عبد الوهاب بدرخان: ما الحاجة إلى شبّيحة في سجن رومية//نبيل بومنصف: شارع يستسقي شوارع//سمير منصور/كيف الحؤول دون تكرار ما حصل في رومية؟

224

كيف السّبيل إلى احتواء التداعيات والحؤول دون تكرار ما حصل في رومية؟
 سمير منصور/النهار/24 حزيران 2015

قيل الكثير عن الفيلم – الفضيحة في سجن رومية وتعددت التحليلات والاستنتاجات عن الاهداف الكامنة وراء تسريب تسجيل مصور لضرب سجناء بشكل وحشي بلغ حد أعمال التعذيب التي هزت العالم ولا تزال في سجون الانظمة الديكتاتورية المتوحشة وفي مرحلة من الحرب على العراق، في “أبو غريب” و”غوانتانامو”، وكل المواقف الجدية تقاطعت عند الجزم بأن الهدف الابرز لتلك التسريبات، جريمة تضاهي جريمة التعذيب فظاعة، وهي إحداث فتنة طائفية ومذهبية في لبنان، “تتناغم” مع حريق المنطقة وذلك ضمن محطات كثيرة بلغت ذروتها منذ عشر سنوات على الاقل ولا تزال مستمرة: تعددت المحاولات والهدف واحد!ونظرا الى خطورة الفيلم – الفضيحة، فان أي محاولة لتمييع التحقيقات فيها، تشكل مشاركة فيها وفي تداعياتها… قد لا يكون منفذو الاعتداء على السجناء ومسرّبو التسجيل المصور على علم بالاهداف المطلوبة من وراء فعلتهم، ولكن، قطعا هناك من خطّط وحرّض ويجب أن تكشفه التحقيقات التي تعهّد المسؤولون بأنها ستكون جدية وشفافة، وهؤلاء أقدموا على ما فعلوا من أجل أهداف مشبوهة وخطيرة تستهدف الامن وقتل الناس أولا وأخيرا، ومن حق الناس على الاقل، معرفة نتائج التحقيقات وفي أسرع وقت.

ولئن يكن الحدث الخطير قد أحدث ردات فعل على المستوى الشعبي، فانها كانت طبيعية ولم تتعد حركة اعتراض وصرخة احتجاج، كما أن المواقف السياسية ولا سيما للوزراء المعنيين، كانت عاقلة ومدروسة، وساهمت في استيعاب تداعيات الحدث تدريجا، وأما بعض الاصوات ذات الطابع التحريضي، من حيث يدري اصحابها او لا يدرون، فتصب في الاهداف نفسها لمنفذي الاعتداء والمخططين له، “وهؤلاء المنفذون والمخططون داعشيون أكثر من داعش ويشتغلون عندها” وفق وصف وزراء وسياسيين. فمن يحاول ايجاد البيئة الحاضنة لتلك الجماعة ومثيلاتها، بالتأكيد يشتغل عندها، ويبدو واضحا أن الهدف، ومن خلال اختيار هوية السجناء وانتمائهم المناطقي، واستتباع تسريب الشريط المصور بمعلومات عن أن احد المعتدى عليهم هو شيخ وما شابه من تعليقات، كلها تصب في المكان نفسه… ومرة جديدة يثبت أبناء طرابلس وعكار والشمال عموما انهم أكثر وعيا من بعض الساسة والاحزاب، وانهم يرفضون ان يكونوا أدوات لتنفيذ المخططات الجهنمية. ومن موقعه الوزاري والسياسي والشمالي الطرابلسي يفاخر الوزير رشيد درباس بوعي أبناء طرابلس والشمال ولا سيما منهم البسطاء الذين يدفعون ثمن تلك المخططات التخريبية، ويعرب عن ثقته بسقوط محاولات جديدة تستهدف طرابلس تحريضا ومحاولات افتعال حوادث أمنية. ويقول: “منذ اقفال سوق القمح… أي الاشتباكات غب الطلب بين جبل محسن وباب التبانة، بات واضحا أن الناس في الأساس، في مكان آخر وأن المدينة ليست كما يحاولون تصويرها وتشويه حقيقتها وصورتها الانسانية والحضارية وتعبئة الناس فيها وضدها، وقد ثبت لاحقا أن الاشتباكات كانت مفتعلة ويقف وراءها متاجرون بدماء الناس”.

ويقول درباس في حلقة ضيقة مع صحافيين إنه لو كان يريد أن يكتب غدا لدعا الى “إقامة خنادق على طول الحدود اللبنانية وملئها بالماء لمنع امتداد الحرائق من الخارج إلينا، لا بالمتفجرات والسلاح لاستجرارها”. ويتحدث عن “داعشية اعلامية وسياسية مهمتها شحن النفوس وصب الزيت على النار لتخويف جمهورها وتبرير داعشيتها”! وما بين التوظيف السياسي لما حصل في سجن رومية ومحاولات تحميل وزير الداخلية نهاد المشنوق وزره أو الدفاع عنه ومحاولة ضرب إسفين بينه وبين وزير العدل أشرف ريفي وهما أبناء الكتلة نفسها “كتلة المستقبل”، فان موقف رئيسها سعد الحريري الداعم للوزيرين، ساهم الى حد ما في استيعاب تداعيات الحدث المدوي، “وكان يجب أن يلاقى في منتصف الطريق ولا سيما من قبل “حزب الله” و”تكتل التغيير والاصلاح” وعموم فريق 8 آذار” وفق مرجع سياسي مستقل يرى في الوقت نفسه أن “هذا الحدث الخطير كان يمكن ان يوظف في اطار الهجوم المضاد من خلال كلمة حلوة وموقف عاقل يساهم في اطاحة اهدافه وهي اجرامية قذرة شأنها شأن محاولات سابقة بأشكال مختلفة وفي مناطق محددة”. أما الموقف من الوزيرين المعنيين، فلا يجوز ان يستبق التحقيقات واعلان نتائجها، فاذا تمكنا من ذلك فسيكون في استطاعتها احتواء تداعيات الحدث والحؤول دون تكراره. ولعل اقتراح الوزير السابق فيصل كرامي التعجيل في محاكمة السجناء الاسلاميين وحسم أمرهم قبل عيد الفطر، يساهم أكثر فأكثر في معالجة تلك التداعيات.آن الأوان لوضع السجون في عهدة اختصاصيين وتحت وصاية وزارة العدل، فـ”شغلة” العسكر الحماية والأمن فقط، ولا شأن لهم في الاصلاح واعادة التأهيل!

ما الحاجة إلى “شبّيحة” في سجن رومية؟
عبد الوهاب بدرخان/النهار/24 حزيران 2015

لم يذكّرنا “شريط رومية” بشيء مقدار ما ذكّرنا بأشرطة “شبيحة” النظام السوري، حتى لتكاد البذاءات اللفظية ذاتها تشي بأن الواقعة جرت هناك. لا أحد يظن بأن تحقيقات الأجهزة لانتزاع الاعترافات تتمّ في جلسات لطافة رومانسية، لكن ما شاهدناه ليس تحقيقاً، ولا علاقة له بالتحقيق في عمل جنائي أو ارهابي، بل كان حفلة تنكيل مجهولة الدوافع وأقرب الى تمرين على اجادة التعذيب والتمتّع به. هناك أولاً الواقعة، ثم التصوير، والتداول، ثم التسريب وتوقيته، فالاستغلال السياسي والاستغلال المضاد. وقبل كل شيء هناك أوضاع السجون التي باتت مزدحمة بمعتقلين مرتبطين بجماعات التطرّف والارهاب. ثم هناك أيضاً أوضاع القضاء غير القادر على احتواء هذا النوع من القضايا وإعمال القانون فيها، لأن لها بُعداً سياسياً وطائفياً، ولأن هناك قضايا مشابهة بل مطابقة لها تجري لفلفتها لأن بعدها السياسي – الطائفي مختلف لكن مجرميها المعروفين يتمتّعون بحصانة “سلاح المقاومة”، الذي صار متخصصاً في الدفاع عن أنظمة الإجرام والاستبداد. أما الواقعة التي يقول المدّعي العام التمييزي إنها “فردية” و”غير ممنهجة” فلا يمكن أن تكون فردية طالما أن الموقوفين على ذمّتها ستة عناصر (مناصفة بين مسلمين ومسيحيين)، في حين أن تفاصيلها لا توحي بأن المرتكبين يرتكبون للمرّة الأولى بل إنهم “ممنهجون” جداً. وأياً كان الجهاز الذي أجاز لهم ما فعلوه فمن واجبه أن يتذكّر أن حتى في دول الغرب حيث التعذيب أقل/ أو أكثر مهنيّة، باتت السجون مصانع للتطرّف والمتطرفين، فكيف اذا كان الوضع العام مشحوناً كما هو حالياً في لبنان ومحيطه. كاد الشريط أن يفجّر فتنة في البلد، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي أظهرته ردود الفعل، لأن كل شيء يفسّر طائفياً، ورغم أن هؤلاء السجناء مجرمون موصوفون بغضّ النظر عن انتمائهم الديني، إلا أن إظهارهم عراةً يتعرضون للضرب على هذا النحو يعيد انتاج الواقعة باعتبارهم “ضحايا” تعذيب “لأنهم سنّة مستضعفون”، واستطراداً لا بد أن يكون جلّادوهم عناصر من طائفة أخرى، فهل هذا ما أراده مَن صوّر وسرّب ونشر؟ أم أنه سعى الى إضعاف تيار “المستقبل” وإحداث مشكلة داخلية فيه، بل ادّعاء أن فيه جناحاً معتدلاً وآخر شعبوياً أقرب الى التطرّف؟ تصرّف رئيس الحكومة ووزيرا الداخلية والعدل وفقاً للتوقعات، فهل تحرّكوا في اطار احترام الدولة وإعمال القانون بحكم مسؤولياتهم أم لأنهم “سنّة”؟! الجواب متروك للذين تلقفوا الحدث كمستفيدين منه، فإذا القصة عندهم بكل دواخلها، كما لو أنهم صانعوها الأصليون، سواء لدعم وزير ضد آخر أو للاشارة الى ظهور أعلام “جبهة النصرة” هنا وهناك، أي أن المستفيدين من الفضيحة منزعجون من اعتدال “المستقبل” وتطرف “النصرة” في آن، وحتى من وجود الدولة، ولا حلّ لمشكلتهم.

 

شارع يستسقي شوارع
 نبيل بومنصف/النهار/24 حزيران 2015

ثمة شارع واحد في لبنان يمكنه بل يتوجب عليه ان يتحرك ويُعلي الصراخ هو شارع أزمات الناس، وكل تحرك لشارع آخر محمول بخلفيات طائفية أو مذهبية أو جهوية لن يكون الا فتيل إشعال لذاك المعلوم – المجهول الذي ظن اللبنانيون أنهم نجوا منه مراراً في السنوات الاخيرة. شارع الناس وأزماتهم غالبا ما شكل ويشكل شارع توحيد ووحدة، اما شوارع المذاهب والطوائف فلا تحمل الا الشرور المستطيرة. نقول ذلك من خوف يتنامى بقوة جارفة جراء التفلت الذي اشاعه العمل المشبوه في سجن رومية موثقاً وحشية امنية وقعت تحت صناعة غرفة معتمة عممها التسريب المفخخ على شوارع ملتهبة بدل الذهاب بها الى غرف القبض على المشبوهين. ذاك الشريط، أيا كان المتورط في مؤامرته، صنع ايجابية يتيمة اذا كان يجوز الكلام عن ايجابيات، وهي انه أضاء الانذار الاخطر اطلاقا حيال شارع سني ملتهب يغلي بشتى انواع الاحتقانات بما لا يقاس مع تجارب سابقة. وهو إنذار لا يعني الشارع المستهدف بمؤامرة التفجير وحده، سواء قصدا أو بفعل أرعن، بل كل شوارع “الآخرين” في البلد الذي يزهو بأنه نموذج “طبيعي” جاهز للتقسيم الواقعي تحت مسميات ملطفة. لكأن دس هذا الشريط جاء بمثابة اطلاق الرصاص على ارجل من دسه وكذلك على الشارع المتوثب للاشتعال بما يفترض معه تبديل الحسابات تبديلا جذريا حيال خطورة التمادي في الاستهانة بواقع هذا الشارع الذي إن أسقط متراس الاعتدال الاخير فيه لن يرغب اي لبناني في تصور نتائج الانفجار الذي سيولده. لذا ترانا نتساءل: هل كان يراد اسقاط الوزير نهاد المشنوق شخصيا بمعادلة لبنانية صرفة ام بما يتجاوزها الى معادلة تطل برأسها على لبنان لالحاقه بالفصول الاخيرة من الانهيارات السورية بما يفتح الباب على غاربه على افتراس التطرف للشارع السني اللبناني وتسديد الضربة القاتلة للاعتدال؟ وإذا كان “تيار المستقبل” وزعيمه الرئيس سعد الحريري باتا الآن عبر استهداف وزير الداخلية في عين الاختبار الحاسم للصمود دفاعاً عن المتراس الأخير للاعتدال السني والوطني المنفتح، فماذا عن الشركاء الآخرين وسلوكياتهم في الدفاع أيضاً عن كل اعتدال في كل الشوارع على قاعدة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”؟

لا ترانا في حاجة الى إنعاش ذاكرة احد حيال حقيقة لبنان الذي تشكل شوارعه الطائفية والمذهبية والمناطقية أوعية متصلة ذات كيمياء سريعة الاشتعال في تأثير الواحد منها على الآخر، وهي حقيقة لا تصمد عندها كل اوهام الذين اعتقدوا ويعتقدون ان في إمكانهم التحكم بشوارعهم وخصوصياتهم والنأي بها عن الآخرين فيما حقيقتهم انهم يسبحون في عوالم خداع الذات والضحك على ذقونهم هم لا سواهم.