علي الحسيني: الزبداني تُحاصر حزب الله/عماد قميحة: هكذا يسيء جمهور حزب الله إلى شهدائه/ماثيو ليفيت: إقلاق راحة الجيران: كيف يحوّل التدخّل الإقليمي حزب الله/قتلى لحزب الله في سوريا

379

خمسة قتلى من قوات موالية للنظام السوري في غارة اسرائيلية على ريف القنيطرة .
بيروت – أ ف ب /29 تموز15/ذكر “المرصد السوري لحقوق الانسان” اليوم (الأربعاء) أن الطيران الإسرائيلي نفذ غارة على بلدة بريف القنيطرة في جنوب سورية، ما تسبب في مقتل خمسة عناصر من قوات موالية للنظام السوري. وأكد مصدر عسكري سوري حصول الغارة، مشيراً إلى مقتل ثلاثة اشخاص. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن «نفذت طائرة إسرائيلية ضربة على بلدة حضر استهدفت سيارة، ما تسبب بمقتل عنصرين من «حزب الله» اللبناني وثلاثة عناصر من اللجان الشعبية الموالية للنظام». وتقع حضر التي يقطنها سكان دروز في محاذاة الجزء المحتل من إسرائيل من هضبة الجولان من جهة وريف دمشق من جهة اخرى. واوردت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) نقلاً عن مصدر عسكري أن «طائرة استطلاع إسرائيلية مسيرة قامت في الساعة 10.45 (7.45 ت غ) صباح اليوم باستهداف سيارة مدنية قرب بلدة حضر بريف القنيطرة، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة مواطنين من أهالى البلدة». واوردت ذلك فى اطار دعم التنظيمات الارهابية. ورفض ناطق باسم الجيش الإسرائيلي التعليق على الحادث. واورد تلفزيون «المنار» التابع لـ«حزب الله» نبأ «استشهاد عنصرين من لجان الدفاع الوطني، جراء استهداف طائرة استطلاع إسرائيلية لسيارتهما عند مدخل بلدة حضر في ريف القنيطرة». واللجان الشعبية وقوات الدفاع الوطني ميليشيات شعبية تقاتل إلى جانب قوات النظام في مناطق عدة. وينشر «حزب الله» مقاتلين في عدد كبير من الجبهات ويقاتل إلى جانب قوات النظام ويقود بحسب تقارير عدة، العمليات العسكرية في مناطق مختلفة، لا سيما في منطقة القلمون في ريف دمشق وفي القنيطرة. ونفذت إسرائيل منذ آذار(مارس) العام 2014 اربع غارات على مواقع للجيش السوري في هضبة الجولان.
كما استهدف الجيش الإسرائيلي «حزب الله» في منطقة الجولان في غارة في 18 كانون الثاني (يناير) الماضي قتل فيها ستة عناصر من الحزب وضابط ايراني. وافادت تقارير نفتها طهران عن مقتل إيرانيين آخرين. ووقعت معركة عنيفة في 17 حزيران (يونيو) الماضي في بلدة حضر بين مقاتلين معارضين من جهة وقوات النظام مدعومة من ميليشيات مسلحة من جهة اخرى، اوقعت حوالى 25 قتيلاً من الطرفين. ومنذ ذلك الوقت، يطوق مقاتلو المعارضة البلدة بشكل شبه كامل، بحسب المرصد السوري. من جهة اخرى، اوردت «سانا» نقلا عن المصدر العسكري أن «طيران العدو الإسرائيلي قام في الساعة الثالثة والربع عصرا (12.15 ت غ) باستهداف أحد مراكز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة على الحدود السورية اللبنانية، ما اسفر عن اصابة ستة عناصر بجروح مختلفة». وكانت الجبهة الشعبية، القيادة العامة القريبة من النظام السوري اصدرت بياناً في وقت سابق اوردت فيه أن «طائرات صهيونية قصفت موقعاً عسكرياً للجبهة على الحدود السورية اللبنانية المطلة على سهل الزبداني، ما ادى إلى اصابة ستة مقاتلين بجروح واصابة مستودع ذخائر». غير أن مصدراً امنياً لبنانياً قال إن «انفجاراً وقع في مركز عسكري تابع للجبهة الشعبية، القيادة العامة في منطقة قوسايا الحدودية مع سورية في شرق لبنان، نتج عن صاروخ سقط في المركز الذي يحتوي على ذخيرة واسلحة، مصدره الاراضي السورية». واشار إلى اصابة سبعة عناصر من الجبهة بجروح. وتدور في الجانب السوري من تلك المنطقة معارك عنيفة بين قوات النظام وفصائل مقاتلة في مدينة الزبداني التي تحاول القوات النظامية السيطرة عليها، وتشن لذلك هجوماً وضربات جوية تترافق مع قصف مدفعي وصاروخي عنيف منذ الرابع من تموز(يوليو) الماضي. وتحتفظ الجبهة الشعبية، بمواقع عسكرية لها في تلك المنطقة منذ الحرب الاهلية (1975-1990) تتجنب القوى الامنية اللبنانية الاقتراب منها بغية عدم اثارة توترات امنية. علما ان قرارات عدة اتخذت بازالتها.

الزبداني تُحاصر “حزب الله”
علي الحسيني/ موقع 14 آذار/29 تموز/15
يهلل اعلام “حزب الله” “لإنتصار” حزبه في الزبداني ويحشد المنظرين والمتقاعدين من الحياة العسكرية والسياسية لتثبيت رؤية الانتصار بالوجه غير الشرعي، إذ يكفي ان تعلن الوحدة الاعلامية في حزب اله عن خريطة سير المرحلة وضرورياتها من طبل وزمر، حتى تبدأ الدعوات المسبوقة الدفع للتبجح والمزايدة على فضاء اللبنانيين الذين لا يكفيهم التلوّث الحاصل من جراء أزمة النفايات في البلد. بالدور يا شباب. المصطلح الأفضل الذي يمكن من خلاله وصف ما تشهده وسائل اعلام “الممانعة” خلال هذه المرحلة. المحللون والمنظرون يقفون في الصف لينالوا من برّ ايران ما تيسّر لهم لقاء تلاوتهم بيانات ودراسات جرى نصّها في مطابخ “حزب الله” الأمنية والاعلامية تتركز جميعها على “إنتصار” الهي تحقق في الزبداني، البلدة التي فرغت من رجالها وشبابها ولم يبقى في داخلها سوى بضعة مقاتلون يتناوبون على حراسة العلائلات التي ما استطاعت الى الهروب سبيلا فظلت محاصرة من الجهات الاربع يعتاشون على انواع من الثمرات التي ظلت عصية عن متناول ايدي “رجال الله”. تغيب الحقائق عن شاشات “حزب الله” لتحتل مكانها اضاليل وروايات من نسج الخيال هي احاديث اليوم والغد، فالحزب يصور معركة الزبداني كما لو أنها حرب الأمة رغم حجم هذا المصيف الصغير ورغم قلة المقاتلين بداخله ورغم الحصار الذي يعانية من الجهات الاربع للسنة الرابعة. والسؤال الأبرز، لماذا لم يتطرق الحزب إلى المقايضات والصفقات التي كان عرضها على فصائل سورية في البلدة تضمن لهم الإنتقال بسلام إلى خارج الزبداني مع مستلزمات مالية وعسكرية، شرط موافقتها على الإنسحاب؟. وفي المعلومات أن الصفقة قد عُرضت على “حركة أحرار الشام” أولا لكنها رفضت الفكرة من أساسها لينتقل بعدها “حزب الله” إلى ضفّة التفاوض مع “جبهة النصرة” مقابل فك الطوق عن عناصرها في القلمون من بينهم أميرها أبو مالك التلة بحسب إدعاء الحزب، لكن الجبهة رفضت أيضاً العرض ومنذ ذلك الحين بدأ الحزب يستعد لمعركة هو متأكد من الإنتصار فيها على المدى الطويل وهو الأدرى بنوعية السلاح الذي تمتلكه الفصائل داخل الزبداني والذي يصل في اقصى حالاته إلى قذائف من نوع “أر بي جي” وعبوات مصنعة يدورياً مكنتهم منذ ايام من تدمير بعض الحواجز الثابتة التابعة للحزب والنظام السوري عند اطراف البلدة.
يُشيع حزب الله أن معركة الزبداني قد بدأت منذ الرابع من الجاري، لكن الحقيقة أنه بدأ يُعد لها منذ رفضت الفصائل الرضوخ لشروطه أي قبل شهرين وربما أكثر، وإدعائه الحزب هذا سببه أن قيادته العسكرية كانت تعتقد بسرعة سقوط البلدة بأيدي عناصرها لكنها فوجئت بحجم المقاومة التي وُجهت بها، وهنا يبرر الحزب سبب تأخره في السيطرة على المدينة كونها مرّت بمراحل متعددة بدأت بالسيطرة على التلال المشرفة على الزبداني مثل النمرود وكفر عامر إضافة إلى قطع المعابر وتحديدا معبر سرغايا في منطقة عين الحور، ليعود ويغرف في مساءلة جمهوره له عن سبب إطالة عمر المعركة والخسارة التي تكبدها علما ان الزبداني لا تقارن لا بوضعها ولا موقعها ولا قوة الفصائل المتواجدة بداخلها، مع بقية المدن والقرى السورية.
اليوم ومع اعلان حزب الله عن قرب إنتهاءه من معركة الزبداني، شبّه البعض حصار المدينة بالحصار الذي كانت فرضته إسرائيل على مخيم جنين في فلسطين في العام 2002، يومها ظلّت الطائرات الإسرائيلية تُغير على المخيم لأسابيع قبل أن تدخله قوّاتها البريّة على جثث أبنائه. وفي معرض المقارنة بين الحدثين، برزت منذ اسبوع صورة لطفل من داخل البلدة يحمل لافتة صغيرة مكتوب عليها “حزب الله، قد تدخل الزبداني، ولكن على أجسادنا”.

هكذا يسيء جمهور حزب الله إلى شهدائه
عماد قميحة/جنوبية/الأربعاء، 29 يوليو 2015
حلّت لغة جديدة عند جمهور “المقاومة” بعد بدء أحداث سوريا وانخراط حزب الله فيها، وهي لغة السباب والشّتم واللعن والاتهام بالعمالة والالفاظ النابية والتطاول على الحرمات والاعراض، محل لغة الحوار والنقد. فمن ترى يسئ حقيقة الى الشهداء؟ ناقد سياسي مختلف؟ أو جمهور من السبابين يدّعون أنهم يمثلون الشهداء؟ بغض النّظر عن الخيارات السياسية التي ينتهجها حزب الله، ولنا منها موقف معروف لا نستحي بالإعلان عنه والجهر به، على عكس كثيرين ممن يبدون بالسرّ ما يخشون الافصاح عنه بالعلن، فإن موضوع الإختلاف بيننا وبين “جمهور حزب الله” هو حول مقاربة الكثير من سياسات الحزب غير المرتبطة، في نظرنا، بموضوع مقاومة العدو الاسرائيلي. ويأتي في مقدمتها دخول الحزب في أتون الحرب السورية إلى جانب النظام وضد الشعب السوري. وهذا الموضوع ما زال محل نقاش وجدال داخل الساحة اللبنانية بكل تشعباتها وتمظهراتها. واحدة من هذه الملاعب التي كانت ولا تزال تخاض فوقها النقاشات والحوارات بين الفريق المؤيّد والفريق المعارض، هي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا فيسبوك. وأنا من موقعي المختلف مع حزب الله أشهد أنّه خلال الفترات الاولى من بدء الأحداث السورية كانت تخاض نقاشات يومية بيني وبين كثيرين من الاصدقاء “الحزب اللهيين”، وأشهد أيضا أن كثيراً من هذه الحوارات كانت تمتدّ حتى ساعات الفجر. وبالرغم من ضراوتها، إذا صحّ التعبير، وارتفاع سقفها السياسي، إلا أنّها كانت تتّسم على الدوام بالكثير من الاحترام المتبادل، وبالحرص الدقيق من الطرفين بالمحافظة على مستوى راق من التعابير والمخاطبة. إلاّ أنه وبكل أسف، ومع طول المدة، فإنّ تحوّلاً كبيرًا قد طرأ على خطاب هذا الجمهور، أو للموضوعيّة على السواد الأعظم من هذا الجمهور. فحلّت لغة السّباب والشّتم واللعن والاتهام بالعمالة والالفاظ النابية والتطاول على الحرمات والاعراض، محل لغة الحوار والنقاش. طبعا هذا لا يعني عدم وجود سبابين عند الآخرين. وتحوّلت للأسف هذه اللغة الجديدة والمتدنية بالتخاطب الى ديدن متّبع من قبل هذا الجمهور، بلا أي رادع أخلاقي أو ديني أو حتى إنساني. لا بل أكثر من ذلك فقد صار الشتم من بعضهم يلقى تنويه البقية، فتصبّ تحت شتيمته عشرات أو مئات اللايكات من رفاق السلاح. ما أتاح لكثير من الطفيلين وأرذال القوم الذين يطمحون إلى التقرب من هذا الجمهور، التملّق من أجل تحقيق مآرب شخصية أو مصالح معينة للسلوك بهذا المسلك. فصار كل من يريد إظهار نفسه على أنه من “مجاهدي” المقاومة أو من “أشاوس” الممانعة لا يحتاج البتة الى كثير عناء، ولم يعد يقف أمامه تاريخه المشبوه أو حاضره الأسود أو صغر سنه الذي لم يتصل بمرحلة الاحتلال… فقط عليه الاتحاق ومشاركة الشتامين بشتمهم. فكلّ ما يحتاجه أحدهم ليتحول بسحر ساحر إلى بطل من أبطال التحرير أو الى محارب للارهاب التكفيري، هو فقط الدخول الى صفحة أحد المعارضين للحزب، ويستحسن هنا ان يكون المعارض من الشيعة حصراً، لـ”يقدح مسبّة من كعب الدست” بحقّ صاحب الصفحة، ولا مانع هنا من استحضار أخت أو أم أو زوجة هذا المعارض، ليطوّب هذا الشتام فورا قديسا في صفوف “المقاومة”. إعتبار أن أي نقد سياسي لحزب الله هو بمثابة إساءة موصوفة “للشهداء” هذه الظاهرة المستجدة، والتي تحولت إلى ما يشبه الثقافة في القرى والبلدات الجنوبية على وجه الخصوص، آخذة في الانتشار والتجذّر، حتّى كأنها صارت جزأً اساسيّاً من التعبئة الحزبية الداخلية. وأكثر ما يفجع في هذا المجال هو الاسباب التبريرية التي عليها يعتمد هذا الشتّام والسبّاب، ويتّخذ منها مبررا وأرضية يعتبرها صالحة لنصب وإطلاق صواريخه المبتذلة، ألا وهي إعتبار أن أي نقد سياسي لحزب الله هو بمثابة إساءة موصوفة “للشهداء”. وعلى اعتبار أنّ هؤلاء الشهداء هم أرقى بني البشر وأن المس بهم هو جريمة لا تغتفر، لذلك فحتما أنّ هذا المُنتَقد يستحقّ حتما ما يرمى به ويقذف به من المنكرات، وإن جزافاً. هذه المغالطة المقصودة أو اللا مفكر فيها أو المسكوت عنها، عبر الربط العضوي بين النقد السياسي للحرب في سوريا وبين أموات هم عند ربهم ولا علاقة لنا بهم أو بمصيرهم الأخروي، الذي هو حتما خارج أي نقاش لأنّه ليس من اختصاص أحد على هذه الارض… هذا الربط نفسه لا يشعر به هذا الجمهور عينه عند سؤاله مثلا عن مرحلة القتال الأخوي بين حزب الله من جهة وحركة أمل من جهة اخرى، ليأتي الجواب عن تلك الحقبة بأنّها “حقبة سوداء”، وأنّها تعتبر من “الأخطاء التي يجب ألا تتكرر”. وذلك بدون الشعور أو القصد للحظة أنّ هذا النقد الصحيح هو بمثابة إساءة إلى شهداء تلك المرحلة، ما يعني بوضوح إمكانية الفصل بين الأمرين. ختاما وأمام هذه الموجة من التفلّت اللاخلاقي، ينبري سؤال لا بد منه: من ترى يسئ حقيقة الى الشهداء؟ ناقد سياسي بشكل موضوعي وبكل احترام للغة التخاطب، أم جمهور من السبابين يدّعون أنهم يمثلون الشهداء؟ اعتقد أنّ الاجابة واضحة. ملاحظة: “للدلالة على صحة كل ما جاء بالمقال اقرأ تعليقات جمهور حزب الله التي ستكتب بعد نشر هذا المقال”.

إقلاق راحة الجيران: كيف يحوّل التدخّل الإقليمي «حزب الله»
ماثيو ليفيت/”فورين آفيرز”/29 تموز/يوليو 2015
لقد غيّرت الحرب في سوريا «حزب الله» بشكل كبير. ففي السابق، كان يقتصر التنظيم على التنافس على السلطة السياسية في لبنان ومحاربة إسرائيل، ولكنه أصبح الآن لاعباً إقليمياً يشارك في صراعات تتجاوز حدود منطقة عملياته التاريخية، وغالباً ما يحدث ذلك بالتعاون مع إيران. ومما يؤكد هذا التحول الاستراتيجي أنّ «حزب الله» نقل مقاتليه الرئيسيين الذين كانوا متمركزين سابقاً قرب الحدود الإسرائيلية- اللبنانية إلى مركز قيادة أنشئ حديثاً في سوريا ومواقع أمامية أبعد من ذلك في الخارج، أي في العراق واليمن.
وفي البداية، عارض الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله إرسال مقاتلين إلى سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد، على الرغم من الطلبات المتكررة من القادة الإيرانيين، وخاصة من قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني. وعلى غرار البعض من القادة الآخرين في «حزب الله»، يخشى نصر الله من أن الانخراط في سوريا من شأنه أن يقوّض مكانة التنظيم في لبنان من خلال ربط «حزب الله» – الحزب الشيعي الرئيسي في لبنان – بالحكومة السورية القمعية المتحالفة مع إيران والتي تذبح السكان ذات الغالبية السنية في البلاد. ولكن كما ذكرت بعض التقارير أذعن نصر الله لذلك بعد تلقيه نداءً من المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، أوضح فيه أنّ إيران توقّعت قيام «حزب الله» بدعم حكم الأسد. ونتيجة لذلك؛ جعل تحوّل عمليات «حزب الله» نحو سوريا وخارجها إلى حدوث تغيير في «حزب الله» من منظمة لبنانية تركز على السياسة الداخلية إلى قوةً طائفية إقليمية تعمل بتحريض من إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
تحوّل تنظيمي
تمثّل المؤشرات الهيكلية أقوى الدلائل على حدوث تحوّل في «حزب الله». فمنذ عام 2013، أضاف التنظيم قيادتين جديدتين إلى قواعده الموجودة في جنوب وشرق لبنان – الأولى على الحدود اللبنانية السورية، والثانية داخل سوريا نفسها. وتشير عملية إعادة التنظيم المذهلة إلى التزام جدي من قبل «الحزب» بالمشاركة في الصراعات الأهلية التي تتجاوز الحدود اللبنانية.
ومن خلال تثبيت وجوده الجديد في سوريا، نقل «حزب الله» عناصر رئيسية من القيادة التقليدية العليا في الجنوب على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل. وكان رئيس العمليات الإرهابية الأجنبية في «حزب الله» مصطفى بدر الدين قد بدأ بتنسيق الأنشطة العسكرية لـ «الحزب» في سوريا في عام 2012 ، ويرأس حالياً القيادة السورية للتنظيم. وبدر الدين هو أحد القادة المخضرمين داخل «حزب الله» وكان متورطاً في تفجير الثكنات الأمريكية في بيروت عام 1983، وفي اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، والتفجيرات الإرهابية في الكويت، من بين هجمات أخرى. إن تعيينه هو أقوى إشارة قد يعطيها «حزب الله» عن التزامه تجاه الحرب الأهلية في سوريا. وتشمل تعيينات العناصر الأخرى، القائد في «حزب الله» منذ فترة طويلة، أبو علي الطبطبائي، الذي نُقل من أحد الموا قع في جنوب لبنان إلى قيادة «حزب الله» في سوريا، حيث شغل منصب أحد كبار الضباط تحت قيادة بدر الدين، وأشرف على العديد من الجنود المدربين تدريباً عالياً الذين كانوا سابقاً تحت قيادته في لبنان. ويمتد تركيز «حزب الله» على الصراع السوري ليشمل الصفوف العليا في التنظيم أيضاً: فقد وجّه نصر الله أنشطة «الحزب» في سوريا على الأقل منذ أيلول/سبتمبر 2011، عندما ذكرت بعض التقارير أنه بدأ يجتمع بالأسد في دمشق لتنسيق مساهمات «حزب الله» في الحرب الأهلية في البلاد. وفي الواقع، كان تركيز التنظيم المكثف على الصراع السوري هو السبب الرئيسي الذي دفع بوزارة الخزانة الأمريكية إلى إدراجه على القائمة السوداء في عام 2012. واليوم، هناك ما يقرب من6 آلاف إلى 8 آلاف مقاتل من «حزب الله» في سوريا.
ولكنّ الانضمام إلى المعركة في سوريا لم يخلُ من المخاطر، وقد عانى «حزب الله» من بعض الخسائر الفادحة بين عناصره في كل من لبنان وسوريا، نتيجة لذلك. فقد اغتيل رئيس قسم المشتريات العسكرية لـ «حزب الله» حسن اللقيس في بيروت في كانون الأول/ديسمبر عام 2013. وعلى الرغم من أن المشتبه بهم الرئيسيين كانوا عملاء إسرائيليين، إلا أنه لم يتم استبعاد المتطرفين السنة الذين يرغبون في الانتقام من «حزب الله» بسبب دعمه لحكومة الأسد. وقد قُتل العديد من الضباط ذوي الرتب العالية في سوريا، بمن فيهم فوزي أيوب، العضو منذ فترة طويلة في الجناح الإرهابي الخارجي لـ «حزب الله» الذي قُتل في اشتباكات مع ثوار مناهضين للأسد، كما ذكرت بعض التقارير. وفي النصف الأول من عام 2015، كان «حزب الله» يتكبد خسائر إسبوعية تتراوح ما بين 60 و 80 مقاتلاً في منطقة القلمون السورية وحدها. ويُظهر مقتل عناصر «حزب الله» من مكانة أيوب في سوريا – والعدد الكبير من المسلحين الذين قتلوا وأصيبوا هناك – مدى جدية التنظيم في الدفاع عن نظام الأسد. ومن جهة أخرى، يشير تحمّله لهذه الخسائر إلى أنّ «حزب الله» يعتبر، وعلى نحو متزايد، أنّ الصراع السوري معركةً وجودية من المكن أن تؤثر على مكانته الداخلية في لبنان من جهة، ولمكانة القوى الشيعية في الصراع الطائفي المرير في سوريا، من جهة أخرى.
وحتى بينما يعمّق «حزب الله» أنشطته في سوريا، يواصل التنظيم مساعدة الميليشيات الشيعية في العراق ويرسل أعداداً صغيرة من المدربين المهرة لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» والدفاع عن المقدسات الشيعية هناك. ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، استثمر «حزب الله» أيضاً في منظمات واجهة تجارية لدعم عملياته في العراق. وكان عضو «حزب الله» أدهم طباجة، وهو صاحب أغلبية الأسهم في شركة العقارات والإنشاءات “مجموعة الإنماء للأعمال والسياحة” ومقرها لبنان، قد قام باستغلال الشركات العراقية التابعة لمجموعته لتمويل «حزب الله»، وذلك بمساعدة رجل الأعمال اللبناني المرتبط بـ «حزب الله»، قاسم حجيج، والعضو في وحدة الإرهاب الخارجي التابعة لـ «الحزب»، حسين علي فاعور.
وكما هو الحال في العراق، لم يرسل «حزب الله» سوى عدد قليل من المدربين والمقاتلين من ذوي المهارات العالية إلى اليمن. ولكن كما هو الحال في سوريا تشير المكانة البارزة للعناصر التي أرسلها إلى هناك، إلى الأهمية التي يوليها «الحزب» للحرب الأهلية الدائرة في البلاد. ويشرف قائد العمليات الخاصة السابق والمستشار المقرب من نصر الله، خليل حرب، على أنشطة الحزب في اليمن ويدير عملية نقل الأموال إلى التنظيم داخل البلاد – وكثيراً ما يسافر إلى طهران لتنسيق أنشطة «حزب الله» مع المسؤولين الايرانيين. ونظراً لخبرته في العمل مع منظمات إرهابية أخرى، وعلاقاته الوثيقة مع القادة الإيرانيين و «حزب الله»، وخبرته في العمليات الخاصة والتدريب، لا شكّ في أنّ تعيين «حرب» للعمل في اليمن منطقيّ جداً بالنسبة إلى «حزب الله».
ومع ذلك، إن «حرب» ليس أبرز الناشطين من حيث المكانة، الذين تمّ إيفادهم إلى اليمن من قبل «حزب الله». ففي ربيع عام 2015، أرسل «الحزب» القائد الأعلى للقوات المرابطة في سوريا سابقاً، أبو علي الطبطبائي، لرفع مستوى البرنامج التدريبي لجماعة الحوثيين المتمردين في اليمن، الذي ينطوي تدريبهم على تكتيكات حرب العصابات، كما ذكرت بعض التقارير. وقال لي مسؤول إسرائيلي: “إن إرسال الطبطبائي [إلى اليمن] هو دلالة على الاستثمار الكبير لـ «حزب الله» والتزامه. والسؤال الرئيسي هو كَم من الوقت سيبقى شخص بمكانة الطبطبائي [في تلك البلاد].”
التزام طويل الأمد
في سوريا وخارجها، تعقّدت الصراعات بالوكالة القاتلة – بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج السنية الأخرى، من جهة، وإيران من جهة أخرى – بسبب التراكب الخطير للطائفية. ويبدو أنّ الدول السنية والشيعية وعملاءها يعتبرون الحروب في المنطقة جزءاً من صراع وجودي طويل الأمد بين طوائفهم. وفي الواقع، يجري الآن خوض الحرب في سوريا على جبهتين متوازيتين: واحدة بين نظام الأسد والمعارضة السورية، والأخرى بين الطائفتين السنية والشيعية بسبب التهديد الذي تتصور كلّ جهة أنه يأتيها من الجهة الأخرى. كما أن ديناميات مماثلة تحدّد الحروب في العراق واليمن. وقد يكون الصراع بين الفصائل قابلاً للتفاوض، ولكن يكاد يكون من المؤكد أنّه لا يمكن التفاوض في الحرب الطائفية.
من المحتمل أن يكون تورّط «حزب الله» في الحرب في سوريا قد تركز في الأصل على دعم نظام الأسد، ولكن التنظيم يرى الحرب الآن باعتبارها معركة وجودية لمستقبل المنطقة، ومكانة «حزب الله» بداخلها. ونتيجة لذلك، من المرجح أن يستمر تركيز التنظيم على المنطقة في المستقبل المنظور. وسيواصل «حزب الله» قيادة الفيلق الأجنبي الناشئ للشيعة، بالتحالف مع الميليشيات الأخرى المدعومة من إيران، ذلك الفيلق الذي يعمل على الدفاع عن المجتمعات الشيعية وتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة على حد سواء.
وحتى في الوقت الذي يراوغ فيه بين تورّطه في صراعات العراق وسوريا واليمن، يجب على «حزب الله» أيضاً أن يوازن بين أهدافه الأيديولوجية والسياسية المتداخلة أحياناً في أماكن أخرى. إن تمسّك «حزب الله» بعقيدة ولاية الفقيه الإيرانية، التي ترى أن رجل الدين الشيعي ينبغي أن يكون هو الرئيس الأعلى للحكومة، يجعله ملتزماً بالمراسيم التي يصدرها رجال الدين الإيرانيون. ولكنّ ذلك يعقّد التزامات «حزب الله» الأخرى تجاه الدولة اللبنانية، والمجتمع الشيعي في لبنان، والشيعة في الخارج لأنّ مصالح إيران ولبنان لا تتلاقى دائماً. ولطالما تعامل «حزب الله» مع هذه الالتزامات المتعارضة بمهارة ودهاء، لكنه سيصبح من الصعب على نحو متزايد القيام بذلك، بينما تؤدي الأولويات إلى أخذ التنظيم بعيداً عن بيروت. وفي الواقع، تعاني لبنان من انقسام شديد على أسس طائفية ومذهبية، لذلك؛ عندما يحارب «حزب الله» ضدّ السنة في الخارج، فإنه يقوّض قدرته على قيادة السياسة اللبنانية الداخلية. وفي الوقت نفسه، يشير تعاون «حزب الله» الحميم مع «فيلق القدس» الإيراني في سوريا إلى أنه لا يزال أقرب إلى مدار طهران، وبالتالي أعمق في الصراعات الدائرة في المنطقة. وكما قال أحد قادة «حزب الله» لصحيفة “فاينانشال تايمز” في أيار/مايو الماضي: “لا يُفترض تسميتنا «حزب الله». فنحن اليوم لسنا حزباً بل نرتدي طابعاً دولياً. نحن في سوريا، وفي فلسطين، وفي العراق، وفي اليمن. ونتواجد حيثما يحتاج إلينا المظلومون… «حزب الله» هو المدرسة التي يطمح كل ساعٍ للحرية إلى ارتيادها”. *ماثيو ليفيت هو زميل “فرومر- ويكسلر” ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. كتابه الأخير هو “«حزب الله»: الأثر العالمي لـ «حزب الله» في لبنان”. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع “فورين آفيرز”.
مشاركة