أمير طاهري: الاتفاق النووي الإيراني الرابحون والخاسرون/عبدالرحمن عبد المولى الصلح: الأسئلة المُعلّقة بين واشنطن وطهران/محمد علي فرحات: أردوغان بين الأكراد وداعش

304

الاتفاق النووي الإيراني.. الرابحون والخاسرون
أوباما أضافه إلى إرثه السياسي.. وأوروبا تتسابق لقطف الثمار التجارية.. وتركيا من الأطراف الخاسرة
لندن: أمير طاهري/الشرق الأوسط/29 تموز/15
لا يزال أمامنا طريق طويل قبل أن يصبح الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني واقعا ملموسا على الأرض إن أصبح كذلك بالأساس. مع ذلك حتى إذا لم يصبح واقعا، فقد أسفرت العملية ذاتها عن خاسرين ورابحين محتملين.
لا توجد صلاحية قانونية للاتفاق المبدئي، الذي يعرف بالخطة الشاملة، لأن أحدا لم يوقع عليه، مع ذلك فإن القرار، الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي وهو السابع الخاص بهذا الأمر، قد ينظر إليه باعتباره يضفي قدرًا من الشرعية على الخطة.
وصوتت الولايات المتحدة بصفتها راعية للقرار لصالحه مما جعلها ملتزمة به، أما إيران، فهي ليست عضوا في مجلس الأمن، ولم يكن عليها التصويت ولم تتقبله. ولن يكون قبول قرار جديد بالأمر اليسير، لكنه يقوم على ستة قرارات سابقة رفضتها إيران.
ولمح جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، يوم السبت الماضي إلى أن الجمهورية الإسلامية قد لا تقبل القرار الجديد وهو ما يجعل الغموض يلف القضية برمتها في هذه الحالة. وقال ظريف: «يوضح نص الخطة أن فحواها لا يتطابق مع فحوى القرار 2231، وبالخلط بين الاثنين يثير جون كيري حالة من الارتباك».
وحتى تقبل إيران القرار الجديد وتمنح سندا قانونيا للخطة يجب أن يوافق مجلس الوزراء على النص أولا، ومن ثم سيتم تقديم الخطة إلى المجلس الأعلى للدفاع الوطني؛ وفي حال الموافقة عليه، ستتم إحالة النص إلى المجلس الإسلامي، الذي سيحيله بدوره، في حال الموافقة عليه، إلى مجلس صيانة الدستور. وفي النهاية، سيتم تقديم النص إلى «المرشد الأعلى»، والذي لا يوجد ما يلزمه بقبوله، بل يمكنه إلغاؤه في أي وقت بموجب الحكم الحكومي.
الوثيقة الوحيدة التي وقعت عليها إيران في فيينا هي ما يطلق عليها يوكيو أمانو، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية «خريطة طريق» للتعامل مع مخاوف الوكالة الدولية بشأن الجوانب العسكرية للبرنامج النووي الإيراني مع التوجه لإصدار تقرير. ولا يزال النص سريا. مع ذلك لا يعني التوقيع الكثير؛ فعلى مدى الاثني عشر عاما الماضية وقعت إيران على مثل تلك الوثائق في ثلاث مناسبات ولم تكن تلتزم بها في كل مرة.
في كل الأحوال، لا توضح «خريطة الطريق» الوجهة، أو السرعة، أو الوسيلة، أو حتى ما إذا كان ينبغي بدء الرحلة بالأساس أم لا. ولا يمكن لأي «خريطة الطريق» أن تمنع المرء من تجاوز بعض النقاط أو حتى التراجع.
الرابحون
رغم أن ما بحوزتنا ليس سوى اتفاق غير حقيقي، يبدو رد الفعل العام تجاهه إيجابيًا. وليس من الصعب فهم ذلك. من بين الرابحين الرئيس باراك أوباما، الذي تمكن من اتخاذ هذه الخطوة في الفترة المتبقية من رئاسته، ويتفاخر بالفعل بذلك «النجاح التاريخي» الذي سيصقل إرثه.
وترضى روسيا عن الاتفاق لأنها تريد نصيبا من الأصول الإيرانية المتجمدة من خلال بيع أسلحة لطهران. وخلال المفاوضات التي تمت في فيينا، قاد حسين ديغان وزير الدفاع الإيراني وفد شارك به 40 شخصا إلى موسكو لمناقشة مشتريات الأسلحة. ولحق بالوفد حبيب الله سياري، قائد البحرية الإيرانية، الذي يريد تطوير، وإعادة تسليح قوته بمساعدة روسيا.
كذلك ترضى الصين عن الاتفاق لأنها بدأت إبرام اتفاقيات من أجل بناء خمس منشآت نووية في إيران، وتعتزم ضخ استثمارات ضخمة في صناعة النفط الإيراني. الجدير بالذكر أن إيران تعتمد على النفط الإيراني في سد 11 في المائة من احتياجاتها. وترضى ألمانيا عن الاتفاق لأن إيران هي أكبر شريك تجاري في الشرق الأوسط. وزادت الصادرات الألمانية إلى إيران بنسبة 32 في المائة خلال العام الماضي بفضل ضمانات الحكومة، التي تعتمد على الأمل في «اتفاق» يضع المزيد من المال في جيوب الإيرانيين. وترضى فرنسا عن الاتفاق لأن من شأنه تحفيز مبيعات الأسلحة إلى العرب الذين يشعرون بالقلق من تسلح إيران النووي. كذلك وقعت فرنسا على اتفاق من أجل إنشاء محطات كهرباء تعمل بالطاقة النووية في الكثير من الدول العربية من بينها مصر.
أما داخل إيران، فالرابح المباشر هو الفصيل الذي يقوده الرئيس هاشمي رافسنجاني وبه الرئيس حسن روحاني وأغلبية الوزراء في مجلس وزرائه. ويوم الإعلان عن «الاتفاق» في فيينا، نشر رافسنجاني ملصقا يظهر فيه على خلفية من الشمس المشرقة، وإلى جواره صورة روحاني، ووزير الخارجية ظريف، بحجم أصغر من رافسنجاني. وكان التعليق المصاحب للملصق «هاشمي، حكمتك وبعد نظرك، أفقت السكران من سكره». وتمثل تلك القصيدة الصغيرة هجوم على خامنئي الذي اتهمه رافسنجاني، من دون أن يسميه، بأنه «سكران بالشعارات». ويرى رافسنجاني أن «الاتفاق» نقطة انطلاق لحملته الرامية إلى السيطرة على المجلس الإسلامي، ومجلس الخبراء، الذي سيختار «المرشد الأعلى» في الانتخابات العامة خلال العام المقبل. وفي النهاية سيشغل منصب خامنئي إلى جانب أحد مساعديه. ومرشح رافسنجاني هو حسن الخميني، حفيد آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإيرانية.
تجاهل «المرشد الأعلى»
من أجل الإبقاء على المسافة الفاصلة بينه وبين خامنئي، قام رافسنجاني بأمرين خلال الأسبوع الماضي. كان الأول هو رفض الانضمام إلى الحضور الذي يقدمه خامنئي إلى رموز النظام. وظهر المقعد، الذي كان مخصصا لرافسنجاني، خاليا لأول مرة منذ عقود خلال الفعالية التي بثت على الهواء مباشرا. وكان الأمر الثاني في احتفالات عيد الفطر عندما تولى خامنئي إمامة الصلاة، ولم يقف رافسنجاني في الصف الأول، وفي النهاية غادر من دون إلقاء التحية على «المرشد الأعلى».
كذا يمكن اعتبار الجيش الإيراني من بين الرابحين. حتى قبل الإعلان عن «الاتفاق»، زاد روحاني ميزانية الجيش بنسبة 23 في المائة. وفي ظل الموارد المالية الجديدة، يمكن للجيش الإيراني أن يضغط لتنفيذ مشروعين. الأول هو تعزيز وجوده في العراق، وسوريا، ولبنان، قبل أن يحاول أي رئيس أميركي جديد من المحتمل أن يتسم بالعدائية التراجع عن سياسة أوباما الداعمة لطهران. الهدف المقبل هو بدء عمليات بناء هائلة في البحرية الإيرانية النظامية، والعمليات غير النظامية التي يسيطر عليها الحرس الثوري. ويعلم المخططون العسكريون في طهران أن أصول سلاح البحرية القادرة على توفير الدعم اللوجيستي ضرورية لمشروعات بناء إمبراطورية. ولا يوجد لدى أي دولة إقليمية في اللحظة الراهنة سلاح بحرية، حيث يعتمدون جميعهم على الولايات المتحدة في توفير الأمن البحري. وتعزز معاهدة الحدود البحرية، التي أقنعت إيران عمان بتوقيعها منذ بضعة أسابيع، طموحات طهران البحرية. وتضمن البحرية الإيرانية لعمان الحقوق البحرية في الجزر العمانية في خليج عمان وبحر العرب. وتعد جزيرة بيت الغنم من الجزر العمانية المهمة التي تعد البوابة الجنوبية لمضيق هرمز. كذلك لدى إيران قواعد بحرية في سوريا وأصول بحرية في لبنان بفضل وحدات تنظيم حزب الله الذي يخضع لسيطرة الجمهورية الإسلامية.
الخاسرون
تعد تركيا من بين الأطراف الخاسرة، حيث استفادت كثيرا من العقوبات المفروضة على إيران من خلال توفيرها لقنوات بديلة. ومع استعادة إيران للعلاقات التجارية الدولية المباشرة، سوف تخسر تركيا قدرا هائلا من العائدات التي كانت تحققها نظير رسوم النقل عبر أراضيها. ويظل الأسوأ هو أنه من المؤكد أن يزيد وجود جمهورية إسلامية وقوية الضغط على تركيا لقبول قيادة خمينية. ونشرت صحيفة «كيهان» اليومية، الناطقة باسم خامنئي، مقال افتتاحي يوم السبت يدعو تركيا إلى «الانضمام إلى جبهة المقاومة» تحت قيادة إيرانية، والاعتراف ببشار الأسد كرئيس شرعي لسوريا، والامتناع عن «ظلم الأقلية من العلويين والأكراد». وهناك خاسر محتمل آخر وهو دبي، الإمارة التي كانت بمثابة عصب النشاط المصرفي والتجاري الإيراني منذ ثمانينات القرن الماضي. وبحسب آية الله شرودي، أحد مساعدي خامنئي، تزيد الاستثمارات الإيرانية في دبي على الـ700 مليار دولار. كذلك سينتهي الحال بأكثر دول المنطقة إلى التحول إلى خاسرين. وسيصبح نظام يدعم آيديولوجية راديكالية، ويسعى لزعامة العالم الإسلامي كله، أقوى لما سيراه خضوعا واستسلاما من قبل الولايات المتحدة. وهذا واضح بالفعل مع تكثيف حملة الخميني الدعائية على أساس إعلان خامنئي بداية الشهر الحالي عن «منطقة نفوذ» إيرانية. ويعد ذكر خامنئي للبحرين واليمن ضمن منطقة النفوذ مثار قلق بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. وقال حميد زمردي، مخطط جيو استراتيجي: «أعلن خامنئي عن مشروع بناء إمبراطورية بذريعة معالجة الانقسامات الداخلية في النظام. ويمكن أن يتيح مثل هذا المشروع للفرق المتنافسة التعاون سويا من أجل تصدير الثورة».
إسرائيل أكبر الخاسرين
من جانب يمكن اعتبار بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، واحدًا من الخاسرين لأنه أخفق في منع التوصل إلى «الاتفاق» الذي أبرم في فيينا؛ ومن جانب آخر، يرى بعض القيادات الإسرائيلية، ومن بينهم قادة سابقون لجهاز الموساد الإسرائيلي مثل مائير دوغان، وإفرايم هليفي، إيران كحليف استراتيجي للدولة اليهودية. وحجتهم في هذا الصدد هي أن كلا من إسرائيل وإيران لا ترغب في شرق أوسط يهيمن عليه الإسلام السني أو القومية العربية. وباستثناء الحملة الدعائية، لم يتخذ الملالي أي موقف ضد إسرائيل؛ فهم يستخدمون القضية الفلسطينية فقط لإقناع العرب بنسيان أن إيران قوة شيعية واحترام قيادتها. ويشير البعض ومن بينهم ديفيد لورد أليانس، أحد أعضاء مجلس اللوردات البريطاني، إلى أن إسرائيل تدعو إيران إلى المشاركة في إدارة «المواقع المقدسة» الإسلامية في القدس.
مع ذلك يمكن أن ينتهي الحال بخامنئي، والفصائل المتشددة، التي تدعمه داخل إيران، إلى أن يكونوا من بين الخاسرين في حال ساعد الـ«اتفاق» في إنقاذ الجمهورية الإسلامية من أكبر أزمة اقتصادية مرت بها منذ الخمسينات. إذا حدث تطبيع للعلاقات مع الولايات المتحدة، سيحرم النظام من الدعامة الآيديولوجية الرئيسية التي تتمثل في شعار «الموت لأميركا». ويمكن لرافسنجاني و«مجموعة نيويورك» المحيطة به تقديم «حل صيني» تظل فيه الجمهورية الإسلامية نظاما قمعيا في الداخل، مع إقامة علاقات قوية مع الولايات المتحدة؛ بل إنهم مستعدون لوضع الجمهورية الإسلامية تحت وصاية القوى الكبرى لمدة تتراوح بين 10 و15 عاما من أجل ضمان بقاء النظام. ويقول إبراهيم أصغر زاده، أحد المشاركين في عملية احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية والذي أصبح داعما للإصلاح: «في تلك الحالة قد تكون الطبقات الوسيطة الإيرانية من الخاسرين. بل قد يصبح حتى روحاني من الخاسرين».
الإرهاب
لن يضع الـ«اتفاق» حدا لدور الجمهورية الإسلامية في دعم الإرهاب قي مختلف أنحاء العالم. وسوف يستمر تدريب، وتمويل، وتسليح حزب الله، وحماس، والجهاد الإسلامي، وغيرها من الجماعات المماثلة، بل وقد يزداد. ومن المؤكد أن أوباما يعلم أن طهران هي العاصمة التي لأغلب التنظيمات الإرهابية، ومنها غير الإسلامية من أميركا اللاتينية، مكاتب بها، والتي تعقد بها مؤتمرات سنوية كل فبراير (شباط). وسوف تحافظ طهران على هذا التقليد الذي بدأ خلال الأشهر القليلة الأولى من عمر الجمهورية الإسلامية، وهو احتجاز بعض الرهائن الأميركيين سواء داخل إيران، أو على أيدي عملاء الخميني في مناطق أخرى من الشرق الأوسط. ومنذ عام 1979 لم يمر يوم دون أن يحتجز أتباع الخميني بعض الأميركيين. ولا يزال هناك أربع رهائن محتجزون حاليا في طهران وهناك واحد مفقود. ويمكن للاتفاق أن يشجع أكثر العناصر تطرفا في نظام يستعد بالفعل إلى شن حملة ملاحقة كبيرة على مستوى البلاد ضد كل أشكال المعارضة وذلك بحسب تقارير في أنحاء إيران. وتم القبض على عشرات من نشطاء حقوق الإنسان، ونشطاء عماليين، ونشطاء في مجال حقوق الأقليات العرقية، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، في الوقت الذي تروج فيه حملة تعرف باسم «العفة الإسلامية» لإجراءات جديدة ضد النساء. ودائما ما يكون الاتجاه نحو الثورة والإرهاب سهلا، والابتعاد عنه صعبا. لهذا لا يستبعد الكثير من المراقبين في إيران حدوث أي مفاجآت حين يتعلق الأمر بالرابحين والخاسرين في الـ«اتفاق».

 

الأسئلة المُعلّقة بين واشنطن وطهران
عبدالرحمن عبد المولى الصلح/الحياة/29 تموز/15
الاتفاق الأميركي الأوروبي الإيراني حول «النووي» كان متوقعاً، بل مؤكداً، والذي راهن على عدم حصول الاتفاق، لم يكن قارئاً سياسياً جيداً. ذلك أنّ النيّة والرغبة في الوصول إلى الاتفاق كانتا متوافرتين عند الطرفين منذ فترةٍ طويلة. عند الإيرانيين، منذ نجاح (أو «إنجاح؟») الرئيس حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في 3 آب (أغسطس) 2013 وسقوط (أو إسقاط؟!) منافسه أحمدي نجاد. ذلك أنّ «إنجاح» روحاني كان رسالة واضحة المعالم، إلى الولايات المتحدة الأميركية، من أركان نظام الملالي في طهران وعلى رأسهم المرشد خامنئي، بأنّه آن الأوان للجلوس إلى طاولة المفاوضات. في ما يتعلق بواشنطن، لاحت بوادر الوصول الى اتفاق مع طهران من خلال سياسة أوباما «الانكفائية»- على عكس «هجومية» و «عدائية» جورج بوش الابن- بالحرص على سحب قواته من أفغانستان والعراق ووقف اللجوء الى التدخُّل العسكري، ثمّ أنّ الرئيس الأميركي لم يدّخر جهداً، منذ ما يُقارب السنتين أو أكثر في الثناء على الإيرانيين الذين، وفق قوله في أكثر من مقابلة صحافية، هم إستراتيجيون وغير متهوّرين ولديهم نظرة عالمية ويرون مصالحهم ويتعاملون مع حسابات الربح والخسارة، إضافةً الى حرصه على إرضائهم، كالإبقاء، على سبيل المثال لا الحصر، على رئيس «البراميل المتفجّرة» بشار الأسد! قيل الكثير عن الاتفاق الأميركي – الإيراني حول الملف النووي (صحيح أنّ خمس عواصم أوروبية شاركت في الاتفاق، لكنّ الكلمة الفصل لأميركا، القوة الأعظم، التي تضم بين جناحيها أوروبا وغير أوروبا…!). لذلك، لا أرى ضرورة لاستعراض ما للاتفاق وما عليه بالنسبة إلينا كعرب (كي لا نُضيف أيضاً العدو الإسرائيلي…)، وذلك منعاً للتكرار والملل. ولكنّ، يقيني أنّ مجموعة من الأسئلة لا تزال مُعلّقة، لا بد أن تُطرح في سياق ذلك الاتفاق… أولّها: ألم يكن بإمكان الولايات المتحدة أن تبدّد هواجس حلفائها، بأن تحصل على تعهد قاطع من إيران يضمن عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للبلاد العربية وحفاظها على مبدأ حسن الجوار؟!
أوباما أجاب عن ذلك في مقابلةٍ سابقةٍ مع توماس فريدمان «نيويورك تايمز» بأن وجّه اللّوم – وفق زعمه – إلى الأنظمة العربية لعدم قدرتها على استيعاب تطلعات الأجيال الشابة، الأمر الذي يُساهم في خلخلة الأوضاع الداخلية ويسمح لطهران بالتدخل! ثمّ ألا يُشكل عدم إصرار الإدارة الأميركية للحصول على ذلك التعهد شكلاً من أشكال التلكؤ من قبلها تجاه حلفائها، على رغم كلّ التصريحات التي صدرت بُعيد الإتفاق؟ ألم يكن بالإمكان الوصول إلى تسوية ترضي العرب، خصوصاً دول الخليج وعلى رأسها السعودية بموازاة الاتفاق النووي؟!
الخوف هنا يكمن في اقتناع أوباما، ومن معه من مستشاريه كفاليري جاريت وروبرت مالي، أنّه بعد ذلك الثوران السنّي الجهادي، فليس أفضل من طهران «الشيعية» أن تلجم ذلك الفوران والهيجان السنّي الذي يسود المنطقة، وبصورة خاصة ما تسبّبه «داعش» من ويلات ومآس! لكنّ أوباما ينسى أو يتناسى أنّ التطرف السنّي هو ضرورة إيرانية، كي تُبرّر طهران دورها وهيمنتها. ويا حبذا لو يوجّه سؤالاً إلى طهران حول استضافتها عناصر قيادية من «القاعدة» في طهران. ولعلّه من المُفيد تذكير أوباما أنّ إيكال الموضوع إلى طهران سوف يجعل من التطرّف، أكثر تطرّفاً!
مزيد من الأسئلة: هل هنالك من اتفاقات أخرى سريّة لحينه بين واشنطن وطهران؟! وكم علينا أن ننتظر كي نقرأ «نووي – ويكيليكس» والتي قد تكشف لنا أنّه كان وراء الأكمة ما وراءها؟ تُرى، ما هو سرّ قوّة نظام الملالي في طهران الذي سمح له بالتقدم في المجال النووي، في حين فشل النظام العربي في ذلك؟! هل يكمن ذلك في الإمعان في سلطويته؟! اللاّفت أنّه كلّما كان النظام سلطوياً، تقدم نووياً (عراق صدام حسين، كوريا الشمالية كيم جونغ أون وأبيه). ولكن، هل يعني ذلك أنّ النظام العربي الرسمي أقل سلطوية وأكثر ديموقراطية؟!
لماذا لم تُثر قنبلة باكستان النووية ذلك الضجيج واللغط؟ صحيح أنّ واشنطن سمحت بذلك ردّاً على قنبلة الهند التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي آنذاك. ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ قنبلة باكستان النووية والتي رعاها وأشرف عليها الرئيس علي بوتو (الشيعي…) لم تكن مذهبية، كما هي حال السلاح النووي الإيراني، بل كانت إسلامية! أين وكيف سوف تصرف طهران فائض القوة الذي كسبته من نتيجة الاتفاق؟! وإذا كانت واشنطن عملت على نجاح ثورة الخُميني (والذي أقام في فرنسا ونشَطَ سياسياً على أراضيها، وعاد إلى طهران بمواكبة الاستخبارات الفرنسيّة نفسها) وتخصيب ثورته عام 1978 انطلاقاً من نظرية زبيغينو بريدجينسكي مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك، والتي قامت على ضرورة ما سمّاه بريدجينسكي «حزاماً أخضر إسلامياً» حول الاتحاد السوفياتي لزعزعته.
ألم يكن بالإمكان العمل على تغيير نظام الملالي- ولو بالطرق السلميّة، والإتيان بنظام لا يتمسّك بالنووي وإثارة القلائل في الأقليم؟!
وإذا كان اللجوء إلى الطرق السلميّة متعذّراً، فلماذا لم يُعوّل على زعزعة الوضع الداخلي الإيراني، خصوصاً أنّ التناقضات الداخلية الإيرانية لا تُخفى على العين، والتوترات بين الإثنيات والمذاهب التي تتكوّن منها إيران، واضحة، وفق أرقام رسمية، فنسبة الفرس لا تتجاوز 51 في المئة من مجموع السكان، فيما يُشكل الأذريون 24 في المئة ويتوزّع الباقون بين أكراد وعرب وبلوش وغيرهم. واللافت أنّ 58 في المئة يتحدثون الفارسية، و26 في المئة يتحدثون التركية، وبقية السكان يتكلمون الكردية والعربية، الأمر الذي يدُل إلى أن التناغم بين المجموعات المحلية ليس متوافراً، وأنّ إيران مهيأة للدخول في صراعاتٍ شبيهة بالصراعات التي تشهدها دول الإقليم؟ هل بالإمكان حقاً، التعويل على فرضية أوباما، أنّ الاتفاق سوف يساهم في إنعاش الاقتصاد الإيراني ومن ثمّ تعزيز مكانة الطبقة الوسطى في إيران التي من المؤمّل أن تدفع الملالي إلى مزيدٍ من الاعتدال والانخراط في النظام الدولي، وبالتالي وضع حدٍّ للعدائية الإيرانية؟! التصريحات الأخيرة للمسؤولين في طهران لا توحي بذلك، اللّهم إلاّ إذا صدرت للاستهلاك المحلي. هدفُ أوباما احتواء أو «استيعاب» المد النووي الإيراني.
ثمة من يجادل أنّ وسيلة أخرى أقل كلفة، ولربما أكثر نجاعة توافرت، لكن في زمن غير زمن أوباما. نعني أيام جورج بوش الابن الذي ارتكب بحق العراق والعرب وحتى مصالح الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة خطايا لا تُغتفر من خلال غزوه العراق وإطاحة الرئيس العراقي السابق صدام حسين (رغم كلّ مساوئه)، وما تسبّب ذلك الغزو من تداعيات سلبية جسيمة ليس على العراقيين فحسب، بل على المنطقة بكاملها. السؤال «الخبيث»: ألم يكن من «الأفضل» الإبقاء على صدام حسين في سدّة الحكم، رغم كلّ قمعه وسلطويته وإجرامه، بدلاً من إطاحته. ليظل يُشاغب على طهران التي ما إن سقط صدام حتى تفرّغت للنووي؟! إلى متى ستظل طهران «عدوّة» في عين العرب رغم تمسكهم بمبدأ حُسن الجوار؟ أو بالأحرى، ماذا تستفيد طهران من الاستمرار في سياسة الغطرسة وإخافة جيرانها من النووي؟!
السؤال ما قبل الأخير: أليسَ من الأفضل والأنجع لطهران التخلي عن مبدأ رفع لواء الشيعية السياسية، والعمل على جعل العرب الشيعة حزباً تابعاً لها… والسّعي إلى الوصول إلى حال استرخاء في المنطقة تؤسّس لتعاون اقتصادي إقليمي يشمل أنقره أيضاً، يُساهم في إنعاش اقتصادي يُطلق الطاقات الكامنة لشعوب المنطقة من خلال إطلاق مشاريع تنموية عملاقة تزيد من رفاهية الشعوب وتساهم في تقدّمها وتطوير إمكاناتها وإيجاد حالٍ من الاستقرار، الأمر الذي يسمح بتسريع النمو الاقتصادي وتفعيله بأشواطٍ كبيرة، وإيجاد تنينٍ يُضاهي التنين الصيني، بحكم كبر حجمه وتأثيره؟ السؤال الأخير: هل تحقيق ما جاء في السؤال ما قبل الأخير، حُلم ليلة صيف؟

 

أردوغان بين الأكراد و «داعش»
محمد علي فرحات/الحياة/29 تموز/15
مع التباعد بين «العدالة والتنمية» وسائر الأحزاب التركية في البرلمان الجديد، ليس أمام أحمد داود أوغلو سوى تأليف حكومة أقلية تقتصر على حزبه وتعجز عن نيل الثقة. بذلك يمهّد الطريق إلى انتخابات مبكّرة يراهن رجب طيب أردوغان على أن يحصد فيها غالبية عجز عن نيلها سابقاً، ويستند الرهان إلى استنهاض الوطنية التركية في مواجهة الأكراد، خصوصاً أكراد «حزب الشعوب الديموقراطي» و «حزب العمال الكردستاني» الذي تلطّخ بدم جنود أتراك. الانتخابات المبكّرة بعد حوالى ثلاثة أسابيع، ورهان أردوغان المبسط يهمل عاملاً طارئاً هو «داعش» الذي اخترق الإسلاميين، قاعدة أردوغان، ووجّه انتحارييه إلى أكراد تركيا بعد إخوتهم السوريين. فإذا نال أردوغان الغالبية، ستغرق تركيا في حرب جيشها وأكرادها، وإذا فشل سيكون «داعش» في الانتظار، لأن التنظيم الإرهابي لن يسمح باستقرار وطني تركي- كردي. وقد يصل به الأمر، كما لوّح أخيراً، إلى تفجير متاحف ومؤسسات سياحية، مكرراً جريمة فرعه التونسي الذي ضرب الدولة والمجتمع في مقتل. سيناريو القلق هذا يخفف التوقُّعات بأن تكون مشاركة تركيا في التحالف الدولي ضد «داعش» إضافة نوعية، فالحزب الحاكم في أنقرة الذي يرغب بإصابة عصافير كثيرة بحجر واحد، ستتراجع مشاركته في التحالف إلى مجرد مطار للإقلاع والهبوط (قاعدة انجرليك) وطائرات لن تضيف سوى كمّ لا نوع. نتذكّر هنا تشديد أنقرة على عدم المشاركة في أي حرب برية. والحال أن تركيا ومعها إيران وإسرائيل تضغط على المشرق العربي ومصر وبعض الخليج، بالطريقة التي تناسبها، ولكن، ما يجمع الدول الثلاث أنها دينية أو تطمح أن تكون كذلك: تركيا تجمع بين الدولة الأتاتوركية الحديثة والإسلام «الإخواني»، وهي تبرز الأتاتوركية أو الإسلام في الوقت والقضية المناسبين. وإيران تزاوج بين عصبيتها الفارسية وإسلامها الشيعي الذي لا يشعر بأقلّويته لغلبة الشيعة في إيران (حوالى 70 في المئة من السكان) لذلك لا يجد حرجاً في الطموح إلى قيادة عالم إسلامي، غالبيته الساحقة من السنّة. أما إسرائيل فتواصل طلاء دولتها بصبغة يهودية من دون أن تتخلى عن هيكلها الديموقراطي الغربي الذي أسسه الاشكيناز، لتبقى دولتهم نموذجاً غربياً على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط. لكن النخبة الإسرائيلية في الحكم والمعارضة ومؤسسة الجيش تعاني ضبابية في رؤية الخطر، حتى بعد انهيار المجتمع والدولة في العمق السوري والعراقي: الفلسطينيون مهيأون لقيامة مهما انحدرت بهم السبل، وخطر «داعش» متوقع في غزة، فضلاً عن إمارة سيناء الإرهابية، تلك المنذرة بتحديات لا تشبه أبداً تحدّيَي المقاومة الفلسطينية ووريثها «حزب الله». إسرائيل تملك وقتاً كافياً لاتخاذ القرار، فمشكلة المشرق محصورة الآن في حرب سورية وارتداداتها التركية. وفي السياق، المسألة الكردية التي بدأت تؤسس نقطة خلاف بين أنقرة وطهران. وسيتأكد الخلاف إذا نجح أردوغان في الانتخابات المبكرة وانصرف إلى «تأديب» أكراد تركيا سياسياً وأمنياً: وأول الكلام الإيراني الخلافي إعلان حسن روحاني أنه سيحمي السليمانية وأربيل ودهوك. لقد رأى الرئيس الإيراني دهوك ولم يرَ دمشق، لأن حمايته الأكراد رسالة مصالحة إلى كردستان الإيرانية وإلى الأميركيين أصدقاء الأكراد وشركائه في الاتفاق النووي. وإذا كان انهيار عرب المشرق أبرز قوة الثلاثي: إيران، تركيا، إسرائيل، فالواقع أنها قوة وهمية، فنحن أمام دول نصف دينية نصف حديثة، تفتقد روحانية الدين التي تختص بالفرد وأخلاقه وزهده، كما تفتقد الإحساس بضرورة القانون لحفظ المجتمع. وفي مثل هذه الدول النصف- نصف، لا يأمن أحد شطحات رجال الدين وضغطهم على السياسيين إلى حد الإخراج من الملّة أو التكفير، كما لا يأمن شطحات العلمانيين حين يميلون إلى الانقلاب العسكري وبناء مجتمع قائم على الأمر والنهي واحتقار التنوّع. وفي الأحوال كلها، تبدو انتخابات تركيا المبكّرة مفترقاً لنخبة أنقرة التركية والكردية، كما للنُّخب في إيران وإسرائيل.