إيلـي فــواز/الدولة ليست حلاًّ

233

الدولة ليست حلاًّ
إيلـي فــواز/لبنان الآن/24 حزيران/15

الكثير كُتب عن الانتهاك للكرامة الانسانية الذي حصل في سجن رومية بحق موقوفين “سُنّة”. والغضب عمَ اللبنانيين. منهم من نزل احتجاجاً على هذه الحادثة، ومنهم من غضب من غضب المحتجين. منهم من طالب باستقالة وزير الداخلية نهاد المشنوق، ومنهم من تساءل عن سبب غياب هذا الغضب عند ذبح الجنود اللبنانيين على يد داعش. وبدأت الاتهامات الغوغائية تنتشر في وسائل الاعلام، كما في وسائل التواصل الاجتماعي.  البعض قال ان الوزير اشرف ريفي يقف وراء هذه التسريبات، وأن القصة لا تتعدى مجرد كونها حرباً داخلية ضمن عائلة تيار المستقبل. اما البعض الاخر قال ان هناك من يدفع بالطائفة السنّية الى احضان داعش.  لكن بعيداً عن التحليلات والتأويلات نستطيع القول إنّ غضب الأهالي مبرر، وهم الذين يشكون من سوء معاملة ابنائهم داخل السجون اللبنانية منذ مدة.

ونستطيع القول أيضاً ان هذه القضية فيها مظلومين ينتظرون عدالة من الأرض لا تأتيهم. فمن الموقوفين من يقبع في السجن من دون محاكمات، ومنهم من قضى عقوبته ولم يخرج بعد، ومنهم من يسجن ظلماً. و بعيداً أيضاً عن التأويلات نستطيع القول إنّ الوزير مشنوق لا يتحمل مسؤولية معاناة المساجين، او مسؤولية الانتهاكات التي حصلت وحده. صحيح ان للمشنوق مسؤولية اخلاقية كونه على رأس وزارة تخضع ادارة السجون لها، وهو تحملها، لكنّ المطالبة باستقالته او حتى ادانته ففيها شيء من المبالغة. استطيع ان اجزم ان للوزير مشنوق من الانسانية ما يجعله يتألم لما رآه. وأستطيع ان اؤكد ان للمشنوق غيرة على الطائفة السنّية ما يجعله مقهوراً على معاناتها. هذا ليس موضوع نقاش. مشكلة المشنوق في مكان آخر. انه ضحية اشكالية لا حل لها. فهو يعمل لدولة لا وجود لها، ويدعو الناس اليها وهي غائبة. هذا هو الأمر بكل بساطة.

للأسف في الضفة المقابلة للوزير المشنوق هناك من يمعن في قتل هذه الدولة وإلغائها، وهو يفوقها قوة وإنْ كانت تنقصه شرعية ما يستمدها حالياً من جثة تلك الدولة.   المواطن العادي، الذي لا ينتمي الى مشروع حزب الله لم يعد يرى ان الدولة هي الحل. لا يثق بأن الدولة تستطيع حمايته من تجاوزات دويلة حزب الله. هناك كم من الاسئلة التي لا يمكن لتلك الدولة التي يمثلها المشنوق الإجابة عنها.  قاتل طفل الخمسة اعوام منير حزينة مجرم ام لا؟ لماذا هو حر طليق بينما في رومية من يسجن ويعذب لمجرد تغريدة من هنا او تعليق من هناك ضد رموز الممانعة؟

هذا المثال ليس في مطلق الاحوال شواذاً، انما قاعدة و نهج لدولة لا تستطيع ان تطبق القانون الا على من هم ليسوا بصفوف حزب الله. من يحمي مواطناً في الدولة اللبنانية اذا تواجه مع مواطن من دويلة حزب الله؟ من يحمي مواطناً من تعسف اجهزة الامن في حزب الله او معتقلات حزب الله او محاكمه؟ لماذا السنّي الطرابلسي الذي يلتحق بالجيش السوري الحر هو ارهابي بينما من يساند ويشارك الرئيس السوري بشار الاسد في اجرامه مقاوم؟ لماذا عرسال بؤرة ارهاب والضاحية الجنوبية جنة الجنان؟ لماذا آل الحجيري متهمون وآل المقداد مكرمون؟ في ايام الوصاية السورية كان غالبا ما يُسجن المنتمون لأحزاب مناهضة لسوريا الاسد, (لاسيما الاحزاب المسيحية من قوات وكتائب وعونيين) ويعذبون في اقبية السجون التابعة للنظام الامني السوري اللبناني المشترك وكان بعضهم يموت تحت التعذيب.  فيما مضى كانت بالكاد تعلو اصوات معارضة ضد تلك الشواذات. تصريح من بابا الفاتيكان، كلام من البطريرك صفير، عظة من المطران عودة، او خطاب للأب عبو. كان هذا جل المستطاع من دون ان تتوقف الانتهاكات بحق الشباب. فالمسيحيون لم يكن لهم راع  يلجأون اليه بعد دخول لبنان عصر الوصاية السورية. قمعهم لم يكن لديه صدى تتلقفه دولة اقليمية كبرى وتعترض عليه وتوقفه. كانوا يُذبَحون بصمت.ولكن هذا ليس وضع الطائفة السنّية اليوم. فعذابها له صدى في اكثر من دولة ولدى اكثر من تنظيم. إن لم يستطع المشنوق رفع الظلم عنها، او إن لم يستطع في الحد الادنى حمايتها فهناك من ستلجأ اليه. المشكلة ليست بالوزير الشنوق او باعتداله او بإيمانه نظرياً بالدولة كراعية وحيدة للاجتماع اللبناني. كما ان المشكلة ليست بغضب اهالي المساجين “الاسلاميين”، انما بحزب الله و سلاحه وتجاوزاته وخطابه الطائفي. الدولة ليست حلاً عندما تصبح رهينة بيد حزب الله.