نبيل بومنصف: اللوياجيرغا اللبناني متأنقا/ايلي الحاج:المستقبل والقوات والكتائب: تحت راية لبنان أولاً/اميل خوري: استعادة حقوق المسيحيين تتطلّب وحدة تحدّد نوعها وسبل الحصول عليها

252

“المستقبل” – “القوات” – الكتائب: تحت راية “لبنان أولاً ” الاختلافات مفتوحة على الإدارة في 14 آذار… ليس على المبدأ
ايلي الحاج/النهار/13 تموز 2015

لا تبدو القوى والشخصيات المتحالفة تحت مظلة تحالف 14 آذار مرتبكة في المواجهة السياسية والإعلامية مع الجنرال ميشال عون، مواجهة أشعلت في “تيار البرتقال” موجة نوستالجيا إلى ما كان زمن قصر بعبدا وما تلاه لأعوام مديدة، بزمامير وأعلام وشعارات وشباب وصبايا في الشوارع والساحات. بدا هذا “التيار” كأنه يستذكر انطلاقته، وكأن قائده يحاول استرجاع شبابه السياسي وإن من “حلاوة الروح” بفعل تشوهات لحقت بمسيرته في السلطة منذ عودته الى لبنان قبل عشر سنوات. تشوهات عميقة لعل أبرز أسبابها شخصانية شديدة، تتمثل في التشبث بترشحه هو للرئاسة وإلا لا رئاسة، بترشيح صهره للقيادة العسكرية حتى لو تسبب بأزمة سياسية على غرار أزمة أبقت لبنان ستة أشهر من دون حكومة، إلى أن توزّر فيها صهره الآخر جبران باسيل.

عشر سنوات من المشاركة في السلطة من غير أن تحمل تغييراً ولا إصلاحاً ولا وصولاً إلى ذروتها رئاسة الجمهورية، استنزفت هذا التيار بل أنهكته وبدلت مراراً في ملامح قائده الجنرال، الحائرة صورته بين تهلل لتمضية عيد ميلاده الثمانين مع الرئيس سعد الحريري في بيته، وأمامهما قالبا كاتو، على شوكولا وعلى حليب، وشموع ومشروع اتفاق شامل على رئاسة وحكومة وتعيينات، وبين تهجّم وغضب شديدين يذكّر بأقسى أيام جنرال بعبدا وهو يطلق الاتهامات القصوى ضد “تيار المستقبل” ورئيسه. يجرح هذا التقلّب في التعامل مع رجل واحد صدقية الجنرال. في المقابل مرتاح “تيار المستقبل” إلى ثباته وتحالفاته الداخلية أكثر بكثير من “التيار الوطني الحر”. صحيح أن قوى 14 آذار تضج دوماً باختلافات في الرأي والأسلوب واحتجاجات على طريقة إدارتها السياسية، لكنها اختلافات لا تصل إلى المبدأ أي الخيار السياسي الذي تدافع عنه كل يوم وكل ساعة وإلا فقدت مبرر وجودها: الإيمان بلبنان أولاً، بوحدة شعبه وعيشه معاً مسيحيين ومسلمين، في ظل الدستور واتفاق الطائف المنفتح على تطبيقه وتحسين تطبيقه، على ما ذهب إليه الرئيس سعد الحريري في خطابه في “البيال” قبل سنتين بما يعالج غالبية منابع الشكوى لدى المسيحيين، خطاب لم يُعطَ حقه من دعم ولا من متابعة تحت ضغط التطورات، وأيضاً الظروف الصعبة والمتنوعة من داخل وخارج والتي مرّ بها “تيار المستقبل” نفسه، وفقاً لما يعترف به أركان فيه ولا يخفونه، ويؤكّدون الاقتراب من التوصل إلى حلول لها من خلال لقاءات متتابعة، كالتي حصلت في الأيام الماضية في جدة.

ولكن ألا يضير “المستقبل” سكوت حليفه حزب “القوات اللبنانية” في المواجهة مع “التيار العوني”، وعدم حماسة حزب الكتائب الكبيرة وبعض الشخصيات المسيحية للخوض في هذه المواجهة؟ كلا. ففي خلفية بعض هؤلاء أن الموقف الأفضل في هذه المرحلة هو التفرج على الجنرال عون وهو يصطدم بالجدار من دون إحياءٍ لعداوات مع قاعدته، سواء تقلصت أو توسعت، موقنين أن الرجل يخوض آخر معاركه ويراهن بآخر ما يملك ويخسر الكثير في طريقه، من تضامن حلفاء وأنصار يتحوّلون عنه تباعاً، لا سيما ممن يتابعون ويقارنون، وايضاً ممن يتأثرون بأجواء المؤسسات العسكرية والأمنية. مرتاح “المستقبل”، مدركاً أن ورقة “إعلان نوايا” مع “التيار العوني” لا تغيّر في حليفه “القوات اللبنانية”. لا تتغير “القوات” في هذا الموضوع ولا غيره عندما يتعلق الأمر بالمبدأ، لكن لها أسلوبها والحرية دوماً في التعبير عن امتعاض من لقاءات واتفاقات ومحاولات اتفاق سعى إليها شريكها “المستقبل” مع الجنرال سراً عنها وعلانية، فوق الطاولة وتحتها، في ضوء الثريات والشموع، وفي باريس كما في بيروت. ما هكذا يكتسب أحدٌ، أيا يكن، ثقة سمير جعجع، المتوجّس دوماً من خيانات واتفاقات مريبة لطالما انعكست عليه سلباً منذ بدء حياته السياسية. والرسالة وصلت، وبوضوح: لا يُلدغ “الحكيم” مرتين، لكنه يبقى هو نفسه. والجنرال أيضاً. أما الكتائب اللبنانية، خصوصاً بقيادة النائب سامي الجميّل ورفاقه، فيدرك “المستقبل” أنه حزب لا يتغاضى لحظة عن واقع مؤلم يعيشه اللبنانيون بسبب من الجنرال عون. فقد استطاع هذا الرجل أن يدخل إلى البيئة المسيحية اللبنانية التقليدية اقتناعات – وإن هوائية – عجزت عن إدخالها إليه على مر عقود وعقود أحزاب البعث والسوري القومي والعروبيون الناصريون والمتأسلمون، واليساريون أيام عز الاتحاد السوفياتي، وكل من يعتبرهم حزب االكتائب حملة أفكار تناقض “الفكرة اللبنانية”. يلتفت سامي الجميّل ولا يمكنه إلا التوقف عند مبدأ “لبنان أولاً” الذي يقاتل تحته “تيار المستقبل” ويتلقى الضربات تلو الضربات بسببه، فيما أنصار الجنرال عون يبررون تحت شعار “استعادة حقوق المسيحيين” كل الجرائم بحق لبنان دولة وكياناً وتاريخ نضالات. يلتقي “المستقبل” و”القوات” والكتائب على أنهم يخوضون معركة كبيرة كلبنانيين يدافعون عن لبنان. ميشال عون لا يعنيه سوى تصوير “المستقبل” على أنهم مسلمون سُنّة. يَسقط من حسابه لبنان.

 

استعادة حقوق المسيحيين تتطلّب وحدة تحدّد نوعها وسبل الحصول عليها
 اميل خوري/النهار/13 تموز 2015

كلما كان زعماء مسلمون في أزمة سياسية يثيرون حقوق الطائفة، وكلما كان زعماء مسيحيون في أزمة سياسية يثيرون أيضاً موضوع هذه الحقوق. فالحرب مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بدأت عندما صوّر للمسيحيين فيه أن لبنان سيصبح وطناً للفلسطينيين بديلاً من فلسطين، وصوّروا للفلسطينيين أن المسيحيين خوفاً من ذلك سيرمونهم في البحر… وعندما عقد “مؤتمر الدوحة” لإخراج لبنان من أزمته التي تفاقمت بعد أحداث 7 أيار عاد زعماء مسيحيون من المؤتمر وتغطية لما فرض عليهم في الدوحة بالقول إنهم استعادوا حقوق المسيحيين باعتماد قانون الستين معدلاً، وما لبث أن أصبح هذا القانون مرفوضاً ولا يستعيد شيئاً من هذه الحقوق. وعندما غرق لبنان في أزمة الانتخابات الرئاسية لم يجد زعماء فيه ما يجعلهم يواجهونها سوى القول بأن للمسيحيين حقوقاً يجب استعادتها بدل أن يكون الخروج منها بانتخاب رئيس للجمهورية بداية لاستعادة هذه الحقوق، إذ كيف يمكن استعادة حقوق أي طائفة إذا لم يكن وجود لدولة تحمي الجميع وتساوي بين الجميع. وكما رفع العماد ميشال عون شعار تحرير لبنان من القوات السورية فكانت “حرب التحرير” التي انتهت بفرض وصاية سورية على لبنان دامت 30 عاماً، فإنه يرفع اليوم شعار “استعادة حقوق المسيحيين” ليس بانتخاب رئيس للجمهورية بل باجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عادل ومتوازن يترجم ترجمة صحيحة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وهذا لا يتحقق إلا بوصول رئيس قوي الى رئاسة الجمهورية، وما دام الاتفاق عليه كان متعذراً، فالحل بعد فشل اقتراحات “الاستفتاء” و”الاستطلاع”هو بالعودة الى الشعب بانتخابات نيابية تجرى على أساس قانون جديد من دون أن يأخذ العماد عون بالاعتبارين الآتيين:

1 – ما العمل اذا تعذّر الاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية واستمر الشغور الرئاسي الى أجل غير معروف وصار لبنان يعيش في ظل حكومة متناحرة لا أحد يعرف متى تنفجر من داخلها، ومجلس نواب يعطله الخلاف على “تشريع الضرورة” ولئلا يعتاد الناس حكماً بلا رأس فتبقى الرئاسة الأولى شاغرة الى أجل غير معروف وظل المجلس يعمل بصورة طبيعية وكأن شيئاً لم يكن؟

2 – ما هي الحقوق المسيحية المطلوب استعادتها كي يصير البحث فيها مع الاقطاب المسيحيين الآخرين ومن ثم مع الشريك المسلم حتى إذا تعذّر الاتفاق يكون لكل الاقطاب المسيحيين موقف واحد يتحملون مسؤولية اتخاذه ولا يتحملها زعيم واحد أو حزب واحد؟

إن شيئاً من هذا لم يفعله العماد عون قبل أن يتفرّد في اتخاذ قرار التظاهر سبيلاً لاستعادة الحقوق التي لا تستعاد في الشارع لئلا يقابلها شارع آخر يطالب باستعادة حقوق أيضاً.

لذلك ينبغي أن تتشاور الأحزاب والقوى المسيحية حول تحديد الحقوق المطلوب استعادتها، هل هي المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية التي خسر بعضها في اتفاق الطائف؟ هل هي في قوانين الانتخابات التي لم تتحقق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين، وأي قانون هو الذي يحقق ذلك؟ هل هي في مناصب إدارية في الدولة كانت للمسيحيين وخسروها ويجب استعادتها؟ إن هذا وغيره مما يعتبر حقوقاً ينبغي استعادتها بوحدة موقف بين الاقطاب المسيحيين وبعد تحديدها كي يصار الى البحث مع الشريك المسلم علّه يكون مستعداً للاستجابة لها بالحوار والتفاهم والتفهّم وليس بالتظاهرات وشعارات التحدي بين من يريد لبنان الواحد ومن يريده لبنانين وأكثر. فالزعماء المسلمون لم يحصلوا على ما يعتبرونه حقوقاً لهم، وما يحقق التوازن في توزيع الصلاحيات بين السلطات الثلاث إلا بوحدة موقفهم. فكيف يتوصل الزعماء المسيحيون الى استعادة حقوقهم وهم غير متفقين لا على تحديد هذه الحقوق، ولا على وسائل الحصول عليها، وهل تبدأ استعادتها بانتخاب رئيس للجمهورية باتفاق في ما بينهم، أم بانتخابات نيابية لا أحد يعرف موعد اجرائها اذا ظل الخلاف قائماً على القانون الجديد، أم بالتظاهر كما فعل عون ووجد نفسه وحيداً؟ إن هذه الأمور وغيرها تحتاج الى عقول تفكّر وليس الى أقدام “تخبط” و”تخبّص”…

“اللوياجيرغا” اللبناني… متأنقا!
 نبيل بومنصف/النهار/13 تموز 2015

ربما بات اللبنانيون الذين أذهلتهم مجريات جلسة مجلس الوزراء الاخيرة ببدع خارقة غير مسبوقة في السياسة أو في لياقات المخاطبة الرسمية والخاصة والعامة أو في الاجتهادات الدستورية، يرضون بالقليل مما يخرجهم من هذا الاختناق الانحداري لا اكثر ولا اقل. والحال ان لا فائدة ترجى من مزيد من الثرثرة عقب انهيار آخر المعايير الجادة للحكم ليس عبر نمط المشادات والصراخ والغضب داخل السلطة العليا الاخيرة التي تجسد آخر بقايا الهيكل الدستوري فحسب بل اساسا عبر هرطقة “انزال” صلاحيات منفوخة على الوزيرتجيز له ان يحل محل رئيس الجمهورية. بصرف النظر عن “الفطنة” المذهلة التي زينت لصاحب البدعة تفجير هذه السابقة لم نعد نقف عند مجريات تداعياتها داخل مجلس الوزراء مقدار ما نتساءل كيف يمكن اجتراح تسوية مع “فكر سياسي” كهذا من الآن وصاعدا؟ لا يستدعي الامر مزاحا وخفة ابدا، بل من الخطورة بمكان التعامل مع هذه البدعة كأنها كانت الامتداد للاحتجاج في الشارع تحت عنوان براق يدغدغ “الحرمان المسيحي”. ثمة كثر من المسيحيين على الارجح غضُوا الطرف عن العنوان والوسيلة في التعبير ولو من دون اقتناع ولا تأييد، ولكننا لم نر أو نسمع أو نعاين مسيحيين ذهبوا الى هذا الجنوح في تسخير الدستور وتسخيفه. ولا يشكل اسقاط الرئاسة دفعة واحدة على مقاس الوزير وإناطة صلاحياته الانتقالية به الى حدود التنمر على رئيس الحكومة في البعد الدستوري والسياسي اقل من احدى علامات اعلان الجمهورية اللبنانية دولة هالكة لا فاشلة فقط لو قيض لهذه الهرطقة ان تسري. لعل الاخطر في هذا المنقلب، وما لم يجر تدارك الأسوأ بأسرع وقت، ان تغدو البدع المماثلة وسيلة حكم الفريق الاعتراضي وداعميه ما دامت معادلة عدم كسر فريق ومنع انهيار الحكومة سترسو الى يوم قيامة انتخابات رئاسية باتت بين أرجل الفيلة الإقليميين الى يوم الدينونة. هذا اللغو المخيف في توازن شديد السلبية رست فوقه الحكومة وأطلق العنان لتعبئات طائفية فوق الشحن المذهبي يعني امرا واحدا هو ربط نزاع الاستنزاف اللبناني على الاستنزاف السوري لا اكثر ولا اقل. فلا يفرحن احد بتمايزات داخل الفريق الاعتراضي ولا بطبيعة الحال بتبدل بعض الاصطفافات المصلحية بين الافرقاء الآخرين. اننا امام لوحة التوغل في الانهيار السياسي من كل حدب وصوب ما دامت هرطقة تقتحم مجلس الوزراء بهذا المضمون تصبح ركيزة متقدمة لتقويض بقايا النظام، ولا شيء سيمنع تكرارها تباعا والإضافة اليها ما لذ وطاب من البدع المتراكمة. ولن نظلم “اللوياجيرغا” الافغاني وسواه من المجالس القبلية والعشائرية بمقارنتها بهذا الشيء الوافد علينا ولو برباطات عنق متأنقة!