عبد الوهاب بدرخان: ثنائية الأسد – عون داخل الصفقة/إيلـي فــواز: متحدون ضد إيران نووية/حسين عبدالعزيز: دي ميستورا والعقدة السوريّة

226

ثنائية “الأسد – عون”… داخل “الصفقة”؟
عبد الوهاب بدرخان/النهار/5 آب 2015
ما الذي يطيل أزمة الشغور الرئاسي؟ أهو تعنّت حلف “حزب الله – ميشال عون” وتمترسه وراء “المرشح الأوحد أو نخرب البلد”؟ لكن لهذا التعنّت أسباباً غير لبنانية – محلية، بل مرتبطة بحسابات ايران في سوريا وبضرورة أن يكون الرئيس (العتيد) متحالفاً موضوعياً مع بشار الاسد ونظامه، وأن يكون الجيش اللبناني بإمرة رئيس وقائد مستعدين للعمل مع الاسد وقوّته. اذاً، فلا جدوى من القول بأن انتخاب الرئيس ينتظر تقارباً بين السعودية وايران،فهذا – متى حصل – لن يعني بأي حال توافقاً على بقاء الاسد، والأكيد أنه لن يزكّي ثنائية الاسد – عون بل سيرجّح “الرئيس التوافقي” في لبنان. أما بقاء الاسد أو نظامه (أو بعض نظامه) فيتأرجح الآن بين كونه أمراً واقعاً تحتاج اليه القوى الدولية موقتاً في ظروف الحرب على “داعش”، وبين وضع مصيره في مهب الصفقات الدولية – الاقليمية. وبالنسبة الى ايران فإن أي صفقة تضمن “مصالحها” في سوريا لا بدّ من أن تتضمن وجود الاسد، وما اصرارها على زجّ “حزب الله” في القتال السوري إلا لإحكام الربط بين البلدين وتعزيز منطق حماية “مصالحها” فيهما معاً، فإذا اعترفت الولايات المتحدة وروسيا بهذه “المصالح” يصبح الاعتماد على الثنائي الاسد – عون تحصيل حاصل. ولا يستبعد الايرانيون مثل هذا الاعتراف في اطار توافق اميركي – روسي على أن محاربة “داعش” باتت أولوية الأولويات. بالنسبة الى ايران المنتشية “نووياً” تمثّل صفقة كهذه “سيناريو الأحلام”، أما واقعياً فإنها تحمل في طياتها كل أنواع الاختلالات. وهي قد تراهن في مداعبة انتهازية اميركا وروسيا ومصالحهما، إلا أن ثمة توازنات في المنطقة ولا بدّ من الحفاظ عليها أو مراعاتها. صحيح أن اميركا حالت دائماً دون اسقاط الاسد، وروسيا دعمت دائماً نزوات طهران ودمشق، إلا أنهما عجزتا دائماً عن تسويق نظام الاسد، لإدراكهما استحالة اعادة تأهيله. لكن تصاعد الخطر الارهابي أسعفهما غربياً (وحتى عربياً) في ترويج معادلة “إمّا الاسد أو داعش”. لذلك، هناك الآن، بالفعل، سعيٌ لبلورة فكرة دعم “الحرب على داعش” بمباشرة حل سياسي “بمن حضر” مع طيّ ورقة تنحّي الاسد أو تنحيته، واعتبار أن ذلك “الحل” هو الذي يحدد مصيره. هذا جوهر اقتراحات ستيفان دو ميستورا. ما علاقة كل ذلك بالشغور الرئاسي في لبنان؟ لا بدّ من أن يُشعل المراهنات. فإذا رجّحت “الصفقة” بقاء الاسد (ولو موقتاً) ستعتبر ايران أن هذا يرجّح كفّة حليفها العماد عون. لكن “الصفقة” ليست بين ايران ونفسها، فللأطراف الاخرى آراؤها أيضاً، وفي أسوأ الاحتمالات لو كانت السعودية موافقة على تسليم أي من البلدين أو كليهما الى ايران لفعلت ذلك منذ زمن.

 

متحدون ضد إيران نووية
إيلـي فــواز/لبنان الآن/05 آب/15
كل الأنظار مشدودة إلى العاصمة الأميركية واشنطن، حيث تشهد صراعاً كبيراً بين فريقين، الأول متمثل بالرئيس باراك أوباما وفريق عمله وبعض النواب الديمقراطيين الذين يؤيدون الاتفاق النووي الإيراني المزمع توقيعه قريباً، وفريق آخر معترض على هذا الاتفاق ويرى فيه رضوخاً اميركياً لإيران، ويتمثل بالحزب الجمهوري ومعه بعض الديمقراطيين، كما حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط. الرئيس أوباما ما زال مصراً على أن الاتفاق المنوي توقيعه بين الدول الخمسة زائد واحد وإيران “يلبّي الأهداف الأساسية للولايات المتحدة، بما في ذلك فرض قيود صارمة على البرنامج النووي الإيراني، وقطع كل السبل التي يمكن أن تتخذها ايران من اجل تطوير سلاح نووي”. في المقلب الآخر يرى المعارضون لهذا الاتفاق الذي يصفونه بالسيء، أن بنوده فيها إذعان بالكامل لمطالب إيران، ما يسمح لها تطوير قدراتها النووية وتهديد أمن المنطقة برمّتها. هذا الشعور تعزز بعد التصريحات الأخيرة للمرشد الأعلى في ايران علي خامنئي، الذي اعتبر ان ليس هناك ما يضمن التوصل الى اتفاق نهائي. كما كان صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني ان بلاده لن توقّع اتفاقاً ما لم يليه رفع العقوبات كلياً. من جهتها قلّلت إدارة البيت الابيض من اهمية هذه التصريحات او تأثيرها على مسار المحادثات بين الطرفين. وعلى هذا الأساس قامت مجموعة “متّحدون ضد ايران النووية”، وهي مجموعة ضغط مقتدرة غير حزبية، بإطلاق حملة إعلامية ضخمة تهدف الى تثقيف الناس والمشرعين الأميركيين، وإطلاق النقاش على مستوى وطني في تلك القضية الحساسة والخطيرة المتعلقة بالأمن القومي الأميركي، كما بالأمن القومي لحلفاء أميركا التاريخيين في الشرق الاوسط. وسوف تستمر الحملة لحين تصويت الكونغرس الأميركي على الإتفاق النهائي بشأن برنامج إيران النووي رفضاً او قبولا. تسعى مجموعة الضغط “متّحدون ضد ايران نووية”، والتي وصفها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأنها أقوى مجموعة ضغط في الولايات المتحدة تعمل ضد ايران، من خلال عملها إلى القاء الضوء على الخلل الذي يعتري الاتفاق.
ويشرح المدير التنفيذي لهذه المجموعة السفير مارك والاس أسباب اعتراضه على الاتفاق، اذ انه لا يفكك البنية التحتية النووية الإيرانية، كما يجيز لإيران الاحتفاظ بمنشأة فوردو النووية المبنية تحت الارض. ويرى السفير والاس ان هذا الاتفاق يسمح لإيران إجراء المزيد من البحوث وتطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، ما يمكنها من تخصيب اليورانيوم بشكل اسرع واستعماله لغايات عسكرية.
ويلاحظ المدير التنفيذي لمجموعة “متّحدون ضد ايران نووية” ان القيود المفروضة على ايران تنتهي خلال 10 الى 15 عشرة عاماً. وتقترح المجموعة على الجمهور الاميركي والمشرعين الضغط لإضافة بنود على الاتفاق تسمح بالفعل التأكد من عدم مواصلة ايران العمل على برنامجها النووي العسكري، من خلال اولاً السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوصول إلى كل المنشآت النووية الإيرانية، وثانياً السماح للوكالة الدولية إجراء مقابلات مع العلماء والمسؤولين الايرانيين عن هذا البرنامج، وزيارة المنشآت العسكرية كجزء من عملها في منع ايران من تطوير الأسلحة النووية. كما تطالب مجموعة الضغط ثالثاً بإدراج بند يتعلق بإنهاء تدريجي للعقوبات الاقتصادية الدولية القائمة على ايران، لحين التأكد من تعهد إيران لالتزاماتها، بدلاً من رفع العقوبات مجرد التوقيع على الاتفاق. وأخيراً تهدف تلك الحملة الى دفع الولايات المتحدة لإعادة العقوبات الاقتصادية فوراً في حال انتهاك إيران لأي بند من بنود الاتفاق. على كل الأحوال هذا الاتفاق سيسلك طريقه الى الكونغرس، وسيعرض على اعضائه للاطلاع والتصويت، وفي حال رفضه اعضاء الكونغرس سيلجأ الرئيس اوباما الى حقه في نقض قرار الكونغرس. عندها تبدأ المعركة الحقيقية لأنه سيكون للمعترضين على هذا الاتفاق، بسبب النقض الرئاسي، تأمين اصوات اكثرية الثلثين. اي بمعنى اخر لكي يمر الاتفاق يجب على الرئيس اوباما الحصول على 34 صوتاً فقط في الكونغرس من اجل تمرير الاتفاق وإسكات المعترضين. الرئيس الأميركي يعلم ان بعض الديمقراطيين يعترضون على الاتفاق بصيغته الحالية. لذا لجأ الى التهويل على الأعضاء البارزين في حزبه أمثال السناتور منديز او حتى وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون الذين بإمكانهم من خلال موقفهم الرافض للاتفاق تأمين الثلثين من أجل إلغائه او تعديل بنوده. وفي هذا المجال فقد وُجّهت للسناتور منديز الديمقراطي وأكبر المعترضين على الاتفاق، تهم بالفساد من قبل المدعي العام. كما سرّب البيت الأبيض للصحافة الأميركية خبر استخدام كلينتون حساباً بريدياً خاصاً لأغراض حكومية بدلاً من استخدام البريد الإلكتروني الرسمي، العرف المتبع بين المسؤولين في الإدارة. الأمور تحسب بهذه الدقة، ومصير المنطقة معلّق بالكونغرس الأميركي وبصوت ديمقراطي منتفض من هنا او صوت جمهوري رافض من هناك. من هنا تأتي أهمية الحملة الإعلامية التي أطلقتها مجموعة “متحدون ضد إيران نووية”، علّها توقف في مكانٍ ما التنازلات الأميركية لإيران، والتي لا يمكن إلا أن تزيد من تعقيدات المنطقة وتضيف حروباً على حروبها، لأنها ببساطة تسهّل لإيران وتبارك لها مشروعها التوسعي الذي يفتك بأجساد العرب سنّةً شيعة وأقليات.

 

دي ميستورا والعقدة السوريّة
حسين عبدالعزيز/الحياة/05 آب/15
يحاول مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، اجتراح حلول للأزمة السورية المغلقة، فبدأ أول عهده بترك المستوى السياسي الذي فشل فشلاً ذريعاً مع خلفه الأخضر الإبراهيمي في مؤتمر «جنيف 2»، والانتقال إلى المستوى الميداني باقتراح وقف إطلاق للنار يبدأ في نقطة معينة (حلب)، ثم تعميمه إلى مناطق أخرى إن أمكن، كمقدّمة من شأنها أن تمهّد الطريق لمناقشة القضايا السياسية لاحقاً. غير أن فشل المبادرة دفع دي ميستورا إلى تطوير مبادرته بجمع المستويين الميداني والسياسي معاً، وقام لأجل ذلك بجولات مكوكية خلال الأشهر الماضية، شملت عواصم إقليمية ودولية، فضلاً عن لقاءاته المتعددة مع النظام والمعارضة. يقدم الرجل هذه المرة، مقترحاً يتضمن دعوة الأطراف السورية إلى محادثات متوازية أو متزامنة، عبر مجموعات عمل دولية وإقليمية تبحث مختلف قضايا المرحلة الانتقالية (الأمن، الإرهاب، السياسة)، يقابلها انتقال منظّم للحكم على مراحل بدلاً من مرحلة انتقالية واحدة أثبتت الأحداث فشلها في سوريا وليبيا والعراق. بيد أن مقترح دي ميستورا سيلاقي مصير مقترحه السابق ومحاولات سابقيه الإبراهيمي وأنان، فالمسألة السورية لا تزال بعد خمس سنوات، محلّ اختلاف إقليمي ودولي عميق لم ينكره الرجل حين أعلن غياب التوافق الدولي حول بيان أو عقد مفاوضات رسمية جديدة بين أطراف الأزمة السورية. ثم إن النظام السوري ما زال يرفض أي حل سياسي للأزمة، ويجد في محاربة الإرهاب ومخاوف المجتمع الدولي حجّة للهروب من الاستحقاقات السياسية، وليس أدلّ على ذلك ما أعلنه بشار الجعفري بعد انتهاء جلسة مجلس الأمن (محاربة الإرهاب تعتبر ضرورة وأولوية بالنسبة الى سوريـة، وإذا لم يـتم التعامل مع الإرهــاب كما يجب فلن تصبح العمليات والمسارات الأخرى مهمة)، وما أعلنه وليد المعلم قبل ذلك من أن دمـشق تـرفـض الدعـوة الى «جنيف 3» مقـابل دعمه عقــد «مــوسكو 3» الذي يعتمد مخرجات منتدي موسكو 1 و2 (محاربة الإرهاب). وعليه، سيجد دي ميستورا نفسه في الفخّ الذي وقع فيه الإبراهيمي العام الماضي أثناء مؤتمر «جنيف 2»، حين أصرّ النظام على تطبيق بيان «جنيف 1» وفق تسلسله، أي البدء بمحاربة العنف والانتهاء منه ثم الانتقال إلى المستوى السياسي، وهذا طرح تعجيزي غير قابل للتطبيق، ويعكس رفض النظام أية تسوية قد تؤدي مستقبلاً إلى استبعاده من السلطة.
كما أن التطورات الميدانية التي جرت منذ ديسمبر (كانون الأول)، لصالح المعارضة المسلّحة مع سيطرة الفصائل المسلّحة على وادي الضيف، وما لحقها من تطورات إدلب في الشمال والقنيطرة ودرعا في الجنوب، قد عقّدت الحل السياسي أكثر مما حركته.
المعارضة المسلّحة والائتلاف رفعا من مستوى خطابهما برفضهما أية مرحلة انتقالية لا تستبعد الأسد، في استثمار سياسي للتطورات الميدانية، أما النظام الذي بدأ يعاني من ضعف واضح في المرحلة الأخيرة، فقد اتجه نحو التشدّد أكثر مما سبق، وليس مصادفة أن يتم الإعلان عن لاءاته الأربعة في الوقت الذي يشهد انتكاسات ميدانية واضحة: لا إعادة تشكيل للأجهزة الأمنية، لا إعادة لهيكلية الجيش، لا لأي تنازل من صلاحيات منصب الرئيس، لا تعديل في الدستور الحالي. يحاول الطرفان تحقيق إنجازات ميدانية على الأرض قبيل الدخول في المفاوضات، وهذا ما يفسّر رفض الأطراف السورية جميعها جهود الأمم المتحدة لعقد «جنيف 3»، وفق ما أعلن دي ميستورا نفسه أمام مجلس الأمن. والمفارقة الثانية، أن مؤتمرات المعارضة التي جرت في موسكو والقاهرة ودمشق وكازاخستان، لم تكن في صدد البحث عن حلول سياسية، بقدر ما كانت اصطفافات غايتها تثبيت الرؤى والمواقف للأطراف السورية وداعميها الإقليميين والدوليين، استعداداً لفرضها على أية مفاوضات مستقبلية. لقد كشفت كلمة دي ميستورا أمام مجلس الأمن، فشله في الإتيان بجديد حول سورية، فالرجل لم يطرح حلولاً ولا مقدمات للحل، وإنما حاول تدوير الزوايا وإدخال فاعلين إقليميين في لعبة المفاوضات كانوا حتى الأمس القريب مستبعدين منها، وحتى الجديد الذي جاء به (مجموعة اتصال دولية خاصة بسورية) لن يخرج عن إطار محاولة المجتمع الدولي إدارة الأزمة لا حلّها.