علي حماده: الحكومة ميّتة أيضاً/أسعد حيدر: سياسة «الجار قبل الدار» بدايتها من لبنان

287

سياسة «الجار قبل الدار» بدايتها من لبنان
أسعد حيدر/المستقبل/04 آب/15
ما زالت منطقة الشرق مقفلة أمام الحلول. جميع المبادرات والاجتماعات ولو على أعلى المستويات هي عمليات استطلاع وتبادل المواقف، ومحاولات جادة لاستكشاف خروق يمكن بعد دراستها اعدادها لتحقيق انهيار واسع للجدران واطفاء أحزمة النار. في هذا الوقت الضائع، يتقاطع مسار التصعيد العسكري مع مسار التباحث. لا يمكن الفصل بين ما يجري في داخل الغرف المقفلة وميادين القتال. كل طرف يحاول بكل الطرق رسم الحدود المناسبة له مع وجوده وإمكاناته. طالما أن الحدود لم ترسم، لا اتفاقات ولا حلول. الكلمة ستبقى للسلاح والدماء والدمار. جولة جون كيري وزير الخارجية الأميركي، عنوانها الكبير «طمأنة الحلفاء» بعد توقيع الاتفاق النووي. كل الكلام الجميل يبقى شيكاً بلا رصيد، الى أن يتم صرفه ووضع مردوده على الطاولة. المشكلة عنوانها القوة النووية الإيرانية، ومضمونها السياسة الإيرانية في المنطقة. كيري لا يمكنه تقديم ضمانات تتعلق بالسياسة الايرانية. الضمانات تكون ايرانية أو لا تكون. الرئيس حسن روحاني وفريقه السياسي والديبلوماسي يشنون حالياً هجوماً دبلوماسياً غير مسبوق تحت شعار أن الاتفاق النووي سيخلق «مناخاً جديداً لتسوية الأزمة الاقليمية. ويتابع روحاني متوجهاً الى الشعب الايراني عبر التلفزيون: «لا يعني اذا كانت توجد مشكلة بيننا وبين دولة أن لا نتمكن من التحادث معها على هدف مشترك». روحاني يريد الفصل بين الملفات. ما يقال عن «السلة» يلغي الحلول. أي «لغم» كامن في ملف يمكن أن ينسف «السلة» ويبطل الحلول. هذا التوجه مهم جداً، لكن السؤال هل يملك روحاني حرية القرار الكامل؟ حتى الآن وببساطة لا يملك روحاني هذه الحرية. من الواضح أن روحاني يجاهد لفتح مسار جديد لسياسة بلاده. من أجل ذلك يعمل على نسق السياسة الايرانية القائمة منذ أكثر من عقد فيقول: «لا صحة للقول انه علينا اما الاستسلام أمام العالم أو دحره». قوى مهمة داخل النظام الايراني، تؤمن وتعمل على قاعدة أن العالم لم يتغير وأن استمرارها في السلطة يكون في حرب مفتوحة لا تنتهي ضد «الشيطان الأكبر»، وأن على الشعب الاستمرار في المقاومة ولو على حساب حاجاته اليومية، وتنمية البلاد. في قلب هذا الموقف تكمن الحروب المفتوحة في المنطقة من حلب الى عدن. المعركة بين تيار الدولة ممثلاً بالشيخ هاشمي رفسنجاني والدكتور حسن روحاني من جهة، وتيار الثورة وتصديرها مفتوحة. ما زال الوقت مبكراً على حسمها، بانتظار مطلع نيسان 2016. ترك الأزمات مشتعلة على وقع الصراع الداخلي في ايران، يسيء الى إيران أكثر فأكثر. وإذا كان لا يمكن في هذا الوقت الضائع حل المشكلة السورية، فإنه على الأقل يمكن الاسراع في إخراج لبنان من الفراغ، واليمن من انهياره الى أعماق البركان المشتعل. لا يمكن لإيران أيضاً أ ن تنفتح سياسياً على قاعدة «الجار قبل الدار»، وفي الوقت نفسه «المحافظة على الحلفاء والأصدقاء (بدون تمييز بينهم) والتفاهم والتعاون مع الآخرين». لا يمكن التوفيق بين «الشتاء والصيف على سطح». حزب الله في لبنان مكوّن لبناني لا يمكن إلغاؤه لكن أيضاً لا يمكن القبول بإلغائه للآخرين، وفرض هيمنته على القرار السياسي. أيضاً لا يمكن الانفتاح والمصالحة مع الدول العربية خصوصاً الخليجية منها وبشكل أوضح مع «الجسم السني العربي» على أساس «الأسد أو لا أحد». الوسطية التي يقودها روحاني يمكنها تدوير الزوايا. يعلم الرئيس روحاني الذي أنشأ وأدار مركزاً مهماً للدراسات الاستراتيجية ان انخراط بلاده في الصراع باليمن خطأ استراتيجي لأن المشكلة ليست مع السعودية وإنما مع العالم. لا واشنطن ولا موسكو ولا القاهرة وأيضاً إسرائيل تقبل أن تضع طهران يدها على «باب المندب«، لأنه «باب« للعالم كله و»مفتاحه» لن تملكه قوة واحدة. من الآن وحتى 15 كانون الأول، إيران قادرة على ترجمة سياسة «الجار قبل الدار»، بمبادرات ايجابية خصوصاً في لبنان، تشجع الآخرين على المعاملة بالمثل.

 

الحكومة ميّتة أيضاً ….
علي حماده/النهار/4 آب 2015
عندما جرى الاتفاق بين الشركاء السياسيين الكبار في البلد على تشكيل حكومة تخلف حكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي، على ان تكون برئاسة رجل عاقل، موزون ومرن هو تمام سلام، كانت الفكرة ان يعبر لبنان استحقاق انتخابات الرئاسة بأقل الاضرار، وتمر المرحلة السورية الرمادية بأقل قدر من الاهتزازات الامنية والسياسية. في لحظة سياسية التقت مصالح الافرقاء الاساسيين على “تهدئة” لا ترقى الى مصالحة لكنها تغلب منطق التفاهمات بالمفرق، مع ترحيل الخلافات الكبرى. ولدت “حكومة المصلحة الوطنية” معطوفة على انطلاق حوارين متوازيين بين “تيار المستقبل” من جهة، وكل من “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” من جهة اخرى. والحق ان البلاد شهدت مرحلة ارتخاء سياسي نسبي لم تؤثر عليه ازمة تورط “حزب الله” في حرب ضد السوريين، لا احداث الحدود الشرقية مع سوريا، ولا حتى الركود الاقتصادي الذي ضرب البلاد بقوة غير مسبوقة. ومع تبدل المناخات السياسية بفعل تراكم الاستحقاقات التي جرى ترحيلها على مدى الاشهر الماضية، بدا لبنان مقبلاً على مرحلة مختلفة تتزامن مع تحولات كبيرة على الساحة الاقليمية مع توقيع الاتفاق حول النووي الايراني، وبلوغ العمل النيابي والحكومي مرحلة من الشلل شبه التام. يجب الاعتراف بان الحكومة لعبت دورا ايجابيا لترجمة قرار “التهدئة” بين “الاضداد” لكنها وبفعل التراكمات الخلافية، والتفاهمات السطحية التي بقيت موقتة، ولاحت بوادر عودة الخلافات الكبيرة لتطفو على السطح مع بلوغ “الحوار” حول رئاسة الجمهورية حائطاً مسدوداً بفعل استحالة وصول ميشال عون الى الرئاسة لاسباب عدة معروفة، ليس اقلها ضعف الثقة باتزانه السياسي، وانحيازه الفاضح الى تحالف اقليمي ممتد من طهران الى حارة حريك مرورا بالقرداحة. وكان السبب الآخر للتوتر المرشح للتزايد، اشكالية تعيين قائد جديد للجيش، مع استحالة وصول مرشح ميشال عون، صهره العميد شامل روكز الذي يقال انه ضابط جيد، لكنه يبقى اولا وآخرا جزءا من تيار سياسي على صدام حاد مع نصف البلد. اليوم، تراكمت الاستحقاقات بشكل كبير. والتعيينات العسكرية اقتربت من نهاياتها مع رجحان تأجيل تسريح الضباط الكبار بمن فيهم روكز، لان المرحلة هي مرحلة سياسية شبيهة بازمة النفايات، لا حلول ولا طمر، بل ترحيل لكل استحقاق حقيقي. في هذه الاثناء، وفيما هدد تمام سلام مؤخرا اكثر من مرة بالاستقالة، نلاحظ ان الحكومة ماتت بالمعنى السياسي، وحتى انها في المجال التنفيذي المحلي والصغير تآكلت الى حد بعيد. سقطت الثقة الفعلية بالحكومة كمؤسسة، مثلما سقطت بالمؤسسات الاخرى. واستقالة تمام سلام لا تقدم ولا تؤخر، لان الاهتراء اعمق من “صدمة” الاستقالة المحدودة. من المؤسف ألاّ تكون للدولة كمؤسسة اي اعتبار عند اللبنانيين الذين يعيشون يومهم بيومهم.