راشد فايد: 1701 لعرسال أيضاً//خيرالله خيرالله: لبنان والفرص الضائعة.. بدءاً من المطار

259

 1701 لعرسال أيضاً
راشد فايد/النهار/9 حزيران 2015

ليس أدل الى سقوط مشروع الحزب الممانع، من تظلله صورة نوح زعيتر، بعد عماد مغنية، ولا ينافس ذلك، سوى الظهور التلفزيوني المتكرر لأمينه العام، بمناسبات معظمها مبتدع، لشد العصب الأهلي، الذي يترهل. هذه الحال اجبرت الأمين العام على استنباش “لغة” استخدمها بعد حرب تموز 2006، تمهيداً لغزوة بيروت في 7 أيار 2008. يومها لجأ الى قاموس بن لادن، واعتمد منطق الفسطاطين، ليحتكر الشرف لجماعته، ويرمي العمالة على خصومه. وهو في كل خطبه يراهن على ضعف ذاكرة الناس، فيخلط الامور بعضها مع بعض، ويصادر، أو يتوهم، مصادرة ذكائهم، ووعيهم، فيتحدث بثقة مفرطة في النفس، الى حد نقض قول سابق، من دون ان يرف له جفن. من ذلك، اعترافه بأن قرار القتال في سوريا اتخذ في آذار 2011، اي يوم كانت الثورة تحبو على أصوات السوريين المنادية بـ”السلمية” والحريصة على تجنب الصدام والسلاح، ويوم لم يكن هناك من خطر “مزعوم” على ضريح “السيدة زينب”، ولم تكن “داعش” ولدت، ولا سُمع باسمها. اليوم، يقف مشروع الممانعة عند أبواب عرسال، لكأن مصيره مرهون بها، وبشكل أدق بصدام بين رؤيتين في طهران: واحدة تقول بإيران أولاً، وأخرى تقول بسوريا أولاً. الاولى ترى في صفقة النووي فرصة لاندماج ايران في النظام الرأسمالي الغربي، والتحالف مع تركيا، والتفاهم مع السعودية، والثانية تجد في حسم الحرب في سوريا قوة لإيران ومفتاحاً لحسم الصراعات في الداخل، وفي الإقليم، ومع العالم. الأولى ترحب بترك النظام يتهاوى، والثانية تتمسك به الى يوم القيامة. لكن الراغبين في الحسم، يعرفون أن الوضع الميداني في سوريا لا يميل الى كفة النظام، وان مشروع دويلة علوية يلوح في أفق تحليلاتهم، وان الكلام على ربط دمشق بها يجعل عرسال وجرودها في المرمى، ولا يفعل الحزب المقاوم سوى وضعها على نار باردة الى ان يحسم النقاش في طهران. في انتظار “الفرصة”، يشن الحزب حرباً اعلامية تمهيدية، من نوع اتهام “تيار المستقبل” بدعم التكفيريين، أو يصوره في حال تفكك بين معتدلين ومتشددين، ويشكك في جدية دور الجيش في عرسال، أو “يعلن” وجود أبو مالك التلي في داخل البلدة. أي عملياً يستعيد “الاعلام المقاوم” ايقاعات عزفها في السابق، حين كان يعمل لتأجيج النيران في حريق طرابلس. نجح “تيار المستقبل” وأهل العاصمة الثانية في وأد الفتنة بمناصرتهم الجيش، لكن عرسال تحتاج الى أكثر من ذلك: تحتاج الى الجيش مستعيناً بما يسمح به القرار الأممي 1701 الذي يوفر دعماً عسكرياً دولياً والذي أيده “حزب الله” في الجنوب، وأثبت جدواه منذ 2006، خصوصاً اذا كان الحزب يريد أن يستعيد لبنانيته ووطنيته، ويتخلى عن أوهامه الإقليمية.

لبنان والفرص الضائعة.. بدءاً من المطار
خيرالله خيرالله/المستقبل/09 حزيران/15

غريب هذا الإصرار لدى «حزب الله» على نشر البؤس في لبنان. ليس تعطيل العمل الحكومي الذي يلجأ إليه الحزب، ومن خلفه ايران، عن طريق فريق معروف، بل معروف أكثر من اللزوم، سوى جزء من مشروع يندرج في سياق يفترض أن يكون واضحا لكلّ لبناني.

لا حاجة إلى فتح دفاتر قديمة من بينها إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه قبل عشر سنوات. كذلك لا حاجة إلى التذكير بحرب صيف العام 2006 التي افتعلها الحزب من أجل تغطية تلك الجريمة والجرائم الأخرى التي تلتها بدءا بسمير قصير وصولا إلى محمد شطح.

لا حاجة للعودة إلى الإعتصام في وسط بيروت من أجل استكمال عملية التدمير الممنهجة للإقتصاد اللبناني التي باشرتها اسرائيل. أصرّت اسرائيل في العام 2006 على ضرب البنية التحتية اللبنانية. جاء الإعتصام في وسط بيروت، الذي إستمرّ أشهرا عدّة، كجزء مكمل للعملية الإسرائيلية. وقد توّج الإعتصام بغزوة بيروت والجبل في أيّار 2008 من أجل إخضاع لبنان لقرار طهران ليس إلّا. هناك إنقلاب مستمرّ، كانت أحداث مخيّم نهر البارد في شمال لبنان حلقة من حلقاته. مَن يتذكّر من أين جاء شاكر العبسي الذي كان على رأس «فتح الإسلام»؟ جاء من سجن سوري وليس من مكان آخر. مَن يتذكّر كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله وقتذاك عن أن المخيّم الذي كان يخرج منه ارهابيون للإعتداء على الجيش اللبناني «خط أحمر»؟.

يمكن إيراد عشرات الأمثلة عن الإصرار على تعطيل الحياة في لبنان وتفويت كلّ الفرص التي يمكن أن تعود بالخير على ابنائه وطرد العقول منه. ليس منع إنتخاب رئيس للجمهورية سوى حلقة اساسية في المشروع الإيراني الذي يتولّى تنفيذه «حزب الله» على الأرض مستعينا بغطاء من هنا وآخر من هناك. ليس أخطر على لبنان من عزله عن العرب في هذه المرحلة بالذات ووضع كلّ العراقيل الممكنة من أجل تكريس الفراغ الرئاسي. باشرت حكومة «حزب الله» برئاسة نجيب ميقاتي عملية تهجير العرب من لبنان. أدّت تلك الحكومة الدور المطلوب منها. الآن هناك من يؤدي الجزء الآخر من هذا الدور المطلوب الذي يصبّ في تكريس الفراغ الرئاسي، بما يرضي القيمين على المشروع الإيراني.

مَن يغوص في التفاصيل أكثر يتوقّف عند حال مطار رفيق الحريري الذي كان مفترضا أن يكون من بين أهمّ مطارات المنطقة والعالم. منذ إغتيال رفيق الحريري، لم يطرأ أي تطوير على المطار الذي كان يمكن أن يلعب دوره في خلق فرص عمل للبنانيين. منذ اغتيال رفيق الحريري، لا هدف من الإساءة إلى المطار، سوى تقديم صورة عن حال البؤس التي يعاني منها لبنان وشعبه.

لا حاجة إلى الإستشهاد بدور مطار اسطنبول ومشروع المطار الجديد للمدينة. لا حاجة حتّى إلى السفر إلى عمّان للتأكّد من أهمية تطوير المطارات. ففي عمّان مطار جديد يعطي فكرة عمّا كان يمكن أن يكون عليه مطار بيروت.

الأكيد أن اللبناني يخجل من نفسه عندما يمرّ بمطار دبيّ ويصاب بالذهول عندما يشاهد عملية تطوير مطار أبو ظبي. فمطار بيروت، بحاله الراهنة، يعكس رغبة واضحة في تحويل لبنان كلّه إلى بلد ميؤوس منه لا أكثر.

ما زال لبنان يقاوم. يقاوم اللبنانيون لأنّهم يعرفون أن نشر البؤس يستهدف كلّ فرد منهم بغض النظر عن طائفته ومذهبه والمنطقة التي ينتمي إليها. يعرف اللبنانيون أكثر من غيرهم أن بلدهم مستهدف. يعرفون جيّدا أن لبنان بعاصمته بيروت، كان يمكن أن يكون في ظل الظروف التي تمرّ بها المنطقة، أهمّ بكثير من امارة موناكو التي ليس لديها ما تقدّمه سوى موقعها المميّز والأمان والخدمات.

لبنان مستهدف لأغراض لا علاقة لها باللبنانيين ومستقبل أبنائهم. هناك اصرار على إضاعة الفرص عليه، على الرغم من الثروة البشرية المهمّة التي يمتلكها. هناك مشروع واضح هدفه تدمير الوطن الصغير كي تسهل عملية وضع اليد عليه. هل من تفسير آخر لذلك الإصرار على الفراغ الرئاسي وعلى التورّط في الحرب السورية وفي عزل لبنان عن العرب، خصوصا عن أهل الخليج، وفي تحويل مطاره إلى مطار لا يليق حتّى بقرية اوروبية؟.

للعلم فقط، هناك مشروع مطروح لتوسيع مطار هيثرو في لندن. في اساس هذا المشروع بناء مدرّج ثالث للمطار. معارضو المشروع كثر وهم يتذرعون بالأضرار المرتبطة بالبيئة وبحلّ آخر قد يكون عمليا أكثر. يقوم هذا الحلّ على توسيع مطار لندني آخر هو غاتويك. من بين الأرقام التي يقدّمها الداعون إلى بناء المدرّج الثالث في مطار هيثرو أن ذلك سيوفّر مئة وعشرين ألف فرصة عمل جديدة، كما سيدر سنويا مئة مليار جنيه استرليني على الإقتصاد البريطاني…في أقلّ تقدير.

أين لبنان مما يدور في العالم؟. أليس لدى ايران ما تقدّمه للبنانيين سوى مزيد من التخلّف والإصرار على إضاعة كل الفرص التي تبرز امام اللبنانيين…من أجل أن تغرق أكثر في وهم الدور الإقليمي؟.