ديفيد اغناتيوس: أزمة اليونان قد تحمل الخير لأوروبا//مـأمون فندي: تحدي سيناء أكبر مما نتصور

397

أزمة اليونان قد تحمل الخير لأوروبا
ديفيد اغناتيوس/الشرق الأوسط/06 تموز/15

اعتبر كثير من المعلقين الأزمة المالية اليونانية بمثابة تطبيق عملي للغباء. مثلاً، شبّه لاري سمرز، وزير المالية السابق، الشهر الماضي، الأزمة بالحرب العالمية الأولى، التي «لا يزال المؤرخون رغم مرور قرن على وقوعها متشككين في أنها حدثت بالفعل»، إلا أن الخلاف المحتدم حول استمرار عضوية اليونان في منطقة اليورو سيأتي في نهاية الأمر بالخير إلى جميع الأطراف المعنية، وذلك أن التهديدات القاسية الصادرة عن الطرفين والصفوف المصطفة لسحب نقودها من المصارف، قد تقضي تمامًا وإلى الأبد على الهالة غير الواقعية التي صاحبت العملة الأوروبية الموحدة منذ إقرارها منذ 13 عامًا. كنت أعيش في فرنسا في يناير (كانون الثاني) 2002، عندما ظهر اليورو. وظل كثيرون ينظرون إلى اليورو وكأنه «أليس في بلاد العجائب»، حتى وقوع الأزمة اليونانية الأخيرة. والملاحظ أن الأوروبيين لم يصوتوا على العملة الجديدة، في الجزء الأكبر منهم. في الواقع، هم نادرًا ما يصوتون على أي قرار يتعلق بـ«المشروع الأوروبي»، إذ تخشى النخب من أن يتخذوا ما تعتبره هي قرارا خاطئا. وهذا هو الحال مع الاستفتاء اليوناني المقرر عقده الأحد. وحتى هذه اللحظة لم يتضح ما الذي سيصوت عليه اليونانيون تحديدًا، بالنظر إلى أن كثيرا من عروض الإنقاذ جرى طرحها وسحبها. ومع ذلك يبدو أن خادمي اليورو يمقتون فكرة إجراء تصويت في اليونان حول الأمر، ويعتبرون الخطوة بمثابة خيانة من جانب رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس. أما الرسالة الضمنية التي ينطوي عليها موقف هؤلاء فهي ضرورة أن يتخذ تسيبراس موقفًا صارمًا ويفرض اتفاقا على بلاده.
من جانبه، كشف تسيبراس قدرته على القيام بمناورات خادعة، لكن طرح هذه المسألة تحديدًا على الشعب اليوناني يبدو لي فكرة متعقلة، وذلك لأن هذا سيكون بمثابة تصويت ضمني على اليورو والتضحيات الضرورية للإبقاء عليه. وسيصبح لدى اليونانيين الذين يقبلون بعملية إنقاذ قاسية للإبقاء على اليورو، معرفة بالهدف الذي يعانون من أجله – وسيكون القرار بأيديهم. وإذا رفضوا الاتفاق وقرروا قتل اليورو فإن ذلك سيكون قرارهم أيضًا. كما أن المشاهد المعلنة للمعاناة اليونانية تحمل بعض الفوائد أيضًا، من حيث تدميره للتفكير الخرافي الذي صاحب ظهور اليورو. إن اليونانيين يعاينون الآن التداعيات القاسية للاقتراض المتهور. أما باقي أوروبا فتتعرف على المخاطر الأخلاقية وراء تشجيع الدول الدائنة بمختلف أرجاء أوروبا (والراديكاليين اليساريين لديها) على الاعتقاد بأن هناك مهربا من الواقع.
من جانبهم، وجّه معلقون انتقادات إلى كل من ألمانيا واليونان للخلط بين الاقتصاد والأخلاق، لكن الحقيقة أن الاثنين مختلطان بالفعل. إن المال والتمويل بحاجة إلى الثقة بأن الأوراق المالية والأرقام الإلكترونية تحمل وراءها قيمة حقيقية على أرض الواقع. وعندما تتلاشى هذه الثقة تتفجر الأنظمة. ويعد الحفاظ على هذه الثقة في جزء منه مجهودا أخلاقيا.
إن ما يحتاج إليه اليورو الآن هو محاولة كسب تأييد شعبي له، الأمر الذي ترددت النخب حيال القيام به حتى الآن. بوجه عام، عقدت أوروبا القليل للغاية من الاستفتاءات العامة. يذكر أن معاهدة ماستريخت التي أثمرت اليورو لم تعرض على الاستفتاء الشعبي سوى في ثلاث دول فقط. وفي فرنسا، تمت الموافقة عليها بهامش ضئيل للغاية، إذ بلغت نسبة الموافقة 51.1 في المائة. في الدنمارك، قوبلت المعاهدة بالرفض في الاستفتاء الأول، ثم تمت الموافقة عليها في تصويت جديد في العام التالي. فقط في آيرلندا، التي علمت أنها على وشك الوصول إلى اتفاق سيمول فقاعة إقراض ضخمة، جاءت نتيجة التصويت بموافقة كبيرة بنسبة 68.7 في المائة.
ويعاني الاتحاد الأوروبي من نقص مشابه في الأساس الديمقراطي، ذلك أن الدستور الأوروبي المقترح طُرح للاستفتاء عليه في أربع دول فقط عام 2005. وقد قوبل بالرفض في اثنتين منها، فرنسا وهولندا، بنسبة 54.9 في المائة و61.5 في المائة على الترتيب. وبالفعل تم التخلي عن الدستور الموحد. ومع ذلك تم في خبثٍ استبدالُ معاهدة لشبونة به. وقد عرض ميثاق الوحدة هذا على الاستفتاء في دولة واحدة فقط، آيرلندا، إذ قوبل بالرفض في المرة الأولى عام 2008، ثم تمت الموافقة عليه العام التالي.
ومما سبق يتضح أن الاتحاد الأوروبي لا يحظى بسجل باهر من الدعم الديمقراطي. وتصرفت النخب وكأن تلك الانتكاسات الانتخابية مجرد مؤشر على مشاعر شعبية طارئة سرعان ما سيندم عليها من أبدوها. وعليه، مضت تلك النخب قدمًا وتوسعت في مشروعها بدرجة أكبر وأعمق، حتى جاءت أزمة اليونان. خلال سنواته الأولى، اتسم اليورو بمعدل مبدئي من الفائدة منخفض، أخفى وراءه فقاعة سداد ضخمة. أما اليونانيون فقد حلا لهم التسوق ببطاقة ائتمان ألمانية، بينما تحمّل الألمان ومضوا في الطريق من أجل الوحدة الأوروبية، لكن استفزتهم فكرة اضطرارهم إلى دفع الفواتير. مع اكتمال ملامح الأزمة اليونانية الآن مع ما صاحبها من أعمال شغب وإشهار إفلاس، وتساؤلات عميقة حول كيف تريد أوروبا العيش، ومن سيتحمل تكاليف ذلك، فإن هذا الأمر قد يترك تأثيرات إيجابية على المدى الطويل، ذلك أنه سيخلق مالاً حقيقيًا لأولئك المستعدين لسداد الثمن.
* خدمة: «واشنطن بوست»

 

تحدي سيناء أكبر مما نتصور
مـأمون فندي/الشرق الأوسط/06 تموز/15

لماذا التحدي في سيناء أكبر مما نتصور؟ ولا علاقة لذلك لا بالرئيس السيسي أو من قبله مرسي ومبارك، إلا إذا تغيرت قواعد اللعبة في سيناء سياسيا وعسكريا، مما يجعل استقرار سيناء ومعها مصر همًا إقليميًا ودوليًا بقدر ما هو هم مصري. من حق القارئ أن يعرف ما هي مؤهلاتي للحديث عن التحدي الكبير للدولة المصرية في سيناء. معرفتي بسيناء ليست نظرية، أو مجرد رأي لدارس لسياسة المنطقة ويتكلم في كل شيء، خبرتي في سيناء هي نتيجة معرفة ميدانية تعرفت فيها بلا مبالغة على كل سيناء. معرفتي بسيناء ليست نتيجة سياحة في شرم الشيخ، أو غطس في رأس محمد، أو زيارة للعريش، بل كانت عملا مع القوة المتعددة الجنسيات (MFO) المتمركزة في الجورة جنوب الشيخ زويد التي تمثل مسرح أحداث مواجهات الجيش المصري مع جماعات الإرهاب. وكانت ولا تزال مهمة القوة متعددة الجنسيات هي التأكد من سلامة البروتوكول العسكري الخاص باتفاق «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل، حيث تقسم مناطق المواجهة بين مصر وإسرائيل إلى أربعة قطاعات هي «أ»، و«ب»، و«ج»، و«د». المنطقة «د» داخل الأراضي الإسرائيلية، بينما «أ»، و«ب»، و«ج» داخل سيناء. وسأعرض باختصار شديد للمناطق «أ»، و«ب»، و«ج»، في سيناء لأنها التي تهم القارئ في فهم ما يجري. المنطقة «أ» هي الممتدة من رأس محمد جنوبا حتى بئر العبد شمالا (غرب العريش) بها 22 ألف جندي مصري مسلحون تسليحا ميدانيا كاملا باستثناء نوعيات محددة من الصواريخ تهدد أمن المدن الإسرائيلية الكبرى. ولن أدخل في التفاصيل الفنية هنا. أما المنطقة «ب» الممتدة من سانت كاترين جنوبا إلى العريش شمالا فتوجد بها قوات حرس الحدود المصرية، وهي قوة مسلحة تسليحا خفيفا. أما المنطقة «ج» فهي تمتد من شرم الشيخ جنوبا إلى رفح شمالا، وهنا في شرم الشيخ تتلاصق المنطقتان «أ»، و«ج» حيث تبدأ المنطقة «ب» عند سانت كاترين شمال شرم بقليل.
كانت مهمتي هي العمل مع القوة متعددة الجنسيات بمثابة ضابط اتصال مصري يطير معهم كل يوم اثنين في طائرات الهليكوبتر الخاصة بهم في مهمة استطلاع على قطاع بعينه في المنطقة «أ» أو «ب»، أو «ج»، وكنا ننزل على الأرض يوم الخميس بالسيارات في مهمة التفتيش على أعداد القوات ونوعية الأسلحة، لتسجيل ما إذا كانت هناك خروقات مصرية للملحق العسكري لاتفاق كامب ديفيد أم لا. وكان الشيء نفسه يحدث على الجانب الإسرائيلي مع ضابط اتصال إسرائيلي مرافق. النقطة هنا هي أن مهمات التفتيش والاستطلاع من الجو هذه والتي تشمل كل سيناء جعلتني أعرف المنطقة كاملة كما أعرف اسمي. وربما لهذا السبب والتجربة قررت أن أختار الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية، بعدها درست سيناء في إطار العنف السياسي وعلاقته بالأمن الإقليمي كباحث محترف، ومن هنا تأتي الخبرة التي هي ليست مجرد رأي حول سيناء أو معرفة منطقة منها، وتعميم الحكم على بقية المناطق رغم الاختلاف القبلي بين بدو الجنوب باتجاه شرم الشيخ وبدو الوسط عند منطقة نخل (بكسر النون) والحسنة (بفتح الحاء والسين)، واختلافهم عن العريش والشيخ زويد ورفح وبئر العبد.
الجزئية الخاصة بالقبائل السيناوية تخص ما يمكن تسميته بالحاضنة الشعبية للإرهاب، وتخص مدى قدرة الدولة المصرية على دمج الموطن السيناوي وصهره في بوتقة الوطنية المصرية، وهذا يتطلب عملا سياسيا وتنمويا ما زال حتى الآن يعاني من قصور شديد، خصوصا أن مشروع تنمية سيناء شمالا وجنوبا تم تسليمه لرجال أعمال قادمين من الوادي، أي من بقية مصر وليسوا من سيناء، وبالتالي لم يحس السيناوي بأنه له سهم في استقرار منطقته، فمعظم أهل المنطقة إما يعملون في الحراسات أو في التهريب كمصدر رزق. وهم ضحية جاهزة لأي جماعة أو شخص يتاجر بمظالمهم. ولهذا ربما لا ترشد بعض القبائل عن الجماعات الإرهابية. الجزء الثاني يخص مجابهة هذا التطرف، وهذا يتطلب إطلاق يد القوات المصرية بكل عدتها وعتادها من طائرات وصواريخ ومدفعية و«درون» أو طائرات من دون طيار أن تتحرك كلها فوق كل سيناء بحرية كاملة. هذه الحركة مقيّدة بطبيعة الشق العسكري من اتفاق «كامب ديفيد». وهذا يتطلب تنسيقا بين مصر وإسرائيل والقوة المتعددة الجنسيات، وليس لديّ شك بأنه عندما تطلب مصر حرية حركة لمقاومة الجماعات الإرهابية لن ترفض إسرائيل ولا القوات الدولية، ولكن هذا يحدث بشكل حسب الحاجة. لكي يكون للجيش المصري مطلق حرية الحركة، فإن هذا يتطلب مراجعة البروتوكول العسكري لـ«كامب ديفيد» ليحدد ملامح الحركة بشكل دائم وليس من خلال اتفاق في كل مرة يحدث فيها تهديد.
وارد ألا توافق إسرائيل، لأن القلاقل على حدودها تفيدها سياسيا، وهي قادرة وذات خبرة في التعامل مع المتشددين والمتطرفين من حماس إلى «الجهاد» إلى جماعة بيت المقدس، وقد ترى أن هذا يمنحها قدرة على ابتزاز مصر سياسيا من آن لآخر بتسهيل مهمة المتطرفين في سيناء.
النقطة الجوهرية هنا هي أن الجيش المصري يحارب في سيناء بيد واحدة واليد الأخرى مقيدة قانونيا باتفاق «كامب ديفيد».
ومطلوب إعادة النظر في الشق العسكري للاتفاق بما يسمح بضبط الأوضاع الإقليمية، وعلى إسرائيل أن تكون ناضجة وتدرك أن «كامب ديفيد» ليست في خطر إلا إذا كانت لإسرائيل مآرب أخرى. إذن الموضوع ليس مربوطا بمن هو الرئيس، سواء أكان السيسي أو مبارك أو حتى مرسي. رغم أن حكم مرسي عقد الأمور بتجنيس الجماعات المتطرفة واستخدامها لزعزعة الاستقرار لمصلحة جماعته لا لمصر. نقطة أخيرة تُردد في الغرب، وهي أن ما يحدث في سيناء هو تأثير «داعش» الإقليمي، ولكن من يتذكر كلمة القيادي الإخواني محمد البلتاجي عندما قال «لو عاد مرسي للحكم فسيتوقف العنف في سيناء» يدرك أن ما يحدث في سيناء هو من عمل «الإخوان»، وأن السياسة هي معظمها محلية كما قال تيب أونيل، وليس من المعقول أن الابنة هي التي تحرك الأم، أو الفرع يحرك الأصل، فأصل التطرف هو جماعة الإخوان، و«داعش» و«الجهاد» و«بيت المقدس»، إلخ.. إلخ.. كلها إنتاج الأم، فحركة الإخوان هي الأم لكل جماعات التطرف في المنطقة. وهذه شهادة قدمتها أمام لجنة تقصي حقائق أحداث سبتمبر (أيلول) في الكونغرس وموثقة ولا أدعيها الآن. الأمر في سيناء معقد وخطير ويتطلب إعادة نظر، فما يحدث في سيناء ليس ما يحدث في العراق أو سوريا أو اليمن. فهو يحتاج إلى معرفة دقيقة وهدوء في التعامل مع أزمة في بلد كبير ومهم مثل مصر.