ايلي الحاج: لو قال مورفي الضاهر أو عون لقبلْنا بالضاهر التاريخ يكرّر نفسه في لبنان بسخرية أحياناً// سمير منصور: شعار الفيديرالية من الصيفي الى الرابية مَن هم أطراف “المنازلة” التي يهدّد بها عون؟

263

“لو قال مورفي “الضاهر أو عون” لقبلْنا بالضاهر” التاريخ يكرّر نفسه في لبنان… بسخرية أحياناً
ايلي الحاج/النهار/8 تموز 2015

ما أشبه اليوم بالبارحة. من يصدّق أن 27 سنة مرّت على يوم أبلغ فيه المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي اللبنانيين بأن أمامهم الخيار بين “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ وكان عائداً من دمشق وبالكاد انتزع من حافظ الأسد قبولاً بنائب عكار المخضرم، بعدما كان الرئيس السوري الراحل قطع حديثه مع الرئيس أمين الجميّل الذي زاره في اليوم قبل الأخير من انتهاء ولايته عندما تبلّغ عبر قصاصة ورق أن قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع توجه إلى اليرزة والتقى قائد الجيش ميشال عون. وكان الحدث أقرب إلى انقلاب فالرجلان لم يتطايقا من أيام الشيخ بشير الجميّل الذي جمعهما عام 1980 في لجنة برئاسة الأستاذ أنطوان نجم مهمتها وضع خطة لوصوله إلى قصر بعبدا. كان رأي عون أن يأخذ بشير السلطة بانقلاب عسكري لكن بشيراً وبقية فريقه أصرا على انتخاب دستوري، والتفاصيل في كتاب آلان مينارغ “أسرار حرب لبنان” وذاكرة الأستاذ نجم وأوراقه. همس مورفي “الضاهر أو الفوضى”. قال جعجع إن الضاهر “مكبّل بالتزامات مع السوريين تشبه “الإتفاق الثلاثي” الذي أسقطناه (مع الرئيس الجميّل)”. سيقول مازحاً بعد سنوات “لو أخبرنا مورفي أن الخيار هو بين الضاهر أو عون، لاخترنا الضاهر”. قبل تسلم عون رئاسة حكومة العسكريين لم يكن أحد يستطيع تخيّل الفوضى التي ستنزل بلبنان. ما أشبه اليوم بالبارحة. انتزع مورفي موافقة الأسد على الضاهر في لحظة توافق أميركي – سعودي – سوري عليه وبصعوبة بالغة خلافاً لسلفه روبرت مورفي الذي قاد المهمة نفسها عام 1958 ولكن مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر وجاء توافقهما باللواء فؤاد شهاب رئيساً. وما أقسى واقعية شارل رزق في كتبه ولقاءاته حين يؤكد أن انتخاب رئيس لبنان مسألة صورية بروتوكولية منذ زمن بعيد ولا جديد تحت الشمس ولا خجل، حتى أن الرئيس السوري الابن بشار تباهى بفعلته ولم ينقض كلامه أي من الرؤساء المعينين. اتفق عون وجعجع على رفض الضاهر ولكن لم يتفقا على رئيس التسوية حين تأتي لحظة التسوية وكان الثمن خسائر هائلة نُكِب بها المسيحيون خصوصاً. بعد 27 عاماً تقول معلومات إن الموفد الفرنسي الفاتيكاني فرنسوا جيرو تحدث عن سفير لبنان لدى الفاتيكان جورج خوري وحاول تسويقه لدى طهران رئيساً. وتردّد أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف تحدث عن الوزير السابق جان عبيد، وأن اسم قائد الجيش العماد جان قهوجي يلقى استحساناً في المملكة العربية السعودية. لكن الأكيد أن عون وجعجع لم يتوافقا إلا على تظهير من يكون منهما أولى بتولي الرئاسة من خلال استطلاع للرأي أو سواه. التاريخ يتكرر ولكن ليس بالضبط. لا عون ولا جعجع اليوم كما كان كل منهما في 1988. ورئيس سوريا فقد قدرته على تعيين رئيس لهذه البلاد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لا بل صار هو نفسه تابعاً لطهران. صارت سوريا لإيران ما كانه لبنان لسوريا. التاريخ ساخر أحياناً. توزع القرار في الشأن اللبناني بين إيران والسعودية التي نشّطت سياساتها الخارجية أخيراً في اليمن والبحرين ومصر وسوريا والعراق ولبنان. وبعد الإتفاق الأميركي – الإيراني الذي يجعل طهران عاصمة دولة على “العتبة النووية” – إذا تحقق هذا الإتفاق فعلاً خلال أيام – فيمكن أن يعود الحديث جدياً هذه المرة عن انتخاب رئيس لجمهورية لبنان الضائعة. الجنرال ميشال عون يحفّز أنصاره للتحرك في الشارع هذه المرة بدل ساحة قصر بعبدا. لكن المنطق يقول بأن اللبنانيين مسيحيين ومسلمين يجب أن يكونوا جاهزين للحظة التوافق والإنتخاب. هل بقي حيّز في هذه البلاد مكان لشيء اسمه المنطق؟

شعار الفيديرالية من الصيفي الى الرابية مَن هم أطراف “المنازلة” التي يهدّد بها عون؟
 سمير منصور/النهار/8 تموز 2015

كان المشهد لافتا في الصيفي قبل يومين: المقر المركزي لحزب الكتائب يستقبل مكونات المشهد السياسي من اقصى اليمين الى أقصى اليسار ومن 8 الى 14 آذار، وفود من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” و”المستقبل” و”القوات” و”تيار المردة” وحركة “أمل” والحزب التقدمي الاشتراكي، ومستقلون اجتمعوا في مشهد قل نظيره في تلك المرحلة، وهو ما دفع أحدهم الى المقارنة “بين وفود يتم استدعاؤها بالبوسطات وأخرى تأتي بملء ارادتها دون دعوة او حشد للاستماع الى خطاب تعبوي”. وبدا واضحا انه يغمز من قناة رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون، وإن تعمّد الاشارة الى انه لا يقصد مديح الرئيس أمين الجميل الذي كان هناك مثل “أم العروس” مستقبلا مهنئي “الشيخ سامي” الذي خطف الاضواء في المبنى التراثي الذي ورثه الحزب من الانتداب الفرنسي بعدما كان قاعدة بحرية له “Base Navale” والذي قال عنه الرئيس الجديد للحزب ان قبضة الابواب فيه “تطلع في يدك” ان أردت فتح أحدها، وأنه يحتاج الى “نفضة” على غير صعيد في الشكل، وربما في المضمون، في بعض الحالات…

الاطلالة الجديدة للنائب الشاب وضعته في حرارة النجومية السياسية ولا سيما في أوساط الشبيبة عموما، و”البشيرية” كذلك اذ يرون “بشيرهم” من خلال سامي، كما من خلال نجله نديم، وقد فوجئ “الشيخ سامي” بحجم الرسائل والاتصالات التي ترده من طرابلس وبيروت ومناطق لا وجود لحزبه فيها، ومن زمان، له رصيد و”شعبية” في الاوساط العونية، وقد تحركت اكثر هذه الايام بعدما تقدم عليه الجنرال في الدعوة الى اعتماد نظام الفيديرالية او التهديد بها، ويدل على ذلك تكرار الكلمة بشكل لافت وبوقت قياسي في الحديث الصحافي نفسه، وفي الخطاب نفسه! ويبدو انها تظهّر من خلال تعميم من الرابية عبّر عنه قبل أيام بشكل فاقع الاقرب الى الجنرال الوزير جبران باسيل، ومحطة التلفزيون التي يملكها والتي جاء في مقدمتها أخيرا: “اذا خيّرنا يبن الحرية والتعايش، نختار الحرية”…

كثيرون يدغدغ مشاعرهم طرح الفيديرالية ولا سيما في زمن الانقسامات، الافقية منها والعمودية، ومن الظلم تحميل وزرها للتكتلات السياسية المسيحية وحدها، وهي أجواء أعادت البلاد الى زمن “الجبهة اللبنانية” و”الحركة الوطنية” حيث كانت الحرب في أحد وجوهها بين مشروعين، وكانت الفيديرالية عنوان مشروع “الجبهة”، وقد أعلنتها صراحة بعد نقاش طويل في اجتماعات عُرفت بـ”خلوة سيدة البير” وثبت بعد معلومات تناهت الى مراجع مسؤولة في تلك الحقبة، نهاية السبعينات، أن “مشروع التقسيم” وعماده الفيديرالية، غير قابل للتطبيق في لبنان، لأسباب كثيرة غالبيتها اقتصادية استهلاكية، ولاعتبارات اقليمية، من هنا تعمّد الجميل الشاب تأكيد الحرص على مركزية الدولة في كل حديث له عن الفيديرالية واللامركزية الادارية الموسعة التي وردت في اتفاق الطائف، ويشهد له انسجامه مع طروحاته من معارضيها كما من مؤيديها، خلافا لما هو حال الجنرال الذي يشهر سلاح الفيديرالية عندما يُحشر في زاوية المناكفات السياسية، وقد جعلها في الفترة الاخيرة عنوان المرحلة، حتى بدت كأنها البند الاول على جدول أعمال “العقد الجديد” او “المؤتمر التأسيسي” وما شابه من تسميات تبرز في العناوين بين فترة وأخرى لغايات ومآرب شتى… وفي مقابل دفاع من المتعاطفين مع الطروحات العونية والمؤيدين لها، وتذكير من سياسيين وسطيين لصاحبها بأنها تستبطن مطالبة بتعديل الدستور، فان خصوم عون السياسيين يتمنون عليه “بعض التواضع” ويذكرونه بأن لهم رأيا متواضعا في بت مصيرهم الوطني، ويدعونه الى التوقف عن استعمال عبارات استفزازية تصيب حلفاءه قبل غيرهم، وقد بدوا في المقلب الآخر، نتيجة تكاثر الحديث عن حقوق المسيحيين، وقد أصابتهم شظايا التهديد بـ”المنازلة” ولا أحد يعرف حتى الآن منازلة من؟ وكيف ومتى؟

ومن هؤلاء من يذهب بعيدا اذ يرى ان عون “يحتكر تقرير مصير اللبنانيين تحت غطاء الدفاع عن المسيحيين، تماما كما يحتكر حلفاؤه التفكير عن اللبنانيين وتوريطهم في الحرب الدائرة في سوريا وفي أماكن أخرى تحت غطاء الدفاع عنهم”. بيد أنه من التسرع تحميل “حزب الله” وزر الطروحات العونية الاخيرة، فهو لم يدل بدلوه حتى الآن في الموقف من الدعوة الى الفيديرالية، وذلك بعد اعلانه رفض مسايرة عون في الحملة على الحكومة، مؤكدا بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الحرص على استمرارها، ولذلك سيكون السؤال مشروعا عند الحديث الجدي، عن مستقبل العلاقة بين الحليفين، سواء من خلال الموقف من الفيديرالية، او من خلال الحملة المتصاعدة على الحكومة، والتي تصب في خانة استكمال تعطيل المؤسسات الدستورية. ولعل جلسة مجلس الوزراء المقررة غدا الخميس يمكن ان تحمل ملامح المرحلة المقبلة تهدئة او تصعيدا. واذا كان في الحكومة من يدافع عن عون في “الملمات” فان فيها ايضا من يتحداه ان يعلن الخطوط العريضة لمشروعه في الدفاع عن حقوق المسيحيين، والذي يرفعه هذه الايام، ويعتبر ان “نقطة ضعفه تكمن في مطالبه ذات الطابع الشخصي والعائلي تحت غطاء الدفاع عن المسيحيين”!