علي نون: صحوات» سوريّة// روزانا بومنصف: هل يُحرّك التصعيد العوني الملف الرئاسي//خليل فليحان: ديبلوماسياً لبنان تحت العناية الفائقة جلسة صاخبة اليوم والشارع بدل الحوار

219

«صحوات» سوريّة؟
علي نون/المستقبل/09 تموز/15

تجربة «الصحوات» في العراق كانت واحدة من أنجح الخطوات التي رعاها قائد المنطقة الأميركية الوسطى السابق الجنرال ديفيد بترايوس في سياق الحرب على «القاعدة» ومخلفاتها وملحقاتها، وخصوصاً تلك التي قادها «أبو مصعب الزرقاوي» قبل أن يُقتل هذا نتيجة غارة جوية استهدفته في ريف بعقوبة في حزيران عام 2006. و»الصحوات» كانت تعبيراً عن سياسة حصيفة وصحيحة وبعيدة النظر اعتمدها الأميركيون في حربهم ضد الإرهاب «القاعدي» ونجحوا فيها، قبل أن يتولى نوري المالكي نسفها من أساسها انطلاقاً من حساباته المذهبية القميئة والمدمّرة والتي تبيّن في الإجمال أنها كانت أبرز الأسباب التي أوصلت العراق إلى وضعه الكارثي اليوم، وجعلته مكشوفاً تماماً أمام إيران ومناوراتها و»داعش» وطلاسمه. الأساس الذي بنى عليه الجنرال بترايوس فكرة «الصحوات» كان شديد البساطة: لا تنجح الحرب على «القاعدة» وإفرازاتها إلاّ من داخل البيئة التي تفترض أنها حضنها الآمن.. العامل العسكري الخارجي (الأميركي) مساعد ومؤثر ومطلوب ميدانياً، لكن الأساس هو جذب مكوّنات البيئة (العشائرية السنية) إلى دائرة تلك الحرب انطلاقاً من ثابتتين مقنعتين، الأولى: أن الإرهاب عدمي عبثي، لا ديني، وأضراره الدائمة أكبر من أي فائدة عابرة. والثانية: أن المشاركة في هذه الحرب تؤكد المشاركة في السلطة المركزية في بغداد وتقطع الطريق على محاولة الاستفراد بها.. عدا عن أنها في الإجمال تمنع تمدّد المواجهات باتجاه فتنة مذهبية، مماثلة للتي تحصل اليوم (بالمناسبة)، تحت ستار محاربة «داعش»! كان يمكن لتلك التجربة الفذّة أن تطمس الخطيئة الاستراتيجية التي ارتكبها الحاكم المدني الأميركي عندما حلّ الجيش العراقي ورمى مئات الألوف من عناصره وضباطه في الشارع قاطعاً أرزاقهم ومصدر عيشهم وجاعلاً من جزء كبير منهم أمام خيار الموت جوعاً أو الذهاب إلى «القاعدة»! لكن المالكي وأسياده الإيرانيين كانت لهم أجندة مختلفة، أساسها الاستئثار بالسلطة والشروع في رحلة «تصفية الحساب» مذهبياً وبمفعول رجعي، مع النصف الآخر من العراقيين باعتبارهم حاضنة «البعث» الصدّامي الآفل! حديث «الصحوات» العراقية القديم هذا أفرزته حديثاً الأنباء التي نشرتها صحيفة «إندبندنت» البريطانية بالأمس عن اجتماعات عُقدت في جنيف بين ممثلين للعشائر السورية (السنية) وآخرين يمثلون دولاً معنية بإنهاء النكبة السورية في وجهيها الاسدي و»الداعشي». حظوظ نجاح تجربة «الصحوات» السورية موازية لتلك العراقية، لكن ذلك لا يغيّب نقطة ضعف قد تكون قاتلة في هذا المسار: بدلاً من جورج بوش في «البيت الأبيض» هناك باراك أوباما! وبدلاً من الجنرال بترايوس هناك «شيء غريب» في «البنتاغون» اسمه الجنرال ديمبسي!.. أما المالكي (السوري) فهو بالكاد يتدبر رأسه ويلملم انهيارات بقايا سلطته، قبل أن ينقل بقايا تلك البقايا إلى مسقط رأسه في الشمال السوري.. وقريباً جداً!!

 

هل يُحرّك التصعيد العوني الملف الرئاسي؟ المحاذير على الطائف تتجاوز كل الحسابات
 روزانا بومنصف/النهار/9 تموز 2015

ال عون يصوّب عبره في شكل اساسي على تيار “المستقبل”، فان ثمة من يعتقد ان هذا التصعيد يطاول جزئياً وبنسبة اخرى ايضا حليفه المباشر “حزب الله”. فانطلاقا من واقع التسليم بأن ايران هي التي تمسك بورقة الرئاسة وتعمد الى تعطيل انتخابات الرئاسة من خلال الاصرار على انتخاب عون رئيساً، فان الضغط الذي يمارسه عون تحت وطأة اعتبارات محاولة استباقه البازار النووي بين الولايات المتحدة وايران ونتائجه المحتملة، يطاول ايران وحليفه المحلي اذا تم التسليم جدلاً بأن نتيجة التصعيد قد تؤدي الى فتح ملف الانتخابات الرئاسية. وتالياً فان هذا التصعيد في حال وجد طريقة لتفعيله او ابقائه حياً ربما يؤدي الى استعجال وضع الملف اللبناني على طاولة البحث فيكون ذلك محركاً لابرام صفقة تتناول الانتخابات وقيادة الجيش وسائر الاستحقاقات العالقة. لكن في السياق الراهن للامور فإن هذا التصعيد يبدو بالنسبة الى سياسيين معنيين احراجاً لـ”حزب الله” اكثر منه تنفيذا لاجندة اقليمية تتصل بالوصول الى المؤتمر التأسيسي الذي يريده الحزب. فالحزب قد يستفيد على المديين المتوسط والبعيد من اطاحة عون اتفاق الطائف استناداً الى ما كان أسرّ به مسؤولون ايرانيون الى الموفد الفرنسي جان كلود كوسران لدى وساطته مع طهران حول الوضع اللبناني قبل أعوام. لكن احدا لا يمكن ان يهمل احتمال وجود اجندة اقليمية وراء مطالب عون تحت شعار “حقوق المسيحيين” التي تفتح الباب على حقوق اخرى لسائر الطوائف انطلاقاً من ان عون ما كان ليضرب بهذا السيف او يستخدمه لولا انه يتكىء على دعم الحزب له على طول الخط. ذلك ان المعطيات الحقيقية تفيد بأن الحزب يواجه معضلة حقيقية في سوريا بحيث لا تعبّر انتصاراته المعلنة في القلمون او الزبداني عن حجم المأزق الذي يصل الى حد تحيّن الظروف والفرصة من اجل الانسحاب من الوضع السوري من دون خسائر معلنة او ظاهرة فيعطي اوراقا قوية لمعارضيه ومنتقديه في هذا الاطار. والبعض يقول ان رئيس “التيار الوطني الحر” لا يقرأ بين سطور الحوار القائم بين “حزب الله” وتيار “المستقبل” ما يراه كثر من ان ثمة وصلة يقيمها الحزب مع التيار تحسباً لكل الاحتمالات في سوريا وبقاء خيط التواصل قائما مع السنّة المعتدلين في لبنان وعبرهم على رغم الخطابات التي يدلي بها مسؤولون في الحزب فيما هذه الاحتمالات لا تنبىء في أي حال بامكان انتصار النظام السوري او استرجاع سيطرته بل بحكم انتقالي تطمح فيه الطائفة العلوية بأن يكون لها او تحصل على ما لدى المسيحيين في لبنان. واكثر من ذلك فان كلام وزير الخارجية جبران باسيل الوارث المرجح لرئاسة “التيار” استفز حلفاء التيار بكلام كان له الاثر السلبي القوي لدى هؤلاء الحلفاء قبل الخصوم.

اذا استطاع عون عبر تصعيده السياسي والشعبي في الشارع الدفع نحو تقديم اولوية لبنان على سائر ملفات المنطقة بعد الاتفاق النووي الايراني، فقد يكون ذلك ايجابياً الى حد ما. لكن مطلعين كثرا يخشون الا تكون نتيجة هذا التصعيد سوى مزيد من الاضطراب الداخلي في ظل خطاب سياسي خطير من حيث الرغبة في اطاحة اتفاق الطائف او اطاحة النظام وتغييره يقول مطلعون انه يأتي في اطار مخاوف عون ليس من احتمال عدم تعيين صهره العماد شامل روكز في قيادة الجيش، باعتبار ان هذه الورقة باتت مضمونة في جيبه كما يقول هؤلاء، بل من التلويح غير المباشر له باعادة رفع منسوب او حظوظ قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي للرئاسة الاولى. وعدم اسقاط ورقة قهوجي بحيث يحتمل التفاوض مع عون لاحقاً على مقايضة تعيين روكز في قيادة الجيش في مقابل انتخاب قهوجي رئيساً هو أحد الاسباب التي تكون قد استفزته، في الوقت الذي يعتبر البعض ان اعادة ابراز احتمال وصول قهوجي الذي يشكل نقطة تقاطع بين بعض الافرقاء والثناء المستمر عليه في قيادة الجيش ومن الخارج ايضا قد لا يكونان صحيحين كلياً ما دام هناك مَن سيرفض اهمال امتلاك العماد عون حق الفيتو في هذا الاطار او مَن قد يرفع اوراق التفاوض وتعزيزها في وجه عون متى حان الوقت لذلك. وثمة من يقول ايضاً ان استباق عون موعد انتهاء الولاية الممددة لقهوجي هو رغبته في تعيين روكز من اجل امتلاك قدرة التأثير المعنوي من خلال ما يعتقد بامتلاكه الورقة الامنية في البلد فيمكن التأثير من اجل تعزيز حظوظ انتخابه للرئاسة الاولى، علماً ان هذه الحظوظ تراجعت كثيراً ولا مكان لها بالنسبة الى المطلعين العارفين، خصوصا بعد ما يناهز سنة ونصف سنة من الشغور الرئاسي وما دامت ايران تحارب على جبهات عدة في المنطقة بحيث يتعذر التسليم لها في لبنان بمكسب سيسجل في خانتها مع الدعم العلني والمستمر من الحزب لانتخاب عون رئيساً. السؤال بالنسبة الى المطلعين المعنيين: هل يستطيع عون من خلال اثارة الاضطرابات في الداخل وتعطيل مجلس الوزراء تعديل روزنامة الافرقاء الخارجيين من اجل تقديم اولوية لبنان ام لا؟ بالتجربة التي تعود الى زمن ترؤسه الحكومة العسكرية لم يستطع تحقيق هذا الأمر. لكن ثمة من يؤكد ان تصعيده المرتفع السقوف سيدفع الى مراعاته اكثر في امور عدة.

ديبلوماسياً لبنان تحت العناية الفائقة جلسة صاخبة اليوم والشارع بدل الحوار
 خليل فليحان/النهار/9 تموز 2015

وضع لبنان تحت المجهر الديبلوماسي، وهو يحتاج الى عناية فائقة في هذا الظرف بالذات، نظراً الى حالة الاهتزاز السياسي التي يمر بها بسبب التعبير عن عدم التجاوب مع ما يطالب به النائب ميشال عون لجهة تحقيق الشركة الفعلية للمسيحيين في المعادلة السياسية الداخلية، ورفض حالة التهميش التي تمارسها عليهم قوة سياسية معينة لا تأخذ في الاعتبار موقعهم. وأتى اجتماع قصر بسترس نارياً، ووصف وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الرئيس تمام سلام بأنه “فخامة رئيس الحكومة”.

هذا ما نقل عن سفراء أجانب وعرب في بيروت تهتم ودولهم بالحفاظ على الاستقرار في لبنان، ولا سيما الذين ينتمون الى دول المجموعة الدولية لدعم لبنان، وقد سجلوا استغرابهم الشديد لما آلت اليه الاوضاع في البلاد، اذ باتت تسلك بسرعة طريقاً خطرة قد تهدد المظلة الدولية القائمة حتى الآن لحمايته من الحرائق المشتعلة في سوريا وفي دول عربية أخرى وسط صراع اقليمي سعودي – ايراني على النفوذ. ويزيد مخاوفهم ان الساعات المقبلة تحمل في طياتها شرارات لارباك الناس في أعمالهم وفي الطرق المؤدية اليها وفي سد الطرق المؤدية الى السرايا لمنع مجلس الوزراء من الانعقاد في حال اصرار الرئيس تمام سلام على عقد جلسات تحت شعار منع تعطيل هذه المؤسسة، ومن أجل تسيير الحد الأدنى من شؤون الناس والدولة، دون ان يعني ذلك تحدياً لقوة سياسية وشعبية وازنة.

ولفت احد السفراء الى أن احد المسؤولين البارزين ابلغه ان مساعي عديدة بذلت من وزراء او اصدقاء للطرفين من أجل التروي والتهدئة وحصر الخلافات السياسية داخل مجلس الوزراء، إلا انها فشلت جميعها. شق موقف عون الحالي الحلفاء، فـ”حزب الله” يؤيده بشكل كامل، الرئيس نبيه بري، ضد توجهه، “المردة” ضد النزول الى الشارع لأنه ليس أوانه. واستناداً الى معلومات استقاها من اكثر من وزير، ان سلام مصرّ على عقد جلسة اليوم الا ان هذه الجلسة ستكون صدامية بين الوزيرين العونيين جبران باسيل والياس بوصعب من جهة وبين سلام من جهة ثانية ووزراء يدعمون موقفه حتى اقرار دعم تصدير المنتجات الزراعية بـ21 مليون دولار، باعتبار ان هذا القرار خرق لما يريدونه من المجلس بحصر النقاش بالتعيينات الامنية وتحديداً قائد جديد للجيش. ومن المتوقع ان يحصل جدل حول الصلاحيات وان رئيس الحكومة هو الذي يدرج القضايا للنقاش، وان رئيس الجمهورية وحالياً الوزراء لهم حق الاطلاع عليها دون حذفها أو تثبيتها. وأعرب عن أسفه ان ينتقل النقاش من قاعة مجلس الوزراء الى الشارع في ظل التهديدات الارهابية التي تطال لبنان ليس فقط من حدوده الشرقية ومن تمركز الآلاف من مقاتلي “داعش” و”النصرة” في جرود عرسال، بل أيضاً من الداخل ومحاولات التسلّل اليه في أكثر من منطقة، بدليل الاعداد الكبيرة التي تمكنت الاجهزة الامنية من توقيفها. وأوضح مصدر وزاري ان استنفاراً أمنياً بدأ من أجل رصد التحركات مع بدء نزول أنصار التيار الى الشارع، وهناك وعي ان الجميع لا يريد أي اهتزاز امني في البلاد أو السماح لأي تسلل ارهابي الى صفوف المعتصمين او المتظاهرين.