علي الحسيني: وغابت الملائكة عن سماء حزب الله/اميل خوري: هل يسطع قمر السلام بدراً في المنطقة أم ينقسم هلالين تخسفهما الحروب/راشد فايد: طهران التخريب، طهران الاستقرار

296

هل يسطع قمر السلام بدراً في المنطقة أم ينقسم هلالين تخسفهما الحروب؟
اميل خوري/النهار/21 تموز/15
يرى سفير سابق للبنان أن التعليقات على الاتفاق النووي سوف تستمر خصوصاً عندما يبدأ تنفيذ بنوده. وإذا كان ثمة من أيد هذا الاتفاق ومن عارضه أو تحفّظ عنه لاختلاف في قراءة مضمونه، فليس هو الاتفاق الوحيد الذي اختلفت حوله المواقف حتى وهو لا يزال على الورق، فإن مباشرة تنفيذه في ظل خلاف على تفسير بعض بنوده قد يجمده أو يعطله. والسؤال الذي لا جواب قاطعاً عنه حتى الآن هو: هل يشقّ الاتفاق النووي الطريق إلى سلام شامل في المنطقة ويجعل القمر وهو بدر يسطع نوره فوقها، أم ينقسم هلالين أحدهما سنّي والآخر شيعي ما يجعل نور كل هلال يسطع فوق منطقته، أو ينخسفان إذا تصادما؟… فإذا كان الاتفاق النووي سيشق طريق السلام إلى المنطقة، فمطلوب من الدول المعنية وضع جدول بأولويات الحلول للحروب القائمة في أكثر من دولة بدءاً بحرب اليمن توصلاً إلى تحقيق تقارب سعودي – إيراني يساعد على إيجاد حلول لكل الأزمات التي تعصف بدول المنطقة، ومن الحل في اليمن الى حل في سوريا بعدما بات الجميع مقتنعاً بأن الحل فيها سياسي وليس عسكرياً بدليل أن الحرب فيها لم تكن حاسمة رغم مرور ما يقارب الخمس سنوات، ثم إنهاء الحرب في العراق وفي ليبيا كي يصير في الإمكان إقامة جبهة عربية وإقليمية ودولية واحدة تواجه الإرهاب وتنتصر عليه في أسرع وقت ممكن. ولا بد عند إنهاء الحروب في دول المنطقة من وقف تسليح وتمويل مجموعات لا عمل لها سوى زعزعة الأمن والاستقرار والقيام بأعمال عنف وارتكاب جرائم اغتيال ما يحول دون تحقيق الازدهار ومحاربة الفقر والبطالة، وهذه من أهم عناصر الإرهاب والذهاب إلى الانتحار وخلق البيئات الحاضنة. ومن الطبيعي ألا يكتمل السلام في المنطقة من دون أن يتحقق مع إسرائيل التي وإن كانت تمتلك السلاح النووي فإنها تظل في خوف وقلق على مصيرها إذا لم تصبح دولة من المنطقة وليس كما هي الآن دولة في المنطقة. وأهمية هذا السلام مع اسرائيل أنه يتحقق بمشاركة إيران التي لا تعترف بها وتدعو إلى إزالتها من الوجود. أما إذا كان الاتفاق النووي لن يحقق كل ذلك ولن يغيّر شيئاً في سلوك إيران حيال دول المنطقة، كما بدا من خطاب المرشد علي خامنئي، مثلما لم يغير نزع السلاح الكيميائي السوري شيئاً من سلوك نظام الرئيس بشار الأسد، فإن المنطقة تكون سائرة نحو حروب مستمرة قد لا تتوقف إلا بتقسيمها وهو ما تريده إسرائيل وتخطط له منذ زمن. لذلك لا بد من مراقبة سلوك إيران بعد الاتفاق النووي وعند مباشرة تنفيذه، فإذا ظلت تغذي الحرب في العراق وسوريا واليمن وتمول الأحزاب والتنظيمات وتسلحها لزعزعة الامن والاستقرار في كل دولة، ولا تستثني حتى لبنان من ذلك، فلن يكون عندئذ أمل في قيام دولة قوية وقادرة في المنطقة على مواجهة أي عدوان لاسرائيل وفرض السلام العادل عليها، كما لن تجد الحرب على الارهاب في المنطقة وخارجها نهاية قريبة لها. لقد أعلن رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد ان ما بعد الاتفاق النووي هو غير ما قبله، من دون ان يفصح اكثر من ذلك. فهل ستخضع المنطقة في نظره لهيمنة ايران وسياسة الغالب والمغلوب التي لا توصل الى مواجهة اسرائيل ولا الى مكافحة الارهاب؟ إن الاشهر المقبلة قد تجيب على كثير من التساؤلات والتوقعات، كما انها قد تجيب على من ينظرون الى الاتفاق النووي بتفاؤل وعلى من ينظرون اليه بتشاؤم. ولكن أياً تكن النظرة إليه فإن المطلوب من الزعماء في لبنان ألا ينتظروا الى ما بعد الاتفاق كما انتظروا ما قبله، بل أن يعملوا بسرعة على ملء الشغور الرئاسي بانتخاب رئيس يحل انتخابه مشكلة الخلافات حول آلية عمل الحكومة وتشريع الضرورة في مجلس النواب، إذ انه آن الأوان لأن يحكم اللبنانيون أنفسهم ليستحقوا وطناً ودولة، لا أن يظلوا محكومين من خارج ولا يستحقون لا وطناً ولا دولة.

 

طهران التخريب، طهران الاستقرار
راشد فايد/النهار/21 تموز/15
سؤال ساذج يجب ان يطرحه كل متابع للاتفاق النووي الدولي مع ايران: لماذا يجمع كل المهنئين والمرحبين، من عرب وعجم، وقياديين وطامحين سياسيين، على انه سيوفر الاستقرار للمنطقة؟ فالجميع، من أوباما الى رئيس “المجلس العام الماروني”، ومن وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي الى وزيري الخارجية التركي والعراقي، قالوا العبارة نفسها: الاتفاق سيأتي بالاستقرار إلى المنطقة. حتى ان الرئيس الايراني لمح، يوم الاربعاء الفائت، الى ان أولى ايجابيات الاتفاق ستظهر في اليمن ولبنان. لكن لماذا يكون الاتفاق النووي بين الدول الكبرى الـ 6 وايران، مدعاة للتفاؤل بهدوء وسلم يحلان على المنطقة؟ الجواب تعطيه الوقائع التي يغضنها المرحبون والمهللون، في تعليقاتهم: ايران هي القوة المخربة من لبنان الى اليمن، وهي الادارة الناظمة لإغراق المنطقة في الفوضى. والمنتظرون هدوء الشرق الاوسط، بعد الاتفاق النووي، يعتقدون ان عودة طهران تحت مظلة الشرعية الدولية، تجعلها تحترم سيادات الدول وحقوق الشعوب في خياراتها، وتاليا استقرارها. لم تحد طهران عن نهج اثارة الفوضى في المنطقة منذ عودة الخميني اليها، وربما مذ كان في فرنسا، وبعض كثير مما تفعله “داعش” و “النصرة” اليوم، كان جزءاً من أساليبها. لم تفعل ذلك مباشرة، بل بالواسطة، عن طريق تنظيمات شكلتها في كل بلد فيه حيز لخلاف سياسي أو اختلاف مذهبي. كل ذلك تحت راية تحرير القدس حيناً، وتأديب “عملاء اسرائيل”، أحياناً. ارادت طهران، وكادت تنجح في تحويل الشيعة العرب الى جاليات فارسية في بلدانهم، بإحياء حقد ديني ملتبس منذ أكثر من 1400 سنة، وجعلت من عودة المهدي المنتظر ألعوبة سياسية تبرر، عبر دسّ اعلامي، سفك المزيد من الدماء في “سواراقيا”، وتتيح اقناع الفتيان والبالغين بالمشاركة في القتال، وفق ما يتكشف في بيئة حزب الامين العام في لبنان. ليس حال العراق اليوم، ببعيد عن هذا المنطق “الديني” المفتعل، الذي يرفده في سوريا شعار سياسي هو “الدفاع عن محور الممانعة”، وهو ما تتظلله أيضا في لبنان. واذ رأت طهران في اليمن والبحرين حقوقا ديموقراطية لشعبيهما، لم ترَ الحقوق نفسها للأهوازيين، والآذريين والأرمن والأكراد، في أراضيها، أي اكثر من نصف سكانها، الممنوعين حتى عن تعلّم لغاتهم الأم، فدعمت الحوثيين، وسعت، وتسعى، إلى احتضان بحرانيين وإلباسهم ثوبها: نجحت في الأولى، بتواطؤ علي عبد الله صالح، وتعثرت في الثانية بالوعي الوطني البحراني. لكن الإستقرار المرهون بانصياع ايران للشرعية الدولية لا يبدو سهلا وبسيطا. فالإتفاق النووي سيظهًّر الشروخ في بنية النظام، لا سيما مع تسريب البنود في الملاحق العلنية والسرية. ومن الآن إلى أن يصبح ناجزا، أميركيا، ستجري مياه كثيرة تحت الجسور، واستعراض عضلات سياسية، وغير سياسية، على امتداد ساحة “التخريب”.

وغابت «الملائكة» عن سماء «حزب الله»
علي الحسيني/المستقبل/21 تموز/15
لم يتطابق حقل معركة الزبداني التي كان قد بدأها «حزب الله» منذ شهر تقريباً مع حسابات بيدره، فالحزب الذي اراد الهروب من مآزق حرب طويلة تستنزف عناصره بشكل يومي في دمشق والقلمون، قرّر القفز إلى الامام عبر معركة لم يُعد لها بالشكل المطلوب ولم يختر التوقيت المناسب لخوضها، فسقط في شرّ التبعية من دون أن يُحقق «نصرا» أراد أن يُهديه لجمهور متعطش إلى زمن الإنتصارات. يعجز «حزب الله» عن احداث خرق ملموس على جبهة «القلمون»، فلا الوعود بالنصر تحقّقت، ولا قضم المساحات آتت أكلها حتّى اصبح وضع عناصره أشبه بمركب تائه في عرض البحر تتقاذفه الأمواج العاتية من جهة إلى اخرى، وخطط نقل العناصر بين الجبهات لا تعني سوى مزيد من الخسارة، لكنها تبقى إجراءات ضرورية يهدف الحزب من ورائها، الى تخفيف حدة توتر عناصره وإن كان الموت يُحاصرهم في كل مكان يذهبون اليه. قد يسأل البعض عن سر فتح معركة «الزبداني» في هذا التوقيت بالذات وخصوصاً أنها بلدة مُحاصرة منذ سنتين تقريباً. وقد يستغرب البعض فتح الحزب ممرات للعديد من العناصر المسلحة التي كان يُقاتلها في القلمون بإتجاه الزبداني، ثم إنقلابه على إتفاقات سابقة كان آخرها مع الفصائل المسلحة داخل البلدة والتي قضت بعدم تعرضه مع جيش النظام لها، مقابل عدم استهدافها طريق عام دمشق – بيروت وعدم قطع مجاري المياه عن العاصمة السورية. إنقضاض «حزب الله» على الإتفاقية غير المُعلنة مع مُسلحي الزبداني جاء نتيجة تخبطه في «القلمون» و»الغوطة» الشرقية إضافة إلى سقوط المئات من عناصره في فترة قصيرة قياساً مع مدة تدخله في الحرب السورية من دون أن يُحرز أي تقدم لا في الميدان ولا في نفوس عناصره الذين ابتلعت بعضهم جبال المنطقة ووديانها. وكان أحد ضباط النظام فصّل عبر وسيلة اعلامية تابعة للحزب، كيف لجأ المسلحون إلى حيلة إشعال نيران كالتي أشعلتها عناصر النظام والحزب في بعض مناطق القلمون، كدليل للعناصر الذين تاهوا بعد هجوم مضاد نفذه المسلحون ضدهم، ما جعل من هؤلاء صيدا سهلا للقتل والأسر، بعد لجوئهم إلى أماكن تواجد المسلحين عن طريق الخطأ.
تأفف بيئة «حزب الله» الممتدة من الضاحية الجنوبية إلى الجنوب فالبقاع، ينعكس بطبيعة الحال عامل توتر على قيادة الحزب وعلى سير معاركها في سوريا، فجمهور الحزب يطالب بإنجازات فعليّة تمكّنه من غض الطرف الى حد ما عن النعوش التي يستقبلها على الدوام، وعن الجرحى الذين توصف حالاتهم بالحرجة لدرجة تجعل من بعضهم يتمنون لو أنهم «إسشتهدوا»، كما هو حال عنصر من عائلة فرحات، كان فقد نظره ورجليه ويده اليُمنى بلغم أرضي في الغوطة، في ظل عجز من الأهل عن فعل أي أمر يُمكن ان يُهدئ من حالة ولدهم.
يكتوي «حزب الله» بنار حروب يُلاحقها هو من مكان إلى آخر ويتبرّع بقتل عناصره بالمجان في سبيل قضايا لا تعود عليه بالنفع ولا بالفائدة ولا على أبناء طائفته. شبح الموت يخطف منه خيرة «الشباب» ويُحاصر بيئته من الجهات كافة. يُقابل هذا كله صرخات ألم ترتد إلى مطلقيها بصناديق خشبية تروي حكاية عائلات دفعت من عمرها ولحمها الحي، لتحافظ على أبناء أخذهم «الواجب الجهادي» وخلّف وراءه أيتاماً وأرامل، ودموع أمهات يتحرقن شوقاً لعودة أبنائهن وينتظرن عند عتبات المنازل، في وقت تقوم عائلات سورية كانت تدعم النظام، ببيع منازلها في مناطق الساحل خوفاً على حياة أبنائها. الأمر المستغرب في الحرب التي يخوضها «حزب الله» اليوم في سوريا، أن «لا ملائكة تقاتل الى جانب عناصره على غرار الحرب التي خاضها ضد اسرائيل في تموز 2006«، بحسب إدعاءاته حينها، يومها كانت تُنسج الروايات وتُختلق القصص عن «ملائكة» ساهمت بـ»النصر» إلى جانب المقاتلين، وعن عنصر «انطلقت صليات صواريخ راجمته وحدها صوب المستعمرات بعدما عجز هو عن تنفيذ المُهمّة بعد تعرّضه لإصابة بالغة في يده«، وغيرها الكثير من الروايات التي كانت تدل على حجم الحرب وشرعيتها الدينية والسياسية والعسكرية بالنسبة إلى الحزب وجمهوره. اليوم تغيب كل هذه القصص من البال لأسباب لم يُحدثنا عنها إعلام الحزب الحربي، أقلّه حتى اليوم. عنصر من «سرايا المقاومة« كان قد اصيب في القلمون منذ سنة، سُمع يتحدث الى مجموعة من أصدقائه عن تلك الفترة، يقول من باب الدعابة: «الحرب في سوريا وتحديدا في القلمون هي عبارة عن صفقات بين جميع الاطراف من ضمنهم حزب الله، وفي حالة كهذه تقف الملائكة على الحياد وتكتفي بالمراقبة وبإحصاء عدد القتلى».