بشير عبد الفتاح: توظيف إيراني لورقة الإرهاب في المفاوضات/نبيل بومنصف: قصاص لعين عادل/وسام سعادة: الاستهتار بالوقت دستورياً وصحياً وبيئياً: في أصل النجاسات

328

توظيف إيراني لورقة الإرهاب في المفاوضات
بشير عبد الفتاح/الحياة/27 تموز/15
من بين أوراقٍ شتى عمدت إيران إلى توظيفها خلال المفاوضات النووية مع السداسية الدولية، هرع المفاوض الإيراني إلى استغلال حالة الهوس الغربي والعربي بمحاربة الإرهاب الذي ضرب أطنابه في المنطقة، عبر إغراء المجتمع الدولي بدور حيوي وفاعل تضطلع به طهران في هذا الصدد، حال إتمام توقيع اتفاق نهائي يمهد السبيل لرفع العقوبات عن كاهل الجمهورية الإسلامية. فبادئ ذي بدء، انطلقت طهران تنفي أية صلة بالتورط في أية نشاطات إرهابية في المنطقة، معتبرة أن الإرهاب المنتشر حالياً في ربوعها إنما هو صنيعة أميركية بالأساس، لتصعيد حالة التخويف من الإسلام. وبالتوازي، طفقت طهران تقدم نفسها كفارس نبيل ومحارب شجاع يرنو إلى استئصال شأفة الإرهاب من جنبات المنطقة، حيث أكد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني أن الولايات المتحدة وقوى أخرى تتقاعس عن التصدي لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وإن إيران وحدها هي التي أخذت هذه المهمة على عاتقها، حيث أرسلت 1000 مستشار عسكري إلى العراق، إضافة إلى وحدة خاصة، كما نفذت عدداً من الهجمات الجوية ضد تنظيم «داعش» وأرسلت مساعدات عسكرية تقدر ببليون دولار.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك في طهران مع نظيره السوري جهاد اللحام مطلع الشهر الجاري، أعلن رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني أن بلاده دعمت على الدوام دول المنطقة في مسار محاربة الإرهاب، مؤكداً أنها اليوم تحارب الإرهاب في سورية والعراق من أجل مستقبل المنطقة والإنسانية جمعاء. وقبل أيام، أكد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف من فيينا، أن إبرام الاتفاق النووي النهائي بين بلاده والسداسية الدولية من شأنه أن يضع أساساً صلباً لتحالف دولي فاعل لمحاربة الإرهاب والتطرف في المنطقة.
وإبان مشاركته كضيف شرف، في قمتي منظمتي «بريكس» و»شنغهاي» الأخيرتين اللتين عقدتا قبل أيام في مدينة أوفا عاصمة جمهورية باشكيرستان، أکد الرئيس الإيراني حسن روحاني دور إيران والهند الحساس جداً في صون الاستقرار ومكافحة الإرهاب واجتثاث جذوره في المنطقة. وفي السياق ذاته، أجادت إيران تسويق دورها المثير في محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، خصوصاً بعدما ترددت واشنطن بادئ الأمر في قبول ذلك الدور على خلفية اتهام نظام الولي الفقيه بالضلوع في دعم الإرهاب في الشرق الأوسط ومساندة نظام بشار الأسد الدموي، لكنها سرعان ما تراجعت عن هذا الرفض وقبلت مرغمة بدور إيراني يلفه الغموض في محاربة «داعش».
لقد كان إصرار واشنطن بداية على استبعاد طهران من هذا التحالف، وهو ما بدأ يدفع طهران نحو تشكيل ما يشبه التحالف المضاد أو المعرقل مع كل من روسيا وسورية الأسد، وقد بدأت تتبنى الأطروحات الروسية ذاتها التي تعتبر أي تحرك عسكري في العراق وسورية بغير مظلة من القانون الدولي أو تفويض من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بمثابة عدوان على سيادة الدولتين وانتهاك صارخ للقانون الدولي بذريعة محاربة الإرهاب. وبينما اعتبرت طهران أن التحالف الدولي والهجمات الجوية سوف تشعل المنطقة، وصفت مؤتمر باريس، الذي التأم للتباحث بهذا الشأن ولم تدعَ إليه، بالمسرحية الهزلية. ثم جاء التنسيق الأميركي الإيراني في محاربة «داعش»، خصوصاً بعدما صادق الزعيم الروحي الإيراني آية الله علي خامنئي للجيش الإيراني على التعاون مع الولايات المتحدة في العراق وكردستان خلال تلك الحرب، كما طلب من الجنرال قاسم سليماني قائد قوات القدس، وهي وحدة خاصة في الحرس الثوري، التنسيق والعمل مع القوات التي تقاتل التنظيم بما في ذلك الولايات المتحدة، فيما أكد مسؤولون إيرانيون استعداد بلادهم للتعامل مع الأميركيين كما حدث سابقاً في العراق وأفغانستان.
وبينما أفادت تسريبات غربية بوجود تنسيق غربي سري مع إيران على صعيد العمل الميداني بالتوازي مع دور آخر معلن في التحالف الدولي ضد «داعش» يتجلى في قيام النظام الإيراني بتقديم الدعم والاستشارات لأكراد العراق في مواجهة مسلحي التنظيم الإرهابي، أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن تقريراً سنوياً صدر في آذار (مارس) الماضي عن الاستخبارات الوطنية الأميركية، استبعد إيران و»حزب الله» اللبناني من قائمة التحديات الإرهابية التي تواجه الولايات المتحدة. ومع تواتر المعلومات عن جهود حثيثة تبذلها القيادة الروسية هذه الأيام بغرض إقناع الرياض بتقبل الدور الإيراني في محاربة «داعش»، تستبد بكثير من العرب السُنة مخاوف من أن تكون مساعي تسويق مشاركة إيران في محاربة الإرهاب عقب توقيع الاتفاق النووي النهائي معها، مقدمة لتحالف إيراني مع القوى الكبرى يعزز مصالحها ويعظّم مكاسبها على حساب العرب والمسلمين السُنة، من خلال غض الطرف عن توسع النفوذ الإقليمي الإيراني وتأليب التجمعات الشيعية توطئة لتمكينها، حتى وإن كان الثمن وحدة دول المنطقة واستقرار شعوبها.

قصاص لعين… عادل!
نبيل بومنصف/النهار/27 تموز 2015

لم يعرف اللبنانيون، حكاما وسياسيين ومواطنين، تجربة لعينة “مدنية” في زمن السلم مثل ازمة النفايات الاخيرة ليس بواقعها البيئي والخدماتي البشع فحسب بل ببعدها المعنوي المذل. تكاد هذه الكارثة تمثل قصاصاً لصورة اللبنانيين الذين لا يخرج منهم ناج واحد من تبعاتها. ومن أسوأ ما يواكب أيامها القاتمة ان تساوى فيها الضحية والمسبب، والمسؤول السياسي والمواطن، حتى وُصمنا جميعاً بتلك الصورة التي لا تختلف أبداً عن أكوام “العطر” المنتشرة على امتداد مناطقنا. “انتشر” اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي يمعنون في ما يحترفونه بلغة الشتائم من كل العيارات المقذعة والمتهكمة والدونية في حق الطبقة السياسية والمسؤولين بعشوائية وتعميم حارق لا يرحم ولا يقيم خط تمييز بين مسؤول حقيقي وآخر منتهك لكل معايير المسؤولية وصولا الى قطع شريان الجنوب والاعتصام غضباً. بدا ذلك أبعد من ظاهرة شعب أحرقه الاهمال المديد والفساد الشره الذي لا يعرف حدوداً ولا توقفه روادع. بدا الامر أشبه بتعويض عن ثورة مستحيلة وقهر مزمن لا يجد متنفساً إلا بالشتيمة. ولكنه عكس كذلك سوء الطالع الذي يضع هذا المواطن – الناخب أمام أسوأ ما اقترفته إرادته، فأسلس القياد لطبقة استفاق يوماً ليكتشف انها إما متواطئة وفاسدة أو عاجزة مستسلمة وربما تكون قلة نادرة من اترابها ضحية مثله تماماً.في المقلب الآخر كاد المشهد يكون خيالياً وليس من هذا الواقع. ليس في العالم حقاً، حتى في العالم الثالث المتخلف اذا سلمنا بهذا التصنيف القائم، مسؤول وليس مسؤولاً سواء بسواء إلا في لبنان. تَرَكُوا الناس على قوارع النفايات والبهدلة والإذلال والخطر الصحي والبيئي اكثر من أسبوع ولم نفقه بعد ماذا يجري ولماذا اجتاحتنا القاذورات والقمامة وشوهت صورة البلد بهذا الشكل المسخ الى هذه الحدود وسط مسؤوليات ضائعة ومضيعة، معروفة ومجهولة، تماما كالمشهد المقزز وروائحه العفنة. كارثة متوارثة ومتراكمة بقديمها وحديثها هي أشبه بفضائح الكسارات والمقالع وكل المفاسد المصلحية الشرهة التي تضج بها اروقة الدولة ودوائرها ووزاراتها وإداراتها وبلدياتها المنتخبة أيضاً وايضاً، ثم النتيجة صفر مكعب في المسؤولية وتحديد المسؤولية والمسؤولين. اما المحاضرون في العفة فلم تعد تتسع لهم الشاشات والمنابر المفتوحة هي أيضاً على شتى أصناف غسل الذمم والايدي بغباء أو بتواطؤ أو بشهوة التنافس العشوائي. أي قصاص هذا لمجموع مكونات الرأي العام اللبناني الذي كان يتباهى بأنه الاكثر حيوية بين “نظرائه” في المنطقة، فاذا بنا في أسفل الدرك جميعا؟ ولكنه قصاص عادل لانه كشف فينا كل هذا الانهيار، فهل من يحدد لنا معنى “المسؤولية” في هذا الجحيم الفواح؟

 

الاستهتار بالوقت دستورياً وصحياً وبيئياً: في أصل النجاسات
وسام سعادة/المستقبل/27 تموز/15

عندما يُخاض في أمر قانون الانتخابات ينبغي عدم إغفال عامل الوقت. التصرّف كما لو أنّ المطلوب الاهتداء الى القانون الأفضل، لا يهمّ متى وكم من الوقت قبل الاستحقاق. فقد ظلّ يؤدي منذ نهاية الحرب، الى تداول المشاريع تفكّهاً، والمبارزة بين أكثرها تحديثية وبين أكثرها تمثيلية، ومحاولة أكل عقول الناس بالشطحات المبتكرة، الى ان يدهمنا الاستحقاق، فيعتمد أكثر القوانين اعتباطية، وأبعدها عن الدستور وعن المساواة بين الناخبين، وأقربها الى التقرير المسبق للنتيجة في معظم الدوائر. وتكرّر ذلك بشكل متفاوت خمس مرات بعد الحرب، الى ان أدّت هذه «العادة»، عادة الخوض في أمر قانون الانتخاب بشكل يستهون الجريان الزمني، ثم بشكل يستخدم الزمن كحجة ضاغطة لتمرير أي شيء، الى فساد العادة نفسها، وبعد أن اقترب الاستحقاق الانتخابي التشريعي قبل سنتين وليس ثمة من مشروع متفق عليه، وثمة التزام كابح بعدم العودة الى قانون الستين بأي شكل، وثمة انشطار حاد على خلفية مشروع «القانون الأرثوذكسي»، كانت النتيجة أنّ الاستحقاق نفسه طار، وتأجل الى الآن مرتين، والثالثة قادمة، والرابعة. ومع ان مسوّغ التمديد الذاتي للمجلس كان التمكن من اشباع مسألة القانون الانتخابي درساً، فمن الذي ما لا يزال أساساً يتذكره الآن؟ مشروع «قانون الانتخاب« ليس خبراً ولا حدثاً في الوقت الحالي، بعد أن قُتِلَ بحثاً!. انتخابات الرئاسة في الموازاة. ليس هناك طبعاً نص دستوريّ يقول بأنه على النواب انتخاب رئيس جمهورية تحت طائلة ابطال نيابتهم، لكن كل ما في الدستور واضح بأن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة وحامي الدستور ورمز وحدة البلاد وبالتالي لا يعقل أن ينتهي عهد ولم ينتخب الخلف، وكل ما في الدستور يعتبر أنه ليس هناك ما يتقدّم على انتخاب رئيس قبيل فراغ السدّة، وبشكل أكثر تشديداً في حال الشغور. مع ذلك كان طغيان فكرة عبثية وتعجيزية عن التوافق المطلق لانتخاب رئيس، واصرار مسوّقي هذه الفكرة على طرح اسم غير توافقي، وتعليق البلد على الاحتمال الصعب للتوافق المطلق على الاسم اللاتوافقي، والذي يعتبر الرئاسة اقطاعته بالفطرة، وغير المتبنى حتى بشكل جدي ممن يعجن الامور بهذا الشكل. وكان تطيير الجلسات النيابية عندما يكون الموضوع انتخاب الرئيس، والايذان بعقدها عندما يتعلق بالتجديد الذاتي للمجلس أو غير ذلك من الأمور. كل هذا هو من تبعات الكارثة الذهنية نفسها، المتمثلة في جعل التفاوض السياسي – والنظام اللبناني يقوم بالفعل على مقدار كبير من التفاوض بين الجماعات وبين العواصم -، غير مرهون بأمد، بما في ذلك المواقيت المحددة دستورياً، وما الدستور أساساً غير تلك المواقيت واحترامها؟.

الأمر نفسه يطرح بشكل آخر في موضوع النفايات. هنا المسألة لا تحتمل سنتي تمديد كما حصل للمجلس أو سنة وبضعة أشهر شغور كما حصل للرئاسة – والحبل على الجرار في الحالتين. هنا الموضوع يستفحل ساعة بساعة، ليس لأن انتخاب رئيس واقرار قانون انتخاب وانتخاب مجلس جديد موضوعات غير مهمة قياساً على موضوع النفايات كما يروّج بعض الفطاحل، بل لأنه جرى اعتماد القاعدة نفسها: طرح موضوع بصرف النظر عن عامل الوقت المحدد لمعالجة النافر وما لا طاقة للناس على تحمله. والموضوع هذه المرة يجسّد عامل الوقت بامتياز: فالزبالة بعد ساعة ليست نفسها بعد ساعتين، كماً ونوعاً وايذاء لصحة الناس والبيئة المحيطة. لا يمكن أن تؤجّل تجميع النفايات من الشوارع الى ان يتم التوصل الى أفضل حل بيئي ممكن، وبصرف النظر عن النسبية الزمنية لهذا الممكن. عبثي القول أنه ينبغي أخذ هذه النفايات المتراكمة مناسبة لاعادة انتاج لبنان أخضر مئة بالمئة، وعدم السماح لـ»هم» بتمييع القضية، وتضييع المناسبة. نعم صحيح: الحلول المطروحة عقيمة وترقيعية، لكن أولاً يبعد عن المواطنين الضرر المباشر الواقع عليهم بيئياً وصحياً، ثم يفتح الباب لصراع بيئي ممتد. «الغيرة على المناسبة» لدى بعض حركات «المجتمع المدني» شكل من أشكال التلوث الذهني. التضحية بالمناسبة وعدم الاستهتار بعالم الوقت كثيراً ما يكونان من علامات الرشد والجذرية الحقة في التعاطي، سياسياً كان أو مدنياً.

والسياسة، بيئية كانت أم غير بيئية، ليست «فن الممكن» بالمطلق، ليست فن الممكن غير المرهون بزمان، وليست أيضاً فن التهويل بالزمان لاقرار أي شيء أو طمر أي شيء، وانما للوقت قيمته. السياسة هي معرفة كيفية التعامل مع الوقت. وقت النفايات هو وقت بيئي – صحي – اجتماعي بالدرجة الأولى. وقت المؤسسات السياسية هو وقت دستوريّ أولاً. طرح الأمور دائماً كما لو انه ينبغي البحث عن حل النفايات في مجتمع المدينة الفاضلة، وعن رئيس وبرلمان المدينة الفاضلة، هو طرح عبثي ومدمّر. عندما تقرّر أمراً تقرّره في وقت محدّد. معنى ذلك أنه لديك وقتاً محدّداً للتداول في كل أمر، ومنه ما يتحدّد نصياً، كالدساتير والقوانين، ومنها ما يتحدّد عينياً: ترفع الضرر المباشر بسرعة، ولا تجعل الضرر المباشرة «مناسبة لتصحيح كل خلل». استبقاء النجاسات طمعاً في الطهارة الكاملة هو في أصل كل النجاسات.