غسان شربل: خامنئي وأوباما وفيتنام/ديانا مقلد: سيلفي مع أرواحنا المثلومة/محمد عقل: رسم الهلال الإيراني يؤخر توقيع الإتفاق النّووي

267

خامنئي وأوباما وفيتنام
غسان شربل/الحياة/13 تمو/15

< حثّ المرشد الإيراني علي خامنئي حشداً من الطلاب الإيرانيين على الاستعداد «لمواصلة قتالكم ضد الغطرسة العالمية» مشدداً على «عدم توقف المواجهة مع (الاستكبار) حتى بعد المفاوضات النووية مع القوى الست» ومؤكداً أن هذه المواجهة «من أسسس الثورة الإسلامية الإيرانية ومبادئها ولن تتوقف مطلقاً». وجاء كلام المرشد في وقت كان وزير خارجيته محمد جواد ظريف يواصل المفاوضات الماراتونية في فيينا خصوصاً مع جون كيري وزير خارجية «الشيطان الأكبر». وجاء كلام خامنئي بعد يومين فقط من تلميح هاشمي رفسنجاني إلى إمكان «إعادة فتح السفارة الأميركية في طهران» لافتاً الى أن بلاده «تجاوزت المحرمات مع الغرب وأميركا». انشغال أهل الشرق الأوسط بزلازلهم وتمزقاتهم يحرمهم غالباً من الالتفات الى مشاهد دولية كثيرة الدلالات. مشاهد تعني الشعوب والدول والسياسات ولغة النوم على حرير الانتصارات. أقصد هنا صورة تستحق أن يتأملها أهل النزاعات في المنطقة وبينهم خامنئي والجنرال قاسم سليماني والسيد حسن نصر الله.

في السابع من الشهر الجاري استقبل الرئيس باراك أوباما في المكتب البيضاوي، وبمزيج من الاهتمام والود، زائراً استثنائياً. اسم الزائر نغوين فو ترونغ وهو زعيم الحزب الشيوعي الفيتنامي. جاء اللقاء، وهو الأول من نوعه، بعد عشرين عاماً من معاودة العلاقات الديبلوماسية وبعد أربعين عاماً من سيطرة أسلاف الزائر على سايغون مُنزلين بأميركا أقسى هزيمة عسكرية تعيشها في العصر الحديث.

لو استسلم الزائر للغة الماضي لما غامر بزيارة معقل من كان بالنسبة الى بلاده «الشيطان الأكبر» والعدو الأول. ولا حاجة الى التذكير بأن بين الفريقين بحراً من الدم وسنوات مريرة من الاقتتال. ففي سايغون أُرغم الجيش الأميركي على اقتلاع علم بلاده والانسحاب المذل. لكن القائد الفيتنامي جاء من قاموس الحاضر لا الماضي. ورثة من قاتلوا أميركا وأذلوها يريدون اليوم التقدم والازدهار والاستقرار لا الانتصار. يريدون الانتصار على ذل الفقر والبطالة وبناء جامعات عصرية واللحاق بركب التطور العلمي والتكنولوجي. جاء الزائر يريد توسيع التبادل التجاري وتعزيز التعاون العسكري فـ «الشيطان الأكبر» الجديد بالنسبة الى بلاده هو المارد الصيني بنجاحاته الاقتصادية وتطور آلته العسكرية.

اكتشفت فيتنام أن حسابات المستقبل أهم من جروح الماضي. وأن أرقام الاقتصاد أهم من أناشيد الأمجاد. واكتشفت أيضاً أن دينغ هسياو بينغ لا ماو تسي تونغ هو من صالح الصين مع العصر والتطور. وأنه لو تمسكت بلاد ماو بحرفية وصفات «الكتاب الأحمر» لبقي مئات ملايين الصينيين بلا منزل وشهادة ومدرسة وسيارة.لم تنتصر إيران على أميركا كما انتصرت فيتنام عليها. أذلتها لبعض الوقت في حادثة الرهائن في السفارة الأميركية في طهران. رعت احتجاز أميركيين رهائن في بيروت. حاولت لاحقاً إيقاع أميركا في فيتنام عربية وإسلامية في العراق. حاولت تطويق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بالاختراقات الميدانية وترسانات الصواريخ. لكن علينا أن نتذكر أن أميركا منعت إيران من الانتصار على العراق ما اضطر الخميني الى تجرع سم وقف النار مع نظام صدام حسين. وفي الفترة الأخيرة أوجعت أميركا إيران بالعقوبات الاقتصادية ما اضطرها الى سلوك طريق المفاوضات.

أظهرت التطورات في المنطقة أن إيران لا تستطيع طرد أميركا من الإقليم. أقصى ما تستطيع التطلع اليه هو السعي الى أن تكون الشريك الأول في الرقص معها. وللرقص شروط تستلزم اتخاذ قرارات مؤلمة وإحالة بعض القاموس الى التقاعد. أظهرت أيضاً أن إيران لا تستطيع أن تكون دولة طبيعية في المجتمع الدولي من دون شهادة حسن سلوك أميركية. تستطيع إيران هنا التمعن بمسيرة العلاقات الكوبية – الأميركية. كوبا الحالية، كفيتنام الحالية، تحلم باستقبال مزيد من المستثمرين والسياح الأميركيين.

يتساءل أهل الشرق الأوسط أي إيران سنرى بعد الاتفاق النووي؟ وهل ستوظف عائدات الاتفاق، وهي كبيرة، في متابعة سياسة الفتوحات؟ ثمة من يعتقد أن التهاب خطوط التماس السنّية – الشيعية ينذر بتحويل سورية الى فيتنام لإيران قبل أن يكون لخصومها. والحقيقة أن مسارح الاختراقات الإيرانية في الإقليم مشتعلة أو متصدعة. يجدر بطهران قراءة الحديث الأخير لمايكل هايدن المدير السابق للاستخبارات المركزية الأميركية. قال: «لنواجه الحقيقة: العراق لم يعد موجوداً ولا سورية موجودة ولبنان دولة فاشلة ومن المرجح أن تكون ليبيا هكذا أيضاً».

لا تستطيع إيران احتمال فيتنام سنّية في سورية. ولا تستطيع احتمال التزامات واسعة ناء تحتها الاتحاد السوفياتي. عليها قراءة الوقائع الفعلية على الأرض وكلام هايدن. عليها الالتفات إلى صورة أوباما يستقبل باهتمام وريث هوشي منه. وأغلب الظن أن الإيراني يريد في النهاية دولة طبيعية مستقرة ومزدهرة، وهو ما يريده الصيني والفيتنامي.

رسم «الهلال الإيراني» يؤخر توقيع الإتفاق النّووي
محمد عقل/جنوبية/ الأحد، 12 يوليو 2015
الاتفاق النووي
الإتفاق النووي الأميركي – الإيراني بداية لرسم الشرق الأوسط الجديد وقلبه “إسرائيل”. كيف سيكون ذلك دون الإصطدام بـ “الهلال الإيرانيّ”؟ هذا هو السر الذي يعطّل توقيع الإتفاق. واشنطن ترسم التوازنات الحساسة بين داعش وحزب الله ونشوء دول المذاهب لنيل رضى الكل.
ليس صحيحًا أن “النّوويات” تعيق اتفاق واشنطن- طهران. وما مسألتا البرمجة النووية ومنع الصواريخ البالستية هي “الخطوط الحمر” المعلنة، وﻻ عمليات التفتيش التي سيقوم بها المفتشون الدوليون إلى المنشآت ﻻحقًا. هذه المسائل على أهميتها ما هي سوى رأس جبل الخلافات مع الشيطان الأكبر.
إن عقدة الخلافات باختصار هي حدود مصالح إيران الحيوية في كلٍ من الخليج العربي ومصر والعراق وسورية وصوﻻً إلى لبنان، إنه “الهلال الإيراني”.
النقطة السّاخنة هي أمن الإحتلال الإسرائيلي، والإعتراف الضمني به. وبالتالي من يضمن أمن المفاعلات الإيرانية؟ ومن يمنع الإحتلال الغادر والقوي من تكرار تجربة تدمير مفاعل تمّوز العراقي (1980)؟ وما هي حدود التعاون الأميركي – الإيراني لمحاربة الإرهاب؟ خصوصًا مع قبول إيران بذلك، عبر إعلانها عن ضرورة قيام “شراكة حتميّة” ضد داعش، وما هي معايير الإرهاب؟ وما هي حدود الدور الإيراني المرسوم في الشرق الأوسط الجديد؟
إيران ﻻ تمانع في الشراكة الندية، بينما لن تخاطر واشنطن بتسمية تهران شريكًا.بل هي عنصرا حيويًّا من “سيبة الشرق الجديد” كمشروع أميركي. خصوصًا وأنّ “إسرائيل” شريك مضارب وأساسي لإيران وتركيّا.
هذا ﻻ يعني أن الإتفاق النوويّ لن يُوقّع بين الطرفين، لكن بضوابط أميركية تكون راضية عنها تل أبيب. ولهذه الأسباب تؤخر واشنطن توقيع الإتفاق، لأسباب يراها المراقبون أكثر من وجيهة. ومنها:
1- لن ترفع واشنطن عقوباتها عن تهران لمزيد من الضغط المفضي إلى ضعف في الدعم الإيراني لحزب الله ودمشق الأسد لإطالة الحرب.
2- من شأن ذلك جعل واشنطن تتحكّم بلعبة الموت في الحرب السورية، وجر الأطراف إليها والتخلّص من الكل وفي مقدمهم حزب الله وداعش على السواء.
3- تكريس “إسرائيل” قوة ضاربة ودولة عصرية متفوّقة وتنتشر حولها دويلات فاشلة وممزقة مذهبيًّا وإثنيًّا وعشائريًّا. وهذا يُنهك إيران على المدى البعيد بصراعات عربية – عربية وعربية – فارسية ﻻ تنتهي.
4- تحكّم واشنطن وتل أبيب بإدارة ملفات المنطقة المرهقة والممزقة على قاعدة توريط الكل، ودعم الكل. وخير دليل محاولة الإلتفاف الخليجية نحو روسيا، ولكن بعد فوات الأوان.
إن هذه الأسباب هي التي تجعل الإتفاق النووي يتأرجح ويترنّح منذ حوالى 11 سنة. والذي عقّد الأمور أكثر هو محاولة إيران الجادة مؤخّرًا تنفيذ مخطط “الهلال الإيراني” في العراق وسوريا ولبنان. وتحقيق اختراق عسكري استراتيجي لليمن وإمكانيّة تطويق مصر عبر السويس.
وقد وازنت واشنطن بين أطراف الصراعات المفتوحة، فطائرات التحالف تقصف داعش في عراق إيران برضاهما. وتقصف دواعش سورية الأسد برضاها أيضًا. وترفض في الوقت عينه دخول أنقرة لتصفية داعش وتدمير النظام السوري أو استحداث منطقة حذر آمنة، وتسكت واشنطن في الوقت نفسه عن دخول ميليشيا حزب الله، مع العلم أنها تعتبر الحزب المذكور منظمة إرهابية.

سيلفي» مع أرواحنا المثلومة
ديانا مقلد/الشرق الأوسط/13 تموز/15
قالت الأخبار إن «ياسين صالحي» مرتكب جريمة ليون في فرنسا التقط عبر هاتفه صورة سيلفي مع رأس ضحيته مديره السابق بعد أن ذبحه وأرسل الصورة إلى شخص يعتقد أنه يقاتل مع «داعش» في سوريا.. صحيح أن الأمن الفرنسي اعتقل القاتل وصادر هاتفه وأن الصورة لم تنتشر ولم نرها، لكن وقع المعلومة وتخيلها التصق بعيوننا فكأننا شاهدناها فعلا.. وكشفت المعلومات أيضا أن «سيف الدين رزقي» مرتكب مجزرة شاطئ سوسة في تونس التقط «سيلفي» مع سياح بريطانيين قبل فعلته بل وصور بعض ضحاياه بعد أن قتلهم..
ليسا أول قاتلين يلتقطان صور السيلفي مع ضحاياهم، فصور الذات بحلتها الحديثة أي السيلفي مع قتلى الخصوم باتت شائعة في زمن الحروب الكبرى والصغرى التي نعيشها. لعل من أشهر تلك اللقطات أيضا لقاتل داعشي يحمل رأس مقاتلة كردية في كوباني في سوريا بعد أن قتلها فيما كان شعرها الأشقر يتدلى وهو يبتسم للصورة.. يقال إن السيلفي باتت أشبه بداء عالمي وإن هناك نحو مليون سيلفي وربما أكثر تسجل يوميا. و«داعش» لم تقاوم هذا الإغراء وهاهم مسلحو التنظيم يظهرون في الكثير من الصور. طبعا ليسوا وحدهم فهناك قتلة لجهات مختلفة رسمية وحزبية يلتقطون تضخم أناواتهم في صور مع ضحاياهم وخصومهم أكانوا أسرى أحياء أو بعد قتلهم..
إذ الشاغل هو تخليد الذات في ذروة لحظة العنف.
يقول الباحثون إننا نعيش عصر النرجسية والقلق، وإن لقطات السيلفي اليومية التي تظهرنا في حياتنا العادية والخاصة هي الأكثر تظهيرا لتلك الأنا المتضخمة والمضطربة. لكن أي أنا تظهرها لقطات سيلفي من نوع ما فعله «ياسين صالحي».. من الشائع أن يتم ربط سلوك عنفي ما برده إلى ما نراه في الإعلام أو في السينما أو في ألعاب الفيديو.. في الحقيقة ليست تلك جميعها سوى أدوات لكن ما نراه من عنف ومن نرجسيات عائد للإنسان نفسه وحياته وبيئته قبل أي عامل آخر. فملتقط السليفي مع ضحاياه يعلن لنا أنه لا يبالي بنا وبأن صورته مع رأس ضحيته أو مع جسد خصمه هو ذريعة الصورة وغايتها الوحيدة.. فنحن في سعي يومي لصوغ سرديات حول حياتنا نخبرها لأنفسنا وأحيانا للآخرين. والسيلفي في حالتها القصوى كحالة ياسين صالحي هي من ذاك النوع الذي يصفع الوجوه. ففي عصر العنف المعولم ومع شيوع الحروب وانهيار شبكات الأمان الاجتماعي وانعدام الاستقرار السياسي وتضخم عدد السكان ونقص الماء والغذاء والفقر والتغير المناخي وتصاعد حالات النزوح واللجوء، كلها عوامل تؤثر على كيف نقيم منظورنا للحياة ولذواتنا المرتبكة.
في وجه كل تلك المشكلات الكبرى نجد أنفسنا كأفراد محدودي الوسائل والخيارات، لذا ليس مفاجئا أن نستغرق أكثر في عوالمنا الخاصة والتي قد تجد سبلا لتنفجر في وجوهنا بشكل صادم كما فعل مرتكب مجزرة ليون..