علي الحسيني:عندما تقضم إيران وحزب الله المدن السورية/علي رباح: الأسد ونصرالله والانسحابات التكتيكية في الخطابات/علي حماده: اصمتوا/اميل خوري: غياب مكافحة الفساد ومحاسبة السارقين جعل الإثراء غير المشروع مشروعاً.

326

عندما «تقضم» إيران و«حزب الله»… المدن السورية
علي الحسيني/المستقبل/30 تموز/15
لم يعد توسّع «حزب الله» الديموغرافي يقتصر على مناطق وبلدات لبنانية كان قد أخضع على مرّ السنوات جزءاً من أراضيها لصالح «دويلته«، على غرار ما حصل في الضاحية الجنوبية التي تمددت مساحتها على حساب عدد من المناطق المجاورة لها بفعل الضغط السكاني، حتى وصلت إلى حدود بلدتي الحدث والشويفات وإلى اطراف سن الفيل، آخذة في طريقها مناطق الرمل العالي وطريق المطار وصولا الى مشارف الطريق الجديدة في الطيونة. «حزب الله» في سوريا، عنوان لم يعد يقتصر فقط على التواجد العسكري للحزب في العديد من المناطق السورية وتحديدا تلك المحاذية للمناطق الخاضعة لوصايته في البقاع الشمالي، وبسط سيطرته على طول الحدود الممتدة على خط مدينة القصير السورية في ريف حمص مرورا بجوسية وصولاً إلى القلمون والزبداني في ريف دمشق، وهو ما يثُير قلق أهالي هذه المدن التي نزح عنها أهلها بفعل إحتلال الحزب لها وتهجيرهم إمّا بإتجاه العاصمة دمشق وإما بإتجاه لبنان، خشية أن تُصبح أملاكهم وأرزاقهم غنائم بيد عناصر «حزب الله» وهو ما بدأ يحدث فعلاً في الفترة الأخيرة. في الزبداني يلجأ «حزب الله» وجيش النظام السوري إلى الأسلوب نفسه الذي جرى إتباعه في مدينة القصير حيث يقومان بإعتماد مخطط عنوانه سياسة الأرض المحروقة بهدف تدمير المدينة وتسويتها بالأرض منعاً لعودة أهلها في وقت لاحق، وهذا ما يظهر بشكل كبير من خلال الدمار الهائل الذي لحق بها وبإحراق أراضيها الزراعية، ما يؤكد كلام بعض المحللين الإستراتيجيين من لبنانيين وغيرهم، عن أنه كان بمقدور الحزب والنظام دخول المدينة قبل هذه الفترة، لكن يبدو أن مخطط التهجير المدروس وجعل البلدة محافظة تابعة لقرى الحزب، كان معداً له مسبقا وهو ما ينسحب أيضاً على بلدة الطفيل التي شق عناصر الحزب طريقا فرعيا للوصول اليها. بدوره يُسهّل النظام السوري لـ»حزب الله» بسط سيطرته على مساحات واسعة من المناطق المحاذية للبقاع الشمالي بحجة حماية خاصرة النظام في العاصمة دمشق من أي تسلل للجماعات المسلحة من لبنان، وهو ما يُعد تفويضاً ليتصرف الحزب على هواه داخل هذه المناطق وبالتالي إخضاعها لنفوذه وجعلها مستقراً لعناصره ونقاط تجمع متقدمة لهم، على غرار منطقة السيدة زينب في دمشق التي تحوّلت أيضاً الى نقطة تجارية هامة يستثمر فيها رجال أعمال إيرانيون ولبنانيون ينتمون إلى الحزب، بحسب ما يُخبر عائدون من زيارة العتبات المقدسة، من دون إسقاط مدينة القصير من المُخطّط نفسه والتي تحوّلت بدورها إلى ريف يقصده عائلات عناصر من «حزب الله» بعد احتلالهم منازل وشققاً فخمة تحت انظار جيش النظام الذي فرغت المدينة من معظم وحداته العسكرية.
في خطابه الأخير أكد رئيس النظام السوري بشّار الأسد هواجس أبناء هذه المدن السورية من مُخطّط تهجيرهم عندما قال «سوريا ليست للذي يعيش فيها ولا للذي يحمل جواز سفرها، بل للذي يدافع عنها«، وهذا الكلام كان قد سبقه تأكيد من «حزب الله» بعدم السماح للنازحين السوريين من القصير وبعض قرى القلمون بالعودة إلى منازلهم قبل فترة وجيزة من الإنتخابات الرئاسية «الفولكلورية» ودعوة الأسد لهم الى العودة لكسب مزيد من شرعية الأصوات، وهو ما إنعكس بعدها توتراً في العلاقة بين الحليفين تُرجم بمنع وسائل إعلام الحزب من دخول القلمون وتصوير المعارك بعد نسبها «الإنتصارات» إلى عناصرها. أصوات من داخل سوريا تؤكد أن حركة شراء عقارات وممتلكات في الداخل السوري تعود إلى زمن الأسد الأب، يومها كانت التسهيلات تُقدم لرجال أعمال إيرانيين داخل مدن مُحدّدة مثل حلب ودمشق لقاء مبالغ باهظة وبتسهيل من رجال كبار في الدولة، لكن اليوم أصبحت السفارة الإيرانية هي التي تتولى هذا الأمر من خلال تقديم عروض مغرية لأصحاب العقارات التي تقع ضمن مناطق يصعب على الأهالي العودة اليها لاحقا بعدما أصبحت تتبع ديموغرافياً لـ»حزب الله» ومن خلفه إيران التي تتغلغل في مفاصل الإقتصاد السوري. خشية مُحامي الجيش السوري الحر أسامة أبو زيد في كلامه الأخير من قضم «حزب الله» لمدن سورية بحالها وجعلها مناطق عسكرية خاضعة لنفوذه، يُقابلها تأكيد من كوادر وعناصر الحزب بأنهم لم يُضحوا بهذا العدد من «الشهداء» لكي ينسحبوا اليوم أو غداً، خصوصاً وأن لهم عناصر مدفونة في أكثر من منطقة سورية أهمها داخل مقام السيدة زينب، بالإضافة إلى إستغلال رجال أعمال لبنانيين أراضي زراعية والتصرف بمحاصيلها بعلم وتنسيق مع «حزب الله» والنظام السوري.

الأسد ونصرالله و«الانسحابات التكتيكية».. في الخطابات
علي رباح/المستقبل/30 تموز/15
برزت في الأيام القليلة الماضية مجموعة من المواقف والخطابات لقادة محور «المقاومة والممانعة«. خطابان للأمين العام لـ«حزب الله« السيّد نصرالله، وخطاب لرئيس النظام السوري بشار الأسد. وفي هذه الإطلالات الثلاث، ظهر جانب الإحباط والتخبّط، وغابت أدبيّات اعتاد الجمهور سماعها، واستُخدمت مصطلحات جديدة، من شأنها ان تفتح نقاشات داخل «بيئة المقاومة« حول أعوام الحرب وأهدافها ونتائجها. خطابان للسيّد نصرالله، طغى عليهما «التواضع« امام المشهد الاقليمي الاوسع، مبتعداً عن استخدام عبارات لطالما استهلكها اصحاب القبضات الغاضبة الهاتفين «لبّيك يا نصرالله«. فالسيّد الذي أعلن في نهاية تشرين الأول من العام 2013، ان «محور الحرب على سوريا انهزم ومحور المقاومة انتصر، ونحن في الربع الساعة الأخير قبل ترجمة هذا الانتصار«، لم يكن نفسه نصرالله الذي تحدّث في خطابه الأخير عن «اضرار حقيقية لحقت بمشروع المقاومة جراء احداث المنطقة«. نصرالله الذي اكد طوال سنوات ان «لا صحة لكل ما يقال عن خلافات داخل محور المقاومة«، ليس نفسه نصرالله الذي طالب في حديثه الاخير بوجوب «تقييم من يدعمنا ومن يبيعنا في سوق النخاسة«. نصرالله الذي حسم سابقاً حتمية انتصار مشروع محوره في سوريا، لم يكن نفسه نصرالله الذي توجّه في خطابه ما قبل الاخير للرئيس الحريري، قائلاً: «يتوجّب على كلانا عدم الرهان على الحرب السورية«. نصرالله الذي «شيطن« شعوب المنطقة ووصف كل الذين يعارضونه بـ«التكفيريين«، وساهم ولا يزال في قتل وتهجير مئات الآلاف، لم يكن نفسه الذي طالب بضمانات من الاغلبية السنية «المعنية بأن تطمئن اتباع المذاهب الاسلامية الأخرى«! نصرالله الذي قال في خطابه ما قبل الاخير «إن من يعادي ايران انما يعادي فلسطين والقدس«، ليس نفسه السيّد الذي ابدى أمس الأوّل استعداده لإسقاط كل الحسابات والاعتبارات، ولحمل الراية خلف كل من يتقدم الصفوف لاستعادة فلسطين«. نصرالله الذي أكّد في خطابات سابقة «إن التكفير يشكّل خطراً وجودياً أكبر من الخطر الإسرائيلي«، لم يكن نفسه نصرالله الذي قال في حديثه الأخير، انه «لا وجود لقضية او معركة تتمتع بالصدقية والشرعية كقضية فلسطين والقدس والعداء للصهاينة«.
اما خطاب الاسد، امام رؤساء النقابات المهنية وغرف الصناعة والزراعة والسياحة، فهو لم يكن أفضل حالاً، لكنه أخذ بمعظمه طابعاً كوميدياً. من أقواله المأثورة في ذلك الخطاب، قوله: «إن انسحاب القوات السورية الباسلة من بعض المناطق يأتي للحفاظ على مناطق أهم«! وفي سطور أخرى اكّد ان قواته «قادرة بكل تأكيد على حماية الوطن«! كيف يحمي جيش الاسد أرض الوطن بالانسحاب من مناطق في هذا الوطن لحماية مناطق أهم؟ اللهمّ إلّا إذا كان الأسد يوحي بأن ما تبقى له من مناطق في سوريا، هي أرض الوطن الفعلية. وبعد لحظات، يقول رئيس النظام السوري ان «لا وجود لانهيارات داخل صفوف قواته«، ويستدرك قائلاً ان «الاحباط يسيطر على مؤيديه وعناصره«! كيف؟ وبعدها، يؤكّد ان الشعب السوري يواجه المخطط التكفيري، ومن ثمّ لا يلبث ان يقرّ بنقص القوة البشرية في قواته، ويعترف بأهمية دور «المقاومة الاسلامية-حزب الله« في مواجهة الارهابيين! كيف؟ ما حاجة الاسد الى مساندة حزب الله إن كان «الشعب السوري« يواجه الارهاب؟ وفي نهاية الخطاب، اكد الاسد ان «الشعب السوري سينتصر«، لكنه سرعان ما قدم تعريفاً فلسفياً عن الوطن والمواطن والشعب، فيقول، «إن الوطن هو لمن يدافع عنه ويحميه، والشعب الذي لا يدافع عن وطنه لا وطن له، ولا يستحق ان يكون له وطن«. هنا، «بقّ الاسد البحصة«، وخرج بجملة مفيدة وصريحة، ومفادها ان الوطن هو للايرانيين ولـ«حزب الله« والعراقيين والافغان الذين يدافعون عن سوريا، وليس للشعب الذي تآمر على نظامه. انهى الرجلان خطابات «الانسحابات التكتيكية« بهدوء وبلا ضجيج. لم ينزل مناصرو الاسد الى «السبع بحرات« لدعم رئيسهم وخطابه، كما لم يتفاعل جمهور «حزب الله« مع تراجعات السيّد. «العقل الجمعي« لا يقبل احتمالات غير النصر الواضح والصريح. «ثقافة كما وعدتكم بالنصر دائما« لا تتحمل التراجعات. بات العازل الخفي بين قادة الممانعة وجمهورها كبير. في زمن الاصطفافات المذهبية، يمكن ان يحصر الجمهور تساؤلاته ونقاشاته «بين اربع حيطان« دون ان تخرج الى العلن. لكن اسئلة كثيرة باتت تعوم على السطح: كيف يتحدث نصرالله عن الحل السياسي في سوريا، ومن ثم يخرج الاسد ليعتبر ان اي حديث عن حل سياسي هو اجوف وعديم الفائدة؟ لا، هذا ليس تقسيما للادوار. اين هو النصر الالهي؟ لماذا لم يتحدث السيد في خطابَيه الاخيرين عن معركة الزبداني؟ تلك المدينة التي صمدت لشهر كامل على الرغم من الحصار الطويل ومن إمطارها بآلاف الصواريخ والقذائف والبراميل المتفجرة؟ ماذا حدث في جبهة القلمون، وأين اصبح «رجال الله« فيها؟ وما يزيد طين هذه التساؤلات بلّة، هو في قول السيّد، مستعيداً خطاب فلسطين والقدس، إن «إستعادة فلسطين والقدس يجب ان تكون جديرة بهذا النصر وبحفظ هذا النصر، وعدم تضييعه كما ضاع الكثير من الانتصارات«… على «طريق القدس«!

اصمتوا!
علي حماده/النهار/30 تموز 2015
لم تكن ازمة النفايات في لبنان مفاجئة. المفاجئ انها لم تحصل قبلا. فالدولة في حالة اهتراء مديد ومستديم، والمؤسسات مشلولة ومثلها الحياة الوطنية التي تعطلت مع تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومرور أكثر من أربعمئة يوم ولبنان من دون رئيس، تديره حكومة أشبه بمجلس بلدي. ولا ننسى أننا نعيش أيضاً في ظل مؤسسة برلمانية معطّلة ممدّد لها. أما المؤسسة الوحيدة المعقولة، أي مؤسسة الجيش، فمقبلة (إذا لم يتغيّر موقف المعطّلين) على شغور في موقع القيادة ليزداد شللها في ظل تنامي فوضى السلاح التي أدت الى سقوط رائد من الجيش على طريق في قلب جبل لبنان. لا هيبة للدولة، ولا هيبة للمؤسسات المدنية ولا العسكرية ولا الأمنية. والمجتمع اللبناني، يا للأسف، مخدّر وغائب بشكل شبه تام عن واجب التصدي للوضع المزري الذي بلغته البلاد. وحدها العصبيات المحلية الضيقة، أو الزعرنات المبرمجة من عصابات “سرايا المقاومة”. خلاصة الواقع في صيف ٢٠١٥ أننا في حال أسوأ من العام الماضي. والخشية أن نعود بعد سنة من الآن لنتحدث عن الأزمات عينها وغيرها من الأزمات التي تكون انفجرت في البلاد خلال اثني عشر شهراً. المخيف أن المواطنية غائبة وسط ازدياد الأغنياء غنى والفقراء فقراً. والطبقة السياسية ومنها العسكرية تعيش في أبراج عاجية مع تفاوت المسؤولية عما آلت إليه أوضاع لبنان. ألم يكن غريباً أن يهاجم زعران عصابات “سرايا المقاومة” وزيراً آدمياً ويرشقوه بالنفايات والشتائم محاولين الاعتداء عليه، فيما وقفوا قبلها بيوم يؤدّون تحية الجبناء لضابط هو مسؤول أساسي عن أزمة الفراغ الآتي في قيادة الجيش يتنزّه في شوارع بيروت مع مرافقة عسكرية كانت على استعداد لإطلاق النار لو أن الجبناء إياهم لم يبادروا الى الإنحناء أمام القوة؟ إنه بلد العجائب، وقديماً قيل “كما تكونون يولّى عليكم”! بدل قطع الطرق ووصف الجميع بالحرامية من دون تحديد، لماذا لم نر أحداً من الجبناء في شوارع بيروت يتظاهر أمام مقر لـ”حزب الله” أو لـ”حركة امل” المدجّجين بالسلاح؟ أليس الكل”حرامية” كما تقولون؟ إن الذين نزلوا الى الطرق خلال الأيام الماضية في العاصمة (باستثناء التجمّع في ساحة الشهداء من وجوه المجتمع المدني في البداية) وهاجموا الوزير الآدمي، وحاصروا منزل رئيس الحكومة الآدمي، أو حاولوا الاعتداء على منزل شخصيات محترمة، إنما هم زعران وجبناء وعصابات لا يستحقّون إلا أن يحكموا من رؤساء عصابات كالذين ينحنون أمامهم صاغرين، أو مدفوعين بتعصّبهم الأعمى والغبي. نقول لكل الصادقين في غضبهم من الأوضاع الحالية: لن يتغيّر شيء ما دمتم تتركون الشارع للعصابات التي فرّختها العصابة الأكبر في البلاد، وأنتم تعرفونها حق معرفة. إما أن تتحملوا مسؤوليّاتكم وإما أن تصمتوا. كفى كذباً وتكاذباً وجبناً.

غياب مكافحة الفساد ومحاسبة السارقين جعل الإثراء غير المشروع مشروعاً…
اميل خوري/النهار/30 تموز 2015
لو كان في لبنان مساءلة ومحاسبة للفاسدين والمختلسين كما في دول أخرى لما كان يشهد اليوم أزمة نفايات كما شهد ولا يزال منذ سنوات أزمات مياه وكهرباء ومعيشة. الواقع أن ليس في لبنان وحده فساد وفاسدون ومختلسون، إنما هذا موجود في دول كثيرة مع فارق أن القضاء المستقل والعادل فيها يذهب بالسارق الى السجن. أما في لبنان فيذهب الى بيته مكرماً ومن دون محاكمة، ما شجع الفساد وجعل عدد الفاسدين لا يحصى. إن القوانين التي أقرها لبنان لمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين منذ الاربعينات الى اليوم كثيرة، وأهمها قانون الاثراء غير المشروع، أو قانون من أين لك هذا، لكنه ظل حبراً على ورق ولم ينفذ بحق أي فاسد أو مختلس لمعرفة من اين صار هذا المسؤول أو ذاك وهذا النائب أو ذاك غنياً. وآخر القوانين التي اثبتت عدم جدواها في مكافحة الفساد والفاسدين هو القانون الذي يطلب من الرؤساء والوزراء والنواب والموظفين الكبار تقديم تصاريح بممتلكاتهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، وعندما لا يعود هؤلاء في مركز المسؤولية، فمطلوب منهم التقدم بتصاريح جديدة للمقارنة بين ما كانوا يملكون من أموال منقولة وغير منقولة وما صاروا يملكون لمعرفة ما إذا كانت هذه الأموال زادت أم نقصت، ولا يحق الاطلاع على مضمون أي تصريح مشكوك فيه إلا باقامة دعوى لدى النيابة العامة. هذه الطريقة – المهزلة لم تحل دون حصول ثراء غير مشروع، لا بل فاحش، لأن أحداً لا يستطيع التحقق من صحة ما يتضمنه التصريح الموضوع في ظرف مقفل ما دام مقدمه، وعلى ذمته، يذكر ما يملك من عقارات وأموال منقولة وغير منقولة، ولا أحد يعرف عند تقديمه تصريحاً آخر حين ينتهي عمله في الموقع الذي يكون فيه، ما اذا كانت ثروته قد زادت أم نقصت إذا لم يكن لأحد مصلحة في التقدم بدعوى لمعرفة ذلك. فمنذ بدء تطبيق قانون الاثراء غير المشروع بالطريقة التي تعتمد تقديم تصاريح الى المجلس الدستوري بالنسبة الى الرؤساء والوزراء والنواب، والى مصرف لبنان المركزي بالنسبة الى الموظفين الكبار، لم يتقدم أحد بدعوى ضد أي منهم لمعرفة ما إذا كان أحد منهم قد أثرى اثراء غير مشروع لمحاسبته ومحاكمته، فأصبح تقديم التصاريح مجرد عمل روتيني لا جدوى منه ولا فائدة في التوصل الى مكافحة الفساد والفاسدين مكافحة صحيحة وبوسائل عملية. وكان العميد الراحل ريمون إده أول من اقترح بديلاً من طريقة تقديم التصاريح غير المجدية، رفع السرية المصرفية عن كل من هو في مركز المسؤولية، كبيراً كان أم صغيراً، لمراقبة تحرك حجم ودائعه وممتلكاته، معتبراً أن السرية المصرفية التي كانت من انجازاته لم يكن الهدف منها تغطية الفساد والفاسدين ومرتكبي أعمال النهب والسرقة، ولا لحماية تجار المخدرات أو الفساد السياسي أو الارهاب، بل من أجل المحافظة على المال العام وعلى الأموال النظيفة للمودعين ومنع الاثراء غير المشروع. وقد أيد عدد من رجال السياسية والاقتصاد اقتراح إده، إلا أنه لم يترجم على أرض الواقع فعسى أن يترجم اليوم بعدما دعا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الى رفع السرية المصرفية لمعرفة كل مسؤول عن أزمة النفايات وما حقق من كسب غير مشروع. وكان ثمة من اقترح انشاء دائرة خاصة في وزارة المال لمراقبة حسابات كل من يعمل في ادارات الدولة ومؤسساتها، ونمو ثروته وممتلكاته بحيث انها اذا لاحظت ان موظفاً براتبه المعروف بات يملك سيارات فخمة واملاكاً وأبنية، فان من حق هذه الدائرة أن تسأله عن ذلك وتتحقق من أقواله. وكان العماد ميشال عون قد اقترح أيضاً في حينه اعتماد الـ”Auditing” لاظهار المسؤولية لدى من يديرون المال والتصرف به وللتثبت من الشفافية.
لقد حذر رئيس البنك الدولي قبل سنوات لبنان من عواقب استمرار تفشي الفساد، ووصف الوضع الاقتصادي بالسفينة المثقوبة. ومنذ توجيه ذاك التحذير الى اليوم والثقوب في السفينة تزداد ويتعذر سدّها رغم تكرار الكلام على مكافحة الفساد وتطبيق قانون الاثراء غير المشروع الذي حوّل عدم تطبيقه الاثراء مشروعاً… وصار الكلام على الاصلاح موسمياً بل “همروجة” سرعان ما تهدأ. إن مسؤولية مكافحة الفساد تقع أولاً على الشعب الذي عليه ألا يعيد انتخاب الفاسد والمفسد كي يصل الى الحكم أصحاب الايدي النظيفة التي تهتم بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتكافح الفساد والرشوة وتحاسب المرتكبين وتحول دون احتكار الحكام وأسرهم الثروات والحاشية خيرات البلاد على حساب الفقراء والمحرومين، وعلى حساب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية، وان على الدول القادرة أن تمتنع عن منع قروض ومساعدات مالية لأنظمة منخورة بالفساد لئلا تهدرها في غير سبيلها الصحيح ولا تحقق الغاية المرجوة منها. والسؤال: أما آن الأوان لئلا يظل لبنان يأتي في مرتبة متقدمة على صعيد الفساد في تقارير الأمانة العامة للأسرة الدولية، وأن يرعوي بعض الطبقة السياسية المتحكمة بمفاصل الدولة عن ممارسة أبشع ضروب الفساد، وألا تظل القوانين حبراً على ورق لمكافحة الفساد وتحقيق الاصلاح الاداري والسياسي لا أن تبقى شعارات فارغة، خصوصاً في وقت لا مجلس يحاسب حكومة لأن سقوطها ممنوع، ولا حكومة تستطيع ملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم، ولا ناخب يحاسب النائب يوم الانتخابات؟