هدى شديد: معادلة النووي بدأت تفرض متغيّراتها داخلياً/مجموعة الأزمات عن لبنان: الدولة تنحلّ في شكل بطيء/غسان حجار: مواصفات الرئيس العتيد للجمهورية

278

معادلة النووي بدأت تفرض متغيّراتها داخلياً والتصعيد مفتوح حتى تعطيل الحكومة وفرطها؟
هدى شديد/النهار/21 تموز 2015
ما بعد الاتفاق النووي لم يعد كما قبله. وأول ترجمة للمعادلة الجديدة ستكون بتعطيل الحكومة تمهيداً لجعل مؤسسات الدولة الثلاث موحّدة في المسار التعطيلي كما في المصير الإنقاذي المعلّق حتى إشعار آخر. المعلومات المتقاطعة من اكثر من مصدر تشير الى ان الحكومة قد تعطلت، حتى وان لم يعلن ذلك في انتظار تبلور خريطة تقاسم النفوذ الاميركي – الإيراني في المنطقة، ومنها لبنان. فماذا سيحصل في جلسة مجلس الوزراء هذا الخميس؟ وما مصير مرسوم فتح الدورة الاستثنائية؟ يتكتم “التيار الوطني الحر” على موقفه الذي يحمله الى الجلسة، مدعوماً في الخلفية من حلفائه “حزب الله” و”المردة” والطاشناق. وهو في الشكل لن يقبل الا بالبحث في آلية عمل الحكومة في ظل الشغور الرئاسي، كما لن يقبل بأي آلية إذا لم يكن لمكوّن أساسي واحد فيها الحقّ في الموافقة على عرض اي موضوع. ويعتبر المقرّبون من الرابية انه لن تنفع في كل مرة محاولة الفريق الآخر اخراج “أرنب من سلٰته” بهدف الضغط لاعادة تفعيل الحكومة وقراراتها ، اذا لم يتمّ الاتفاق اولاً على الآلية. أما ملف النفايات الذي يطرح، فمن وجهة نظر “التيار” وحليفه “حزب الله” لا يحتاج الى قرار جديد في مجلس الوزراء، وان لدى وزير البيئة محمد المشنوق ما يكفي من القرارات المتخذة في هذا الملف وما عليه سوى تطبيقها. ويدرك هذا الفريق ان مقاربة العمل الحكومي التي يطرحها يمكن ان تتحوٰل ورقة قوّة بيد الفريق الآخر المعترض على اجراء التعيينات الامنية قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وان تكون اداة لتعطيل مطلبهم بإجراء هذه التعيينات، والذهاب تالياً الى التمديد التلقائي للقيادات الموجودة، بقرار من وزير الدفاع خارج مجلس الوزراء. فهم يتحوّطون لذلك، ويقولون انهم مستعدون للذهاب الى حد ّ محاكمة وزير الدفاع امام محكمة الرؤساء والوزراء على تفرّده بقرار بهذا المستوى، لم يقدر مجلس الوزراء على القيام به مجتمعاً.
وفي موضوع فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، علم من مصادر هذا الفريق ان العمل جارٍ لإيجاد مخرج، من خلال التعهٰد بوضع اقتراح قانون يتعلّق بحق المغتربين في استعادة الجنسية، واقتراح قانون آخر انتخابي، من اجل المضي بتوقيع مرسوم فتح الدورة، وهذا التعهّد الذي يعمل على تأمينه حزب الله باتصالاته مع “تيار المستقبل” باعتباره مع حلفائه في ١٤ آذار هم من يملك القدرة على القرار في هيئة مكتب مجلس النواب. وحتى هذه الساعة، لم يعط “المستقبل” موافقته. هذه المواجهة غير المعلنة في الحكومة كما في المجلس، قرأها مصدر مطلع في الرابع عشر من آذار، خلافاً للاقتناع السائد في محيطه، انطلاقاً من معادلة الاتفاق النووي، التي تجعل الحكومة في وضع صعب ومعقَّد في الشكل. فالفريق الرابح في خريطة توزٰع النفوذ في الإنفاق مع الغرب، والتي تحيّد دول الخليج، وتحفظ للولايات المتحدة نفوذها في المنطقة الى جانب ايران، لن يقبل بحكومة ليس له فيها سوى وزيرين أحدهما للصناعة والآخر لشؤون مجلس النواب. فهذه الحكومة لم تعد تتلاءم ونفوذ “حزب الله”، والأمور لم تعد تتلاءم مع ما يريد، ولذلك يتوقّع ان يمضي وراء العماد ميشال عون في عملية تصعيد مفتوحة، لأسباب داخلية وخارجية، عنوانها المطالب المسيحية في الظاهر، فيما المطلوب إعادة توزيع نفوذ جديد في المعادلة الحكومية. من هنا لا يستبعد المصدر المواكب للاتصالات الجارية، أن يعمد “حزب الله” مع حلفائه الى حلّ مشكلة الحكومة بتعطيل آلية عملها، تمهيداً لفرطها وتحويلها حكومة تصريف اعمال، ومصير مرسوم فتح الدورة سيكون مرتبطاً بالتعطيل الحكومي. كما لا يستبعد المزيد من شدّ الحبال وتأزم الوضع السياسي، اذ ان ديناميكية جديدة قد بدأت ترتسم في المنطقة ولبنان جزء منها، والأمور ستشهد تغيرات سريعة، بدءاً من الحكومة. وما بعد الاتفاق النووي لن يبقى كما قبله، فالتحولات لم تبدأ معه بل منذ آخر بيان أميركي يندّد بتدخّل “حزب الله” في سوريا، ومنذ آخر موقف تصعيدي لـ”حزب الله” ضد “القوات اللبنانية”، والموقفان لم يعد احد يتذكّرهما، لأن مفاعيل الاتفاق النووي بدأت منذ زمن وقبل ان يوقٰع.
وماذا عن معادلة ما بعد تعطيل كل المؤسسات الدستورية في لبنان؟ إنه المؤتمر التأسيسي الذي ينكر في العلن ويعمل له في السر، يقول المصدر، والعين على الفريق الذي ربح في الاتفاق مع الغرب وسيعمل لترجمة نفوذه سياسياً على الارض.

مجموعة الأزمات” عن لبنان: الدولة تنحلّ في شكل بطيء و… أكيد انخراط “حزب الله” في دور إقليمي عمّق الانقسام الطائفي
النهار/21 تموز/15

“يحافظ لبنان على وجوده بفضل جهازه المناعي الاستثنائي. غير أن هذه القدرة على البقاء تحوّلت ذريعة لتعطيل طبقته السياسية وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار البلاد”. هذا الاستنتاج وغيره، شكّل مادة تقرير “مجموعة الازمات الدولية” عن لبنان والذي صدر امس متضمناً “جردة” لتداعيات الصراع السوري والانفتاح على ايران على الواقع اللبناني، ودعا الى اتخاذ خطوات ملموسة تخفف التوتر، محذرا من “الانحلال البطيء والأكيد للدولة”. وإذ نبه إلى حالات الاستقطاب والارباك التي تعيشها الطوائف، طالب بإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية من دون انتظار تدخل خارجي. ومما جاء فيه:
“أخفقت الأطراف التي تخشى انهيار التوازن السياسي الهش في انتخاب رئيس أو تمكين رئيس الوزراء من الحكم، وفضّلت الشلل على أي خيار تعتقد أن من شأنه إحداث تغيير عميق في الوضع. يفرز الصراع في سوريا كل أنواع المشاكل، القديمة منها والجديدة والتي، على المدى البعيد، ستحمل كل احتمالات زعزعة الاستقرار. وعلى رغم أن هذا الوضع يتطلب التصدّي له على نحو عاجل، الا انه من غير الواقعي توقُّع اتخاذ تدابير جريئة. غير أنه يمكن السياسيين – بل يجب عليهم- أن يتّخذوا خطوات ملموسة من شأنها أن تخفّف حدة التوترات في انتظار الاعوام التي قد تستغرقها تسوية الصراع في سوريا.
يستمر لبنان في “أداء وظائفه” في احتواء أزمة تتوالى فصولها ببطء، وإجراءات أمنية ينتج منها استقطاب متزايد وترتيبات غير رسمية بين الخصوم يتوقَّع منها التعويض عن غياب رئيس الجمهورية، وسلطة تنفيذية فاعلة، وجهاز قضائي مستقل، ورؤية اقتصادية، وسياسة لمعالجة شؤون اللاجئين. وفي حين يستمر في الصمود أمام التهديد والضغوط الخارجية، فإنه منغمس في هذا التحدّي المرهق الى درجة يسمح فيها لنفسه بالتردّي والانحلال على نحو بطيء لكن أكيد.
ثمة عوامل تعمل لمصلحة لبنان، فقد توقف عن كونه حلبة رئيسية لمحاولات تغيير موازين القوى الإقليمية. حلّ محلّه كل من سوريا، والعراق، واليمن وليبيا (إضافة إلى فلسطين). القوة العسكرية والتنظيمية الكبيرة التي يتمتع بها “حزب الله” منعت أي محاولة لتحدّيه. ولا تزال الذكريات المريرة للحرب الأهلية تشكّل تحصيناً للدولة والمجتمع ضد الانخراط مرة أخرى في صراع داخلي جدّي.
إلاّ أن الديناميكيات التي تشهدها البلاد تشبه على نحو غريب تلك التي سبقت الحرب الأهلية. فقد عادت ثقافة الميليشيات، التي سادت في الماضي (…) إلى الظهور. والفوارق الاجتماعية والاقتصادية القديمة باتت أكثر عمقاً. وتدفُّق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين يعيد إلى الأذهان الموجة السابقة من اللاجئين الفلسطينيين، الذين أدى رفضهم من شرائح واسعة من المجتمع وما تلا ذلك من تسييس لقضيتهم، إلى تحوّل ما كان في البداية مبعث قلق تهديدا رئيسيا للأمن. انخراط “حزب الله” في دور إقليمي أدى إلى تعميق الانقسام الطائفي (…) ويشهد الجيش المؤسسة العابرة للطوائف والتي تعتبر العمود الفقري لما تبقّى من الدولة، حالة استقطاب متزايد.
وثمة مصدر آخر للقلق يتمثل في الإرباك غير المسبوق الذي تشهده الطائفة السنيّة، إلى جانب الشيعة والمسيحيين. يعكس خطاب قيادتها المفترَضة والمتمثلة في “تيار المستقبل”، الإحباطات المتنامية لقواعدها، بينما تخفق في مخاطبة هذه القواعد في شكل فاعل. ونظراً الى تراجع اهتمامها وانخراطها في مخاوف القواعد ومشكلاتها، بات المجال متاحا امام تيارات متنافسة، بعضها متطرّف أو حتى عنيف، لتمثيل هذه الطائفة التائهة، والمنقسمة والغاضبة، والمصابة بالذهول من قوة عزيمة “حزب الله”، وتطور الموقف الأميركي حيال إيران والعنف المستمر ضد السنّة على أيدي النظامين في سوريا والعراق. في المقابل، فإن تحوّل الطائفة التدريجي نحو مواقف أكثر راديكالية، الأمر الذي يثير مخاوف وجودية من الأصولية السنية لدى الجماعات الأخرى، يساهم في تنامي الدعم الذي يحظى به “حزب الله”، بصرف النظر عن كلفة الصراع المتصاعد. كما أن إحجام الجيش عن التصدّي للنشاط الشيعي العسكري، وقت يقوم بقمع مثيله السني، كونه يشكّل خطراً أكثر إلحاحاً، يساهم في تعميق الانقسام.
الطبقة السياسية، التي نمت وتغذّت على الصراعات، عازمة على الاكتفاء باحتواء الأزمة، وتفضّل تحاشي حدوث مواجهة دموية تعرف تماماً أنه لا يمكن الانتصار فيها وأنها ستكون مكلفة للجميع. وفي حين تشكل الاتفاقات المحلية غير الرسمية التي عقدتها بدائل موقتة فاعلة، فهي تساعد في المحافظة على الوضع الراهن وفي الوقت ذاته، في تآكله تدريجاً (…). من المرجح أن يفاقم سوء الإدارة، مصحوباً بالسياسات غير الديموقراطية وغير الدستورية، المشكلات الى درجة يصبح فيها التغيير الجذري الوسيلة الوحيدة لمعالجة هذه المشكلات. من مصلحة الطبقة السياسية الانتهازية تأجيل تلك اللحظة، لكن المفارقة هي أن ذلك يمكن أن يشكل أيضاً دافعاً يمكن تحويله لمصلحة البلاد، إذا سمح الوقت والظروف الإقليمية بذلك (…) تشمل الخطوات الصغيرة لكن البناءة التي يمكن اتخاذها إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية التي تأخر إجراؤها كثيراً، من دون انتظار تدخل خارجي لتحديد نتائجها، كما كانت الحال تاريخياً أو كذريعة تستخدم للتأجيل، وتبنّي سياسة حيال اللاجئين السوريين تقلّص التهديدات الأمنية وتطبيق محاكمات قضائية عادلة للسجناء الإسلاميين وإخضاع عناصر الأمن للمساءلة عن الانتهاكات التي تتم ممارستها ضد السجناء، واللاجئين والمجموعات الضعيفة الأخرى. إذا أخفقت الطبقة السياسية والآخرون الذين يمكنهم التأثير في المسار في اتخاذ خطوات مماثلة فإن البلاد لن تنجح إلاّ في تجاوز الحالات الطارئة التي تواجهها في الوقت الحاضر على حساب رهنها لمستقبلها”.

مواصفات الرئيس العتيد للجمهورية
غسان حجار/النهار/21 تموز/15
أما وقد بدأت مسيرة البحث عن رئيس جديد للجمهورية، برعاية فاتيكانية، وبالتنسيق مع عواصم القرار، فان ثمة دفاتر شروط ومواصفات وضعها أو سيضعها معظم المؤثرين في القرار اللبناني أو المعنيين بهذا الشأن، تمهيدا للتوافق على الاسم الذي ربما تبدأ دوائر القرار الترويج له في وقت قريب. يقول متابعون ان ثمة بحثاً جدياً، ومساعي عملية، باشرها الفاتيكان قبل مدة بعيدا من الاضواء، ويسعى الكرسي الرسولي إلى الإفادة من اجواء الاتفاق النووي، ومن التوافق الدولي حول حماية استقرار لبنان، للوصول إلى اتفاق يحمي هذا البلد بما هو نقطة التقاء، ومركز انطلاق لمصالح ونشاطات عبر المنطقة تفيد منه الدول والأجهزة والشركات والمنظمات الدولية، ولحماية ما تبقى من الوجود المسيحي في منطقة مهد المسيح بعد تهجير طال مسيحيّي العراق وسوريا اخيراً. وينظر المسؤولون في الفاتيكان بقلق إلى الطريقة التي يعتمدها المسؤولون المسيحيون في لبنان في مجمل الملفات، لكنهم يتفهّمون ذلك والضبابية التي تغلف معظم ملفات المنطقة. من هنا يقدّرون حجم الضياع الذي لا يستثني احداً. لكن الديبلوماسية الفاتيكانية، المعروفة ببعدها التام عن الاعلام في الملفات السياسية، تتابع من كثب الشأن اللبناني. وهي تعرض بخجل رؤيتها لمواصفات الرئيس المقبل، وتسعى لكسب التأييد حيالها، كمقدمة لطرح الاسماء التي ينطبق عليها دفتر الشروط. وربما يكون احد الكرادلة يخفي في أكمامه اسماً أو اسماء يرى انها تنطبق على الرؤية الرومانية. ما هي تلك المواصفات؟
أولاً: ألا تكون للرئيس المقبل عداوات كبيرة وبالتالي ليس من فيتوات حادة عليه. وبهذا المنطق يجب ألا يسجل وصوله تحدياً لفريق، أو انتصاراً لفريق على آخر. وبهذا المنطق يفضل ألا يكون من صقور 14 أو 8 آذار، وإن كان منتمياً بالفكر والتعاطف والتأييد، تماماً مثل رئيس الحكومة تمّام سلام. ثانياً: ألا يكون اسمه مرتبطاً بالفساد المستشري في مفاصل الدولة اللبنانية، لأن الرئيس الفاسد يكون مرتهناً مسبقاً لكل مَن شاركه الفساد ولطبقة من السياسيين والاداريين والامنيين والاعلاميين الذين يمكن ان يشكّلوا ضغطاً أو عبئاً عليه. ثالثاً: ان يحظى برضى كنسي أو بالاحرى عدم رفض مسيحي، لأن الرضى يمكن ان يكون كرة ثلج تكبر يوماً بيوم إذا ما توافر الغطاء الكنسي الأعلى له، والذي يمكن أن ينسكب على كنيسة لبنان عبر السفارة البابوية. رابعاً: ان يكون الرئيس العتيد منفتحاً على العالمين العربي والاسلامي لان لبنان لا يمكن ان يعيش في عداء مع محيطه، ولا ان ينمّي العداء سواء مع السنة أي الاكثرية في المنطقة، أو مع الشيعة الذين تزداد فاعليتهم. خامساً: ان يكون صاحب رؤية ورؤيا وتروّ للتعامل مع ملفات كثيرة عالقة وشائكة. هل من مرشحين تنطبق عليهم تلك الشروط؟