سلمان الدوسري/مَن الأهم للخليجيين.. تركيا أم إردوغان؟//موناليزا فريحة/تل أبيض في مرمى نيران الأكراد وسقوطها يقطع شرياناً حيوياً لـ”داعش

438

تل أبيض في مرمى نيران الأكراد وسقوطها يقطع شرياناً حيوياً لـ”داعش” تنويه أميركي وتركيا تخشى كياناً مستقلاً يهدّد حدودها
موناليزا فريحة/النهار15 حزيران 2015

تل أبيض، المعقل الحيوي لتنظيم “الدولة الاسلامية”، باتت في مرمى نيران المقاتلين الاكراد. غارات الائتلاف الدولي التي يبدو أنها استنفدت طاقتها في العراق، مهدت الطريق لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية للتقدم في اتجاه المدينة الواقعة في محافظة الرقة. السقوط المحتمل لتل أبيض يوجه ضربة قوية الى “داعش” في سوريا، ويمهد لتوسيع رقعة سيطرة الاكراد على طول شريط حدودي من شمال شرق سوريا الى كوباني، الامر الذي من شأنه أن يزيد قلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

تل أبيض الاستراتيجية هي أحد المعاقل الحيوية لـ”الدولة الاسلامية”. لا تبعد سوى مسافة 80 كيلومتراً شمالا من مدينة الرقة، “عاصمة الخلافة”. وهي تكتسب أهمية استراتيجية للتنظيم لوقوعها عند الحدود التركية ولطالما شكلت نقطة عبور للمقاتلين الاسلاميين والعتاد من تركيا.

ومنذ الخميس الماضي، تحركت القوات الكردية في اتجاه المدينة بدءا بهجوم على بلدة سلوك الواقعة على مسافة نحو 20 كيلومترا جنوب شرق تل ابيض والتي كان يستخدمها التنظيم قاعدة بشرية ومخزنا لعتاده.

وأفاد “المرصد السوري لحقوق الانسان” الذي يتخذ لندن مقراً له ان “وحدات حماية الشعب” الكردية باتت منذ السبت على مسافة خمسة كيلومترات من تل أبيض، وان مقاتيلها يتقدمون نحو المدينة الاستراتيجية بمؤازرة فصائل معارضة سورية ودعم من غارات طائرات قوات الائتلاف.

وكانت “وحدات حماية الشعب” الكردية، وهي القوة الكردية السورية الرئيسية، تمكنت منذ أيار الماضي من استعادة أكثر من 200 بلدة وقرية مسيحية وكردية صغيرة في شمال شرق سوريا، الى مناطق جبلية استراتيجية كان يسيطر عليها “داعش”. والاسبوع الماضي، بدأ مقاتلوها هجوما على محافظة الرقة، بعدما غنموا في طريقهم ذخائر وأسلحة وآليات تركها الجهاديون، وذلك بالطريقة نفسها تقريباً التي غزا بها مقاتلو “الدولة الاسلامية” العام الماضي مواقع القوات العراقية واجتاحوا ثلث العراق.

وصرح القائد في “وحدات حماية الشعب” الكردية ومسؤول العلاقات العامة في “جبهة تل ابيض” حسين خوجر لـ”وكالة الصحافة الفرنسية” ان القوات الكردية وصلت الى مشارف تل ابيض، وأن “الاشتباكات تدور الآن عند اول حاجز للمدينة على اطرافها”.

وروى الناشط الكردي ارين شخموص الذي يرتاد يوميا الجبهة مع القوات الكردية “ان مدينة تل ابيض باتت محاصرة بشكل شبه كامل”.

وأوضح مدير المرصد رامي عبدالرحمن انه لم يبق في مدينة تل ابيض سوى 150 جهادياً هددوا بالانسحاب ما لم يتلقوا تعزيزات من الرقة ، الا أن “قادة التنظيم لن يتمكنوا من ارسال امداداتهم لان غارات التحالف الدولي تستهدف ارتال التنظيم”.

وفي تقدير المسؤول الكردي ادريس نعسان ان سقوط تل أبيض صار مسألة وقت، ذلك أن المقاتلين الاكراد يحاصرون البلدة من الشرق والغرب والجنوب، فيما الحدود التركية تطوّق الجهاديين من الشمال.

ولاقت التطورات في شمال سوريا تنويهاً مباشراً من واشنطن، إذ صرح نائب المبعوث الرئاسي الاميركي الخاص الى الائتلاف الدولي بريت ماكغورك لشبكة “أن بي سي” الاميركية للتلفزيون بأن القوات الكردية ووحدات أخرى في سوريا تحقق مكاسب ميدانية كبيرة ضد “الدولة الاسلامية”، و”توجه ضربة الى التنظيم وتقترب جدا من قطع طريق الامداد الرئيسي للتنظيم الى عاصمته الرقة”.

وتمثل السيطرة المتوقعة للاكراد على تل أبيض فعلاً خسارة مهمة لـ”داعش” معنوياً واستراتيجياً، إذ انها تقطع طريق الامدادات الى الرقة، وتجعل شمال حلب نقطة الاتصال الوحيدة لـ”الدولة الاسلامية” مع العالم الخارجي.

أردوغان
في غضون ذلك، أثار تقدم القوات الكردية بمؤازرة غارات التحالف قلق السلطات التركية التي تخشى سيطرة الاكراد على كامل الطريق التي تربط مدينة عين العرب المعروفة ايضاً بكوباني، بمدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية الواقعة في الشرق على الحدود مع العراق.

وبلا مواربة، رأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “هذه التطورات قد تؤدي الى إنشاء كيان يهدد حدودنا”. وبنبرته الاستعلائية ، رأى أن “على الجميع ان يأخذ في الاعتبار حساسيتنا تجاه هذا الموضوع”.

وكانت تركيا استقبلت الاسبوع الماضي نحو 15 الفاً من السوريين الذين هربوا من الاشتباكات الاخيرة قبل اقفال الحدود. الا أن أردوغان قال ان مقاتلي “حزب الاتحاد الديموقراطي” الكردي و”حزب العمال الكردستاني” يسيطرون على الاماكن التي يغادرها اللاجئون.

وتعتبر تركيا مع حلفائها الغربيين “حزب العمال الكردستاني” تنظيماً “ارهابيا”. كذلك تتهم انقرة “حزب الاتحاد الديموقراطي” بانه الجناح السوري لهذا الحزب.

والواضح أن الخلاف بين أنقرة وواشنطن على أولويات النزاع السوري متعدد الوجه. فحكومة أردوغان ترى وجوب اطاحة الرئيس السوري بشار الاسد أولاً، فيما تركز استراتيجية الرئيس باراك أوباما على هزيمة جهاديي “الدولة الاسلامية”. واتهمت أنقرة مراراً بدعم المقاتلين الاسلاميين وتسهيل انتقالهم الى سوريا عبر أراضيها.

“سوريا أولاً”
وعلى رغم الامتعاض التركي، يلاحظ أن التنسيق بين المقاتلين الاكراد والائتلاف الدولي الذي منعت غاراته “الدولة الاسلامية” من استقدام تعزيزات، ينجح في توجيه ضربات موجعة الى “داعش” في قلب معقله السوري. وهذا النجاح الذي يتزامن مع تعثر على الجبهة العراقية، دفع خبراء الى اعادة تركيز الضوء على شعار “العراق أولاً” الذي يركز عليه اوباما في معركته ضد “الدولة الاسلامية”.

وكتب الباحث حسن حسن، وهو أحد مؤلفي كتاب “الدولة الاسلامية – داخل جيش الرعب” في حسابه بموقع “تويتر” إن ما يحصل في شمال سوريا يشكل نموذجا لطريقة الافادة من غارات الائتلاف. وهو كان كتب في مقال في مجلة “فورين أفيرز” أن الحملة الجوية على “داعش” في العراق بلغت مرحلة المراوحة، وأن مزيدا من الغارات لن يساعد في المعركة الاميركية على “داعش”، وإنما سيزيد زعزعة التوازن الطائفي في البلاد، موضحا أن “الاكراد والشيعة أفادوا كثيراً من الغارات. لقد تمكنوا من حماية اراض وبنى تحتية وطاقة على حساب الحرب على داعش”. ومن هذا المنطلق، أعتبر أن سوريا هي الجبهة الفضلى لمحاربة التنظيم.

مَن الأهم للخليجيين.. تركيا أم إردوغان؟!
سلمان الدوسري/رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
الشرق الأوسط/15 حزيران/15

وكأنَّ الجميع بحاجة لهذه الصدمة التي أحدثها الأتراك في صلب نظامهم الحاكم من خلال الانتخابات الأخيرة. الأكراد احتاجوها ليؤكدوا أنهم لا يعيشون على الهامش كما أريد لهم. القوى السياسية الأخرى لتثبت أن النظام السياسي لم يتصدع وما زال قويًا وقادرًا على استيعاب الجميع. حزب العدالة والتنمية نفسه احتاج هذه الصدمة قبل أن يستبدَّ فتتلاشى شعبيته التي «كانت» يوما طاغية. الدول العربية كادت تختطف منها تركيا، وهي التي لا تريد أن تضيع منها كما ابتعدت عنها في مراحل تاريخية.

ما بين المتحمسين من العرب لكل ما هو تركي، والكارهين لكل ما هو «إردوغاني»، تظلّ الحقيقة التي لا يمكن عكسها بالمشاعر أو الأمنيات، هناك اختلاف كبير بين تركيا وإردوغان، كالاختلاف بين الخلافة في دولة إسلامية، والرئاسة في جمهورية ديمقراطية، تركيا مهمة إقليميًا واستراتيجيا، ولا يمكن الاستغناء عنها، والرئيس طارئ ومتغير بحسب النظام في بلاده. على قدر ما قدم إردوغان مشروعًا تنمويًا نهض ببلاده اقتصاديًا بشكل لا يمكن إغفاله وحقق نموذجًا يحتذى اقتصاديًا، على قدر ما أخفق في تأسيس علاقات استراتيجية لبلاده مع دول العالم. تسببت سياساته في عزل تركيا عن حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي، كما أفضت إلى علاقات أقل ما توصف بعدم الارتياح مع الولايات المتحدة الأميركية، أما في حدود المنطقة العربية فيمكن القول إن أنقرة لا تملك علاقات متميزة إلا مع قطر، بينما علاقاتها الأخرى تراوح مكانها ما بين المتوترة والمتأزمة وشبه المقطوعة كما هي مع مصر، أو في خانة البرود مثلما هي مع دول الخليج، وفي ظل انهماك السيد إردوغان في تأسيس مشروع يتناقض في معظمه مع مصالح غالبية شركائه العرب، سيكون من الصعب على أنقرة إقامة علاقات استراتيجية مفيدة لها وللآخرين، وطالما استمرّ الرئيس التركي يفضل التحالف مع جماعات على حساب التحالف مع دول كبرى.

كل المؤشرات لا تشي بتغيير قادم في سياسات تركيا الخارجية، ولا برغبة حقيقية في تقديم مصالح المنطقة العليا على مصالح ضيقة وآنية وشعبوية زائلة، لا يمكن لدول الخليج، مثلاً، أن تغفل أن التحالف مع تركيا، وهي الدولة السنية العاقلة، هو تحالف مهم وضروري ستنعكس مصالحه على الكثير من الملفات في المنطقة، لكن مشكلة سياسة أنقرة أنها تفضل أن تتسيَّد أكثر من أن تتشارك، وربما استقبل الخليجيون زيارة السيد إردوغان لإيران في الأيام الأولى لانطلاق «عاصفة الحزم»، بشيء من الاستغراب والتوجس وحتى الغضب، ليس لأن إردوغان زار إيران، فلا أحد يطلب منه أن يقاطعها مثلاً، الكارثة كانت في التوقيت الذي جرت فيه الزيارة، في نفس الوقت الذي كان وكلاء إيران يحاربون السعودية ودول الخليج ويقصفون الحدود الجنوبية. كل النيات الحسنة لا تجعل الخليجيين يقرأون تلك الزيارة سوى أنها ضد مصالحهم، وترفع الضغط عن خصمهم الإيراني.

بقي أن أشير إلى أنه على الرغم من أن تركيا تقدم نفسها كدولة ديمقراطية، وهي كذلك، مع أنها بالطبع ليست في مستوى الديمقراطية الغربية، إلا أن بعض المثقفين الأتراك المحسوبين على إردوغان وحزب العدالة والتنمية، يمارسون لعبة لا تليق بالدول الديمقراطية، فهم يتعاطون فكريًا بإقصاء وشوفونية مع كل وجهات النظر الخليجية التي لا تتقارب مع سياسة زعيمهم، ويجدون أي اختلاف هو عملية غير منطقية ويجب ألا تتم، فمنطقهم أن الدول الخليجية ليست ديمقراطية أصلاً لكي ينتقد أو يختلف مثقفوها مع السياسة التركية، وهم هنا يتناسون أولاً، أن الدول الخليجية لم تقدم نفسها على أنها واحة الديمقراطية، ثانيا، أن الأتراك يتناولون باستمرار الشأن الخليجي بطريقة مستفزة وساخرة وشتائمية، ولم يطلب منهم أحد الابتعاد عن الشأن الخليجي.

المهم أن تركيا دولة إقليمية لا يمكن الاستغناء عنها، وحتى لو ابتعدت عن محيطها بفعل سياسات معينة، فإن ذلك أمر مؤقت وطارئ وإن طال الزمن.