موناليزا فريحة: لماذا غيّرت تركيا رأيها/إيلي ليك وجوش روغين: الكونغرس والقلق من التفاهمات السرية للاتفاق الإيراني/عبد الرحمن الراشد: ما بعد القوات السعودية والإماراتية في عدن

353

لماذا غيّرت تركيا رأيها؟
موناليزا فريحة/النهار/29 تموز 2015
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وجد في الانخراط التركي في الحرب على الارهاب فرصة لرد الاعتبار لنفسه ولتركيا في آن واحد. مهندس الديبلوماسية التركية حسم الأمر سلفاً: العمليات العسكرية التركية ضد “الدولة الإسلامية” في سوريا و”حزب العمال الكردستاني” غيّرت اللعبة الاقليمية. الأب الروحي لسياسة “تصفير المشاكل” مع الجيران والتي تحولت سياسة “لا جيران” على الاطلاق ناشد الجميع إعادة قراءة الظروف الجديدة التي أوجدتها الضربات التركية، داعياً الى البناء عليها. الواضح أن كلام داود أوغلو كان موجهاً إلى الداخل التركي كما إلى الخارج القريب والبعيد. للأتراك الذين وجهوا صفعة الى الحزب الحاكم بزعامة رجب طيب أردوغان أراد أن يؤكد ان الحكومة لن تسمح باستضعافها وانها ستتخذ كل الاجراءات الضرورية لمواجهة محاولات استغلال الصفعة الانتخابية. بتوجيهها ضربة الى “داعش” مقابل عشر ضربات الى “الكردستاني” يحقق أردوغان هدفاً داخلياً بامتياز. وفي الخارج حيث بدأ خلط التحالفات وإعادة رسم لأحجام الدول بعد الاتفاق النووي، تذكر تركيا بأنها لا تزال دولة مؤثرة وانها حليفة أساسية لواشنطن في المنطقة وقادرة على تغيير مسارات اللعبة الاقليمية. لكنها عمليا بتوسيعها “الحرب على الارهاب” لتشمل قواعد “حزب العمال الكردستاني” تجازف بفتح جبهة جديدة قديمة عليها. الغارات على مواقع هذا الحزب تهدد بعودة النزاع الدموي بعد الهدوء السائد منذ العام 2013. أما إقليمياً، فتسعى تركيا الى انخراطها المتأخر في الحرب الى اللحاق بالتسويات الكبرى المرتقبة. قبل اندلاع الاضطرابات العربية، اضطلعت تركيا بدور في نزاعات المنطقة ومنها النزاع العربي – الاسرائيلي، إلا أنها خسرت الكثير نتيجة السياسات الاستعراضية لأردوغان ونزعته إلى إعادة إحياء السلطنة. ومن شأن العودة المحتملة لإيران الى الساحة الدولية في رعاية أميركية ان تقلص دورها أكثر. المعلومات المتداولة عن الاتفاق مع الاميركيين لا توحي بمكاسب كبيرة لأردوغان. بدل منطقة حظر الطيران حصل على منطقة آمنة وبدل توسيع الحرب على “داعش” لتشمل إطاحة نظام الأسد تكراراً لموقف أميركي قديم عن الحاجة إلى رحيل الرئيس السوري. الكاتب التركي مراد يتكين نسب الى مصادر ديبلوماسية ان ثمة خطة أميركية قيد الاعداد منذ أشهر لإرسال الأسد وعائلته الى الخارج من دون المس بالنظام خوفاً من أن تلجأ الجماعات المتطرفة إلى ملء الفراغ. المصادر نفسها تقول إن الأمر أثير مع الروس والإيرانيين في فيينا، لكن المشكلة ان اياً من الروس والإيرانيين لم يوافق عليه. اللعبة الاقليمية تتغير وليست تركيا من يغيرها. هي ببساطة تحاول فرض نفسها لاعباً رئيسياً فيها.

 

الكونغرس والقلق من التفاهمات السرية للاتفاق الإيراني
إيلي ليك وجوش روغين/الشّرق الأوسط/29 تموز/15
مع دخول حملة البيت الأبيض لإقناع الكونغرس بحكمة الاتفاق المبرم مع إيران أسبوعها الثاني، تتابع المكونات المهمة للاتفاق المعقد في البروز، والتي سوف يجري حجبها عن الجمهور وفي بعض الحالات عن الحكومة الأميركية نفسها.
من شأن وجود مثل تلك البنود والتفسيرات السرية أن يقوض ثقة الرأي العام الأميركي في أطروحات إدارة الرئيس باراك أوباما حول الاتفاق النووي. وبالفعل احتل الجمهوريون ونقاد الاتفاق جانب المواجهة حيال الاتفاقيات الجانبية ما بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، واعتبروها موطنا من مواطن النقص، بل والضعف في الاتفاق المبرم الأسبوع الماضي في فيينا.
بدأ الجدل الدائر حول الاتفاق يوم الأربعاء الماضي حينما أخبر جون كيري وزير الخارجية الأميركي أعضاء مجلس النواب بالكونغرس، من وراء الأبواب المغلقة، بأنه لم يحصل على أو يقرأ نسخا من صفقتين سريتين مبرمتين بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، وذلك وفقا للنائب مايك بومبيو، الجمهوري وعضو لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، الذي كان حاضرا لجلسة استماع الوزير كيري. كما أن الكونغرس الأميركي لم يتسنَّ له الاطلاع على تلك الاتفاقيات أيضا.
ولقد أخبرنا النائب بومبيو في مقابلة شخصية أجريت معه: «أخبرني كيري مباشرة بأنه لم يقرأ الاتفاقيات السرية الجانبية. وأخبرنا في اللجنة بأن وزارة الخارجية لم تتمكن من الحصول على نسخ من تلك المستندات».
وفي حالات أخرى، قدمت التفاهمات السرية إلى المشرعين بالكونغرس، كما تلقى الكونغرس يوم الاثنين الماضي مجموعة من التفسيرات غير المخصصة للنشر العلني حول الاتفاق مع إيران، وذلك وفقا لموظفين من مجلسي الشيوخ والنواب الذين اطلعوا على تلك الوثائق. وتعتبر تلك المجموعة جزءا من 18 وثيقة تقدم بها البيت الأبيض إلى الكونغرس على نحو المطلوب بموجب التشريع الصادر في ربيع هذا العام مما يمنح الكونغرس 60 يوما لاستعراض ومراجعة الاتفاق مع إيران.
ومن بين الـ18 وثيقة هناك ست وثائق تعتبر عالية السرية كما أخبرنا موظفو الكونغرس بذلك. ومن بينها خطابات التفاهمات السرية ما بين الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، التي تعبر عن قدر من الأجزاء الأكثر غموضا بالاتفاق النووي، وأيضا التفسيرات السرية لأحكام الاتفاق مع إيران والتي تلزم دولا أخرى بتوفير المساعدات لإيران في ما يخص أنشطة البحث والتطوير لبرنامجها النووي، كما أن هناك مسودة لبيان عن الولايات المتحدة ينشر على الملأ في اليوم الذي يدخل فيه الاتفاق الإيراني حيز النفاذ.
تلك هي التفاهمات السرية التي أفرد لها الكونغرس والبيت الأبيض مختلف الوثائق، ولكن في حالة الاتفاقيات الجانبية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد لا يكون لدى الكونغرس والسلطة التنفيذية الأميركية كل الحقائق المطلوبة. وفي الجلسة المغلقة، تناوش الوزير كيري مع النائب الجمهوري بومبيو الذي كان قد سافر خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي برفقة النائب الجمهوري توم كوتون إلى فيينا للاجتماع مع المسؤولين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولقد أخبر مسؤولو الوكالة الدولية النواب الأميركيين أن هناك اتفاقيتين جانبيتين سريتين تغطيان الكيفية التي تتمكن بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التفتيش على مجمع بارشين العسكري الإيراني، والكيفية التي تعمل بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران على تهدئة المخاوف حيال الأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الإيراني.
كان اجتماع مسؤولي الوكالة الدولية مع النواب الأميركيين سريا، ولكن المناقشات ما بين كيري وبومبيو لم تكن كذلك، إذ مارس بومبيو ضغوطه على كيري بشأن تفاصيل الاتفاقيات الجانبية بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران. ولقد أقر كيري بأنه لم يطلع على كل التفاصيل المتعلقة بذلك. ولقد نزع ببيان صادر عن الخارجية الأميركية يوم الأربعاء الماضي صفة «السرية» عن الاتفاقيات المبرمة ما بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبدلا من ذلك، فقد وصفتها الخارجية الأميركية بأنها «ترتيبات فنية» وقالت إن «الخبراء الأميركيين شعروا بالارتياح حيال محتواها»، وهو الأمر الذي قد تحيط وزارة الخارجية الكونغرس به علما إذا طلب منها ذلك. يقول البيان الصادر عن وزارة الخارجية: «من الممارسات المعيارية للوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الأعضاء بالوكالة أن تتعامل مع الوثائق الثنائية وفقا لضمانات سرية. وذلك المبدأ كانت الولايات المتحدة أول الداعين إليه منذ بداية عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهدف حماية المعلومات السرية ومعلومات الانتشار النووي الحساسة. يتعين علينا التأكد من أن المعلومات المقدمة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تتعرض للتسريب وتتحول إلى معيار إرشادي لإنتاج المواد النووية التي يمكن استخدامها في صناعة الأسلحة النووية، وأن تدرك الدول الأعضاء أن معلومات براءات الاختراع والمعلومات السرية الخاصة بها لن تتعرض للسرقة لمجرد ظهورها على مستندات الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
ولكن في حين أن تلك الاتفاقيات قد تكون من قبيل الإجراءات التشغيلية المستدامة في حالة عمليات التفتيش الأخرى لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنها في حالة إيران تتخذ مسارا أكثر جدية. في يوم الخميس الماضي، وخلال جلسة علنية أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قال النائب الجمهوري ريتشارد ريش إنه أدرك أن إحدى الاتفاقيات الجانبية السرية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية سوف تسمح لإيران باتخاذ العينات البيئية الخاصة بها من مجمع بارشين العسكري. وبالحديث حول التفاصيل، قارن النائب بوب كوركر الرئيس الجمهوري للجنة المذكورة، تلك الترتيبات بترتيبات دوري كرة القدم الأميركي التي تتيح للاعبين المشتبه في تعاطيهم للمنشطات بإرسال عينات البول الخاصة بهم بأنفسهم.
أخبر كيري وغيره الكونغرس أن الاتفاقية حول مجمع بارشين والتفاهمات حول عمليات التفتيش الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، تتسم بطابع تقني عام ولا تقوض أو تضعف من الاتفاق القوي المبرم. ولا حاجة لتأكيد رفض النائب بومبيو لتلك الأطروحات، إذ أخبرنا يقول: «لم تأتِنا أية إشارات من الوزير كيري بأنهم يسعون للحصول على تلك الوثائق، وليس من إشارة كذلك تفيد بقلقه أنه لا يمتلك تلك الوثائق حتى الآن. وآية الله في إيران يعلم فحوى هذه الاتفاقيات الجانبية في أننا لا نعلم عنها شيئا»، مشيرا إلى علي خامنئي المرشد الإيراني الأعلى.
بالنسبة لإدارة الرئيس أوباما، فإن عدم الحصول على نسخ من الاتفاقيات الجانبية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية يعد أمرا مناسبا، إذ يلزم القانون الأميركي تقديم كل الوثائق والمستندات التي يمتلكها البيت الأبيض، ومن بينها تلك الوثائق المذكورة. وفي حين أن الوزير كيري لا يستحوذ على نسخ من وثائق الاتفاقيات الجانبية، فهي بالتالي خارج متناول الكونغرس، وخارج متناول الشعب الأميركي بأسره. على الجانب الآخر، تقوض هذه الحقيقة من حجج أوباما التي تفيد بإمكانية التحقق من الاتفاق واتسامه بالشفافية المطلقة. فالقادة الإيرانيون يتحدثون حول الاتفاق الإيراني علانية بعبارات تختلف إلى حد كبير عن خطاب نظرائهم الأميركيين. لن يؤدي وجود التفاهمات السرية حول ذلك الاتفاق المبرم إلا إلى تفاقم الوضع، وزيادة التوتر بمرور الوقت.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

 

ما بعد القوات السعودية والإماراتية في عدن
عبد الرحمن الراشد/الشّرق الأوسط/29 تموز/15
قوات الحكومة اليمنية، بمساندة قوات سعودية وإماراتية، فعلت لأول مرة ما لم تفعله الجيوش العربية منذ نهاية الاستعمار، غيرت الوضع على الأرض بالقوة. تحدت الأمر الواقع الذي فرضه المتمردون ودعمه الإيرانيون. حررت عدن، المدينة التي أطلقت شرارة الحرب، وظن المتمردون أنه بسقوطها ينتهي النظام اليمني الذي نعرفه. كانت آخر المدن اليمنية، والعاصمة البديلة، وملجأ الرئيس والحكومة التي هرب إليها من عاصمته صنعاء، بعد أن استولى عليها المتمردون الحوثيون وقوات الرئيس المعزول علي صالح.
عدن حررت بالقوة ولا تزال صامدة، منذ تحريرها، بما يعزز الانطباع بأن مشروع الدولة الحوثية صار في مهب الريح. الآن اكتشفوا أن استيلاءهم على عدن في نهاية مارس (آذار) المنصرم كان غلطة كبيرة كلفتهم ما استولوا عليه بالقوة وبالحيلة السياسية، ودفع مجلس الأمن إلى التصويت بالإجماع ضدهم، ورفض كيانهم ومشروعهم السياسي، وأعطى الضوء الأخضر لإعلان الحرب لتحرير كامل اليمن. ومع أن الإجماع الدولي وقرارات مجلس الأمن كانت ضد الحوثيين، وداعميهم الإيرانيين، فإن الرأي الغالب حينها أنه لم يعد للشرعية ولا القرارات الدولية قيمة، طالما لا توجد دولة كبرى مستعدة للدفاع عن الإجماع والشرعية. لهذا كانت المبادرة العسكرية السعودية، مع التحالف الذي بنته، تجربة مختلفة على المستوى الإقليمي، وذلك في وجه الاحتمالات الصعبة مثل توسع الحرب باتجاه الداخل السعودي، والتدخل العسكري الإيراني مع الاقتتال الإقليمي والدولي الذي يصاحب مثل هذه الحروب. في المقابل، فعل لا شيء، وعادة تسقط الشرعية عندما تسقط الدولة. عدن هي المدينة الأولى في سلسلة معارك مقبلة شرسة على القوات الحكومية أن تخوضها، ولا يكفيها قدرات العسكريين على خوضها في تضاريس وعرة، ومناطق قبلية معقدة، بل ستتطلب مهارات سياسية ودبلوماسية عالية. الهدف من تحرير عدن ليس فصلها، بل إعادة توحيد اليمن في ظل دولة حقيقية، بعيدا عن حكم عصابات مثل الحوثيين. مهم أن تولي الحكومة اليمنية وحلفاؤها الكثير من الجهد لإقناع القوى الشمالية بالانضمام للشرعية والوقوف ضد الحوثيين وما تبقى من قوات المعزول، للتسريع ببقية مشروع تحرير اليمن كله وإعادته دولة موحدة يحكمها القانون، ويقرر فيها الشعب من يريد أن يحكمه، برعاية دولية. الخمسة أشهر التي وقع فيها معظم اليمن تحت حكم المتمردين، من حوثيين وقوات المعزول، أعطت الجميع فرصة لتقييم الوضع. فالحوثيون ميليشيا تقوم على خرافات دينية تدعي حقا إلهيا بالزعامة، وحلفاؤهم من قوات المعزول لديهم مشروع واحد وهو الانتقام ممن وقف ضدهم في مظاهرات الربيع العربي، وأدى إلى إقصاء صالح من الرئاسة. وفوق هذا كله، هناك تصميم غير مسبوق على عدم ترك اليمن ليكون دولة تديرها عصابات وتنتهي مثل الصومال، ولا أن تكون دولة تابعة للنظام الإيراني، مخلب قط ضد جارتها السعودية، في حرب إقليمية ستدوم لسنين طويلة. هذا التصميم برهنته الأحداث الأخيرة، واستمر حتى نزلت القوات الحكومية الشرعية في عدن محررة بالقوة، مدعومة بقوات سعودية وإماراتية، لتكمل طريقها شمالاً.