ميشيل تويني: النفايات تشبههم/سمير منصور: هل من قطبة مخفيّة وراء أزمة النفايات/عبد الوهاب بدرخان: تلك النفايات من تلك السياسات/الياس الديري: قبل هجمة الزبالة وبعدها !

356

النفايات… تشبههم
 ميشيل تويني/النهار/29 تموز 2015/المشهد المثير للاشمئزاز الذي ربما يحمل معاني كثيرة ويلخص الوضع اللبناني “نفايات بنفايات”، لن نستنكره، ولكن سنطرح بعض الاسئلة ونضعها برسم الرأي العام:
1 – الحكومة التي كانت تعلم ان مطمر الناعمة سيقفل منذ أكثر من سنة، لماذا لم تجد بديلاً من هذا المطمر؟ ولماذا يتهافت اليوم بعض السياسيين على حلول فردية بنقل النفايات من مكان الى آخر والادلاء بتصريحات لا جدوى منها؟ ولماذا جميعهم، نواباً ووزراء، لم يعملوا جاهدين على إيجاد مطمر او مطامر جاهزة يوم اقفل مطمر الناعمة؟

2 – لماذا لم تضع الحكومة خطة طوارئ لهذه المرحلة؟ ولماذا سمحت بتراكم النفايات ثم أصيبت بالهلع لإيجاد حلول وأراضٍ وأماكن في اللحظة الاخيرة؟ فحتى للمرحلة الانتقالية لم يكن هناك خطة لتجنيب البلاد والمواطن مشهد تلال النفايات، خصوصاً أننا في موسم سياحي. وإذا كان هناك عدد محدود من السياح ما زالوا يأتون، فهل من المسموح ان يروا لبنان النفايات بدلاً من لبنان الاخضر؟
3 – هيبة الدولة المفقودة في قضايا الأمن والسلاح، مفقودة ايضاً في القرارات. فعندما تدرس الدولة المنطقة الأنسب للنفايات وللبيئة وللصحة وللمواطنين كافة، يجب الا تعترض فئة من المواطنين أو ابناء منطقة أو طائفة وكأن الأمر يستهدفهم، فتتراجع الدولة وتخاف! ومن الطبيعي ان تثير قرارات الدولة وخياراتها، أياً تكن، اعتراضات. لكن في مسائل كهذه، على أصحاب القرار الضرب بأيادٍ من حديد واتخاذ القرار المناسب وتنفيذه. طبعاً يجب ان يكون القرار عادلا وضمن معايير صحية وبيئية معينة، وربما اختيار اكثر من منطقة. لكن عندما تتخذ الدولة والحكومة قرارات يجب الا تعرقلها تجمعات او تثنيها تهديدات عن اتمام واجباتها، وواجبها الأول المصلحة العامة والوطنية!
4 – هنا نسأل لو طبقت اللامركزية الادارية الموسعة في لبنان، هل كانت الأمور لتصل الى هذه الحالة؟ أم انها كانت خففت عن الدولة وسمحت للبلديات بأداء دور فعال أكثر لو كان من صلاحياتها اتخاذ قرارات او التعاقد مع شركات لكي تتمكن كل بلدية من اتخاذ القرار المناسب تبعاً لوضع منطقتها ومواطنيها، وربما كانت تعاقدت مع شركات إعادة تدوير أو مع منظمات أهلية بيئية تهتم بتلك الأمور. فهذه الازمة تطرح مرة أخرى ضرورة تطبيق اللامركزية الادارية وتطويرها اكثر في وطن تربط مصالح مواطنيه بمصالح سياسية وطائفية ودولية، أصبحت حتى تؤثر على النفايات والصحة والعيش اليومي الكريم للمواطن. فاللامركزية تسمح على الأقل بعدم اعاقة المصالح اليومية للمواطن بالنزاعات السياسية التي لا تنتهي! ربما يولد مشهد النفايات لدى المواطن الشعور الذي يعيشه منذ سنين: القرف والاشمئزاز من الوضع الذي آل اليه اليوم وكل يوم… فمشهد النفايات يشبههم ويشبه سياساتهم…

تداعيات كارثية تستوجب حلاً فورياً هل من “قطبة مخفيّة” وراء أزمة النفايات؟
 سمير منصور/النهار/29 تموز 2015/اتحد اللبنانيون في مواجهة أزمة النفايات الكارثية ولم يتحد المسؤولون والطبقة السياسية في معالجتها، وهذه الطبقة فشلت، ليس فقط في التوصل الى حل جذري للمشكلة، بل في تدارك الوضع الكارثي من خلال التوصل الى حل موقت قبل فوات الأوان، وهو انتهاء الحقبة الممددة لمطمر الناعمة!وقد وصفها الرئيس تمام سلام بـ”الكارثة الوطنية” وهو على حق، والأخطر منها تداعياتها والفوضى العارمة التي ستنجم عنها في حال عدم معالجتها ورفع النفايات في أسرع وقت من شوارع العاصمة والضواحي، وقد بدأت “بشائر” تلك التداعيات تطل برأسها بأشكال مختلفة من خلال مجموعات مجهولة المنشأ والمصدر، تعيث في العاصمة فسادا، تارة بفلش النفايات وتعميمها وقطع الطرق، وتارة أخرى باحراقها واستجلاب خطر يفوق خطر تركها. كانت العاصمة بالامس ولا تزال في حاجة الى دوريات على مدار الساعة لفوج الاطفاء والدفاع المدني لاطفاء الحرائق المفتعلة التي بلغت تخوم البيوت وغرف النوم! وكانت العاصمة ولا تزال في حاجة الى دوريات أمنية تتعقب هؤلاء لمعرفة أهدافهم والجهات التي تقف وراءهم، ولم تكن هناك مشكلة لو كان هدفهم الاحتجاج على استمرار الازمة والضغط لمعالجتها، ولكن بدا واضحا من خلال تحركاتهم الاستعراضية انهم يعملون على نشر الفوضى وتفاقم الازمة من خلال فلش النفايات وقطع الطرق امام المتضررين من تلك الأزمة وضحاياها! ويدرك الجميع مخاطر تلك الظواهر وما يمكن ان يحصل في ظل الانفلات… وحسنا فعل الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله بتدخلهما مباشرة لمنع تلك التحركات المشبوهة، ورفع الغطاء عن كل من حاول التلطي وراء “حزب الله” أو حركة “أمل” بعدما قيل ان قسما من هؤلاء ينتمي الى انصار الحزب المعروفين بـ”سرايا المقاومة” وقد أبلغ الرئيس بري والسيد نصرالله الرئيس سلام، استياءهما مما حصل، وطالت الممارسات الشائنة محيط منزله والمعروف ان سلام منع ومنذ توليه رئاسة الحكومة اقفال أي طريق من أربع طرقات تحيط بمنزله من كل الجهات، ولم يحط نفسه بمربع أمني… ونظرا الى خطورة هذه التحركات وكل تحرك مشبوه، فان الاجهزة الامنية على اختلافها معنية بمعرفة الجهة التي تقف وراء أعمال الشغب التي استهدفت العاصمة. هل من “طابور خامس” يستغل أزمة النفايات للنفاذ الى أهداف ومآرب أخرى؟ كارثة النفايات أصابت الحكومة بهزة عنيفة، ولا تنفع محاولات التملص والنأي بالنفس التي يقوم بها بعض الوزراء والتكتلات التي ينتمون اليها، وحتى بعض الموظفين الكبار المعنيين بالعاصمة ومحافظتها… لقد افتقدهم دافعو الضرائب في العاصمة، خلافا لمناسبات “وجاهة” حرصوا على الاطلالة من خلالها اعلاميا بشكل مكثف! وأيا يكن الموقف من “آلية العمل في مجلس الوزراء” التي يتخذها المعارضون من داخل الحكومة عنوانا لتحرك من نوع آخر يقومون به، وهو يمتد من التعيينات الامنية، وصولا الى الاستحقاق الرئاسي… فان الآلية الاهم عند المواطن حاليا هي تلك المتعلقة بإزالة النفايات وأخطارها، تلك هي الاولوية ولا صوت يعلو فوق صوتها! ولئن تكن أزمة النفايات الكارثية قد طغت على كل اهتمام منذ أكثر من اسبوع، فانها رسمت أكثر من علامة استفهام حول “قطبة مخفية” في مكان ما في السياسة أملت تلك الازمة؟ هل من يدفع في اتجاه اسقاط الحكومة وصولا الى الفوضى والانهيار التام لبدء البحث جديا في مشاريع يحكى عنها تحت عنوان “تعديل الدستور” تارة و”المؤتمر التأسيسي” تارة أخرى و”عقد جديد” وما شابه من شعارات تتردد بين فترة وأخرى؟ خصوم “حزب الله” في قوى 14 آذار يتهمونه بالوقوف وراء تلك الدعوات وصولا الى تغيير الدستور بهدف تكريس سيطرته بالامر الواقع و”تسييلها” نصا دستوريا، وبدت دعوة السيد نصرالله رئيس الحكومة الى عدم الاستقالة او التهديد بها، كرد على ذلك الاتهام، وإن يكن “هذا الموقف يمكن ايصاله بطريقة أخرى” وفق وزراء وسطيين يلفتون السيد نصرالله الى ان “التلويح” بالاستقالة أمر طبيعي وحق بديهي لرئيس الحكومة، مقترحين على الامين العام لـ”حزب الله” بدل التحذير من التهديد بالاستقالة او اعلانها “اقناع حلفائه بوقف عرقلة عمل الحكومة تحت شعار آلية العمل”، وملاحظين أن تأكيده الوقوف الى جانب حليفه العماد ميشال عون يتيح له أداء دور ايجابي في الحوار الذي يدعو اليه بين مكونات الحكومة ولا سيما “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” وفي عودة انتظام العمل في مجلس الوزراء!

تلك النفايات من تلك السياسات
عبد الوهاب بدرخان/النهار/29 تموز 2015/بين التسييس والتطييف، وبين التنافس على صفقات وتنفيعات، عكست أزمة النفايات حال التعفّن والاهتراء في دولة معطّلة، وحكومة حوّلها بعض وزرائها الى هيئة لإدارة التعطيل. قيل أحياناً أن السياسة صارت زبالة والآن أصبحت الزبالة في السياسة. مروّعة هذه الصورة التي عمّمت عالمياً عن البلد وعاصمته، وعن أطفال مضطرين للعب وسط أكوام البقايا والمخرجات. بل مفزع هذا الانحطاط الذي بلغه السجال المرافق لتراكم الأوساخ، خصوصاً بمستوياته الاجتماعية والمناطقية، حتى إن البعض يكاد يطالب بقانون يُلزم كل طائفة بطمر نفاياتها في مناطقها وعدم التجاوز الى مناطق الطوائف الاخرى، في استعادة لمنطق كل طائفة تنتخب ممثليها الى البرلمان. نادرٌ في العالم مثل هذه الأزمات “النفاياتية”، قد تنجم عن اضرابات العاملين أو حالات اضطراب أمني، أما أن يُترك لمقاولي النفايات ومراجعهم القابضة منهم تحويل الأمر الى نزاع على العمولات، وأن يجازفوا ببيئة العيش وصحة الناس بلا أي وازع، فهذا ما لم تعرفه قواعد “البزنس” في أكثر الرأسماليات توحشاً وما لم تشهده الصفقات في أعتى الدول فساداً. والمشكلة أن أزمات كهذه ليست جديدة على حكومات لبنان، وقد تعامل الناس معها بصبر، الى أن أطلقوا هذه الصرخة ضد كل مَن هو مسؤول: “طلعت ريحتكم”… في عهد الحكومة السابقة كانت أزمة الوقود، ولها رائحة هي الاخرى، فدارت الخلافات وعلت الأصوات بين “المعنيين” في مجلس الوزراء ثم خفتت بعدما ارتسمت المحاصصة. بعد ذلك كانت أزمة الكهرباء وبواخرها، وقد رافقتها ضجّة كبيرة ومشادات بين وزراء ثم سكت الجميع، ما يعني أن ترضيات حصلت، وأن وقائع الفساد تجري في وضح النهار. لكل فضيحة أطرافها السياسيون، وليس بينهم مَن لم يتلوّث سابقاً، بمَن فيهم أولئك الذين يلومون اليوم حيتان النفايات، فقط لأنهم ليسوا مرشحين لحصّة فيها. والواقع أن ليس بينهم مَن يستطيع الذهاب بعيداً في تأثيم الآخر فجميعهم عاثوا في الأرض فساداً، من بيع الرمول الى ردم البحر الى الكسارات التي تشوّه الجبال الى آلاف مؤلّفة من المخالفات للطبيعة والبيئة و… القوانين التي وضعها المشترعون في سياق التمدّن وتبيّن أن لفيفاً منهم شارك في وضع النصوص وكانوا الأوائل في عدم التزامها. كانت جماعة “8 آذار” تقدّم نفسها كوصفة سحرية لقطع دابر الفساد وتعتبر خصمها “14 آذار” رمزاً لهذا الفساد. وعلى افتراض صحة ذلك أظهرت التجربة أن الـ”8 آذاريين”، بمن فيهم “تيار الاصلاح والتغيير”، تعلّموا الصنعة ومارسوها في كل الوزارات التي شغلوها، ولعل أفضل دليل أن الخلافات على التحاصص أخّرت وتؤخّر قانون استثمار آبار الغاز في البحر. فهذه فضيحة معلنة، بل فضيحة الفضائح، وقد ربطت بمصير انتخابات الرئاسة، ولم تُربط برؤية اقتصادية للبلد.

 

قبل هجمة الزبالة… وبعدها !
 الياس الديري/النهار/29 تموز 2015/لا يخرط في رأس عاقل أن تكون هذه الأزمات، والخربطات، والعرقلات، والتعقيدات من صنع المصادفة أو الأقدار. ثمة عقل شرير يكمن خلف كل ما يُصيب لبنان من فراغ رئاسي، وفراغ سياسي، وفراغ مؤسّساتي، وفراغ على مستوى الدولة ورجالات الدولة… المثَل المصري يقول: مش ممكن، دا شيء بالعقل؟ تردّدت على مسمع مني ومن بعض الأصدقاء أكثر من مرة، ومن أكثر من مرجع “إنهم ينوون إيصال لبنان واللبنانيين إلى الصراع على الزبالة”. وها هو حدسهم يصدُق، وينزلق اللبنانيّون الأفذاذ إلى المواجهة وإعلان الحروب والعصيان حول “مدافن” الزبالة. و”التفاصيل” الحقيقيّة لما يشهده لبنان من فصول “حرب الزبالة” انتشرت فوق صنوبر بيروت و… زبالتها. أجل، يجب أن يتبهدل لبنان واللبنانيّون في خلافاتهم المتنوّعة والمُشينة… حتى يحين موعدها مع الغطس في كَوْمات الزبالة. وقد تمّ ذلك، وكان لهم ما أرادوا. لبنان المميّز بالتعدّدية، والديموقراطيّة البرلمانيّة، المسوَّر بالحريّات، والانفتاح، والتسامح الذي يجمع شمْل ثماني عشرة طائفة، هذا اللبنان غارق اليوم حتى شعر رأسه في كَوْمات الزبالة. أين الوطن – الرسالة؟ أين يا أطلال ذلك اللبنان الذي تُضرب به الأمثال، ويقصده عشّاق الحريّة والأمان؟ أين أولئك الرجال القادة العمالقة الأفذاذ الذين يحتضنون وطنهم في محنته، في سقوطه، في زبالته؟ أين آمون وصوته الغاضب؟ كدنا نُزغرد ونُعلن فرحتنا حين مرّ حزيران من غير أن تبرز “عدّة” التخريب المعتادة في كل صيفيّة. خيّ. لا حروب. لا دواليب مشتعلة تحاصر المطار. لا قطْع طرق وأوتوسترادات. لا محاولات خطف. كدنا نطير من الفرح. رجعت ليالي زمان وصيفيّات زمان. رجعوا أهالينا. رجعت عجقة الصيفيّات، والكبّة والتبّولة ونارة يا ولد، وزحمة في الشوارع والزواريب. مَن كان يخطر في باله أن تُضْرَب الصيفية من بيت أبيها، وبمفاجأة من طراز غريب عجيب، تقلب الحالة رأساً على عقب…وإذا بالزبالة تصل على حين غرّة، مُرفقة بطبْل وزمْر، ومزوَّدة قيادات للدفاع وشرح المطلوب للمؤانسة والإمتاع… كل الحقّ مع العميد ريمون إده حين يقول إن “المشكلة هي في هذا الشعب اللبناني العريق في حضارته، والذكي، والنشيط في عمله، وكيف ما بتزتّوه بيجي واقف، إلا في السياسة كيف ما بتزتّوه بيجي مبطوح على بطنه أمام الزعيم، وهذا الزعيم هو أيضاً مبطوح وزاحف على بطنه أمام معلّمه… عدو الوطن”.