عبدالوهاب بدرخان: حرب تركيا على داعش والكردستاني تربك حسابات إيران/وليد أبي مرشد: صيف وشتاء على سطح واحد/عثمان ميرغني: الصفقة الأميركية ـ التركية.. من يدفع الثمن؟

368

الصفقة الأميركية ـ التركية.. من يدفع الثمن؟
عثمان ميرغني/الشرق الأوسط/30 تموز/15
إذا كانت السياسة تحكمها المصالح، فإن الحروب يحكمها في الغالب مبدأ ميكافيللي، أي أن الغاية تبرر الوسيلة فيها. هذان الأمران اجتمعا في الصفقة الأميركية – التركية الأخيرة، التي جعلت أنقرة تشارك لأول مرة في الغارات على «داعش» ودولته الإسلامية المزعومة، وتسمح للطائرات الأميركية باستخدام قاعدة إنجرليك في العمليات ضد التنظيم. الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اشترط دائمًا للمشاركة في الغارات على «داعش» إقامة حزام آمن على طول الحدود السورية – التركية، وشن غارات على قوات نظام بشار الأسد أيضا لإسقاطه. الدول الغربية، خصوصًا أميركا، لم تقبل هذه الشروط لأنها كانت ترى أن المستفيد الأكبر من ضرب القوات السورية هو التنظيمات المتطرفة مثل «داعش» و«جبهة النصرة» التي ستتحرك لملء الفراغ لأنها أقوى من تنظيمات المعارضة الأخرى. كذلك كانت هناك شكوك في أن أي «منطقة آمنة» ستصبح مرتعًا للمهربين وللمتسللين، وستسهل أيضا عمليات دخول وخروج الإرهابيين. الدوائر الاستخباراتية الغربية كانت تشك في أن تركيا «توظف» داعش لمصلحتها، إن تكن تتعاون معه. لذلك جاهرت عواصم غربية بالشكوى من أن تركيا لا تتخذ إجراءات كافية لمنع تسلل المتطوعين الذين يتوجهون للالتحاق بـ«داعش». نائب الرئيس الأميركي جو بايدن كان أكثر وضوحًا عندما اتهم أنقرة علنًا بأنها أسهمت في بروز «داعش» والتنظيمات المتطرفة الأخرى في سوريا، وقدمت لها الأموال والسلاح، وهو الأمر الذي أثار غضب إردوغان وجعله يطلب اعتذارًا أميركيًا حصل عليه في شكل تصريحات تفسيرية من البيت الأبيض واتصال من بايدن «لتطييب» الخواطر. ما الذي تغير اليوم وجعل البيت الأبيض الأميركي والسراي الأبيض التركي يعقدان صفقة للتنسيق في سوريا؟
استراتيجية أميركا في سوريا تعطي الأولوية للحرب على «داعش»، ومن هذا المنطلق توصلت إلى قناعة بتأجيل البت في مصير نظام الأسد على أساس أن انهياره الآن سيعني وقوع سوريا في قبضة الحركات المتطرفة، أو تكرار سيناريو الفوضى الليبية المسلحة لكن على حدود إسرائيل هذه المرة. فدوائر الاستخبارات الغربية ترى أن المعارضة السورية «المعتدلة» لا تملك القوة على الأرض، وأن عمليات تدريب كوادر إضافية سوف تستغرق فترة طويلة. كما أن أطرافًا عدة تخشى من تكرار تجربة العراق في سوريا، وتريد بالتالي تفكيك نظام الأسد لكن مع بقاء بنية الدولة بما في ذلك الحفاظ على أجهزة قوية. تركيا كانت بمثابة «كعب أخيل» للاستراتيجية الغربية. فأنقرة التي تعتبر المطامح القومية الكردية خطرًا أكبر عليها من «داعش»، كانت تستفيد مما يسمى بـ«الدولة الإسلامية» ومن المنظمات المتطرفة الأخرى لمنع تمدد الأكراد على الأرض في المناطق الحدودية الشمالية في سوريا. كذلك كانت تنظر بعين القلق إلى الاستراتيجية الغربية في محاربة «داعش»، والتي اعتمدت بشكل كبير في فترة من الفترات على تقوية قوات البيشمركة العراقية ومدها بالأسلحة المتطورة لمحاربة التنظيم في العراق، مع تقديم دعم لأكراد سوريا لمحاربته خصوصًا إبان معارك كوباني.
واشنطن التي رأت دورًا لإيران في الحرب على «داعش» في العراق، قررت على ما يبدو أن تجد حلا أيضا للعقدة التركية في استراتيجية محاربة التنظيم في سوريا، وذلك بقبول بعض مطالب أنقرة، وتفهم قلقها من تنامي الطموحات القومية الكردية. فالمعلومات التي تسربت عن التفاهم الأميركي – التركي تقول إن واشنطن ستركز على الغارات على مواقع «داعش» خصوصًا في الرقة، بينما تركز تركيا على المواقع الأخرى المتاخمة لحدودها. كذلك يعكف الطرفان على وضع خطة إقامة «منطقة آمنة» في شمال سوريا على طول الحدود التركية تكون خالية من «داعش». مشاركة إردوغان في الغارات على «داعش» لم تكن في الواقع سوى غطاء لضرب أي طموحات قومية للأكراد على الحدود التركية ولتصعيد حربه على حزب العمال الكردستاني. أما بالنسبة للمنطقة الآمنة التي يفترض أن تكون ملاذا لملايين السوريين اللاجئين والمهجرين، فإنها بالنسبة لإردوغان تمثل عازلا ضد أي تمدد كردي في هذه المناطق إذا أخرج منها «داعش» والحركات المتطرفة الأخرى. الثعلب التركي سعى لتحقيق أقصى المكاسب من مشاركته أخيرًا في الحملة داخل سوريا، فدعا إلى اجتماع طارئ لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو) للحصول على دعمها ولو ببيان لغاراته على مواقع حزب العمال الكردستاني. هناك من يرى أن إردوغان يريد أن ينتقم من الأكراد الذين يعتبرهم مسؤولين عن نكسته الانتخابية الأخيرة، ويوظف في الوقت ذاته التصعيد ضدهم لكسب تأييد القوميين الأتراك الذين يعتبرون الطموحات الكردية خطرًا أكبر من «داعش» في نظرهم. حرب «داعش» مليئة بالألغاز والمتناقضات، وليس أدل على ذلك من الدور التركي فيها، أو صيغة التفاهم الأخير بين أنقرة وواشنطن التي تحقق مصالح الطرفين، بينما مصالح السوريين مؤجلة ومعاناتهم تطول بسبب «داعش».. أو بسبب المصالح والحسابات السياسية المتقلبة.

صيف وشتاء على سطح واحد
وليد أبي مرشد/الشرق الأوسط/30 تموز/15
بين أنقرة وواشنطن، كما يبدو من اتفاقهما على تطهير شمال شرقي سوريا من «الداعشيين»، علاقة ظاهر وباطن قد تكون متعمدة من الطرفين. ظاهر العلاقة تحالف واضح بين الجانبين للقضاء، عسكريًا، على دولة الخلافة الإسلامية المزعومة. وفي هذا السياق يمكن الحديث عن التقاء أميركي – تركي على استراتيجية المواجهة العسكرية وتكتيكها معًا. أما باطن العلاقة فيكمن في رغبة تركيا غير الخافية في تجاوز الاستراتيجية الأميركية التي تركز على القضاء على ما يمثله «داعش» من ظاهرة إرهابية، إلى حد دعم الثوار السوريين في سعيهم للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. بين الظاهر الأميركي والباطن التركي ضحية محتملة: الدولة الكردية التي يعمل المقاتلون الأكراد على تكريس وجودها على الحدود السورية – التركية، بمؤازرة مباشرة أو غير مباشرة من خصم تركيا اللدود، حزب العمال الكردستاني.
ما زالت التفاصيل الدقيقة للاتفاق التركي – الأميركي المفاجئ غير واضحة الأبعاد، وغير معلنة بالكامل. لكنه، في أحسن الحالات، يعتبر اتفاقًا على خطة عسكرية لا تلغي التباين في الهدف السياسي بين الدولتين. ربما كانت رغبة الإدارة الأميركية في «استرضاء» تركيا بعد ما أظهرته من تقارب غير مسبوق مع جارتها الإقليمية، إيران، أحد أسباب التوصل إلى اتفاق عسكري بينهما بعد طول تردد. وربما كان عدم تجاوب واشنطن مع مطالبة تركيا منذ أربع سنوات بإقامة «منطقة آمنة» داخل الأراضي السورية، وتفاقم التهديد الداعشي – الكردي لحدودها الجنوبية، سببًا آخر لقبولها بوضع قاعدة إنجرليك الجوية تحت تصرّف سلاح الجو الأميركي. .. لكن السؤال يبقى: من هو المستفيد الأكبر من الاتفاق؟ قد يصح الاستنتاج بأن تركيا هي المستفيد الأول من الاتفاق، فإذا كان مكسب الولايات المتحدة محض عسكري، أي إيجاد جهة تتحمل عنها عبء مقاومة «داعش» ميدانيًا على أرض المعركة، فإن تركيا انتزعت من الولايات المتحدة تنازلاً عسكريًا وسياسيًا في آن واحد يتمثل في قبول إدارة أوباما إقامة المنطقة الآمنة على طول حدودها مع سوريا. ورغم أن قيام المنطقة لا يستتبع حظرًا للطيران في أجوائها، ورغم أن عمق المنطقة لم يعلن عنه رسميًا بعد، فإن قيامها يشكل نطاقًا جغرافيًا محميًا لاحتضان قيام حكومة معارضة على أرض سورية محررة – إضافة طبعًا إلى ما ستشكله المنطقة من ملاذ آمن للمواطنين السوريين النازحين من بلداتهم ومناطقهم.
ربما كان هذا «التنازل» أقصى ما يمكن انتزاعه من معارضة أميركية للنظام السوري، في وقت بدأت فيه الحملة الانتخابية المبكرة للحزب الديمقراطي تتحدث عن تفضيل نظام الأسد على حكم «داعش»، النظام البديل في نظرها. وتظهر أهمية هذا «التنازل» الأميركي لتركيا في رفض واشنطن، حتى الآن على الأقل، إقامة منطقة آمنة أكثر ضرورة على حدود سوريا الجنوبية مع الأردن. وبالمقابل، لا جدال في أن السماح للمقاتلات الأميركية باستخدام قاعدة «إنجرليك» الجوية يجعل قواعد «داعش» في سوريا على مرمى حجر من نقطة انطلاقها، ويتيح لكل طلعة من طلعاتها فترة زمنية أطول لتنفيذ مهامها. إلا أن الإشكال السياسي المفترض أن تثيره الحملة الأميركية مع تركيا هو ترافقها مع حملات قصف طيران النظام السوري المتواصلة على تجمعات «داعش» في المنطقة ذاتها، الأمر الذي يجعل الأميركيين حلفاء غير معلنين للنظام السوري فيما حليفهم الأطلسي، تركيا، يدعم فصائل سورية معارضة تعمل على إسقاط هذا النظام.
صيف وشتاء على سطح واحد؟ لمَ لا، إذا كان التطبيق العملي للاتفاق التركي – الأميركي يفترض «غض طرف» واشنطن عن حملة الجيش التركي ضد حلفائها الأكراد في سوريا، وكذلك عن دعمها للمعارضة السورية المسلحة مقابل «غض طرف» أنقرة عن تحالف «الأمر الواقع» بين الولايات المتحدة والنظام السوري في حملتهما العسكرية شبه المشتركة على «داعش».

حرب تركيا على «داعش» و «الكردستاني» تربك حسابات إيران
عبدالوهاب بدرخان/الحياة/30 تموز/15
برهن مسار تنظيم «داعش» حتى الآن أن جهات كثيرة ساعدته واستخدمته، لكن أياً منها لا تستطيع مساعدته واستخدامه على الدوام، ولا أي منها يمكنها إدارته وتوجيهه. وإذ يعتبر نفسه «دولة الخلافة» للجميع، ولا خيار لهم إلا الخضوع لها، فإن الجميع مضطرٌّ لضربه ومحاربته لإزالته في نهاية المطاف. وها هي تركيا انضمّت رسمياً إلى «الحرب على داعش» بعد نحو عامٍ على عضويتها المتأرجحة في «التحالف الدولي». أما إيران فتفضّل أن تكون «دولة غير عضو»، مراقبةً – محاربةً من خارج «التحالف» لكن مثيرة للجدل والشكوك لأن ميليشياتها تنتج الإرهاب أكثر مما تكافحه. وأما النظام السوري غير المعتَرَف بتمثيله «الدولة السورية» ففقد أهليته لمحاربة الإرهاب مُذ بادر إلى قتل شعبه وخسر شرعيته.
هذه الأطراف الثلاثة، مع عراق نوري المالكي، نائب الرئيس المعادي للجمهورية العراقية، تشاركت في عرابة «داعش» ولادةً ونمواً وتضخّماً، ثم انتشاراً وسيطرةً، وتتنافس حالياً على واجهة محاربته. هناك أطراف أخرى ساهمت، في شكل مباشر (معظم قادة التنظيم ضباطاً وعسكريين كانوا سجناء الأميركيين أو مطارَدين بعد حلّ جيش النظام السابق) أو غير مباشر (أجهزة أو جهات مموّلة عربية وغير عربية باحثة عن فئات يمكن الاعتماد عليها لمساعدة السوريين والعراقيين)، وقد انزلقت هذه في الخداع «الداعشي» الذي أومأ لكل طرف بالإشارة التي تريحه. في البداية، أوحى لعراقيي المحافظات السنّية بأن لا شيء يرتجى من دولة المالكي، ولم يكذّبه هذا الأخير، فصار التنظيم بديلاً لا بدّ منه. وبالتزامن تسرّب «داعش» إلى شمال سورية وقدّم نفسه نصيراً للمعارضة التي يجب ألا ينسى أحد أنها أُرغمت على القتال، ثم توالت الوقائع التي أثبتت أنه بالأحرى نصير للنظام ورأس حربته داخل مناطق المعارضة.
معلومٌ أن النظام الإيراني كما نظام بشار الأسد انفرد أواخر العام 2001 بعلاقة عميقة مع «القاعديين» الهاربين من أفغانستان أو المستجدّين فعمدا إلى توظيفهم في «مقاومة» الاحتلال الأميركي العراق، بعد إيحاءات واشنطن بأن هذين النظامين هما التاليان على اللائحة بعد نظام صدّام حسين. في ما بعد صار «القاعديون» «داعشيين» وظلّوا يقدّمون إلى طهران ودمشق خدمات مقابل تسهيلات، وحتى عندما راحوا يعملون لمشروع «دولة الخلافة» لم يخرجوا كلياً من دائرة الاستخدام الأسدي – الإيراني. فنظام دمشق يفضّل حالياً الانسحاب من بعض المناطق (تدمر، مثلاً) لمصلحة «داعش» على تسليمها إلى المعارضة، انسجاماً مع سعيه لتثبيت فكرة «إمّا النظام وإمّا داعش». فالتنظيم زائل، كما يعتقد الجميع، والمعارضة باقية لأن النظام إلى زوال. أما في العراق فمن الواضح أن التحقيق في ظروف سقوط الموصل سيجد صعوبة بالغة في تحديد مَن أعطى الأمر بالانسحاب وتسليم المدينة إلى «داعش» من دون مقاتلته. وعلى رغم أن هذا الحدث عنى عملياً فشلاً كاملاً لنظام «إيرانيي» بغداد إلا أن طهران وأنصارها تصرّفوا كمن جاءته فرصة يتوقعها بل استدرجها، لتصبح اللعبة قاصرة على خيار مكشوف فـ «إمّا إيران وإمّا داعش».
في الحالين العراقية والسورية، كانت إيران الجهة المشرفة على هندسة الاختراق «الداعشي» كوسيلة مثلى لشيطنة الأطراف المناوئة لنظامَيها في بغداد ودمشق اللذين أنطقتهما طهران بمصطلحات استوحتها مما حفره «خبراؤها» في الأرض، فبعدما كان الأسد والمالكي يشيران معاً إلى أنهما يتعرضان لـ «مؤامرة» ويحاربان «إرهابيين»، أصبحا يعلنان أنهما في مواجهة مع «التكفيريين». ولأن القوى الخارجية كانت على علم بالحقائق على الأرض إلا أن اجتياحات «داعش» وفّرت الدليل الذي انتظرته طهران، فليس مهمّاً عندها ما يحصل لسورية والسوريين أو للعراق والعراقيين، بل المهم أن تساهم «الحرب على داعش» في تعزيز مكاسبها في البلدين. لكن التداعيات لم تأتِ دائماً كما توخّتها، خصوصاً أنها جاءت في خضم مفاوضاتها النووية والاختراق الحاصل في علاقتها مع الولايات المتحدة، فلم تشأ أن تشوّش على هذا المسار الاستراتيجي، وإنْ كانت نفّذت ما تريده من خلال توجيه خيارات بغداد في حرب تحرير المناطق من سيطرة «داعش» (مشاركة إيرانية مباشرة في معارك ديالى، ومشاركة غير مباشرة في تكريت، ثم الضغط لـ «شرعنة» ميليشيات تدين بالولاء لإيران لا للدولة العراقية)، فيما عرقلت تنفيذ ما لا يناسبها كتسليح العشائر السنّية، ما دفع الجانب الأميركي إلى فرضه كأمر واقع.
وبطبيعة الحال وجدت تركيا، مع ظهور «داعش»، واقعاً جديداً في المناطق القريبة من حدودها، وبين السعي إلى معرفة حقيقة هذا التنظيم والرغبة في ترويضه وربما الاستفادة منه دعماً لفصائل في المعارضة السورية نشأت مصلحة مشتركة فراحت أنقرة تغضّ النظر عن تدفق المتطوّعين له أسوة بسواه. لكن انتشار «داعش» منتصف 2014 واحتجازه موظفي قنصليتها في الموصل شكّل الإنذار الأول للأتراك فاعتقلوا عدداً من «الداعشيين» لمبادلته بالرهائن. بعدذاك تغيّرت أجواء العلاقة، لكنها استمرّت تعايشاً حذراً أوجبته ضرورات التواصل التركي مع شمال سورية من جهة وشابته ضغوط أميركية – غربية من جهة أخرى. في الأثناء اشتعلت معركة عين العرب (كوباني) التي طوّرت العلاقة بين أكراد «حزب الاتحاد الديموقراطي» والأميركيين الباحثين عن أي طرف على الأرض يمكن الاعتماد عليه في محاربة «داعش». هذا الحزب الكردي أوجلاني الأصل ولا تزال له علاقة مع أجهزة في نظام الأسد سبق أن تدخّلت مراراً وتوصّلت إلى وقف اشتباكات بين «الاتحاد» و «داعش». ويُعتبر الحزب فرعاً مرتبطاً بـ «حزب العمال الكردستاني» المرتبط بدوره بالدعم الإيراني نظراً إلى حاجة مقاتليه في جبال قنديل إلى أسلحة وتسهيلات لوجيستية.
هذه العناصر المتداخلة شكّلت أخيراً خلفية المأزق التركي في الداخل كما في شمال سورية. من الأزمة التي ولدت مع نتائج الانتخابات وانعكاسها على «عملية السلام مع الأكراد إلى إلحاح استحقاق التفاهم مع الجانب الأميركي حول محاربة «داعش» ودعم المعارضة السورية وتدريبها، ومن التغيير الذي شكّله اعتماد الأميركيين على أكراد سورية الذين اجتاحوا تل أبيض وهجّروا العرب والتركمان وبدأوا يضعون معالم كيانهم الخاص أو «دويلتهم» في سورية، وصولاً إلى التغيير الأهم المتمثّل في الاتفاق النووي الذي أطلق إشارة أولى جدّية لاقتراب المساومة على مناطق النفوذ في سورية وعموم المنطقة. تحرّك الأميركيون قليلاً خارج السلبية التي اعتادها الأتراك منهم منذ بداية الأزمة السورية، أصبحوا أكثر إقراراً بعدم قبولهم «دولة كردية» في سورية وأكثر استعداداً لقبول صيغةٍ ما لـ «منطقة آمنة»، فلا «منطقة حظر جوي» معلنة تفادياً للمرور بمجلس الأمن والاصطدام بـ «الفيتو» الروسي – الصيني، بل حظر جوي (دي فاكتو) بفعل الضربات الجوية المكثّفة من خلال قاعدة أنجرليك… هكذا، أصبحت ورقة «داعش» منتهية الصلاحية بالنسبة إلى أنقرة.
إلى حرب مزدوجة، إذاً، ضد «داعش» و «حزب العمال الكردستاني» في آنٍ، لن تكون سهلة. فلا أحد يقدّر الآن كيف سيكون استغلال نظامي إيران والأسد الوضعَ المستجدّ تركياً سواء بتحريض الأكراد على المواجهة المسلّحة مع الحكم أو بفتح مسالك لـ «داعش» إلى الداخل التركي. وفي الوقت نفسه لم يتضح مدى الثقة التي بنيت عليها الاتفاقات الأميركية – التركية، ولا كيفية ملاءمتها مع الصفقات والرهانات والمساومات الآتية بين واشنطن وطهران. وعلى رغم أن دخول تركيا شريكاً كاملاً ضد الإرهاب، إلّا أنّه لا يقرّبها من إسقاط نظام الأسد بل يلغي صفحة غامضة طالما أتاحت لدمشق الاستثمار فيها ولطهران اصطناع البراءة وطرح نفسها رائدة الاعتدال، كأن «تصدير الثورة» نوع من التبشير باللاعنف.