الياس حرفوش: رأس الأسد على طاولة المفاوضات/حازم الامين: سورية ليست على أبواب تسوية وشيكة/طارق الحميد: هل إيران تتغير؟

271

رأس الأسد على طاولة المفاوضات
الياس حرفوش/الحياة/09 آب/15
ينتظر أهل المنطقة تغيير السلوك الإيراني حيال كثير من الملفات التي صارت طهران طرفاً في أزماتها. من الأزمة السورية إلى شقيقتها اللبنانية، وصولاً إلى أزمة اليمن والصراع السياسي في العراق بخلفيته المذهبية المعروفة. مبررات الانتظار تعود بالدرجة الأولى إلى الاتفاق الذي توصلت إليه طهران مع الدول الغربية. وأماني أهل المنطقة والمسؤولين فيها، أن الليونة التي أظهرها الغربيون، والأميركيون في شكل خاص، لتذليل العقد التي كانت تبدو صعبة في مفاوضات فيينا، لا بد أن تنعكس ليونة مماثلة من جانب طهران في تعاطيها مع الملفات الإقليمية. والرهان هنا بالطبع هو على فوز جناح التفاوض (روحاني – ظريف) على جناح المتشددين داخل البيت الإيراني. الأزمتان السورية واليمنية تتقدمان الآن مشاريع الحلول، أو لنكون أكثر دقة، الأماني بالتوصل إلى حلول. التطورات في اليمن توحي بأن ما يجري عسكرياً على الأرض يشير إلى تحول إيراني حيال دعم الحوثيين، ما يفسر تراجعهم في الأسبوعين الأخيرين، بالإضافة إلى التقدم الذي تحرزه المقاومة الشعبية بدعم من قوات التحالف وسلاحها الجوي. ومع أن من المبكر القول إذا كان لهذه التطورات الحاسمة تأثير مباشر على الأزمات الأخرى، وخصوصاً الأزمة السورية، فإن الواضح أن قيام طهران بتسويق مبادرة سياسية للحل، واستعدادها لعرضها على مجلس الأمن، يعنيان أن هناك مقاربة أخرى للتعامل مع الأزمة، تتجاوز الدعم العسكري للنظام، وتأخذ في الاعتبار عدم شرعية ولاية الرئيس في نظر معارضيه. فالمبادرة الإيرانية تدعو بين بنودها إلى إجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما يمكن أن يفهم منه أن طهران تعتبر أن الخطوات التي قام بها النظام حتى الآن لتثبيت شرعيته، سواء من خلال الانتخابات النيابية التي جرت عام 2012 أو الرئاسية في العام الماضي، لا تحظى بأي تأييد، داخلياً وإقليمياً ودولياً، وأن طهران بالتالي مستعدة للمقايضة في هذا المجال. ولا بد أن تشمل المقايضة موقع بشار الأسد على رأس النظام. يعزز هذه القناعة ما أخذت تتداوله أوساط ديبلوماسية غربية من أن إيران على قناعة الآن أن بقاء الأسد هو عقدة في طريق التوصل إلى حل، وأن بالإمكان البحث عن مخارج لا تضر بمصالح طهران، من دون أن يكون الأسد جزءاً من الصفقة. ويأتي في هذا الإطار ما قاله الرئيس باراك اوباما لعدد من الصحافيين الاميركيين من أن إيران وروسيا على قناعة الآن من أن ايام الاسد على رأس النظام السوري باتت معدودة. ومن أبرز الإشارات إلى استعداد موسكو لتعديل موقفها تصويتها بالموافقة على قرار مجلس الأمن الذي حظي بالإجماع ويدعو إلى تحديد المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي في سورية ومحاسبتهم. ويعتبر هذا التصويت أول خطوة جدية من جانب موسكو لمحاسبة الأسد وأركان نظامه منذ بدء الأزمة السورية، بالمقارنة بسلسلة «الفيتوات» السابقة في مجلس الأمن. في الإطار ذاته، تتحدث جهات عربية على صلة بالاتصالات التي تجري أخيراً لبلورة حل اقليمي بغطاء دولي، عن أن العلاقة السورية الإيرانية الخاصة لم تشكّل في أي يوم عقبة في طريق علاقات سورية عربية سليمة، لا في عهد حافظ الأسد ولا في عهد ابنه، وأن سوء العلاقات اليوم هو القمع الذي يمارسه النظام ضد أكثرية شعبه، وتغطية إيران أعمال القمع هذه، ما يعزز القناعة في المنطقة بأنها طرف في عملية تطهير مذهبي تجري في سورية. بالطبع لا جديد في الكلام عن أن بقاء الأسد في السلطة هو أبرز عقبة في طريق العثور على مخرج من الأزمة السورية. فقد كان الأمر كذلك منذ الحديث عن «هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية» كما نص بيان «جنيف 1» الذي اصدرته «مجموعة العمل من اجل سورية» في صيف عام 2012. الجديد الآن هو توصل إيران إلى هذه القناعة، إذا كان هذا الأمر صحيحاً، وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة من خلال متابعة الاتصالات الديبلوماسية في العاصمتين الروسية والإيرانية.

 

 

سورية ليست على أبواب تسوية وشيكة
حازم الامين/الحياة/09 آب/15
نعم نحن أمام مشهد سوري مختلف. وليد المعلم في مسقط، وموسكو وجهت دعوة للائتلاف الوطني السوري لزيارتها، والأخير وافق على الدعوة. لكن الديبلوماسية النشطة يبدو أنها قاصرة عن الإحاطة بالوقائع، والخلوص إلى أننا على أبواب تسوية في سورية، فيها الكثير الكثير من التسرع.
أولاً، لا يبدو أن تركيا جزء من هذه الحركة الديبلوماسية، أو هي على الأقل ليست في صلبها، وتعمل وفق أجندة مختلفة تماماً. فهي تُعد لمنطقة عازلة في شمال سورية، وباشرت حملة عسكرية على حزب العمال الكردستاني وسيكون حزب «بي يو دي» الكردي السوري جزءاً من أهدافها. بالإضافة إلى فتحها قاعدة «انجرليك» أمام الطائرات الأميركية، وترافق ذلك مع إعادة انتشار نفذتها «جبهة النصرة» في ريف حلب انسجاماً مع الرغبة التركية بالمنـــطقة العازلة. وهذه الوقائع لا تكشف عن رغبة تركية بتسوية قريبة.
الوقائع في دمشق وريفها لا تقول أيضاً ما تقوله الديبلوماسية النشطة. فشل «حزب الله» حتى الآن في دخول الزبداني، ودارية المدمرة المحاصرة منذ سنوات استيقظت على هجوم معاكس كشف هشاشة دفاعات فرق النخبة في جيش النظام السوري. والوقائع القريبة من الساحل السوري، وتحديداً في سهل الغاب لا تشتغل بدورها على وقع تسوية قريبة. دفاعات النظام هناك تتعرض لتصديع يُهدد عصبه في قرى الساحل وفي مدنه.
الجبهة على الحدود مع الأردن لم تشهد منذ نحو شهرين تغيرات كبيرة، لكن وراء هذا الجمود قرار أردني أولاً وأميركي وإسرائيلي ثانياً، بضرورة عدم التسرع في الانقضاض على ما تبقى من بؤرٍ للنظام في جنوب سورية وصولاً إلى ريف دمشق ومروراً بالجولان والسويداء. خصوصاً أن اختباراً بالنار أجري قبل أشهر كشف حقيقة تداعي وحدات جيش النظام، فسقطت الكتيبة 52 في معركة لم يكن الهدف منها إسقاطها بل اختبارها. وبعد ذلك فشل هجوم المعارضة على مدينة درعا بسبب التحفظ الدولي على إسقاطها. وبشار الأسد اعترف في خطابه الأخير بأن جيشه يعاني من مشكلة في التجنيد ومن نقص كبير في الطاقة البشرية.
أما «داعش»، فحتى الآن لم يتلق هزيمة واحدة في المناطق التي احتلها. والجديد على هذا الصعيد هو أن تركيا أجرت مرغمة تحولاً في موقفها منه، والنظام لم يعد قادراً على مزيد من الاستثمار في انتصاراته، ذاك أن لعبة الانسحابات له تم استنفادها إلى حدها الأقصى.
في هذه اللحظة الميدانية، تحركت «الديبلوماسية السورية» وانطلقت مبادرة إيرانية غامضة تم ربطها بموقع طهران الجديد. وصُورت اندفاعة النظام نصراً ديبلوماسياً، فيما حملت مبادرة طهران من الغموض ما يمكن أن يُفسر تنازلات. وفي الحقيقة ليست زيارة المعلم مسقط نصراً ولا تحمل مبادرة طهران تنازلات.
معطيان رئيسيان ما زالا بعيدين عن الحركة الديبلوماسية المستجدة. «داعش» ومستقبل بشار الأسد. الجديد في قضية «داعش» هو الموقف التركي وفتح قاعدة أنجيرليك أمام طائرات التحالف، وهو ما لا يبدو أنه تغيير دراماتيكي تؤمل منه هزيمة وشيكة لهذا التنظيم، وفي أحسن الأحوال ربما شكل بداية طريق مختلفة عن تلك الغارات المملة التي باشرتها واشنطن منذ سنة تقريباً. أما البحث بمستقبل بشار الأسد فهو ما لا يبدو أن طهران بصدده الآن على الأقل، وموسكو أيضاً ما زالت ترى أنه من المبكر تقديم هذه الورقة على طاولة المفاوضات.
مقابل كل هذا، ليس الائتلاف الوطني السوري جهة يمكن التعويل عليها في المقايضات الديبلوماسية على الوقائع الميدانية. فهذه الهيئة لا تمثل شيئاً على الأرض حتى الآن. و «ديبلوماسية» النظام السوري تدرك ذلك، وهي ربما كانت تستدرج تسوية تكشف فيها عجز «الشريك» عن الوفاء بالتزاماته. فالوقائع الميدانية التي تحرك النظام على ضوئها، لا يد للائتلاف فيها. الهزائم في ادلب وفي سهل الغاب ألحقها «جيش الفتح» بالنظام وبحلفائه هناك، وفي دمشق وريفها مجموعات مستقلة لكل منها حساباتها، وهي من دون شك خارج تأثير الائتلاف. أما في الجنوب، فالجبهة هناك تشتغل في حسابات دولية وإقليمية مختلفة تماماً.
النظام في سورية ذهب إلى مسقط، والائتلاف وافق على دعوة موسكو. الطرفان الأقل تأثيراً في المسألة السورية تحركا على وقع ترنحهما بضعف الحيلة. التسوية في سورية لن تكون على طاولة تفاوض ضعفاء الحال هؤلاء. طاولة المفاوضات لن تكون جدية ما لم تضم طهران وأنقرة وعمان، ومن ورائهم واشنطن والرياض وموسكو وتل أبيب.
بشار الأسد قضى على إمكانية دور سوري في التسوية السورية، والمعارضة السياسية فشلت في تحويل هزائم النظام انتصارات للشعب السوري، لا بل إن إفلاسها أدى إلى تحويل هزائم خصمها فزاعة تُرعب العالم.
على هامش هذا الحراك الديبلوماسي المدفوع بحماسة النظام وممانعيه، انعقدت طاولة مفاوضات هامشية في تركيا، فشلت في تحقيق الهدف من وراء انعقادها. فقد كشفت حركة «أحرار الشام» عن أن مفاوضات مباشرة جرت بينها وبين ممثلين عن الحرس الثوري الإيراني، كان الهدف منها تحقيق انسحاب آمن للمقاتلين في الزبداني في ريف دمشق في مقابل انسحاب آمن أيضاً للمقاتلين في بلدتي الفوعة والزهراء الشيعيتين في محافظة ادلب.
التفاوض هنا بدا عارياً من أية أوهام. طهران و «أحرار الشام» مباشرة في أنقرة. لا يتوسط المتفاوضين هنا دمى النظام ولا فراغ المعارضة السياسية. كما أن فشل المفاوضات جاء واقعياً، ذاك أن أوان التسوية لم يحن بعد.
قبل أشهر قليلة، تلقى ديبلوماسي عربي من معارضي النظام في سورية لكنه من معارضي إسقاطه قبل تبلور تــسوية تؤمن بديلاً، إشارة من تل أبيب التي لا تختلف معه كثيراً في وجهته، مفادها أن الاعتراض الدولي والإقليمي على إسقاط النظام قبل تبلور بديل لم يعودا كافيَين، ذاك أن احتمال انهياره من تلقائه أصبح وارداً.
ربما كنا نشهد حراكاً «ديبلوماسياً» على ضوء هذه المعطيات، لكن ذلك لا ينفي أن هذا الحراك يبقى قاصراً عن الإحاطة بالوقائع الميدانية.

هل إيران تتغير؟
طارق الحميد/الشرق الأوسط/09 آب/15
منذ إنجاز الاتفاق النووي الإيراني وهناك جملة تصريحات إيرانية تجاه دول المنطقة تتحدث عن ضرورة تحسين العلاقات، وإحياء مبدأ حسن الجوار.. تصريحات من هاشمي رفسنجاني، وروحاني، وكذلك مقالات وتصريحات من وزير الخارجية، فهل إيران تتغير؟ وما معنى هذا التغير؟ الإجابة نعم، إيران تتغير، لكن هل للأحسن؟ من الصعب تصديق النظام الإيراني فقط لأنه يدلي بتصريحات إيجابية، أو لأنه أعاد تقديم مبادرته تجاه سوريا، شكليًا. الأكيد أن إيران تحاول التغير ليس لأنها تريد تحسين منهجها السياسي بسبب وصول عقلاء إلى دوائر صنع القرار بطهران، أو بسبب نضوج التفكير السياسي، بل سعيًا لالتقاط الأنفاس، وترتيب الأولويات، وامتصاص نكساتها بالمنطقة، ونكسات حلفائها في اليمن ولبنان، ومرورًا بسوريا والعراق، وحتى غزة، وبالطبع الصعوبات التي تواجهها عملية تمرير الاتفاق النووي بأميركا، وتحديدًا عبر الكونغرس. وقد يقول القارئ: وكيف ذلك؟ في اليمن تم تحرير عدن، وكسر شوكة الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، ووصل خالد بحاح إلى عدن، والمقاومة الشعبية اليمنية تواصل زحفها إلى باقي المدن، وقبل هذا وذاك هناك قرار أممي رقم 2216 خاص باليمن، وتحت الفصل السابع. إذن هو انتصار للحلفاء سياسيًا، وعسكريًا. في العراق لا يتظاهر العراقيون الآن ضد «داعش» بل ضد النظام العراقي وبسبب انقطاع الكهرباء، أي الفشل الإداري، فكيف يكون بمقدور الحكومة الحليفة لإيران الصمود بالمعركة ضد «داعش»، وهي – أي حكومة بغداد – غير قادرة على توفير الكهرباء؟! وهي نفس معاناة أهل غزة التي تتفاخر إيران بدعمها! في لبنان، لم تعد المعضلة هناك بانتخاب رئيس، بل في تنظيف النفايات من شوارع بيروت، وهو ما جعل الناس بحالة نقمة حقيقية، وليسوا في حالة صراع سياسي، وبات حزب الله عاجزًا عن فك هذا الاحتقان الصحي النفسي، وليس الطائفي أو السياسي! وحزب الله نفسه يعاني من ورطة الأزمة السورية، ويتعرض إلى فشل، وبشهادة بشار الأسد الذي اعترف بأنه يعاني من نقص في المقاتلين، وخسارة مناطق كثيرة، ولذا تدخلت إيران، وعدلت مبادرتها تجاه سوريا، ولمحاولة الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه، ولذلك بات الرئيس أوباما يقول الآن إن إيران أدركت أنه من الصعب حماية الأسد. وأزمة إيران لا تقف عند هذا الحد، فها هي طهران تمنح تأشيرة زيارة لصحافي يعمل بأشهر صحيفة يهودية في أميركا لزيارة إيران، وتقديم تقارير من هناك، على أمل إقناع اليهود الأميركيين بمعركة تمرير الاتفاق النووي الإيراني بالكونغرس! وعليه فإن إيران تتخبط في العراق، واليمن، وسوريا، وكذلك حلفاؤها، وفي الوقت الذي تتحدث فيه عن نصرة «المقاومة والممانعة» تمنح تأشيرة زيارة لصحيفة يهودية في أميركا، بينما لم تفكر في دعوة وسيلة إعلام عربية محترمة، ولم تقدم على خطوة عملية تثبت صدقية رغبتها في فتح صفحة جديدة مع المنطقة! ولذا فإن إيران تتغير نعم، ولكن بسبب تعرض مشروعها للفشل والتخبط بالمنطقة، وليس لأن نياتها صادقة.