زهير قصيباتي: الإخوان وفخ الإعدامات//عبد الرحمن الراشد: إيران عندما فقدت إعلامها العربي

307

إيران عندما فقدت إعلامها العربي
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/18 حزيران/15

في زمن قصير ظهرت علينا وسائل إعلامية عديدة جديدة تتحدث باسم إيران، أو تدافع عن سياساتها، تلفزيونات وصحف ومواقع إلكترونية، لم تكن موجودة مثلها قبل سنوات قريبة. السر بسيط، فمعظم الإعلام العربي كان من يقوم بمهمة الدعاية والدفاع عن طروحات إيران ويدافع عن مواقفها، حتى ثار ربيع الأزمات العربي في عام 2011، وبسببها استفاق المغيبون. اكتشفوا أن إيران ليست سوى دولة أخرى، لها طموحاتها ومطامعها الإقليمية تحت شعارات الإسلام والعدالة والعداوة مع الغرب، وجندت الإعلام العربي لاستغلاله في كل ما أمكنها استغلاله للهيمنة ومحاربة خصومها العرب من خليجيين ومصريين ولبنانيين. وبدأت الصدمات تتوالى منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، ثم ما تلاه وإلى زلزال سوريا وأفعالها الشنيعة هناك. على أثرها أصابت الصدمة معظم العرب، وانقلب الحب والإعجاب بإيران الإسلام والحقوق الفلسطينية إلى كراهية وعداء شديدين. بعدها لجأت إيران إلى تأسيس منصاتها الإعلامية المختلفة الألسن والهويات، تحاول مقارعة وسائل الإعلام العربية، التي على اختلاف مشاربها تكاد تجمع على رفض نظام طهران آيديولوجيًا ومواقف وشخصيات. ويندر أن نسمع اليوم في الإعلام العربي الواسع ما تردده طهران ضد إسرائيل، فقد أدرك أنها دعاية مضللة، وصار يحرص على حماية الجمهور العربي من الوقوع في حبائل الاستغلال السياسي الإيراني الذي لطالما كان المهيمن لثلاثين عامًا. يندر أن نسمع عن تصريحات حليفيها في سوريا ولبنان، رغم أن المسؤولين هُنَاك لم يتوقفوا عن الكلام ضد المسؤولين الصهاينة، وتحميلهم كل ما يناسبهم. ومثال ذلك أنه في اليوم الذي تصدّت بوارج أميركيّة لسفينة إيرانية في الْبَحْر الأحمر، يرجح أنها كانت محملة بالأسلحة وغيرها لحلفائها الحوثيين في اليمن، واضطرت إلى العودة إلى الساحل الإيراني على الخليج، لم تردد وسائل العرب الإعلامية مبررات إيران وتهديدات مسؤوليها التي ملأت الفضاء الإعلامي هناك. في السابق، حادثة كهذه، كانت طهران تضمن استجابة تلقائية من عشرات وسائل الإعلام العربية، واحتضانها الدفاع عن مصالح إيران، وتحث على تبني مواقف عربية مناصرتها، وتسيير مظاهرات داعمة لها، واعتبار ما يقوله النظام هناك هو الحق. استفاق مُعْظم الإعلام العربي، وصار يميز بين الحقيقة والاستغلال، حتى اضطرت إيران إلى فتح مؤسساتها الإعلامية تحاول تغيير الرأي العام العربي بيدها لا بيد إعلام العرب، الذي تعتبره ناكرًا للجميل! وعلينا ألا نستهين بمحاولاتها استعادة الرأي العام العربي واستغلاله لمصالحها، ومشروعها للهيمنة على المنطقة. وهي قد تستطيع باستغلال الفراغات السياسية بين المواقف، واللعب على التناقضات العربية في سوريا واليمن والعراق. وصرنا نسمع بعض الإعلاميين العرب يرددون الطروحات الإيرانية التي تخلط بين المعارضة السورية والجماعات الإرهابية، وتلك التي تطرح بقاء النظام بحجة حماية وحدة سوريا، وأخرى تشكك في أهداف الدول المنافسة لها. وتحاول إيران فعل الشيء نفسه في اليمن، بتقديم الرئيس المعزول علي عبد الله صالح، وحليفه الحوثي، كخيار شرعي وشعبي. ولأنه يدري أن إعلامه صار محاصرًا، مثل ميليشياته في العراق وسوريا واليمن، ومرفوضا من قبل الشريحة الأكبر من العرب، فإنه يحاول جاهدا التسلل عبر المنابر المختلفة الجديدة والأخرى، وتقديم طروحات ذات صيغ متعددة، معظمها هجومية، ليس لكسب المعركة الجدلية، بل الأهم تخريب القناعات المهيمنة والمعادية له. أيضًا، يحاول أن يمنح وسائله الإعلامية الشعبية والمصداقية اللتين تفقدهما حتى الآن على أمل أن يتسيد الساحة الفكرية والدعائية. فالأزمة الإيرانية اليوم إعلامية، تعاني من العداء وبسببه تفقد مواقعها. وفي الماضي لم تَكُن تضطر إلى الدفاع عن مواقفها وحلفائها، بل تطوعت بالمهمة وسائل الإعلام العربية، فكانت تتولى بعث رسائلها، والدفاع عنها بحماس شديد. معركتها على عيون وآذان وقلوب العرب صعبة، لكنها ليست بالمستحيلة.

«الإخوان» وفخ الإعدامات
 زهير قصيباتي/الحياة/18 حزيران/15

لن يُمكِّن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قادة جماعة «الإخوان المسلمين» من صفة «الشهداء الأبطال»… لذلك يُرجَّح تدخُّله في «اللحظة الأخيرة» لتخفيف عقوبة الإعدام في حق الرئيس السابق محمد مرسي ورموز في الجماعة. ولكن هل يستقيم هذا الاستنتاج مع رد «الإخوان» على الأحكام بإهانة الرئيس وبحملة عنيفة على الحُكم؟ وإذا كان أكيداً أن الانقسام في صفوف الجماعة- بين تيار يفضّل النهج السلمي وآخر يحبّذ «النضال الثوري» ضد السلطة- لن يمكّن «الإخوان» من تعبئة الشارع في «هبّة» الجمعة المقبل، فالأكيد في المقابل، بصرف النظر عن حسابات القصر، ان تنفيذ الإعدام بمرسي ورفاقه، سيمنح الجماعة مجدداً شرعية ضائعة، كرّس ضياعها عدم تنديدها علناً بالعنف والإرهاب اللذين يهزّان مصر. بالإعدامات كذلك، سيتخلّص الحكم من خصوم ألدّاء، يؤرقه بعض التعاطف الغربي معهم، خصوصاً بسبب سياسة الاستئصال المتّبعة في مواجهة «الإخوان»، كما في التصدي للإرهاب. لكنّ حسابات الربح والخسارة لا تُسقِط في أبسط الاحتمالات، صبّ الزيت على نار التفجيرات والاغتيالات على أيدي تنظيمات تستغل اعتماد البطش أو الاستئصال في «تذويب» الجماعة، ذريعةً للرد بما هو أكثر عنفاً لـ «تذويب» هيبة السلطة وأجهزة الدولة. واضح أن صدقية القضاء المصري ما زالت على المحك، بل ان مسارعة واشنطن الى اعتبار أحكامه «مسيّسة» ستُلقي مزيداً من الشكوك حول العلاقات المصرية- الأميركية المتأرجحة بين مدّ وجزر… وحول اعتماد الحُكم في القاهرة سياسة الثأر وكمّ كل الأفواه المعارِضة. هكذا، تبدو الأحكام المشدَّدة التي أصدرتها محكمة جنايات القاهرة، رسالة إلى كل صوت يُعارِض تقييد الحريات ومصادرة الرأي، بذريعة «لا صوت يعلو على مكافحة الإرهاب».

وإن رجَحَت كفّة «مفاجأة» السيسي، وإقدامه قريباً على تخفيف عقوبة مرسي وسواه من قادة «الإخوان» الذين حُكِموا بالإعدام، فخطوة كهذه إن لم تسبق «هبّة» الجماعة في الشارع- وهذا مستبعد- ستفقد كثيراً من مفاعيلها لمصلحة التيار المتشدّد ودعاة استخدام القوة في صفوف الجماعة المحظورة. وكمن يقرّب النار من فتيل البارود، سيحاول هؤلاء توريط الشارع في حلقات أخرى من الدم، لتبدو الدولة في مواجهة فئات واسعة من المصريين، وليس مجرد جماعة محظورة صُنِّفت إرهابية. لا مبالغة في وصف حال الكرّ والفرّ التي تعيشها مصر بين ثورة وأخرى، ثم انتفاضة ثم «هبّة»، بغليان بركان لا يبدو أن حممه ستخمد قريباً. الجميع في فخ، «الإخوان» منذ فضّلوا القفز إلى رئاسة كل السلطات فاتُّهِموا بمصادرة الدولة… والدولة حين سقطت أمام إغراء القوة، وعاملت المهزوم بقسوة بعد إقصائه. ولا مبالغة إن قيل أيضاً إن الحكم الذي يخشى على الأمن القومي لمصر، وعلى وحدتها في قلب أعاصير المنطقة وتفتُّتِها، لم يفز بعد بمعركة كسب قلوب المصريين، لأنه اختار سياسات كثير منها غير شعبي، ولم يربح خصوم «الإخوان». صحيح ان كثيرين لا يتعاطفون الآن مع الجماعة، وإن لم تكن لها علاقة بالإرهاب في سيناء والقاهرة، لكن ذلك لا يُحسب بالضرورة في رصيد إدارة الدولة، وإعادة البلد إلى مسار الاستقرار. أما شهادة الأميركيين في نزاهة القضاء المصري، فإن لم تكن ذات صدقية كاملة، خصوصاً لمن يعرفون تاريخ الاتصالات بين واشنطن و «الإخوان»، فوجهُها الآخر يخفي لدى المتوجّسين من «مؤامرات» على مصر، رائحة تحريض قد يستغلّه دعاة التشدد و «النضال الثوري». وبين نضال وثورة وهبّة، هل يُجدي بعد، البحث عن جردة حساب، مَنْ أخطأ ومَنْ أصاب مع الحقوق المشروعة للمصريين؟ بحجم مصر يكون القلق عليها، فيما المنطقة غارقة بالدماء، بالعنف والثارات… والمخيمات. صحيح أن عودة الدولة والبلد الى الاستقرار مسار طويل، لكن الصحيح ايضاً أن الجميع سيخرج عن المسار، إن لم يوازن بين إغراء القوة وحتمية احتواء الداخل، بين مطالب حرية مشروعة وعقلانية في الاعتراف بالأخطاء… لتفادي الخطيئة. الخطيئة تتكرر إن صار الوطن نظاماً أو جماعة.