الخداع. الدرس الذي خرجوا به هو أنه لا فائدة من التفاوض مع الأنظمة المارقة غير الجديرة بالثقة. قمت بتغطية أخبار كوريا الشمالية منذ كنت مراسلاً صغيرًا في آسيا في ثمانينات القرن الماضي، والدرس الذي خرجت به كان أقرب للعكس، فقد خُرقت اتفاقية 1994 بالفعل بعدما أخلت كوريا الشمالية ببنودها. لكن رغم ذلك، في خلال السنوات الثمانية التي وضعت فيها الاتفاقية موضع التنفيذ، كان إنتاج كوريا الشمالية من السلاح النووي صفرًا، حسب تقديرات استخباراتية أميركية.
وبعد انهيار الاتفاق عام 2002، عادت إدارة الرئيس بوش إلى سياسة المواجهة، ووقتها ربما قامت كوريا الشمالية بإنتاج تسعة أنواع من السلاح النووي.
ثالثًا: إذا اتجهت كل الأمور جنوبًا، وإذا تحايلت إيران علينا ودخلت بعد 15 عامًا في سباق لإنتاج السلاح، سنحتفظ وقتها بحقنا في توجيه ضربة عسكرية.
وعند توجيه سؤال في هذا الخصوص لديفيد باتريوس، الجنرال المتقاعد والرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه»، أجاب: «أعتقد بقوة أن الخيار العسكري سوف يظل مطروحًا لو سعت إيران إلى خرق الاتفاق وبناء منشأة نووية بعد انتهاء أمد التفتيش عند نهاية سريان الاتفاقية بعد 15 عامًا».
بالنسبة لي، تبدو الاتفاقية أمرًا سيئًا ومليئًا بالتصدعات، إلا أنها أفضل بديل. يصدمني انتقاد الاتفاق الذي يبدو منطقيًا، غير أن البديل الذي يقترحه النقاد يبدو غير منطقي ومشوشًا، وبناء عليه يجب على الرئيس أوباما أن يضغط على زر إعادة البدء (ريستارت). عليه أن يدرك أن الصفقة يشوبها عيوب، لكن عليه أيضًا أن يشدد على أهمية ألا يتم فقط التصديق على بنودها في استفتاء شعبي، لكن أيضًا كخيار إما بنعم أو لا.
بمقدور أوباما كذلك أن يخطو في سبيل تهدئة مخاوف المشككين. يمكننا كذلك تمويل هيئة الطاقة الذرية كي تفعّل من عمليات المراقبة، وبمقدورنا التحدث بصوت أعلى لحماية حقوق الإنسان في إيران ولمواجهة التطفل الإيراني في المنطقة، خاصة في سوريا.
وأبلغني الجنرال برينت سكوكروفت، الذي يعد بمثابة الأب الروحي للخبراء الأمنيين بالحزب الجمهوري، أنه يدعم الاتفاق الإيراني جزئيًا لأنه يعكس قيادة الولايات المتحدة لأمر حيوي يهم العالم كله. أوافق على الاتفاقية، وإذا أجهز الكونغرس عليها فلن يساهم في تراجع قيادة الولايات المتحدة فحسب، بل أيضًا سوف يزيد من مخاطر إنتاج إيران للقنبلة النووية.
* خدمة «نيويورك تايمز»

حل سياسيّ.. من دون طيران آل الأسد
وسام سعادة/المستقبل/17 آب/15
تأتي مجزرة نظام آل الأسد الجديدة ضد أبناء دوما لتذكّرنا بما هو «ممر الزامي» لكل حل سياسيّ ولكل انفراج في الشرق الأوسط: وجوب نزع أو تعطيل امكانية استخدام سلاح الجو من يد بشّار الأسد بأي شكل كان، وليس فقط ترسيم مناطق حظر جوي هنا أو هناك.
وقد يقول قائل ان هذا لم يعد مطروحاً في أروقة التباطؤ في صنع القرار في عالم اليوم. ان يكون مطروحاً فيها او غير مطروح فهذا لا يبدّل قيد أنملة، وبمحاكاة لنظرية السيد حسن نصر الله، عن «ميشال عون كممرّ الزامي» يمكننا، فيما يعني سوريا، الادعاء بأن أي مدخل لحل سياسي فيها وطيران آل الأسد لا يزال يحصد الناس هكذا هو مدخل مسدود، موصود، مستحيل عملياً، هذا قبل الغوص في استحالته الاخلاقية او ما شاكل. بالتالي، كل من يخبرك عن حل سياسي لا يكون نزع سلاح الطيران فيه بالتحديد، من يد نظام ال الأسد، مدخلاً أساسياً، هو بمثابة ثرثرة ورياء. اكثر من ذلك: مقولة من قبيل «حل سياسي من دون طيران بشار الاسد» اهم عسكرياً وسياسياً واهلياً وانسانياً من مقولة «حل سياسي من دون بشار الاسد». وقد لا يكون مناسباً تحميل وزر كل تناقضات الكارثة السورية لادارة باراك اوباما وحدها، لكن ما لا شك فيه ان هذه الادارة ارتكبت خطأ فظيعاً عندما سمحت لسلاح الطيران السوري بالمشاركة في قمع الثورة السورية ثم في مجالات الحرب الأهلية السورية، ويوم استظلت بالقصف الكيماوي البشاري على الغوطة لاقتراف القسمة البائسة بين سلاح كيماوي تفكك ترسانته وبين سلاح طيران براميلي يحلّل أمره ويباح، ليؤمّن به النظام الأسدي باحتكاره هذا الجانب، وتفوقه في سلاح المدفعية، سببين اساسيين لاستمراره كنظام احتضار دموي مزمن، بالاضافة طبعاً الى معادلات القاعدة الاجتماعية، الطائفية وغير الطائفية، للنظام، وفشل الثورة السورية في تحويل اللون الاكثري العربي السني الى محور تأطيري توليدي توحيدي لحركة تحرر وطني سوري تعددية جامعة، وشطط الايديولوجيا القتالية الاسلاموية عندما تخوض ما يفترض انه حرب غوار. فالخيار لم يكن سلمية او عنفية بعد تمادي العنف النظامي، وانما بين حرب غوار بايديولوجيا قتالية تتحصن في المدن فتكون النتيجة ما هي عليه في حلب مثلاً، من تدمير وتقسيم ومن ترهّل للجسم الثوري استفادت منه الحيويات الجهادية، وبين حرب غوار تعتمد الذاكرة الكفاحية الناجحة للقرن السابق، وفي مقدمتها مبدأ تقطيع اوصال العدو، وقطع طرق امداداته، وحصار المدن التي يسيطر عليها، وتركه يواجه ازمة تموين هذه المدن مع سكانها، بدل ان تكون الحال بالمقلوب: اي نظام اختزل الى حد كبير الى خطوط امداده ومواصلاته لكنه لا يزال يستند الى شبكة عريضة منها رغم انحسار رقعة سيطرته الجغرافية بشكل عام.
لا يمكن ابعاد السياسة عن التداول في امر اي نزاع اهلي ودموي في العالم، خصوصا اذا ما طال كثيرا، كحال الحرب السورية. والمكابرة على السياسة التي يفتعلها بعض المزايدين هنا وهناك لا تخدم قضية تحرر سوريا من هذا النظام واعادة التقاطها عناصر القوة وتجديد الحياة. في الوقت نفسه، فان كل حديث عن حل سياسي لا يربط ربطاً عضوياً، مباشراً، لازماً، تاماً، بنزع سلاح الطيران من يد بشار الاسد، يقوّض هامش السياسة، مثلما ان بقاء طيران ال الاسد في واجهة الاحداث التدميرية يدخل الزغل الى مشهد الطائرات المهاجمات ضد مواقع «الدولة الاسلامية»، ويعطل فاعلية الحرب اللابرية ضدها.

مشروع العبادي .. ترقيع لمشروع المالكي
خيرالله خيرالله/المستقبل/17 آب/15
تبدو مجموعة الإجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء العراقي برئاسة الدكتور حيدر العبادي أقرب إلى اعتراف بالعجز عن إمكان الغوص في عمق الأزمة التي يعاني منها البلد والمتمثّلة في المذهبية من جهة والسقوط تحت هيمنة إيران والميليشيات التابعة لها من جهة أخرى. ففي العراق، حلّت المذهبية بديلاً من الشعور بالانتماء إلى وطن يكون لجميع العراقيين. كلّ معالجة تبتعد عن هذا الواقع أقرب إلى معالجة مريض مصاب بداء السرطان بواسطة الأسبيرين.
شملت الإجراءات التي اتخذتها حكومة العبادي إلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية الذي يشغله رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، كذلك الدكتور أياد العلّاوي واسامة النجيفي. وقد تظاهر المالكي بقبول إلغاء منصبه في مناورة ذكيّة من جانبه تستهدف تنفيس الاحتقان الشعبي تجاه ممارساته كرئيس للوزراء طوال ثماني سنوات، لكنّه ما لبث أن اتخذ موقفاً معارضاً لما قرّرته الحكومة. يعرف المالكي أنّه مستهدف وأنّه يبدو مطلوباً تقديمه كبش فداء في ضوء التظاهرات التي تشهدها المدن العراقية، بما في ذلك بغداد والبصرة. هذه التظاهرات ليست سوى ردّ شعبي صادق على الحال التي وصل إليها العراق. تعبّر هذه الحال بوضوح عن إفلاس الدولة العراقية التي لم تستطع التعاطي مع التطورات التي توالت منذ سقوط النظام العائلي – البعثي لصدّام حسين في نيسان/ابريل 2003، يوم دخول القوات العراقية بغداد وحملها رؤوس الميليشيات الشيعية، التابعة لأحزاب مدعومة من إيران، إلى السلطة. ليس دفاعاً عن نوري المالكي. الرجل لا يمثّل سوى مرحلة كان لا بدّ من العراق أن يمرّ بها بعد الانسحاب العسكري الأميركي وتسليم البلد، مجدّداً، على صحن من فضّة الى إيران. كانت إيران منذ اللحظة الأولى شريكاً في الحرب الأميركية على العراق. انتظرت اللحظة المناسبة للانقضاض على البلد بعدما قرّر الأميركيون الانسحاب عسكرياً من البلد تنفيذاً للوعود التي قطعها باراك أوباما خلال حملته الانتخابية التي سبقت وصوله إلى البيت الأبيض في العام 2008.
لا يمكن توجيه أي لوم إلى نوري المالكي، على الرغم من أنّه متعصب مذهبياً ولا يؤمن سوى بالعراق الشيعي. حاول المالكي السير في نهج مستقلّ نسبياً، لكنّه ما لبث أن سقط كلّيا تحت التأثير الإيراني ونفوذ ايران ابتداء من العام 2010، تاريخ حصول انتخابات نيابية حلّت فيها لائحته في الموقع الثاني، خلف لائحة أيّاد علاوي المدعوم عربياً. من أجل أن يبقى رئيساً للوزراء استسلم المالكي لإيران في ظلّ تفاهم بين واشنطن وطهران مهّد لاحقاً للاتفاق النووي الذي أمكن التوصّل إليه حديثاً.
استطاعت إيران إخضاع المالكي الذي كان يريد البقاء في موقع رئيس الوزراء بأيّ ثمن كان. أصبح المالكي ابتداء من أواخر 2010، مجرّد رهينة لدى إيران. لم يعد يشبه سوى «حزب الله» في لبنان… أو بشّار الأسد في سوريا، أو عبدالملك الحوثي في اليمن.
صارت حكومته مجرّد تابع لإيران وأداة من أدواتها في المنطقة. هل في استطاعة حيدر العبادي، الذي يعلن رغبته في محاكمة الفساد، محاكمة ما كان في الواقع حكومة إيران في العراق؟
ليست المسألة مسألة فساد يعترض عليها العراقيون الذين نزلوا إلى الشارع ويريدون معرفة مصير عشرات مليارات الدولارات التي تبخّرت في السنوات القليلة الماضية والتي لم تستطع أن تأتي لهم بالكهرباء التي كانت متوافرة في عهد صدّام حسين. كانت الكهرباء متوافرة، إلى حدّ ما طبعاً، حتّى في ظل الحصار الدولي الذي تسبّب به صدّام نفسه الذي لم يدرك يوماً معنى التعاطي مع موازين القوى في المنطقة والعالم. تجاوز الوضع العراقي حيدر العبادي والإصلاحات التي أقدم عليها. لم تعد المسألة مسألة مرتبطة بما ارتكبه نوري المالكي الذي أغرق العراق في الفساد والطائفية والمذهبية ووفّر كلّ المطلوب منه إيرانياً لدعم النظام في سوريا. كان هذا الدعم من منطلق مذهبي ليس إلّا. لماذا لا يمكن الرهان على العبادي وعلى حملته على الفساد؟ الجواب أنّه لا يمكن في أي شكل الاتكال على رئيس للوزراء في العراق يعتبر أن مرجعيته الدينية فوق كلّ مرجعيّة أخرى. المنطق يقول إن مرجعية الحكومة العراقية هي مواد الدستور ومجلس النوّاب أوّلاً. منهما تستمد شرعيتها وليس من أي مكان آخر. من يلجأ إلى المرجعية الدينية ولا يستحي في ذلك، إنّما يريد تحويل العراق إلى جمهورية إسلامية أخرى تدار من النجف على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران. يريد جعل العراقيين يترحّمون على عهد صدّام حسين. اليوم، هناك المرجع الأعلى آية الله السيستاني الذي تقدّم في العمر. غداً، سيكون المرجع نائب الولى الفقيه الذي عيّنه حديثاً «المرشد» الخامنئي ممثلاً له في النجف. هذا يعني في طبيعة الحال أن الجمهورية الإسلامية في العراق ستدار من خامنئي، أو من خليفته، لا أكثر ولا أقلّ. لا حاجة إلى إضاعة كثير من الوقت في جدل يتعلّق بما يستطيع أن يفعله حيدر العبادي المنتمي إلى حزب «الدعوة»، وهو حزب مذهبي، يشكّل نسخة شيعية عن الإخوان المسلمين لدى السنّة. في نهاية المطاف، هناك انهيار للدولة العراقية. أفضل تعبير عن هذا الانهيار أن يعتبر العبادي المرجعية الدينية مرجعيته. أين الدستور العراقي؟ أين مجلس النوّاب؟ الأخطر من ذلك كلّه أن الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي لا تتناول من قريب أو بعيد «الحشد الشعبي»، وهو مجموعة ميليشيات مذهبية تشكّل ألوية في «الحرس الثوري» الإيراني، حلّت مكان الجيش العراقي بحجة أنّها تشكّل دعماً له. ما موقف العبادي من «الحشد الشعبي» الذي يخدم «داعش» ولا دور له سوى تنفيذ عمليات تطهير عرقي في العراق؟ لا تزال تكريت شاهداً على ممارسات «الحشد الشعبي» التي تتلخّص بالانتقام من السنّة بحجة أن صدّام حسين كان سنّياً وأنّه من العوجة القريبة من تكريت. تجاوزت الأحداث حيدر العبادي وحكومته وإجراءاته. ليس لدى الرجل مشروع وطني للعراق. كلّ ما لديه مشروع لترقيع مشروع نوري المالكي. هذا المشروع الإيراني لا ينطلي على العراقيين الذين لا يبحثون عن الكهرباء ولا عن مصير عشرات مليارات الدولارات فحسب، بل يبحثون أيضاً عن مشروع وطني ينصف كلّ مواطن بغض النظر عن طائفته ومذهبه وقوميته، مشروع يعيد العراق إلى العراقيين لا أكثر ولا أقلّ…ولكن هل من أمل في انقاذ العراق في نهاية المطاف… أم فات أوان ذلك؟