وزير الخارجية البريطاني في إسرائيل لإقناع نتنياهو بقبول الاتفاق وكارتر في الطريق//سابين عويس: الرهان على النووي لا يزال مُبكراً الاتفاق لن يأتي برئيس للجمهورية قريباً؟

270

الرهان على النووي لا يزال مُبكراً الاتفاق لن يأتي برئيس للجمهورية قريباً؟
سابين عويس/النهار/16 تموز 2015

سينقضي وقت قبل أن تتبلور مفاعيل الاتفاق النووي الذي أنهى آخر فصوله في فيينا بتوقيع المجموعة السداسية وإيران مندرجاته، على العالم والمنطقة في شكل عام ولبنان على وجه الخصوص، وإن يكن الاجماع واضحاً على كون الاتفاق أرسى واقعاً سياسياً جديداً لا بد ان يفرض إعادة خلط للمعادلات القائمة معطوفة على إعادة نظر في السياسات المتبعة. لن يكون لبنان حتماً في منأى عن تداعيات الاتفاق التاريخي، الذي إنتظره القادة السياسيون منهم بحذر ومنهم بفارغ الصبر، حتى تعاظم الرهان عليه، وعلى إسم الرئيس الذي سيحمله الى قصر بعبدا. قوبل الاتفاق بتفاوت يصل إلى حد التناقض في توقع التداعيات سلباً أو إيجاباً. لكن ما هو أكيد وثابت بحسب قراءة أوساط سياسية مطلعة ومواكبة للمواقف الغربية من الوضع اللبناني، أن لبنان لن يكون في طليعة الدول التي ستتأثر بالاتفاق، وأن هناك أولويات في المنطقة تسبق لبنان وتضعه على قائمة الانتظار لمدة أطول. سيكون امام المنطقة ولبنان متسع من الوقت قبل دخول الاتفاق مرحلة التنفيذ، وقبل التأكد من صدق النيات في إلتزام كل فريق مندرجاته: الاميركيون والغرب حيال رفع العقوبات الاقتصادية، وإيران حيال وقف انشطتها النووية التي على أساسها سيبدأ تطبيق قرار رفع العقوبات. والفترة الفاصلة عن هذا الموعد والتي تمتد حتى منتصف كانون الاول المقبل حين تصدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أداة التحقق النووي لدى الامم المتحدة، تقريرها الاول عن أنشطة إيران النووية ليصار مطلع كانون الثاني من السنة المقبلة بدء رفع العقوبات تدريجاً، هذه الفترة ستشكل محطة إختبار وجس نبض للتفاعل الاقليمي مع الاتفاق في الملفات المشتعلة في المنطقة، وفي مقدمها اليمن.

وهذه الفترة تحديدا ستكون كفيلة ببلورة الاتجاهات الداخلية لدى إصطفافي 8 و14 آذار حيال الملفات العالقة، ومدى إستعدادهما وإستعداد الراعيين الاقليمين لهما لتذليل العقبات التي أعاقت ولا تزال، إستعادة الانتظام في الحياة السياسية وفي المؤسسات الدستورية وفي طليعتها رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة. قد يكون الحوار القائم منذ مطلع السنة بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” أهم ثمار التفاهم الايراني – السعودي، بقطع النظر عن المواجهة الحادة بينهما في بقع أخرى، من أجل تلافي إندلاع الفتنة المذهبية وإنفجار الاحتقان في الشارع. من هنا، فإن للأوساط السياسية المشار اليها قراءتها المتحفظة عما يمكن ان يحمله الاتفاق النووي في المدى القريب للساحة الداخلية.

وفي هذه القراءة، ترى الاوساط انه لا يزال من المبكر جدا توقع تغيير جذري في المشهد السياسي المحلي، مستبعدة أن يأتي الاتفاق بحل لأزمة الشغور الرئاسي، أقلّه في الاسابيع القليلة المقبلة. فالملف اللبناني لم ينضج بعد على طاولة التسويات الاقليمية، وليس بنداً أساسياً عليها. كل ما يهم الاسرة الدولية اليوم هو الحفاظ على الاستقرار وصونه، وهذا امر بات ثابتاً ويشكل سقفاً غير قابل للخرق. أما الملف الرئاسي، فلا تزال دونه عقبات. لن تكون مسألة الدفع نحو الفراغ الكامل تمهيدا لتغيير محتمل في النظام السياسي هي السبب وراء ذلك. وقد بدا من الاجماع السياسي على رفض طرح رئيس “تكتل التغيير والاصلاح”العماد ميشال عون موضوع الفيديرالية، ان النظام القائم لا يزال يتمتع بالحصانة ومقومات الاستمرار. تتوقف الاوساط عند إشارات وجهها رئيس المجلس نبيه بري عندما توقع أن يكون لبنان واليمن أول المستفيدين من الاتفاق، وإن يكن أقرن تفاؤله بإستبعاد أن يكون الأمر سريعاً، ذلك أن التفاهم على اسم الرئيس يتطلب تفاهما خارجيا لم ينضج بعد. وعليه، لم تقلّل مصادر قريبة من بري أهمية حركة الاتصالات الخارجية للدفع في إتجاه توافق على مرشح رئاسي ينهي أزمة الرئاسة. وهي إذ توقفت عند زيارة وزير الخارجية الايطالي باولو جانتيلو قبل يومين لبيروت، دعت إلى التمعن في أبعادها وخلفياتها، غير مستبعدة أن تصبّ في إطار المساعي الغربية الرامية إلى إنجاز الانتخابات الرئاسية. وإذا كانت هذه المصادر تلتقي مع الرئيس بري في تفاؤله بإمكان حصول إنفراجات في الملف الرئاسي، فهي تتريث في إندفاعتها، مشيرة إلى أن على اللبنانيين الانتظار قليلا بعد. ويُفهم من الكلام المحيط بالاستحقاق الرئاسي أن لا خرق في الاسابيع القليلة المقبلة، من دون أن ينفي ذلك احتمال ان أيلول المقبل إنفراجاً.

هاموند، وزير الخارجية البريطاني .في إسرائيل لإقناع نتنياهو بقبول الاتفاق «النووي».. وكارتر في الطريق
خبراء إسرائيليون يمتدحون الاتفاق ويحذرون نتنياهو من تعميق الصراع مع أوباما

تل أبيب: «الشرق الأوسط»

في الوقت الذي تباهى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه أجرى محادثة ساخنة مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بسبب «الاتفاق السيئ بين الدول العظمى وإيران»، ومع الإعلان أن وزير الدفاع الجديد في الولايات المتحدة، أشتون كارتر، سيصل في مطلع الأسبوع إلى إسرائيل لاسترضائها، خرجت مجموعة من الخبراء وجنرالات الجيش السابقين في إسرائيل يتصدون لموقف نتنياهو، ويتهمونه ووزراءه بأنهم «يبالغون في الرفض» و«يثيرون شكوك العالم في نياتهم».. وحذروا من أن زيادة العيار في مهاجمة الاتفاق والتحريض على الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ستؤدي إلى تعميق الهوة مع البيت الأبيض وتلحق أضرارًا فادحة في العلاقات.

ويزور وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند إسرائيل حاليًا إسرائيل لشرح الاتفاق النووي مع إيران شخصيًا. وأثناء اطلاعه البرلمان البريطاني على الاتفاق الذي أعلن الثلاثاء، قال هاموند إنه سيتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليوم: «لنقل رسالتنا حول هذا الاتفاق مباشرة». وبريطانيا هي واحدة من بين الدول الست الكبرى – إضافة إلى الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة – التي توصلت إلى اتفاق مع إيران لحل الخلاف المستمر منذ 13 عامًا بشأن برنامج طهران النووي. ووصفت إسرائيل الاتفاق بأنه «خطأ تاريخي».

إلا أن هاموند أعلن أنه واثق بأن إسرائيل ستكون «عملية في التعامل» مع «الواقع الجديد في الشرق الأوسط». وأضاف: «سأتوجه الليلة (أمس) إلى إسرائيل وستتاح لي فرصة نقل رسالتنا حول الاتفاق مباشرة إلى رئيس الوزراء نتنياهو غدًا». وتابع: «لقد أوضح أنه يعتزم مقاومة الاتفاق بقوة، وأن إسرائيل ستستخدم نفوذها في الكونغرس الأميركي لعرقلة إقرار الاتفاق. وأنا واثق بأن هذه الجهود لن تنجح». وقال هاموند أيضًا: «أنا واثق كذلك بأن إسرائيل أظهرت مرة تلو أخرى أنها قادرة على أن تكون براغماتية وأنها.. ستسعى إلى المشاركة بطريقة منطقية وبراغماتية للتعامل مع الواقع الجديد على الأرض في الشرق الأوسط بما فيه فائدة للجميع».

وكان الأشد حدة في معارضة موقف نتنياهو هو الرئيس السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال عاموس يادلين، الذي يدرس حاليًا في معهد أبحاث الأمن القومي، وكان مرشح «المعسكر الصهيوني لمنصب وزير الدفاع»، فقال إن «هناك هستيريا غير مبررة في رد الفعل الإسرائيلي».

واعتبر يادلين الاتفاق تحديًا جديًا للأمن القومي الإسرائيلي، كونه يزيل العقوبات الاقتصادية عن طهران ويوفر لها مائة مليار دولار بشكل فوري، بالإضافة إلى مبالغ مضاعفة خلال العشر سنوات المقبلة، ولكنه ينطوي أيضًا على إنجازات. فليس إيران وحدها ستزيد من قدراتها العسكرية، بل إن الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية عموما يمرون في عملية دائمة لتعزيز القدرات الأمنية التي ستشكل سورًا متينًا أمام مساعي إيران للسيطرة في المنطقة».

وأشار يدلين إلى أن الاتفاق سجل عدة إنجازات لصالح إسرائيل في المجال النووي، إذ يزيد المدة الزمنية التي تحتاجها إيران لتصنيع قنبلة نووية من ثلاثة أشهر إلى عام كامل، ويفرض نظام رقابة صارمًا ومتوغلاً أكثر من السابق، بمعنى أنه يتيح مراقبة المواقع النووية الإيرانية عن قرب، لكن الاتفاق لا يحبط المشروع النووي الإيراني على المدى البعيد ويشرعن سباق التسلح النووي في المنطقة.

وقال الخبير العسكري، ألكس فيشمان، أن الاتفاق ليس كارثيًا كما يصوره نتنياهو ورجاله، بل أبعد ما يكون عن «الكارثة القومية». واعتبر رد فعل الحكومة تكتيكيًا ومؤقتًا حتى لقاء نتنياهو بأوباما في سبتمبر (أيلول) المقبل، في الأمم المتحدة في نيويورك – «حينها سيكون الاتفاق حقيقة ناجزة وسيطالب نتنياهو بتعويضات وضمانات لإسرائيل. حتى ذلك الموعد ستستمر إسرائيل بمهاجمة الاعتراف وسترفض الإقرار به».

واعتبر فيشمان الحرب التي قرر نتنياهو تجديدها في الكونغرس ضد الاتفاق، مقامرة خاسرة. فقال: «ليس هناك أي احتمال ألا يصادق الكونغرس الأميركي على الاتفاق، ولذلك فإن المعركة الإسرائيلية بهذا الشأن خاسرة». ودعا نتنياهو والأجهزة الأمنية إلى الامتناع عن مهاجمة الاتفاق، وإنما بلورة مطالب إسرائيلية مقابله». وقال إن زيارة وزير الدفاع الأميركي،، لتل أبيب بعد خمسة أيام للمرة الأولى منذ توليه منصبه، هي فرصة للتحدث إلى واشنطن عن خطوات عملية لتعويض إسرائيل عن المساس بمكانتها الاستراتيجية في المنطقة.

وكشف الخبير العسكري، أمير بوحبوط، أن مسؤولين كبارًا في ديوان رئيس الحكومة ووزارة الأمن في إسرائيل يخططون كيف يجنون الأرباح الآن من معارضتهم الاتفاق. وقال: «لقد قرروا مؤخرًا، تجميد الحوار مع الإدارة الأميركية حول حجم المساعدات الأمنية، وذلك في ظل التوتر بين بنيامين نتنياهو والبيت الأبيض. والآن وفي أعقاب توقيع الاتفاق، من المتوقع أن تتمكن إسرائيل من جني أرباح من وراء هذا الاتفاق، عسكريًا على الأقل».

وذكر بأن رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، وقع في 2007 اتفاقًا مع الإدارة الأميركية مداه عشر سنوات، وينص على قيام واشنطن بتوفير خطة مساعدات عشرية بقيمة 30 مليار دولار للمشتريات العسكرية. وكانت إسرائيل تأمل خلال فترة إيهود براك في وزارة الأمن، الحصول على تصريح أميركي باستغلال المساعدات المالية المستقبلية لشراء منظومات حربية متطورة، صواريخ وذخيرة. وقد صادق الرئيس أوباما على منح تصريح مبدئي يتيح بيع منظومات أسلحة متطورة، خاصة صواريخ من طراز جديد، وطائرات V – 22، وطائرات لتزويد الوقود ورادارات. لكن القرار لم ينضج إلى حد توقيع صفقات أو توسيع الميزانية. وفي أغسطس (آب) 2013 بدأت محادثات بين الأطراف. وكان الهدف في إسرائيل هو الطلب من الإدارة الأميركية تقديم موعد استخدام الميزانية قبل عام 2018، كي يتم استغلاله لتنفيذ مشتريات واسعة في الولايات المتحدة، لكنه لم يتم هذه المرة أيضًا التوصل إلى تفاهمات. ويبدو أن الاتفاق التاريخي الذي تم توقيعه، أمس، سيغير الشروط. فهذا الاتفاق الذي يسمح لإيران بمواصلة مشروعها النووي يغير الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط. وبناء عليه، تشعر جهات رفيعة في وزارة الأمن بأن الولايات المتحدة ملتزمة الآن بالحفاظ على تفوقها، وكنتيجة لذلك، تعزيز إسرائيل عسكريًا.

ومن المتوقع في هذه المرحلة أن تطلب إسرائيل مساعدات أميركية تشمل شراء كميات كبيرة من الطائرات الحربية F – 35 والقبة الحديدية ومنظومة العصا السحرية. بالإضافة إلى ذلك، ستسمح المساعدات المالية بالاستثمار في تطوير عدة مشاريع، من بينها منظومة الصواريخ حيتس 3، طائرات V – 22، المساعدة في إنتاج دبابات المركبات والمدرعات التي يتم إنتاج أجزاء منها في الولايات المتحدة، وصواريخ ذكية، ورادارات وطائرات لتزويد الوقود، وغيرها.

يرى المراقبون الإسرائيليون أن قائمة المطالب الإسرائيلية تضع الإدارة الأميركية أمام قرار ليس سهلاً. فمن جهة، تهدف المساعدات إلى ضمان تفوق إسرائيل العسكري، الأمر الذي لن تعارضه الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، كانت الولايات المتحدة ترغب بضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بمهاجمة إيران إذا خرقت الاتفاق النووي. وتعتبر مسألة توقيت تحويل الطلبات الإسرائيلية حساسة. وتقدر جهات في الجهاز الأمني أن فرص زيادة ميزانية المساعدات في عهد أوباما منخفضة. مع ذلك، فإن انتظار الإدارة الجديدة التي ستنتخب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، من شأنها تأخير خطوات التسلح المصيرية للجيش، وخلق فجوات.