مهى عون/هل تكون معركة عرسال بوسطة “عين الرمانة” جديدة؟

272

هل تكون معركة عرسال بوسطة “عين الرمانة” جديدة؟
مهى عون/السياسة 10 حزيران/15

كانت مجزرة بوسطة عين الرمانة في 13 ابريل 1975 شرارة الحرب الأهلية في لبنان. وهي إذ اندلعت على خلفية “القلوب المليانة” لدى الشرائح المسيحية, التي كانت مجمعة على كره التواجد الفلسطيني في لبنان ورفضه, اتخذت في ما بعد شكل التقاتل الطائفي المسلم-المسيحي, وامتدت نحو السنتين, قبل أن يُتخذ قرار بتدخل قوات الردع العربية, وفي مقدمها القوات السورية, التي تحولت فيما بعد قوات احتلال.

ومع محدودية أي احتمال لتمدد حروب أهلية من النوع الطائفي المسلم-المسيحي وانتشارها في المنطقة, نسبة إلى محدودية عدد المسيحيين في العالم العربي, يُخشى من التقاتل المذهبي السني ¯ الشيعي الخطير جداً, فهو إن حدث سيسري كالنار في الهشيم, لأن “القلوب المليانة” هذه المرة ستكون على خلفية تاريخ موغل ومثقل برواسب الأحقاد بين المذهبين, ما يهدد لبنان والمنطقة بأسرها, والدليل ما هو حاصل في غالبية الأقطار العربية.

وفيما يعيش اللبنانيون اليوم ارتدادات زلزال الأخبار المنتقلة من الداخل السوري, حيث تدور رحى أكثر النزاعات المذهبية مقتاً وجبروتاً, والتي تقودها بشكل منظم التشكيلات الشيعية الطابع التابعة لإيران وعلى رأسها »حزب الله«, والتشكيلات السنية وعلى رأسها “داعش” و”النصرة”, يسود تخوف كبير من امتداد هذا النوع من التقاتل عبر بوابة عرسال اللبنانية, المفتوحة على هذا الصراع.

ورغم أن الأرضية السورية لم تكن يوماً مهيأة للحروب الطائفية أو المذهبية, وغياب هذا النوع من الحروب طوال تاريخها ومنذ استقلالها عن الاحتلال العثماني, إضافة إلى عدم تأثرها يوماً بالحروب الطائفية لثلاثة عقود في لبنان, فإن العكس غير مستبعد اليوم, اذ قد يتأثر لبنان بالحروب الدائرة في الداخل السوري, نظراً الى ركاكة تركيبته السكانية والديموغرافية والنفسية ووهنها وقابليتها لتلقف الرياح المذهبية والطائفية العاتية التي تعصف ببلدان الجوار.

وفيما ينظر اللبنانيون بقلق شديد إلى إمكان نجاح الولايات المتحدة في ستراتيجيتها التي قد تؤدي إلى تحويل سورية دويلات مذهبية واثنية الطابع نتيجة عدم تدخلها لوقف هذه الحروب المذهبية, والتي لاتزال المكونات الوطنية السنية في سورية ترفضها بشدة منذ أربع سنوات ونيف, نرى طهران وقد توكلت بمهمة تطبيق هذه الخريطة المذهبية بالقوة في سورية والعراق, عبر تسعير النزاعات المذهبية, وهي أصبحت اليوم قاب قوسين أو أدنى من تسعيرها -للأسف الشديد- في الداخل اللبناني أيضاً.

واستناداً إلى آراء خبراء في الشؤون العسكرية ومتابعين لتطور الأحداث في سورية, فإن أسباباً جيوسياسية تقف وراء استهداف إيران وأدواتِها عرسالَ وجرودَها على الحدود بين لبنان وسورية, منها كونها تطاول خاصرة “حزب الله” وخزانه البشري الممتدين من الهرمل إلى بعلبك, ومنها أن عرسال تشكل من الناحية العسكرية أكبر بلدة سنية على الحدود اللبنانية- السورية, وتُستخدم كساحة دعم للمسلحين السنة, الذين ينقلون الجرحى إليها ويستريحون فيها وينظمون أنفسهم ويحشدون لمعاودة القتال داخل الأراضي السورية, فبعد سقوط القُصير, وهي نقطة وسط ستراتيجية بين عرسال والهرمل وشمال لبنان وطريق حمص- دمشق, وصولاً إلى الساحل السوري, تتركز الأنظار على عرسال لاعتبارها ممراً ومقراً آمناً للجيش الحر, وخصوصاً أن قطع هذه البلدة السنية التسلسل البشري لمحيطها الشيعي يشكل عائقاً أمام مخططات النظام السوري في إرساء امتداد ستراتيجي يربط دمشق بالساحل السوري مروراً بالبلدات البقاعية التي يسيطر عليها “حزب الله”, إضافة إلى أن »حزب الله« بحاجة أيضاً إلى تنظيف “الشريط العرسالي” وصولاً إلى البقاع الغربي من الوجود العسكري ل¯”داعش” و”النصرة” والجيش الحر, لكي يصبح “ظهر الدولة العلوية” المأمولة محمياً, وليضمن من ناحية أخرى استمرار تواصله مع ما تبقى من النظام الأسدي وأراضي هذه الدولة العلوية المزمع إقامتها على الساحل السوري.

أما خطورة تداعيات هذه الستراتيجية التي بدأت عسكرياً على الأرض في جرود عرسال عبر المعارك المستعرة حالياً هناك, فإنها تظهر أولاً في الداخل اللبناني تصاعداً في نسبة العصبية والتشنج المذهبيين اللذين بدآ بالظهور في المناوشات الكلامية الحادة والمتفاقمة بين أهل السنة و»حزب الله« حول تعدي الأخير على حصرية الذود عن الوطن وحدوده في الجيش اللبناني, وتظهر ثانياً في التخوف من تهجير مذهبي يجريه حزب الله لأهل عرسال من البقاع الشمالي إذا ما قُيض له التخلص من مسلحي المعارضة السورية في جرود عرسال والجرود السورية المحاذية, عبر تهجير مئة ألف سوري يقطنون مخيمات النازحين السوريين في عرسال, ويشكلون عبئاً كبيراً على »حزب الله«, إن من ناحية قدرتهم الدائمة على مد المسلحين بالمقاتلين, أو من ناحية ما تشكله عودتهم إلى قراهم الأصلية من تهديد محتمل لخط التواصل بين دمشق وحمص, الذي يسعى »حزب الله« جاهداً لإبقائه آمناً ومفتوحاً, خدمة للنظام السوري.

أما في حال قررت الحكومة اللبنانية, التي اعتبرت عرسال على لسان وزير داخليتها نهاد المشنوق »محتلةً«, تدخُّلَ الجيش اللبناني أيضاً ضد المسلحين السوريين, ليس من باب الرضوخ لإملاءات »حزب الله« وضغوطاته بل بحجة الذود عن الأراضي اللبنانية, وهو ما سوَّق له نصرالله التبريرات الكثيرة, فالسؤال لن يعود مقتصراً على مصير عرسال والسوريين المقيمين فيها بقدر ما سيكون حول احتمال انفجار الاحتقان السني- الشيعي المتفاقم في الداخل اللبناني, وعندها قد يصبح مصير لبنان كلاً, وبسبب “بوسطة عين الرمانة الجديدة”, عنينا إسقاط “عرسال”, في مهب الريح, ويصبح احتمال تفكك الكيان اللبناني وانهيار منظومته, الركيكة والهشة والمتهاوية أصلاً بسبب انعدام المؤسسات الدستورية وأهمها رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي, أمراً وارداً جداً.

في كل الأحوال, وبعيداً من أي أجواء تشاؤمية, يبقى السؤال أنه في حال نجح »حزب الله« في تأمين سقوط منطقة القلمون وعرسال التي تشكل بؤراً أمنية تعيق وصل دمشق بالساحل العلوي السوري ضمن ما يُحكى عن هذه الخرائط الجديدة, وإذا كانت سورية تتجه نحو شكل من أشكال الفيدرالية كما تريدها إسرائيل والولايات المتحدة, ويسعى نصر الله إلى تنفيذها, فالسؤال التالي هو حول مصير استمرار أي تعايش لأهل السنة والشيعة في لبنان على هكذا خلفية؟