علي نون: بين فكّين//عبد الوهاب بدرخان:عون وإسقاط النظام لمصلحة حزب الله//ميشيل تويني: عاد ريكاردو وعون راجع//نبيل بومنصف: نعم أم لا للمثالثة؟

239

بين فكّين..
علي نون/المستقبل/08 تموز/15

كلما أطلّ مستر أوباما للحديث عن المنطقة وأحوالها المتفجرة، يكرّر التركيبة اللغوية التي صارت جزءاً من خطابه وأدائه: الحرب مع «داعش» طويلة وتحتاج إلى سنوات. في آخر استعادة له لهذه الأسطوانة المشروخة، قدّم بعض الشرح: «داعش» يختبئ داخل المدن! ولذلك فإن الحرب ضده ستطول! وكأنه يتحدث عن تنظيم لا مثيل لجبروته وقدراته! أو كأن الجيش الأميركي غير مؤهل لمواجهته، ولا يملك ما يكفي من وسائل وتقنيات لذلك! أو كأن معركة «عين العرب» (كوباني) مثلاً التي حرّرها المقاتلون الأكراد استمرت على مدى 10 سنوات وليس 10 أسابيع؟! انطباعان يولدهما كلامه بالأمس في ذهن المتلقي العربي. الأول، هو أنه (مستر أوباما) يستمتع بتكتيكاته (الخبيثة!) وينتشي! ولا يكتفي بالتأكيد المرة تلوَ المرة، على سياسة الانكفاء السلبي التي يعتمدها إزاء القضايا الخارجية وخصوصاً قضايا المنطقة، بل يذهب متعمداً إلى الاستفزاز: ينفخ في صورة «داعش» بطريقة مسرحية وبما يليق فعلياً بعشرة أمثال «داعش» هذا دفعة واحدة.. ثم يبشّر شعوب المنطقة بأن معاناتهم مع هذا «البعبع» الاستثنائي ستكون طويلة وتمتد على مدى سنوات.الانطباع الثاني، هو أن مستر أوباما يتدخل على الهواء مباشرة من واشنطن، في مفاوضات فيينا النووية، ويُخرج من بين أكمامه أرنباً يدعى «مصير الأسد» ويرميه على الطاولة أمام الوفد الإيراني المفاوض.. هكذا، بعد صمت مديد حيال ذلك «المصير» ترافق مع الحرص الشديد على تسريب التعليمات التي يقدّمها المدربون الأميركيون للمقاتلين السوريين «المعتدلين» من أن هدفهم هو محاربة «داعش» فقط! وبعد تكرار رفض السماح بأي إجراء (أي إجراء) لمنع الأسد من الاستمرار في استخدام براميله المتفجرة ضد المدنيين والأحياء السكنية، أو الموافقة على قصة «الملاذ الآمن» في الشمال، أو الذهاب أبعد في الحملة العسكرية التي انطلقت من الجنوب.. بعد ذلك كله وغيره أكثر منه، يعود مستر أوباما ليقول إن لا حل في سوريا يشتمل على بقاء الأسد! ولأن صدقية تلك المواقف عند المتلقي العربي وصلت إلى مستوى متدنٍّ، فمن حقّ هذا، أن يسأل أوباما عن أي «حلّ» يتحدّث تماماً؟! طالما انه لا يتحرك بوصة واحدة إلى الأمام باتجاهه، ولا يترك غيره يتحرك؟ الواضح قبل ذلك، أنّ المفاوض الإيراني تلقّف الرسالة الجديدة وسارع إلى الرد عليها، ومن داخل منظومة النفاق ذاتها، بحيث إن نائب وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان قال بالفم الملآن لمحطة «سي.ان.ان»، ان بلاده «غير متمسكة» ببقاء الأسد في منصبه.. أي كأنه يرد الأرنب إلى صاحبه، أوباما، ويقول له إن المناورة في هذا الأمر لا تستحق إلا مناورة مماثلة.. والطرفان، في بداية المطاف ونهايته، يتقاتلان بالواسطة ويتفاوضان مباشرة، ويستخدمان في ذلك أوراقاً كثيرة من بينها الحديث عن «داعش» باعتباره قوة عظمى وجبّارة! وطرح «مصير الأسد» على الطاولة النووية! لكن في الإجمال، لا يبقى في ذهن المتلقّي العربي سوى الخلاصة القائلة، إن نكبته بالارهاب والممانعة الإيرانية، ما كان ينقصها كي تكتمل، إلا نفاق دولي وعلى أرفع مستوى ممكن!

عون و”إسقاط النظام” لمصلحة “حزب الله”
عبد الوهاب بدرخان/النهار/8 تموز 2015

يستطيع العماد ميشال عون أن يقول ما يشاء دفاعاً عن “حقوق المسيحيين”، أما أن يثبت أن هناك حال اضطهاد وافتئات وتجاوز إزاء تلك الحقوق، فهذه مسألة أخرى. ويستطيع دعوة أنصاره الى الشارع للضغط، لكن على مَن؟ اذا كان المقصود مجلس الوزراء أو رئيسه، فالجميع يعلم أن ظروف الانقسام في البلد وضرورات الحفاظ على الدولة دفعت الى تفسير شبه قبلي لما تسمّى “الميثاقية” وجعلت من كل وزير رئيساً بالوكالة عن رئيس غير موجود لتعذّر انتخابه من جانب “القبائل”، علماً أن القبائل والعشائر الحقيقية يمكن أن تكون أكثر تصالحاً، وغالباً ما تُبقي خطاً للرجعة أو فسحة للتوافق. فمجلس الوزراء يحمل في اسمه البعد التعددي ويفترض الحلول التوافقية، أما رئيسه فبات حارساً للهيكل لمصلحة الجميع بمن فيهم “التيار العوني”، ومن شأنه أن يمنع أياً كان من التعرّض للمؤسسة أو انتهاك صلاحياتها أو منعها من العمل. ثمة لعب على النعرة الشعبوية والعصبوية في سعي عون الى تحريك الشارع، وكأنه يقول: يا مسيحيون، المسلمون يريدون أكل حقوقكم… هل هذا هو واقع الحال فعلاً أم أنه مجرد إمعان في التضليل؟ لا داعي للحديث عن التداعيات، فمن أعمته طموحاته (الشخصية لا الوطنية) لم يفكّر فيها سابقاً ليفكّر فيها لاحقاً، وهو أثبت، مرحلة بعد مرحلة، أنه مصممٌ على استعداء مسلمين ضد مسلمين في لبنان. غير أن الأحقاد (الشخصية والسياسية) حالت وتحول دون اعترافه بالواقع، فما يطالب به، سواء كان ترئيسه على الجمهورية أو تعيين صهره قائداً للجيش، لا يحظى بتوافق مسيحي ليلزم المسلمين عندئذ بالموافقة عليه. المسألة هنا دستورية – “ميثاقية”، بمقدار ما هي سياسية، ولكلٍّ أن يتبنّى الموقف الذي يناسبه في إطار الدستور، وحين تتعارض المواقف سياسياً يكون التوافق حاسماً.هذا هو جوهر النظام، وإذ وجد الجنرال أنه لا يحقق رغباته راح يطالب بتعديل نظام الانتخاب وهو مشارك في تعطيل التشريع، أو بـ”مؤتمر تأسيسي” لدولة يعتبر أنها لم توجد سابقاً، أو بتعديل اتفاق الطائف، أو بـ”الفيديرالية” (اللقب الفني لـ”التقسيم”). أي أنه يريد أي شيء لقطع الطريق على انتخاب أي رئيس غيره. والأدهى أنه يريد كل ذلك الآن، أو بالأحرى أمس، وإلا فإنه يريد “إسقاط النظام”… سبق لعون أن تبرّع بآراء سلبية في حراكات “الربيع العربي” لإسقاط الأنظمة لكنه خصّصها لتوبيخ الشعب السوري على سعيه الى إسقاط بشار الأسد. معروفٌ أن للجنرال شارعاً يأتمر بانفعالاته، لكن ماذا بعد التحرك؟ إسقاط النظام خيار “شمشموني” يعني تخريب البلد على رؤوس المسيحيين والمسلمين. والصمت المريب لـ”حزب الله” يعني أنه مستفيد من مغامرات عون، فهي جزءٌ من أجندته.

عاد ريكاردو… وعون راجع
ميشيل تويني/النهار/8 تموز 2015

“السكوب” أو السبق الصحافي يجعل الاعلام أحياناً ينسى أن حياة الناس ليست سلعة، وأن أهمية “السكوب” لا تكمن في وضع أي شيء حصري على حساب الناس. ففي قضية الطفل ريكاردو جعارة تسريبات أشرطة عبر الاعلام جعلتنا نتساءل عن مهنية من يسّرب وضميره فيما كان الطفل بين أيدي الخاطفين! فالإعلام يجب ان يرفع الصوت ويحمل هموم الناس لا أن يتحول الى ساع وراء “السكوب” مهما كلف الثمن . عاد ريكاردو… نعم، ولكن هل أصبح الخطف في لبنان موجة جديدة ؟ عاد ريكاردو … نعم، ولكن من يحاسب من وضع حياته في خطر من أجل زيادة عدد مشاهديه أو قرائه؟ اما بعد حادثة الخطف التي تطرح اسئلة كثيرة وتساؤلات ومخاوف، فنعود الى موضوع آخر لافت هذا الاسبوع، هو دعوة العماد ميشال عون المسيحيين الى تغيير الواقع ورفض ما يحصل ورفضه المشاركة في مجلس الوزراء بجدول اعماله الحالي لانه يعتبر أن مصلحة المسيحيين في خطر وأن التعيينات الأمنية هي أولوية. هنا يجب أن نعي أن اللبنانيين ما عادوا يحتملون إقفال طرق وحرق إطارات لان الوضع المعيشي والاقتصادي ضاغط جداً وكل خطوة يمكن ان تسيء أكثر الى لقمة عيشهم لن تشجعهم، الا إذا كانت صرخة جامعة من جميع اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، لتغيير الواقع وإنتخاب رئيس للجمهورية وإجراء انتخابات نيابية وتعيينات أمنية وغيرها. عون راجع الى المعارضة والشارع؟ لكن هذه الخطوة يجب أن تكون مدروسة ودقيقة، لا أن تتحول الى قطع الطرق ونصب الخيم لشل حركة الناس ومصالحهم أكثر مما هي مشلولة! ربما تكون فكرة عون وجعجع إجراء استطلاع للرأي جيدة، وخصوصاً اذا انسحب من ينال أصواتاً أقل من الثاني لحساب الآخر إذا حُصر الاستطلاع بـ : عون- جعجع. وربما يكون الطرح الثالث لا يلحظ اياً من الاسمين المطروحين ويجب على جميع المسيحيين أن يقترعوا كي تتضح لمرة الصورة وما هو الخيار المسيحي. ويجب ان نقبل بالديموقراطية. فاذا اختارت أكثرية المسيحيين جعجع فعلى عون أن يفعل كل ما في وسعه لايصال جعجع الى الرئاسة، والعكس صحيح. فهذا الاستطلاع يجب ان يكون مدروساً كي يدعى كل المسيحيين الى المشاركة فيه. وهذا هو المخرج الوحيد للأزمة، وحينها على المسيحيين أن يضغطوا لانتخاب رئيس وإنتخاب مجلس وتعيين القادة الأمنيين عبر استراتيجية موحدة ومنظمة وبرؤية واضحة للمستقبل، لان الناس شبعوا من النزول الى الشارع والتعطيل وحرق الاطارات التي حتى الآن لم تجد نفعاً في أي ملف، حتى اننا لم نتقدم في أي مجال منذ 2005، بل عدنا الى الوراء…

نعم أم لا… للمثالثة؟
 نبيل بومنصف/النهار/8 تموز 2015

لا يخفى على أحد أن الاستفتاء اليوناني الذي قال “لا” مدوية في وجه الدائنين الأوروبيين استقطب انشداداً لبنانياً واسعاً يعود بعضه الى أوجه شبه بين الواقعين الماليين للبلدين المتوسطيين وبعضه الآخر الى شغف لبناني بمفقود اسمه الديموقراطية الحقيقية التي ازدان بها استفتاء البلد المعلم للفلسفة العريقة. هنا فقط نستعير أداة التمني لنقول “لو” يجري تحويل “استطلاع” يستلّه فريق مسيحي الآن في غمرة معاركه السياسية الصاخبة الى استفتاء آخر على الطائف دفعة واحدة من دون لف ولا دوران. نتمنى ذلك لأن النبرة الصاعدة بحدة عالية في خطاب الفريق العوني، وسط صمت أو تآلف أو توظيف ضمني من أفرقاء مسيحيين آخرين حيال ما يسمى “حقوق المسيحيين المهدورة”، ستتجه في القريب العاجل في وجهة حتمية نحو فتح مقلب تأسيسي مهما كانت التسمية. وإذا كان الفريق المصعِّد لن ينجح في فرض دفتر شروطه، فإنه سينجح على الأرجح في فتح الأزمة على مقلبها التأسيسي أقله من زاوية حصوله على دعم حليف شيعي قوي في تعميم التعطيل وكذلك من زاوية تظلله بمهادنة أو حتى “ببيئة حاضنة” متفاوتة الدرجات من أفرقاء مسيحيين. وإذا شئنا توسيع المصارحة في أزمة لا تحتمل توريات ومواربة، ترانا أمام خيارين يتعيّن على المسيحيين مواجهتهما بكل وضوح ما دامت أزمة الفراغ الرئاسي أفضت الى هذا الاهتراء المنذر بانفجار سياسي على يد الفريق المعطل للانتخابات الرئاسية منذ سنة وأربعة اشهر. يذهب الفريق العوني الآن الى تجاوز الإطار الكلاسيكي لمسار الازمة نحو سقوف يطرح معها مآل النظام برمته تحت عنوان محمول بكل المغالاة الطائفية باتهام مجموعة أفرقاء بـ”الداعشية السياسية”. وسواء كان ذلك مرعياً من “حزب الله”، أم كان بقرار ذاتي من الزعيم العوني ستكون الحصيلة واحدة وهي تعبئة قسم من المسيحيين لإسقاط معادلة انتظار العوامل الخارجية والداخلية للتوافق على رئيس للجمهورية وتحويل الصراع نحو اتجاهات اكثر جذرية تذهب رأساً الى النظام برمته بعنوان مسيحي هذه المرة. وسواء اعترف الفريق العوني وغيره من الأفرقاء المسيحيين أم لم يعترفوا، فإننا لا نرى في الحصيلة الواقعية لحرب انقلابية على اتفاق الطائف سوى إسقاط المناصفة لمصلحة المثالثة في أفضل الظروف الافتراضية. اذا كان هذا يأتلف مع العنوان العتيق الجاري تلميعه للفيديرالية، فأي حاجة بعد هذا التحوّل الجاري وضعه على نار السياسة والشارع للاستطلاع الرئاسي؟ ولماذا لا تحوَّل وجهة الاستطلاع الى النقطة الحاسمة النهائية التي يستفتى فيها جميع المسيحيين بنعم أم لا للطائف والمناصفة والمثالثة والفيديرالية والاتحادية وسائر المشتقات التأسيسية؟ ادخلوا المنازل من أبوابها مرة أخيرة وكفانا تلصصاً من النوافذ!