إيلـي فــواز: المعجزة اللبنانية//صالح القلاب: اتفاق النووي.. كالسم الذي تجرعه الخميني عام 1988

277

اتفاق النووي.. كالسم الذي تجرعه الخميني عام 1988
صالح القلاب/الشرق الأوسط/23 تموز/15

لا قيمة إطلاقًا لاعتراض قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري وبعض أعضاء البرلمان على الاتفاق النووي الأخير بين إيران ومجموعة (5+1) ومن بينها الولايات المتحدة، فالقرار الحقيقي الذي لا اعتراض عليه والذي تنحني أمامه حتى الرؤوس المعممة الكبيرة هو قرار مرشد الثورة والولي الفقيه علي خامنئي الذي تجرع هذا «الاتفاق» كما تجرع الخميني في عام 1988 قرار وقف إطلاق النار مع العراق بعد حرب استمرت لثمانية أعوام الذي كان وصفه بأنه كتجرع السم الزعاف. ربما أن أصحاب الرؤوس الحامية في الحرس الثوري وفي البرلمان وفي بعض المواقع الأخرى ومن بينهم محمد علي جعفري وقاسم سليماني كانوا يراهنون على امتلاك إيران للقنبلة الذرية لتصبح ضمن منظومة الدول العظمى والكبرى، أو على الأقل في مستوى الهند وباكستان وإسرائيل، لكنهم في النهاية وقد تجرع مرشد الثورة السم الزعاف وقبِل بهذا الحل «الأعرج» مرغمًا بعد مماطلات ومناورات وألاعيب سنوات طويلة فإنهم لا يملكون إلا طأطأة رؤوسهم خاصة أنهم يعرفون أن «العين بصيرة لكن اليد قصيرة» وأنه لم يعد أمام طهران إلا التخلي عن حلم جميل تحول مع طول الوقت وبعد اشتداد وطأة العقوبات الدولية إلى كوابيس مرعبة. إنه لا شك في أن مرشد الثورة علي خامنئي قد قبل بهذا الاتفاق على مضض ومرغمًا وأنه تجرعه كتجرع السم الزعاف لكن ما من المفترض أن يفهمه ويدركه الطرف الآخر، الذي هو مجموعة 5+1 بقيادة الولايات المتحدة، والذي يجب أن نفهمه نحن العرب الذين من المؤكد أننا ندفع الثمن في الحالتين: «إن امتلك الإيرانيون السلاح النووي أو إنْ أُعطوا كبديل جائزة ترضية هي إطلاق يدهم في المنطقة العربية» هو أن إيران لن تتخلى عن هذا المشروع، مشروع امتلاك القنبلة الذرية لا بعد عشرة أعوام ولا عشرين عامًا أو نصف قرن أو مائة عام، فهي سعت وستبقى تسعى لأن تصبح صاحبة القرار الأول والأخير في الشرق الأوسط كله وسواءً أطال الزمان أم قصُر وهذا يتطلب حسب قناعاتها امتلاك القنبلة النووية.

إنها مجرد مكابرة أن يصف علي خامنئي هذا الاتفاق، مثله مثل باراك أوباما بالضبط، بأنه إنجاز تاريخي والدليل هو أنه كان قد اعتبر مشروع إيران النووي ذات يوم غير بعيد بأنه مقدسٌّ وأنه لن يسمح بالمسِّ به أو التراجع عنه لكن ها هو قد تراجع عن هذا المشروع وإنْ مؤقتًا ولعشرة أعوام فقط وهذا لا يمكن فهمه إلا على أن إيران قد أصبحت تعاني من أوضاع اقتصادية لا تطاق وأنها اقتربت فعلاً من لحظة الانهيار خاصة أنها حمَّلت نفسها أعباء تمددها في المنطقة وبالتالي فإنه لم يعد أمام مرشدها إلا أن يتجرع السم الزعاف كما تجرعه الخميني في 8-8-1988. ثم إنها مجرد مكابرة فارغة أيضًا أن يقول علي خامنئي إن موقف بلاده، إيران، من أميركا لم يتغير رغم توقيعها على هذا الاتفاق (الإنجاز التاريخي)!! فالحقيقة أن موقفه وموقف بلاده من الولايات المتحدة ومن إدارة باراك أوباما قد تغير منذ لحظة صعود الدخان الأبيض من قصر المؤتمرات في فيينا فاصطلاح: «الشيطان الأكبر» قد ولَّى وهو قد لا يعود أبدًا وطهران التي «نشف ريقها» وهي تطارد سراب الحصول على القنبلة النووية بادرت إلى إعادة ترميم فنادقها لاستقبال المستثمرين الغربيين الذين سارعوا ومنذ الآن إلى رفع شعار: «وداعًا للفلافل نعم للهامبورغر» حسب إحدى الصحف البريطانية.

إنه ليس من حق علي خامنئي أن يصف اتفاق النووي الأخير بأنه: «إنجاز تاريخي» فهو في الحقيقة قد تجرعه كتجرع السم الزعاف أما بالنسبة للرئيس الأميركي المغادر بعد 18 شهرًا فإنه لا يملك إلا أن يصف هذا الاتفاق بهذا الوصف لأنه أولاً لم يحقق خلال ولايته، الأولى والثانية، أي إنجاز خارجي على الصعيد الدولي غيره ثم لأنه ثانيًا أراد جذب الصوت اليهودي بل والتأثير اليهودي في اتجاه حزبه، الحزب الديمقراطي، في الانتخابات التي باتت واقعيًا على الأبواب. وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أنها كذبة بحجم الكرة الأرضية أن يقول باراك أوباما إن الولايات المتحدة حتى بعد توقيع هذا الاتفاق لم تتخل عن «خيار» استخدام القوة العسكرية ضد إيران، فالحقيقة التي يعرفها هذا الرئيس المغادر، كما يعرف اسمه وأسماء ابنتيه وزوجته، هي أن الولايات المتحدة قد تخلت عن خيار استخدام القوة العسكرية منذ أن لحقت بها هزيمة صحراء لوط المخزية عندما حاول الرئيس الديمقراطي الأسبق جيمي كارتر عرض عضلاته، وهو ذاهب إلى الانتخابات الرئاسية في عام 1980، وتحرير رهائن السفارة الأميركية في طهران الذين كان قد قاد عملية احتجازهم ولفترة طويلة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عندما كان في ذروة تشدده ومراهقته السياسية.

إنه لا يوجد أسوأ من هذه الظروف التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للمصالح الاستراتيجية الأميركية ثم إن المعروف أن الولايات المتحدة قد واجهت الكثير من التحديات التي لا تزال تواجهها إنْ في هذه المنطقة وإنْ على مدى العالم كله وإنها قد أهينت في عهد هذه الإدارة الديمقراطية مرات عدة ولا تزال تهان لكنها ورغم هذا كله قد بقيت تلوذ بصبر كصبر أيوب عليه السلام وإنها بقيت تعض على الجرح وتتمتع بصبر بلا حدود ولذلك فإنه لا يستطيع حتى الإنسان البريء إلا أن يقهقه بصوت صاخب مرتفع عندما يسمع باراك يقول إن أميركا لم تتخل عن خيار استخدام القوة العسكرية ضد إيران حتى بعد توقيع الاتفاق النووي الآنف الذكر. ثم وبالعودة إلى مرشد الثورة علي خامنئي ووصفه للاتفاق النووي، الذي تجرعه كتجرع السم الزعاف وتحت ضغط «هاجس» انهيار نظام كان أقحم إيران في حرب مدمرة استمرت لعشرة أعوام وفي تدخلات سافرة في الكثير من الدول العربية المجاورة والمتاخمة، بأنه: «إنجاز تاريخي»، فقد كان عليه أن يتمسك بضرورة إخلاء الشرق الأوسط كله من الأسلحة النووية حتى بما في ذلك السلاح النووي الإسرائيلي، وحقيقة إن هذا مطلب حق لو أنه تمكن من إلزام الأوروبيين والأميركيين به لكان حقق إنجازًا تاريخيًا فعليًا ولكان كرس جمهورية إيران الإسلامية كرقم صعب في معادلة هذه المنطقة وفي المعادلة الكونية بأسرها. إنَّ هذه المسألة لا شك في أنها أحاطت إيران، النظام بالطبع، بالكثير من دوائر الشبهات والتساؤلات أما المسألة الأخرى التي هي أن مرشد الثورة، الذي تجرع الاتفاقية الأخيرة كتجرع الخميني للسم الزعاف في عام 1988، بدل أن «يهرب» من هذه الاتفاقية، التي لم تكن بالنسبة للإيرانيين «إنجازًا تاريخيًا» على الإطلاق، بالانفتاح على أشقائه العرب ووضع حدٍّ للتدخل في شؤونهم الداخلية بادر إلى التأكيد على استمرار تمدد بلده في العراق وسوريا واليمن وتدخلها السافر في مملكة البحرين وهذا يدل على الضعف وليس على القوة ولا يمكن تشبيهه إلا بذلك الرجل الذي لا يجد ما يعوض به خوفه من الرجال إلا الانتقام من أهل بيته وزوجته وأطفاله.

إنه كان على مرشد الثورة بعد توقيع هذه الاتفاقية المذلة التي ستبقى تحد من طموحات إيران، حتى الطموحات المشروعة، لعشرات الأعوام أن ينفتح على أشقائه العرب وأن يكف نهائيًا عن كل هذه المشاريع الخيالية، التي أفقرت دولة من المفترض أنها أقوى دول هذه المنطقة وأغناها اقتصاديًا، وأن يوجه الجهود كلها إلى الداخل لتخليص الشعب الإيراني من التخلف والأوضاع المعيشية المتردية ومن التخلف واللهاث وراء المسيرة الحضارية المندفعة بقوة نحو مستقبل لا تزال بين الإيرانيين وبينه فراسخ فعلية كثيرة.

المعجزة اللبنانية
إيلـي فــواز/لبنان أولاً/22 تموز/15

لطالما سمعنا نحن اللبنانيون كلاماً تناوله بعض السياسيين، أو صدر عن بعض المثقفين في لحظاتهم الشوفينية، او نشرته بعض الكتب او المقالات عن “المعجزة اللبنانية”، تلك المعجزة التي نشأ عليها معظمنا؛ وألصقت صورة لبنان بأسطورة طائر الفينيق الجميل الذي لا ينفك يموت ليعود من رماده مجدداً مفعماً بالحياة. لا شك ان اللبناني يملك تلك الامكانية للتكيف مع كل الظروف التي يواجهها، وحتى له من الحيلة اختراع انماط حياة تتناسب وحراجة الظروف التي يعيشها بانتظار الأفضل. ولكن مع كل محنة يمر بها “الفينيقيون”، ومع كل قيامة يختبرونها يخسر البلد من رصيده وامكانياته البشرية التي تهاجر خائبة. فالمعجزة اللبنانية للاسف لا تشبه المعجزة اليابانية مثلاً، والتي تحولت بعد الحرب العالمية الثانية – وبمساعدة الولايات المتحدة طبعاً- الى مجتمع منتج ومتطور علمياً وتقنياً، ليصبح من اقوى اقتصادات العالم. قد يصعب ايجاد سبب واحد لعجز اللبنانيين تحويل لبنان الى دولة مستقرة، او حتى ايجاز مشاكل تلك “المعجزة” التي ظلت تدور في فلك الاسطورة بمقال. لكن ثمة ملاحظتين صغيرتين قد تساعدا على فهم بسيط لحاضرنا البائس.

كان النقاش بين المكونات اللبنانية قبل الاستقلال يدور حول من يقود هذا البلد وليس كيف “نقوده” على اية اسس وأية مبادئ، ليفضي في نهاية المطاف الى الاستثناء الماروني، المبني اساساً على الخوف من الذوبان في المحيط الاسلامي الواسع الذي اصبح ركيزة للحكم والعمل السياسي والنهج الاقتصادي في لبنان. الاستثناء الماروني، مهما كانت اسبابه، انتقص من فكرة الدولة العادلة لجميع ابنائها، وأصبحت الطائفية تتقدم على المواطنة لا بل تلغيها في بعض الحالات. وصار هناك استغلال للشعور الطائفي الطاغي من قبل زعامات وأحزاب لم تفتش يوماً عن العمل للصالح العام. هذا الوضع افضى الى ازمات دموية بين المكونات اللبنانية، كما في العام 1958 و العام 1975، والعام 1991. بعد العام 1991 دخلنا عصر “الاستثناء الشيعي”، الذي هو الاخر، ممثلاً برئيس مجلس النواب نبيه بري في مرحلة اولى وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في مرحلة لاحقة، انتقص مجدداً من فكرة دولة الطائف، واصبحت الدولة وسيلة لتثبيت الزعامات، فمن فائض التوظيف، الى قوننة الفساد، وصولا بعد الانسحاب السوري الى تقويض الدولة والغائها. و ها نحن اليوم نقف مجددا على اعتاب حرب اهلية اخرى. على الصعيد الخاص لم ينجح المجتمع اللبناني بتثبيت نهج يقوم على الجدارة، فنادرا ما وجدنا الرجل المناسب في المكان المناسب. وكانت الوساطة هي السبيل الانتزاع وظيفة ما او تحصيل حق ما. حتى في القطاع الخاص كانت القاعدة تفتي بالتحايل على القانون والتهرب من دفع الضريبة. فكان الفساد و ما زال سيد الموقف. لكل من هذه الاعمال مهما كانت صغيرة عامة كانت او خاصة، عاقبة ندفع ثمنها جميعا. لذا لبنان ينتقل من ازمة الى اخرى من دون ان يكون لمعاناته حلاً، طالما النهج العام والخاص لم يتبدلا. فمشاكل الماضي صدى لمشاكل الحاضر. تسمع اللبنانيون يرددون اليوم ما قاله ابائهم بالامس: “ما في قانون”، “بلد طائفي”, “زعران حاكمينا”….تاريخنا ندور في حلقة فارغة. الجدير بالذكر انه  على مدى سنين الاستقلال اللبناني الهش عرف لبنان محاولتين لبناء الدولة قام بها الرئيس فؤاد شهاب من منظار مؤسساتي، والرئيس رفيق الحريري من منظار اقتصادي. اليوم لم يعد للدولة اية هيبة، ولم يعد القانون يخيف من يتطاول عليه. لذا نشهد كل يوم على الانهيار الاخلاقي السريع للمجتمع.  التفلت بات سمة ايامنا بكل اشكاله. مؤسساتنا افلست، اقتصادنا ينهار؛ امننا مباح. والناس تفتش عن هجرة تحمي كرامتها الانسانية. لم تعد الناس تؤمن “بالمعجزة اللبنانية”. يبقى ان ما يحصل لنا ليس صدفة، ولم يأت من عدم. انه تراكم لعقود من الممارسات الخاطئة. ولا عجب لأن هذه البلد “اشبه برجل جاهل، بنى بيته على الرمل فنزل المطر، وجاءت الأنهار، وهبت الرياح، وصدمت ذلك البيت فسقط، وكان سقوطه عظيما…”