سابين عويس: أين مصلحة عون بوصف الاقتصاد بالجيّد في ظلّ الشغور//خليل فليحان: تعثّر الانتخاب مفتوح لأن عون لا يتجاوب دولياً ولا محلياً

272

وزير عربي لـ”النهار”: تعثّر الانتخاب مفتوح لأن عون لا يتجاوب دولياً ولا محلياً
خليل فليحان/النهار/27 حزيران 2015

سيبقى لبنان من دون رأس الى أجل غير محدد. هذه خلاصة تبادل معلومات بين سفراء أجانب معتمدين لدى لبنان بعد تداول فيما بينهم على هامش مؤتمر بيروت الوزاري للدول العربية المتوسطية الذي عقد في بيروت الاربعاء الماضي. وعبّر وزير دولة عربية للمسؤولين الذين التقاهم بعد اختتام المؤتمر عن اسفه لاستمرار الفراغ الرئاسي 13 شهراً وليس من بارقة أمل تلوح في الافق بامكان حصول انتخاب في المدى المنظور. ولفت المسؤولين الى قلق بلاده البالغ من تعثر انتخاب رئيس يعيد الى قصر بعبدا دوره في الحياة السياسية اللبنانية. واعتبر أن استمرار الحالة على هذا المنوال يعرّض البلاد للمصير المجهول سياسياً وأمنياً، ولا سيما أن لهيب الأزمة السورية المشتعل منذ أربع سنوات تقريباً يأخذ مناحي تغييرية أساسية ضد النظام، وأن الارهابيين ما انفكوا يهاجمون مواقع الجيش المنتشرة في محيط عرسال وعلى التلال. كما أن مفاوضات الدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة زائد المانيا مع إيران حول برنامجها النووي، قد يؤجل توقيعه الذي كان مقرراً بعد ثلاثة أيام.

واستغرب حصر التنافس حول الاستحقاق الرئاسي بمرشحين وفي شكل غير متكافئ، أي أن أياً منهما ليس في وسعه تأمين النصاب القانوني لعقد جلسة انتخابية، وأن رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون يعتبر نفسه هو المؤهل ليكون الرئيس المسيحي القوي الذي سيعيد الدور المسيحي في المعادلة اللبنانية، لانه يتمتع بقاعدة شعبية ولديه كتلة نيابية وازنة، ويرفض أن يخوض أي معركة ضد جعجع، معتبراً أن على الأخير أن ينسحب له ليكون هو رئيس تسوية. لكنه لم يستطع فرض كل تلك الشروط، وتستمر البلاد من دون رئيس حتى إشعار آخر، فيما هو يزعم خوض معركة استرجاع الدور المسيحي للرئاسة أي الى ما كان عليه قبل 20 عاماً.

ولفت الى أن المرشح الثاني، وهو رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع يبدي ليونة أكثر، وقد أكد أنه مستعد للانسحاب من المعركة ولكن ليس لعون. ولاحظ أن إصرار زعيم “التيار الوطني” على خوض المعركة من دون تراجع، يضعه تقريباً في مواجهة عدد كبير من القوى السياسية التي تشكل المكونات السياسية للبنان. وفي موازاة ذلك، يرسل الرئيس نبيه بري، وهو قطب في قوى الثامن من آذار، جميع نواب كتلته الى ساحة النجمة ليكونوا الى جانب نواب 14 آذار في جلسات الانتخاب.

ورأى الوزير أن المشكلة تكمن في أن عون ماض في معركته حتى النهاية، ويعزز موقفه الذي منع الى الآن انتخاب رئيس للبلاد باجتهادات مضادة لـ”نداء 25 حزيران” وناقوس الخطر الذي قرعه هذا اللقاء الاقتصادي والعمالي والنقابي أول من أمس في “البيال”، محذراً من انهيارات تهدد البلاد. أما عون فردّ بأن ذلك تهويل في غير مكانه، متسلحاً بحجم الودائع وبنسبة النمو. وأكد أن عون أعطب جميع المحاولات التي أجرتها بعض الدول لمساعدة لبنان على اجتياز هذه المرحلة، وفي مقدمها فرنسا، والمساعي الحميدة التي أبدى الفاتيكان استعداده للقيام به. أما على المستوى المحلي، فقد بحّ صوت البطريرك بشارة الراعي وهو يدعو الى الانتخاب في أقرب وقت، من دون أن ننسى مساعيه مع عدد من الدول الكبرى والأمين العام للامم المتحدة بان كي – مون. وختم بأن الأخطر هو أن عون يشلّ مجلس النواب ويعطل منذ نحو ثلاثة أسابيع جلسات مجلس الوزراء لأنه يريد أن يعين قائداً للجيش رافضاً انتظار 23 أيلول المقبل موعد انتهاء التمديد الأول للقائد الحالي للجيش العماد جان قهوجي.

أين مصلحة عون بوصف الاقتصاد بـ”الجيّد” في ظلّ الشغور؟ تقدّم الحسابات السياسيّة على المصالح العامة مؤشّر لعمق الهوّة
 سابين عويس/النهار/27 حزيران 2015

ليس مستغرباً أن يشن رئيس “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون هجوماً وإن غير مباشر على كل من “تيار المستقبل” ورئيس المجلس النيابي نبيه بري من خلفية اقتصادية تجلت في انتقاده لقاء البيال، بما ان بصمات الفريقين المشار اليهما بدت واضحة في التمثيل الاقتصادي والنقابي لذلك اللقاء، ولكن ما يبدو مستغرباً ان يُستدرج عون إلى معطيات ومؤشرات اقتصادية لا تعكس واقع الاوضاع ولا تمثل الصورة الحقيقية لما تمر به القطاعات الاقتصادية والانتاجية، والتي تنسحب بدورها سلباً على المواطنين ومصالحهم.

لم يفت عون التفكير في أن “تحريك” الهيئات الاقتصادية والاجتماعية في وجه التعطيل، يستهدفه مباشرة بما أن الاتهامات السياسية التي توجهها قوى 14 آذار بما فيها تيار “المستقبل” تحمله مسؤولية تعطيل إنتخاب رئيس للجمهورية، كما تحمله مسؤولية تعطيل الحكومة.

وهو يبني على إعتقاد أن توقيت التحرك يعزز نظريته هذه، لأن الهيئات الاقتصادية والنقابية ( التي تمثلت في إجتماع البيال بغياب هيئة التنسيق) لم يحصل طيلة فترة الشغور الرئاسي الذي ولج عامه الثاني، بل حصل عقب تعطل الحكومة. من هنا، كانت إتهاماته مباشرة إلى ” المعترضين على الوضع الاقتصادي وأصحاب المصالح الذين يدعون الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية الى التحرك”، معتبراً ان “هناك من يحرك هؤلاء”. لكن أين مصلحة عون في القول إن “الاقتصاد جيد جدا”، مع عودة إلى نغمة “أن البلد مسروق”، (وهو كان تراجع عنها عندما لمس تقاربا مع تيار “المستقبل”)؟ وهل كلامه يعني ترديا في العلاقة مع التيار الازرق بعدما خذله رئيس التيار في موضوع تعيين صهره العميد شامل روكز قائدا للجيش قبل إنتهاء ولاية العماد جان قهوجي بأربعة اشهر؟ وعلى مقلب مسيحي، سؤال يطرح نفسه حول مصلحة عون ومصلحة تياره الذي ينشط في الدفاع عن حقوق المسيحيين بالقول ان الامور جيدة في غياب رئيس للجمهورية؟ وهل هذا يعني ان البلاد يمكن ان تسير في شكل طبيعي من دون رأس السلطات الدستورية؟

اما على المقلب الاقتصادي، فثمة اكثر من سؤال يطرح عن المعطيات التي يملكها عون حول وضع الاقتصاد، والتي تدحض الارقام والمؤشرات الصادرة عن الدوائر المعنية والمؤسسات التي تتمتع بصدقية في التعامل مع المؤشرات الاقتصادية، والتي تجمع من دون أي شك على ان الاقتصاد ليس بخير وان ثمة تحديات وأخطاراً كبيرة تتهدده وتتهدد النمو في ظل الاوضاع المشتعلة في المنطقة وما ترتبه على الحركة التجارية والسياحية والتصدير، فضلا عن التداعيات السلبية لأزمة اللاجئين السوريين التي ترهق الاقتصاد وتنهك البنى التحتية، وتضيق فرص العمل امام اللبنانيين تحت وطأة المنافسة الحادة للعمالة السورية؟ قد يكون صحيحاً قول العماد عون إن الاقتصاد جيد مقارنة بما كان يجب أن يكون عليه في ظل الاثقال السياسية الداخلية التي يرزح تحتها بفعل المناخ السياسي المتشنج، معطوفا على وضع إقليمي غير مؤات، وهذا ناجم عن مناعة إكتسبها بفعل جهود جبارة تُبذل على أكثر من صعيد لمنع إنهياره. ولكن هذا الاقتصاد بعينه كان يمكن أن يكون في حال أفضل لو عمل بقدراته الفعلية ونجح في إقتناص الفرص المتاحة أمامه لو تأمن له المناخ التشريعي والاستثماري والتحفيزي القائم على عنصر الثقة، فضلا عن الدعم الحكومي لتسهيل معالجة الازمات الطارئة بفعل إقفال الحدود والمعابر، الامر الذي حول البلاد إلى جزيرة ولكن غير معزولة عن تداعيات محيطها. وعليه، فإن أي كلام على “إقتصاد جيد جدا” في مثل هذه البيئة ووسط مثل هذه التحديات لا يعكس الا عمق الهوة بين المسؤول والواقع. قد لا يكون نداء الاستغاثة الذي اطلقته الهيئات الاقتصادية بالامس معبراً بالقدر الكافي، باعتبار أن الشكل لم يعكس المضمون، ولكن هذا النداء ليس الا نزراً يسيراً من معاناة قوى الانتاج بأركانها الثلاثة: الدولة واصحاب العمل والعمال!