خيرالله خيرالله: استهداف لمؤسسة متّهمة بأنّها لبنانية//مهى حطيط: وراء أكمة الأشرطة ما وراءها//غسان حجار: مَن يدفع السنّة إلى أحضان “داعش

244

استهداف لمؤسسة متّهمة بأنّها لبنانية!
خيرالله خيرالله/المستقبل/23 حزيران/15

لا يكون الردّ على الأشرطة المسرّبة عن التعذيب في سجن رومية بالاكتفاء بمعاقبة مرتكبي هذا النوع من الجرائم، التي تشكّل إساءة لكل لبناني وللبنان عموماً. الردّ يكون، قبل كلّ شيء، بالسعي إلى محاكمة سريعة لكلّ الموقوفين بتهم مختلفة. في مقدّم هؤلاء، الموقوفون في قضايا ذات علاقة بالإرهاب. إضافة إلى ذلك، لا بدّ من إنصاف شبّان لبنانيين من طلّاب جامعيين يقبعون في السجن منذ ما يزيد على سنة. هؤلاء موقوفون في قضايا لها علاقة بتعاطي المخدرات. هناك آخرون موقوفون ظلماً بتهم ذات طابع جنسي. من المفترض في السلطات اللبنانية المختصة الاستفادة من تسريب شرائط التعذيب للانتهاء من التخلّف والظلم اللاحق بكثيرين ومعالجة قضية السجون والإسراع في المحاكمات والتركيز على كيفية تعامل رجل الأمن مع المواطن.

ليس أفضل من تسريع المحاكمات كي ينال كلّ موقوف حقّه، فيدان المجرم ويطلق البريء ويخفّ الضغط عن السجون. الأهمّ من ذلك، أن على لبنان أن يثبت أنّه رائد في الدفاع عن حقوق الإنسان في المنطقة وأنّه يستطيع أن يكون مختلفاً عن الآخرين، خصوصاً عن النظام السوري الذي اراد تحويل البلد إلى سجن كبير عن طريق فرض ثقافة، لا علاقة لها بحقوق الإنسان. ما نشهده من تعذيب في سجن رومية، هو في جانب منه من مخلّفات النظام السوري الذي حكم لبنان وتحكّم به طوال ثلاثة عقود، علماً أنّ اللبنانيين لم يقصّروا في حق بعضهم بعضاً خلال حروبهم الداخلية، فمارسوا ما هو اسوأ من التعذيب. اعترف وزير الداخلية نهاد المشنوق بأن السجون اللبنانية لا تستوعب أكثر من ألفين وخمسمئة سجين، في حين أن عدد السجناء في البلد يزيد على سبعة آلاف. ليس أفضل من الإسراع في المحاكمات كي يخفّ الضغط عن السجون، خصوصاً على سجن رومية وذلك في انتظار بناء سجن جديد يليق بلبنان ويعطي صورة مختلفة عن البلد.

لبنان في حاجة إلى هذه الصورة التي سعى الوزير المشنوق إلى استعادتها منذ اليوم الأوّل الذي دخل فيه مبنى وزارة الداخلية. نجح أحياناً وفشل في أحيان أخرى. فشل بسبب النقص في الإمكانات وبسبب وجود طموحات غير قابلة للتحقيق في ظلّ السلاح غير الشرعي لدى ميليشيا «حزب الله». هذا السلاح منتشر في كلّ أنحاء البلد الذي يعاني أيضًا من حجم انعكاسات المأساة السورية عليه. مَن لديه بعض من ذاكرة يستطيع استعادة الجهود التي بذلها وزير الداخلية من أجل تحسين الأوضاع في سجن رومية والسعي إلى بناء سجن جديد يستند إلى فكرة السجن – المدرسة. مَن لديه بعض من ذاكرة، يستعيد أيضاً الجهود التي بذلتها وزارة الداخلية من أجل جعل سجن رومية سجناً طبيعياً وليس «إمارة» وغرفة عمليات تعطى منها توجيهات لمنظمات إرهابية. كان مفيداً نشر الأشرطة في هذا التوقيت بالذات، وهو توقيت غير بريء، وذلك للتأكد من أمرين. أولّهما أن هناك ظلماً لحق بسجناء وهناك ممارسات ذات طابع وحشي في السجون اللبنانية تستدعي ملاحقة المسؤولين عنها. الأمر الآخر الذي كشفه تسريب الأشرطة أنّ هناك من يريد تدمير المؤسسات اللبنانية الواحدة تلو الأخرى في ظلّ الفراغ الرئاسي المستمر منذ ما يزيد على سنة. مَن مارس التعذيب في رومية وغير رومية ينتمي إلى تلك الفئة المعروفة التي تريد ضرب إحدى المؤسسات اللبنانية الجامعة التي لا تزال تعمل في خدمة اللبنانيين من دون تمييز بين منطقة وأخرى أو بين المذاهب والطوائف. من حقّ نهاد المشنوق الحديث عن «أبطال» مؤسسة قوى الأمن الداخلي. هؤلاء حاربوا الإرهاب بكلّ أشكاله. لم يميّزوا بين لبناني وآخر. دافعوا عن الدولة اللبنانية وكشفوا شبكات تخريب، بما في ذلك شبكة علي المملوك – ميشال سماحة وما يتفرّع عنها. هل جاء دور ضرب مؤسسة قوى الأمن الداخلي، بكلّ فروعها، بسبب فعاليتها وأدائها ودفاعها عن الدولة؟ هل صار الانتماء إلى لبنان تهمة في هذا الزمن الرديء؟

السؤال مشروع في ضوء مزايدات بعض السياسيين الذين سارعوا إلى الشماتة بوزارة الداخلية. هؤلاء لم يفعلوا شيئاً عندما كانوا في السلطة. تجاهلوا خصوصاً وجود مشكلة في السجون، خصوصاً إبان حكومة «حزب الله» برئاسة النائب السنّي نجيب ميقاتي. لعلّ أخطر ما رافق نشر أشرطة التعذيب تلك الحملة على مؤسسة قوى الأمن. هذه الحملة جزء لا يتجزّأ من الحملة على ما بقي من لبنان حيث لا تزال هناك حكومة تسدّ الفراغ الناجم عن غياب رأس الدولة. ثمّة أخطاء حصلت. تحمّل وزير الداخلية المسؤولية عن هذه الأخطاء. في الإمكان معالجتها عبر اللجوء إلى القانون وليس عبر النيل من المؤسسة التي لا بديل منها إلى إشعار آخر. مَن يريد بالفعل خدمة البلد لا يلجأ إلى تدمير مؤسساته أو ما بقي منها ولا يلجأ إلى النيل من وزير، ربّما كان من بين المآخذ عليه سعيه إلى أن يكون وزيراً للجميع، بما في ذلك «حزب الله»، مع علمه التام بما يضمر هذا الحزب للبنان واللبنانيين.

وراء «أكمة» الأشرطة.. ما وراءها
مهى حطيط/المستقبل/23 حزيران/15

كل ما يمكن أن يُقال في وصف شريطَي الفيديو اللذين انتشرا قبل يومين على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ويظهران قيام عناصر من قوى الأمن بتعذيب مساجين، محقٌ. وكل المطالب والمناشدات التي جاءت على ألسنة المواطنين والناشطين السياسيين بمعاقبة العناصر التي ظهرت في الفيديو وهي تقوم بأعمال تعذيب شنيعة وتطلق الشتائم بحق المساجين هي أكثر من محقة. إلا أنه، وانطلاقاً من الأوضاع الأمنية والسياسية الداخلية والمحيطة في لبنان، لا بد من الإشارة الى أن ما حصل كان أكثر بكثير من عرض فيديو لتعذيب مساجين أو حملات تطالب بمعاقبة المسؤولين. فوزير الداخلية نهاد المشنوق وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده في الوزارة وخصصه للحديث عن الإجراءات التي سيتخذها بحق المرتكبين كان واضحاً بأنه لن يسكت وأنه هو تحديداً الذي تجرأ على فتح ملف سجن روميه أمنياً عبر إنهاء الإمارة التي كانت تحكم السجن منذ سنوات وإنسانياً عبر ترميم السجن بما يناسب حقوق الإنسان، ولن يسمح بهكذا انتهاكات. ورغم كلام المشنوق الحاسم والواضح وزيارته سجن روميه لمقابلة المسؤولين الأمنيين ومقابلة السجناء الذين ظهروا في أشرطة الفيديو وهم يتعرضون للتعذيب، وائل الصمد وقتيبة الأسعد وعمر الأطرش. كانت الحملات على المشنوق تشتد بما يوحي بأن المطلوب كان أكثر بكثير.. مصادر متابعة للملف رأت أنه كان المطلوب «أن يُقال للشارع السنّي إن خيار الاعتدال الذي اخترتموه بوقوفكم مع تيار «المستقبل« وخلف الرئيس سعد الحريري لم يجلب لكم شيئاً، وإن وزير الداخلية، أكثر المنادين بالاعتدال وأكثر المحاربين للتطرف لم يقدم لكم شيئاً سوى تعذيب مساجين إسلاميين«. أضافت: «ومرة جديدة بائسة كانت الرسالة واضحة لمناصري تيار المستقبل: ليس أمامكم إلا داعش والنصرة… هي ليست المرة الأولى التي توجه هكذا رسائل الى هذا الشارع الذي ورغم كل التطرف المحيط به بقي محافظاً على سلميته ومدنيته ومتمسكاً بهما، لكن هذه المرة كانت الرسالة الأوضح والأكثر مباشرة وبالصوت والصورة«.المطلوب أيضاً كان رسم الأسئلة حول شعبة المعلومات وعملها، وهو ما تنبّه له وزير الداخلية في مؤتمره الصحافي رافضاً أن تتم محاكمة قوى الأمن وشعبة المعلومات بسبب أخطاء فردية قامت بها بعض العناصر. وعادت المصادر بالذاكرة إلى «أحداث عبرا بعد قيام أفراد من المؤسسة العسكرية بتعذيب موقوفين ووقتها وقف الجميع في وجه الإساءة الى المؤسسة بشكل عام وكان المطلوب معاقبة العناصر المرتكبة«. وذكّرت بـ»التشكيك بهذه الشعبة وبعناصرها يوصل الى أماكن كثيرة أبسطها التشكيك في التحقيق مع كل من فايز كرم وميشال سماحة وضرب الإنجازات التي قامت بها مؤسسة قوى الأمن الداخلي منذ عام 2005 الى اليوم. علماً أن القوة الضاربة من شعبة المعلومات والتي قامت بعملية سجن روميه هي نفسها التي تصدت لإرهابيين في لبنان كخالد حبلص واسامة منصور ووقتها أصيب أحد عناصرها بإصابة خطيرة«. كما ذكّرت بأن «فريق الثامن من آذار عمل طوال السنوات الماضية على تحطيم وتهشيم صورة هذه المؤسسة واتهامها بأنها مؤسسة تابعة لتيار المستقبل، واليوم يُراد من استثمار هذا الفيديو القول إن هذه المؤسسة نفسها هي من تسيء الى الطائفة السنية، وكل هذا كان مطلوباً من وراء نشر مشاهد التعذيب البشعة وأكثر«. إنها المؤامرة المستمرة على البلد ومؤسساته وخيار الاعتدال، لكن أيضاً الاستثمار في الجريمة هو بحد ذاته جريمة..

مَن يدفع السنّة إلى أحضان “داعش”؟
غسان حجار/النهار/23 حزيران 2015

أيّاً تكن هوية مَن سرّب شريط التعذيب في سجن روميه، فإنه بالتأكيد ارتكب خطأ استراتيجياً، لأنه اصاب طائفة بكاملها تتنامى في اوساطها مشاعر الغضب والانكفاء وتراجع الدور، كما المذهبية القاتلة المتبادلة ما بين سنّة وشيعة على امتداد العالمين العربي والاسلامي. فالطائفة السنية، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لم تسترجع توازنها الذي بات مفقوداً كلياً منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري ودفعه الى مغادرة البلاد. واذا كان كل غياب يُملأ بأحد ما، فان غياب الحريري الابن وسّع مساحة الفراغ، وجعل “تيار المستقبل” ينكفئ جزئيّاً في غير منطقة، مفسحاً امام قوى اخرى متشددة، بعضها تكفيري، لتسجل حضوراً متنامياً، وتقوم بأدوار مشبوهة في التحريض وفي التجنيد لمصلحة إرهابيين. واذا كان بعض قيادات “المستقبل” يلجأ ما بين وقت وآخر، الى اعتماد اسلوب المزايدة في هذا المجال، ظنّاّ أنّ هذا الخطاب يشد العصب ويعيد ربط مَن انقطع، فإنه بالتأكيد لا يدرك ان هذا “الوحش” الذي يساهم في احتضانه، سينقضّ عليه حكماً متى اشتد ساعده. والأمثلة كثيرة في التاريخ، ومن حولنا في القريب. ان ما حصل عبر تسريب متعمّد لشريط التعذيب في سجن روميه، اصاب عصفورين في حجر واحد: أصاب مؤسسة قوى الامن الداخلي، وتحديدا شعبة المعلومات فيها، التي دفع العميد وسام الحسن حياته ثمنا لها، وأضعف الشريط الثقة بالمؤسسة، خصوصا في أوساط المسلمين السنّة الذين يعتبرونها، بحق أو بغير حق، الاقرب اليهم. كما اثّر في النظرة الى وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي عمل على ضبط السجن بعدما كان مرتعاً للارهابيين يجولون فيه ويصولون، بوضعه في موقع الخائن لأهله وناسه، بدل ان تتم الاشادة بالاجراءات التي اتخذها معيداً الى المؤسسة والى الدولة بعضاً من هيبتهما. وأما الرصاصة القاتلة فقد اصابت المجتمع السني، وتحديدا المتشددين فيه، اذ ان ثقتهم المتراجعة بقوى الامن، وبالرجل القوي الذي يمثلهم في الداخلية، وعدم تعاطفهم اصلا مع الاجهزة الامنية الاخرى، يضاعف شعورهم بأنهم متروكون لمصيرهم، وان حركات مثل الشيخ احمد الاسير، وصولاً الى الاكثر تطرفاً واجراماً “داعش”، يمكن ان تشكل ملجأ لهم ومصدر حماية في مواجهة ما يتعرضون له. من هنا يصبح السؤال عن هوية مسرّب الشريط بلا معنى، سواء كانت طلقة هادفة، أو رصاصة طائشة، لأن الاصابة محققة، وتفاعلاتها وانعكاساتها لا توفر احداً. فاذا كان المُطلق خصماً لوزير الداخلية أو لقوى الأمن أو لشعبة المعلومات، أو كان من أهل البيت لمصالح وحسابات لا ندركها، أو كان من ذوي السجناء لتحسين شروط ما في السجن، فإنّ الاكيد انه يدفع بعض اهل السنة الى احضان “داعش” وتوجّه كثيرين الى هذا الواقع، ولو نظرياً، إنما يهدّد الكيان اللبناني، والتعايش ما بين ابنائه.