ميرفت سيوفي: حسن نصرالله بين خطابين//محمد مشموشي: «الحشد الشعبي» وقاموس نصرالله!

309

حسن نصرالله بين خطابين
ميرفت سيوفي/الشرق/07 حزيران/15

من استمع بالأمس إلى خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله وهو ينفي أن يكون «جاب سيرة عرسال والدخول إليها» مطالباً أن يُظهر أحدٌ تصريح أو كلام في هذا الاتجاه، وتناول تحديداً خطاباً يوم الأحد 24 أيار 2014، نقول من استمع إليه ينفي هذه المقولة اضطرّ إلى الاستعانة بنصّ خطابه ذاك لأنه شكّ في أذنيْه وعقله وقدراته على فهم اللغة العربيّة التهديديّة الانفعاليّة لنصرالله التي خبرها اللبنانيّون جيداً…

بالأمس، تحدّث نصرالله عن «نماذج النفاق والتضليل السياسي والتوظيف السياسي الخبيث وذي المستوى الهابط، أن أناساً اخترعوا معركة اسمها معركة عرسال وخرجوا ليدافعوا عن اهل عرسال وان عرسال خط احمر وأنها حرب مذهبية»، بالطبع من السذاجة أن نصدّق حديث نصرالله واتهامه لكلّ من هبّ لحماية عرسال وأهلها الذين أرسلوا وفودهم تجول على الوزراء والمعنيين بعد تخوّفهم من نوايا نصرالله وحزبه، خصوصاً وأنه عنْوَن حديثه عن عرسال بأنها «محتلة»، وأنّ وزراء حزبه مارسوا ضغوطاً هائلة منذ صباح 25 أيار على الحكومة في ملفّ عرسال تحديداً، وليس في موضوع جرودها، وربما هنا من الأجدى العودة إلى خطاب نصرالله السابق، إذ من غير المنطقي أن تكون تهديداته التي أطلقها وعاد و»لملمها» بالأمس تأتّت من توهّم مجوهلٍ خاطبه نصرالله» انت تفترض بأوهامك وعقلك الشيطاني أن أناساً اسمهم حزب الله أو أهل بعلبك الهرمل يريدون أن يدخلوا إلى بلدة عرسال، هذا نفاق»!!

أمين عام حزب الله حسن نصرالله ليس من النوع الذي يعترف بأخطائه، حتى وهو يتراجع عنها، سبق وعشنا هذه التجربة في خطابه في جنازة عماد مغنيّة وقوله: «فلتكن الحرب المفتوحة» ومن شدّة هلع جمهوره خرجت أقلام حزبه تشرح استخدامه لـ»إذا» الشرطيّة وقوله: «إذا أردتم الحرب المفتوحة فلتكن الحرب المفتوحة»… وسبق وعشنا تراجعاً آخر له عشية انتخابات العام 2009 وخطابه الشهير عن «7 أيار المجيد» الذي تراجع عنه لاحقاً وأسماه بـ»المؤسف»، لذا لا يتوقعنّ أحد من نصرالله أن يقول أنّه تسرّع في الحديث عن بلدة عرسال المحتلّة، مع أنّ الجيش اللبناني يحيط بها من كلّ مداخلها ولا يقصد أحد من مواطنيها أرزاقه أو معقله في الجرد إلا بعد إذن من الجيش اللبنانيّ، وبالتأكيد لا ينتظرنّ أحد من نصرالله أن يكشف حجم امتعاض أبناء بعلبك الهرمل من العشائر أبناء الطائفة الشيعيّة الذي بشرّهم فيه بمقتل ثلاثة أرباعهم في معاركه لحماية نظام بشار الأسد، واعداً الربع الباقي بالعيش بـ»كرامة»!!

هي خطوة إلى الوراء نفذّها نصرالله بالأمس، متراجعاً عن حشده لأبناء العشائر، نافياً حاجة حزبه للمقاتلين، وخطوة ثانية نفّذها بالأمس وتراجع إلى الوراء ساحباً تحريضه المخيف ضدّ بلدة عرسال وهو الأمر الذي استدعى كلّ الردّود التي انبرت للردّ عليه وإعلان عرسال «خطّ أحمر»، والأبرز في الردود كان ما صدر عن وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي تحدّث في مجلس الوزراء وردّ على كلام وزير حزب الله حسين الحاج حسن، ونفى الحديث عن وجود 6000 عنصر من الإرهابيين في عرسال أو جرودها، وأنّ عدد المسلحين الذين تراجعوا من القلمون إلى جرود عرسال لا يتجاوز أصابع اليديْن…

وفي السياق؛ علينا أن نسأل حسن نصرالله من الذي أتى بمسلحي داعش والنصرة ودفعهم باتجاه لبنان أليس حزبه وحليفه بشار الأسد بعيد معارك القلمون التي ادّعى أنها تحرّرت والحرب فيها مستمرة إلى الآن بين كرّ وفرّ، ومن الذي تسبب بتدفق ثمانين ألف لاجئٍ من القلمون باتجاه بلدة عرسال الأمر الذي أفضى إلى إقامة مخيم للاجئين فيها وهو فوق طاقة احتمال البلدة وسكانها؟! ومن الذي أطلق التهديد والوعيد وهزّ اصبعه في وجه الشاشة مهدداً قائلاً: «وزير الداخلية في الحكومة الحالية يقول: بلدة عرسال بلدة محتلة من الجماعات المسلحة، حسناً، أنت تقول بلدة محتلة، تيار المستقبل، وزيركم يقول بلدة محتلة، إلا إذا كنتم تخالفونه وتعتبرونه رأياً شخصياً، تأتي الدولة اللبنانية، تستعيد بلدتها المحتلة وأهلها الواقعين تحت الاحتلال، الذين يُخطفون ويُقتلون ويُذبحون، وتعرفون، في عرسال يوجد محاكم لداعش ومحاكم لجبهة النصرة، ويحاكمون ويقتلون ويعدمون، هذا «مدري شو شرب وهذا مدري شو أكل وهذا مدري شو عمل علاقة وهذا مدري شو قال وهذا مدري ماذا فعل» أليس كذلك؟»… تحت أي خانة يندرج هذا الكلام، وأيّ كلام نقلته صحف نصرالله من الغرف المغلقة حتى اضطرّ لإخراج كلامه السياسي إلى العلن؟!

يبدو أن أمين عام حزب الله حسن نصرالله أدرك أنه ارتكب خطأ على طريقة «لو كنت أعلم» إلا أنّه اضطر للرجوع عنه لأنّه هذه المرّة لم يلقَ قبولاً في أوساط من يصنّفهم بأنّهم شعب المقاومة، هذا الشعب الذي تعب من الموت المجاني والعبثي لحساب أجندات الآخرين التي تحمل أسماء مختلفة تقتضيها ظروف المصلحة الإيرانيّة ومشاريعها التدميرية للمنطقة!!

«الحشد الشعبي» وقاموس نصرالله!
 محمد مشموشي/الحياة/07 حزيران/15

لم يعرف الكثيرون معنى وماهية ودور «الحشد الشعبي» الذي يكثر الكلام عنه الآن في العراق، إلا بعد أن قام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بشرح ذلك عملياً على الأرض في لبنان. كان يقال، قبل شرح نصرالله، أن «الحشد» ليس سوى تجميع للميليشيات المذهبية الشيعية الموجودة أصلاً في العراق، وأن هدفه تعويض النقص في عديد الجيش وتسليحه و «ولائه الوطني»، وأنه بعد ذلك كله أقيم تلبية لنداء وجهه المرجع الروحي الشيعي آية الله علي السيستاني للدفاع عن الوطن بسبب «انهزامية» الجيش في مواجهة «داعش» الذي اجتاح قبل أكثر من عام حوالى ثلث الأراضي العراقية.

في شرح السيد حسن الذي أشاد في آخر خطاب له بالتجربة العراقية هذه واعتبرها نموذجاً يجب تعميمه في حروب «محور الممانعة» في المنطقة كلها، أن «الحشد الشعبي» هذا ليس سوى الترجمة الحرفية للفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة من جهة أولى، وللحروب العشائرية والقبلية المتفلتة من أي قانون والخارجة على الدولة من جهة ثانية.

ذلك أنه مباشرة بعد خطاب نصرالله هذا، الذي قال فيه أن عشائر منطقة بعلبك – الهرمل وعائلاتها (الشيعية) لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة الإرهابيين والتكفيريين (السنّة) في جرود عرسال، رفعت لافتات في عموم المنطقة تؤيد ما ذهب إليه الأمين العام للحزب، كما أنشئ ما سمي «لواء القلعة»، تيمناً بقلعة بعلبك الرومانية الأثرية، ولكن قبل ذلك كله تحت العنوان إياه: «الحشد الشعبي» في لبنان.

ماذا يعني ذلك في الواقع العملي؟

ليس سراً، لا في لبنان ولا عند نصرالله بالذات، أن منطقة بعلبك – الهرمل هي منطقة عشائر شيعية وسنّية وحتى مسيحية، وأن العلاقات في ما بينها تقوم على منظومة تقليدية من الأعراف والعادات التي يمكن أن يقال فيها أي شيء إلا أنها طائفية أو مذهبية ضيقة. وفي ظل هذا، لم يفعل ما يسمى «الحشد الشعبي» إلا أنه دفع هذه العشائر للتخلي عن موروثاتها وتقاليدها الاجتماعية أولاً، وجعلها تقف في مواجهة بعضها بعضاً على أساس طائفي ومذهبي لم تعرفه على مر تاريخها.

ولا حاجة للقول أنه من البدهي أن يؤدي ذلك إلى تسلح العشائر الأخرى (السنيّة هذه المرة) إن لم يكن رداً تلقائياً يمليه العرف العشائري وربما حتى المذهبي، فأقله للدفاع عن النفس في وجه ما قد يعتبر تهديداً مباشراً، ليس لهذه العشائر فقط بل لكامل منظومة التقاليد المتوارثة تاريخياً بينها وبين غيرها من العشائر أيضاً.

ولأن دعوة نصرالله، كما قال هو نفسه، جاءت بدعوى أن عشائر المنطقة ستقوم بما لم تقم الدولة به، أي طرد الإرهابيين من عرسال وجرودها، فإنه لا يكون بذلك «يمذهب» هذه العشائر فحسب، على خطورة هذا الأمر، إنما يحرضها ويشجعها كذلك (فضلاً عن أن يسلحها طبعاً) على الوقوف في وجه الدولة ومؤسساتها الشرعية وعلى رأسها الجيش… وصولاً الى اعتبار نفسها، مع الحزب أو حتى من دونه، سلطة بديلة عنها. ألم يحدث ذلك في العراق، سواء عبر قيام وحدات «الحشد الشعبي» بمهام الجيش في ما سمي سابقاً «تحرير تكريت»، والآن استعادة مدينة الرمادي، أو عبر اقتراح البنتاغون والكونغرس الأميركيين تسليح البيشمركة الكردية من جهة، والعشائر السنّية من جهة ثانية، من دون المرور بالحكومة في بغداد؟

وما كانت نتيجة ذلك غير إدخال العراق، كما بات معروفاً لدى الجميع الآن، في حرب أهلية لن تؤدي في النهاية إلا إلى تقسيمه عرقياً وطائفياً ومذهبياً وربما حتى عشائرياً أيضاً؟

وعلى التباين في التسمية، ألم تكن محصلة أعـــمال «فرقة الشبيحة» في سورية أولاً، ثم «قوات الدفـــــاع الوطني» لاحقاً، ما لم يعد سراً كذلك، عن رســـم حدود دويلة بشار الأسد بين دمشق وحمص واللاذقية (حرب «حزب الله» في منطقة القلمون وجرود عرسال جزء من هذا الترسيم) وترك باقي الأراضي السورية رهينة حروب أهلية مديدة؟

وفي اليمن أيضاً، ألم يكن التلاعب بالقبائل والأفخاذ، فضلاً عن المذاهب، واللجوء إلى تسليح بعضها في مواجهة البعض الآخر، جزءاً من الخطة الإيرانية للتسلل إلى الجزيرة العربية وتوريط اليمن وشعبه في حرب أهلية وقبلية ومذهبية لم تفعل إلا أنها أتت على الأخضر واليابس فيه حتى الآن؟

واقع الحال أن مصطلح «الحشد الشعبي» في قاموس إيران الفارسي، وفي قاموس نصرالله الذي لا يزال يدعي أنه عربي، هو هذا ولا شيء غيره: الحرب الأهلية، المذهبية من ناحية، والعشائرية من ناحية ثانية، في كل بلد عربي على حدة… ولا هو «حشد» ولا «شعبي» بالطبع، إنما ضرب دائم وفي كل مكان وزمان وحين على وتر الفتنة المذهبية.

ومن خلالها فقط، بل من خلالها من دون غيرها، يمكن الحلم بـ «الإمبراطورية الساسانية الفارسية، وعاصمتها بغداد» أو غيرها من العواصم الأربع التي احتفل أتباع «الولي الفقيه» بسقوطها في أيدي إيران.