روزانا بومنصف: استقرار المنطقة لا يرتهن للاتفاق النووي//الاتفاق النووي والتنازلات المتبادلة: العقوبات مقابل القنبلة

261

 استقرار المنطقة لا يرتهن للاتفاق النووي الغرب عمّم الانطباع عن “مكاسب إيران”
روزانا بومنصف/النهار/16 تموز 2015

بالنسبة الى السياسيين غير الخبراء في ما خص بنود الاتفاق النووي الغربي مع ايران ساهم عاملان على الاقل في تعميم الانطباع بان الكفة راجحة لمصلحة ايران في هذا الاتفاق ساعات قليلة بعد الاعلان عنه ومن دون امكان التمحيص ودرس تفاصيله وعلى رغم ان تنفيذ البنود ورفع العقوبات قد يأخذ بضعة اشهر حتى نهاية السنة الحالية. العامل الاول ما صرح به مسؤولون غربيون كانوا على طاولة المفاوضات على غرار ما خرج به وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس من ان الاتفاق قوي بما يكفي لعشر سنوات كما قال، وكأن اعمار الشعوب تقاس بعشر سنوات او اكثر بقليل ما اوحى بانه تم تأخير الاتفاق بالتزامن مع الرهان على ديناميات متغيرة في ايران نفسها وفي المنطقة. والاتفاق نفسه سعى وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الى تسويقه بطمأنة العالم الى “ان كل الطرق امام ايران لصنع قنبلة نووية قد اغلقت” على نقيض المدة التي وردت في كلام فابيوس او في الاتفاق نفسه. والعامل الاخر مسارعة الدول الغربية الى ابداء الاستعداد لزيارة طهران او البدء بذلك من اجل تحضير الارضية لانفتاح يستفيد منه الغرب من خلال ري ارض متعطشة لاستثمارات كبيرة تحتاج اليها ايران كما يحتاج اليها الغرب المنهمك بازماته المالية، على ما اعلن وزير الخارجية الفرنسي نفسه وما استعدت له المانيا وبريطانيا ايضا ما قد يستخدم كوسائل من اجل محاولة الرئيس الاميركي باراك اوباما الكونغرس من اجل الموافقة على الاتفاق. ومحاولة الاحراج هذه تمر ايضا في ما كشفه ديبلوماسيون عن مسارعة الولايات المتحدة الى توزيع مشروع قرار على مجلس الامن للموافقة على الاتفاق النووي والغاء العقوبات والذي يرجح ان يصوت عليه الاسبوع المقبل بما يضع الكونغرس امام خيار ابقاء العقوبات الاميركية فقط على ايران في حال نجح في رفض الاتفاق. لم تطمئن هذه المواقف مراقبين متابعين في الدول الغربية ايضا. وعدم الاطمئنان لا يستند الى استيعاب ايران في المجتمع الدولي بل الى السعي الى استيعابها مدعمة بقدرات مالية كبيرة وبقائها متفلتة من دون قيود في المنطقة . كما لم يطمئنهم الاستعداد الاميركي المرافق لتسويق القرار. فاولى الرسائل التي وجهها اوباما في خطاب متلفز الى الاميركيين بعد الاتفاق كانت في اتجاه الكونغرس الاميركي الذي “اقر بان مثل هذا الاتفاق المعقد يجب ان يخضع لمراجعة دقيقة من الشعب الاميركي وممثليه من الكونغرس” لان التفاصيل مهمة ولاننا نتعامل مع دولة كانت مدى 35 سنة خصما ثابتا للولايات المتحدة. ولذلك فانني ارحب بنقاش قوي في الكونغرس لهذه المسألة، كما ارحب بالتدقيق في تفاصيل الاتفاق” كما قال، مهددا في الوقت نفسه بانه في حال رفض الكونغرس الاتفاق سيستخدم حقه في نقضه (عندها يعود قرار فرض الفيتو الى الكونغرس الذي يحق له نقض الفيتو الرئاسي ولكن باكثرية ثلثي الاعضاء وهو امر لا يمكن ان يحققه الجمهوريون الا اذا نضم اليهم عدد كاف من الديموقراطيين. وهذا أمر بالغ الصعوبة). اي انه يرغب في ان يناقش الكونغرس الاتفاق ويوافق عليه ولا يرفضه ما يؤكد الهامش الضيق لاي مراجعة له. لكن بدا واضحا سعي اوباما للحصول على موافقة الكونغرس ولا يريد ان يمر الاتفاق من دون هذه الموافقة. كما هو لا يخفي انزعاجا من رفض اسرائيلي عبر عنه رئيس الحكومة الاسرائيلية وسائر المسؤولين الاسرائيليين لخشيته من ان يؤثر الموقف الاسرائيلي على تصويت الكونغرس. ولذلك وعد بان يدعم اسرائيل بما يساعد في طمأنتها في وجه ايران وطموحها في المنطقة. واذ اعلن ايضا في محاولة طمأنة الدول العربية ايضا ان “الاتفاق لا يحل مشكلاتنا مع ايران واننا نشارك الهواجس التي يعبر عنها حلفاؤنا في الشرق الاوسط كاسرائيل والدول الخليجية حول دعم ايران الارهاب وسعيها الى دعم افرقاء لزعزعة استقرار المنطقة” فانه يخشى خصوصا الا تسري مفاعيل هذا الاطمئنان الاخير على رغم اجراء الرئيس الاميركي اتصالات بالعاهل السعودي ومسؤولين خليجيين اخرين مؤكدا “التزام الولايات المتحدة العمل مع الشركاء في الخليج من اجل التصدي لانشطة ايران التي تزعزع الاستقرار في المنطقة”.

فالرئيس الاميركي قد يصب اهتمامه في الاشهر المقبلة على الحصول على موافقة الكونغرس وتهدئة خاطر اسرائيل ومخاوفها نسبيا نظرا الى ان علاقته مع نتنياهو لا تزال على حالها من البرودة والنفور، لكن كثرا يعتقدون انه قد يصعب على اوباما اعطاء حلفائه الخليجيين ما يطمئنهم بالنسبة الى الخطورة التي تشكلها ايران بالنسبة اليهم. ففي الخطاب الذي القاه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في ذكرى اليوم الوطني الفرنسي تمنى ان تساهم ايران بالمساعدة في ايجاد حل للازمة السورية، ما يشكل اقرارا فوريا بالاعتماد على ايران لايجاد حلول. وهو ما قد تكون تتوقعه الدول العربية في شكل خاص في حين ان خبراء كثر يقولون انه من المبكر جدا الاعتقاد بان اوباما قد يلوي ذراع ايران في سوريا بما يدفعها الى لجم حليفها النظام السوري عن قتل الابرياء. اذ هو لم يفعل ذلك مع ايران في زمن سعيه الى الاتفاق معها ولن يفعل ذلك في زمن تثبيته انجازاته علما ان سوريا قد تكون المجال الابرز الذي يسعى فيه العرب الى لجم طموح ايران وتعدياتها فيما اوباما لم يغير سياسته بعدم الانخراط في سوريا بغير الضربات المحددة من اجل الاكراد او في محطات معينة.

العربي الجديد: الاتفاق النووي والتنازلات المتبادلة: العقوبات مقابل القنبلة
الأربعاء 15 تموز 2015 /وطنية – كتبت صحيفة “العربي الجديد” تقول: انتهت “الحرب النووية”، أمس الثلاثاء، بعد 12 عاماً من المفاوضات والنزاعات بين إيران ودول الغرب، من خلال اتفاق يوقف تعاظم قوة إيران النووية ويزيح شبح الخوف الغربي. 40 لقاء بين وزير الخارجية الأميركية جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وأكثر من 100 جولة، و5 زيارات بين ذهاب وإياب لمستشاري الدول المعنيّة إلى فيينا، انتهت بساعة أطلق عليها الجميع “ساعة السعادة” فجر أمس.

كان وقع النتيجة ساراً للبعض ومقلقاً للبعض الآخر. الرئيس الإيراني حسن روحاني اعتبر أنّ الاتفاق يفتح صفحة جديدة في العلاقات مع العالم. أمّا الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي بثّ الإعلام الإيراني الرسمي تصريحه، في سابقة تاريخية أيضاً، فاستغل الاتفاق ليكون فرصة لتبني توجه جديد في الشرق الأوسط، محذراً الكونغرس من أنه سيستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي تشريع سيحول دون نجاح تطبيقه. في المقابل، رفضت إسرائيل الاتفاق، وتوعّدت بإسقاطه. عربياً، بدت التمايزات أكثر من واضحة خصوصاً في صفوف “البيت الخليجي”، بين سعادة إماراتية وحذر سعودي.

وقضى الاتفاق برفع العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة على إيران مقابل موافقتها على فرض قيود طويلة المدى على برنامجها النووي الذي يشتبه الغرب بأنه يهدف إلى صنع قنبلة ذرية. ولكن حتى بالنسبة لإيران نفسها، فقد كان للاتفاق النووي، وقع مختلف لدى كثيرين. فتفاصيل الاتفاق كثيرة، وتلك الفنية كانت أكثر تعقيداً من السياسية.

بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين، وأوّلهم الرئيس الإيراني حسن روحاني فإن ما جاء في هذا الاتفاق يعني تحقيق أهداف عدة، وقد عددها روحاني وركز فيها على مكاسب الاتفاق بشكل رئيسي. فتحدث عن اعتراف المجتمع الدولي عموماً والغرب خصوصاً بإيران كعضو رسمي في النادي النووي العالمي. فالحوار مع أبرز القوى الفاعلة والمؤثرة في العالم، أمر ليس بالبسيط كما قال روحاني وظريف، الذي أكّد على هذا الأمر من فيينا، وتحقيق النجاح على هذا الصعيد كان كفيلاً بإعطاء إيران ثقل إقليمي ودولي عالي المستوى.

الهدف الثاني الذي حققته هذه المفاوضات حسب روحاني هو الاعتراف بإيران النووية والسماح لها بالاحتفاظ بهذه التكنولوجيا والاستمرار بتطوير نشاطها العلمي والبحثي النووي على الأراضي الإيرانية، وهذا أمر كان على رأس الخطوط الحمراء التي حددها المرشد علي خامنئي والذي أشرف على كل تفاصيل المفاوضات، كما أن قرار عدم إغلاق أي منشأة من المنشآت النووية الإيرانية بموجب الاتفاق رغم حد وتقليص العمل في عدد منها منح طهران مكسب الاستفادة من هذه التكنولوجيا والوقوف جنباً إلى جنب مع باقي الدول النووية. حديث روحاني وما جاء في نص الاتفاق الذي نشرته عدد من المواقع الرسمية الإيرانية إبان الإعلان عن نجاح المحادثات، صب كذلك لصالح إخراج هذا الملف من مجلس الأمن الدولي، ومن تحت الفصل السابع أيضاً، وكلها أمور تعني أن إيران ستتفرغ لمشاريع وقضايا أخرى في وقت لاحق.

ولكن المكسب الأبرز الذي حققه الإيرانيون كان قرار إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد بموجب هذا الاتفاق المعلن عنه في فيينا؛ فقد تم الإعلان عن إلغاء كافة العقوبات المالية والمصرفية والسماح بالإفراج عما تبقى من الأرصدة الإيرانية المجمدة في بنوك الخارج، فضلاً عن إخراج 800 شخص ومؤسسة من لائحة العقوبات الغربية، والسماح بشراء طائرات مدنية وتحسين وترميم الأسطول الجوي الإيراني الذي يعد من أقدم الأساطيل في العالم وكبدت حوادثه البلاد الكثير، كما كبدها الحظر النفطي الذي تم تشديده بموجب قرارات عقوبات أقرها مجلس الأمن الدولي قبل سنوات قليلة ثمناً باهظاً وكل هذا سيجعل البلاد تتنفس الصعداء خلال السنوات القليلة المقبلة، وسيفتح باباً عريضاً أمام الشباب الإيراني للتخلص من أبرز المشكلات التي يعانيها المجتمع الإيراني وهي البطالة.

سيحقق هذا الاتفاق لإيران مكاسب كبيرة تتلخص في تحقيق مصلحة عليا للبلاد من خلال إلغاء العقوبات واستمرار التخصيب وإن كان بنسبة 3.67% وحسب، فضلاً عن عدم إغلاق المنشآت النووية برمتها واستمرار العمل فيها، لكن في الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب مقابل لكل هذه الامتيازات. أبرز النقاط العالقة على طاولة الحوار والتي عقدت التوصل لاتفاق خلال الأشهر القليلة الماضية يبدو أنها ستبقى نقاطاً صعبة التطبيق خلال الأشهر المقبلة، رغم التوصل لاتفاق، فمطلب إيران بإلغاء الحظر عناستيراد الأسلحة لم يتحقق، وبموجب الاتفاق لا يمكن لإيران أن تحصل على أي أسلحة غير دفاعية ولا على معدات ذات أغراض مزدوجة لمدة خمس سنوات، كما مُنعت طهران بموجب اتفاق فيينا من الحصول على الصواريخ الباليستية لثماني سنوات، وهذا كان تنازلاً بالفعل ولاسيما مع إصرار البلاد مراراً على عدم وضع موضوع منظومتها الصاروخية على طاولة الحوار أولاً، ومع إصرارها على إلغاء كل أنواع العقوبات المفروضة عليها ثانياً.

أما الملف المتعلق بتفتيش بعض المواقع العسكرية وغير النووية والتي تشكك الوكالة بقيام إيران بتجارب تحاكي تفجيرات نووية، فيها فشمله نص الاتفاق النووي أيضاً، إذ نصّ على أن تسمح إيران بالدخول لبعض هذه المواقع، ولكنه تفتيش مشروط ومضمون وتستطيع طهران الاعتراض عليه وعدم السماح به. كما أنها تستطيع الاحتكام للجنة دولية لحل هذه الأزمة المرتقبة مستقبلاً في حال عدم اقتناعها بالحجج. لكن تجدر الإشارة إلى أنه قبل الإعلان عن نص الاتفاق نقل كل من رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنهما اتفقا على خارطة طريق لحلحلة مسألة الشكوك المرتبطة بوجود أبعاد عسكرية للبرنامج النووي الإيراني. كما ذكر صالحي وفق وكالة “إرنا” أن طهران ستفتح موقع بارتشين العسكري أمام المفتشين وهو الموقع الذي تقول الوكالة أنه تم إجراء تجارب فيه تحاكي تفجيرات نووية، هذا يعني نية إيرانية بحلحلة هذا الملف. لكن صقور الداخل الإيراني يتربصون بأي قرارات لا تراعي الاتفاق بحذافيره وقد تتجاوز الخطوط الحمراء بذات الوقت.

كثر في الداخل الإيراني ينظرون بعين الحذر والانتقاد لهذا الاتفاق، والسبب يعود إلى أن ما جاء في بعض البنود عبارة عن تنازلات، فإيران كانت تخصب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمائة، وفرض عليها مشروع الاتفاق هذا الذي سيقره مجلس الأمن خلال أيام أن تحتفظ بالتخصيب على أراضيها على شكل مكسب لكن دون أن تتجاوز نسبته 3.67% على أن يبقى الحال هكذا لخمسة عشر عاماً. من جهة ثانية تمتلك طهران 19 ألف جهاز طرد مركزي، وستكون مجبرة على تعطيل معظمها بعد أن نص الاتفاق على استمرار عمل ستة آلاف جهاز طرد فقط في فردو ونتانز، ألف منها لأغراض بحثية وللتحقيقات وما تبقى للتخصيب.

الاتفاق النووي بعد إقراره في مجلس الأمن سيدخل مرحلة إقراره في عواصم الدول المتفاوضة في فيينا لتحويله لاتفاق نهائي حقيقي يبدأ تطبيقه عملياً آنذاك أي بعد ثلاثة أشهر على الأقل. ويحتاج هذا الاتفاق لموافقة لجنة الأمن القومي العليا في الداخل الإيراني بالدرجة الأولى ومن ثم البرلمان الذي أقر قانوناً بهدف “حفظ المنجزات النووية”. لكن هذا لا يعني أن البرلمان المحافظ سيخلق تحدياً صعباً أمام حكومة الرئيس حسن روحاني المعتدلة والداعمة للإصلاحيين.

سيكون على وزير الخارجية ورئيس الوفد المفاوض محمد جواد ظريف التوجه لقاعة البرلمان لتقديم تقرير بموجب القانون الجديد ليعطي كل تفاصيل الاتفاق النووي بوضوح وشفافية للنواب، وسيكون أمامه مهمة صعبة وخصوصاً إذا ما قررت الحكومة إقناع النواب بتوقيع البروتوكول الإضافي والذي سيحل أزمة التفتيش كون بنوده تسمح بدخول المواقع غير النووية، وهذا أمر إن تحقق في إيران، فسيسرع آلية إلغاء العقوبات وسيفتح أبواب البلاد عريضة أمام الخارج من جهة، وسيحقق المكسب الإيراني الأبرز من جهة ثانية، وهو الذي تحدث عنه المسؤولون مراراً، ويرتبط بالتعاون مع القدرات الإقليمية والعالمية للوقوف بوجه “الإرهاب” في المنطقة، ما قد يعني ترتيبات لصفقات إقليمية جديدة قد تكون إيران مؤثرة فيها.