اميل خوري:حكومة سلام باقية إلى ما شاءت… إيران ولا انتخاب لرئيس إلا بتسوية إقليميّة//غسان الإمام: انهيار جيش النظام أمام ميليشيا التنظيم

187

انهيار جيش النظام أمام ميليشيا التنظيم
غسان الإمام/الشرق الأوسط/02 حزيران/15

أنت اليوم، يا بنيَّ، في مسرح الدمى. مشاهد ومتفرج في مسرح للعبث. واللامنطق. واللامعقول. كل ما يتحرك أمامك مشدود إلى خيوط تمسك بها أيد تعرفها. ولا تراها. لكن الكل فقد القدرة على اختيار الاتجاه المناسب للحركة: الحكومة. المعارضة. الساسة. القادة. الجيوش. الميليشيات… وأنت أيضا، يا بنيَّ، تعبر جسر الحاضر إلى المستقبل، من دون أن تعرف ما ينتظرك؟! ما هو مصيرك؟! فأنت أيضا دمية محكومة بقوة فوضوية جبارة. قوة قادرة على القتل. القمع. الانتحار. الترويع. وليست قادرة على الحكم والتحكم بالظرف. بالحدث. بالمكان والزمان.

الحروب الأهلية أسوأ من الحروب النظامية. والحروب الدينية أسوأ الحروب الأهلية. لا قداسة للمقدس. لا رادع للغرائز الفالتة. في مسرح الدمى ينهار القانون. يتردى العرف. تتهاوى التقاليد. الجار عدو الجار. فقد ابتلع مسرح الدمى ذكريات تاريخ من الألفة. المحبة. التعاون. التعايش في أمن وسلام. المشاركة في فرح. والمواساة في عزاء. فما أسهل أن تغدو، يا بنيَّ، مرشحا للموت أسيرا بلا اعتبار لحياتك. لشبابك. لأطفالك! الكاتب لا يستطيع أن يكتب عما يجري في العراق، من دون أن يعرف ما يجري في سوريا. لبنان. مصر. ليبيا. السودان. اليمن… من المستحيل أن تحلل «داعش»، من دون أن تفسر الإرهاب الذي يجمع «النصرة». «القاعدة». «بوكو حرام». «حزب الله». الحوثية… الإعلام العربي يجد صعوبة بالغة في تقديم صورة حقيقية وأمينة إلى الرأي العام ورجل الشارع، عن الحياة داخل دولة التنظيم «الداعشي» أو «القاعدي». لأن لا «داعش» تسمح للإعلام بدخول دولتها. ولا الإعلام يملك الاستقلالية والحيادية، لتغطية الأحداث والتطورات في مناطق حدوثها وانفجارها.

كان ذلك ممكنا في الماضي. أوفدت دار «أخبار اليوم» المصرية المستقلة موفدين صحافيين لتغطية أحداث عربية وغير عربية. بنى الصحافي محمد حسنين هيكل شهرته على سلسلة التحقيقات (الريبورتاجات) التي أجراها في ميادين «حرب النكبة» (1949). ثم الحرب الكورية في أوائل الخمسينات.

كان بالإمكان رصد ظاهرة استراتيجية كبيرة. ظاهرة إخفاق الجيوش النظامية أمام «التنظيم». أخفقت الجيوش العربية في مواجهة التنظيمات اليهودية. لأنها كانت ضعيفة التسليح. ولا تملك قيادة عسكرية موحدة. بل ليست راغبة في الدفاع عن النظام العربي الذي لم يكن قد استكمل استقلاله في الأربعينات. حتى الجيوش الأميركية والأوروبية هزمت أمام التنظيمات الثورية المسلحة. هزمت أميركا وفرنسا في فيتنام والهند الصينية. أخفقت الصين في القضاء على تايوان. وها هي أميركا تنسحب أمام الميليشيات من الحروب التي شنتها في العراق. وأفغانستان. وهي تقاتل الإرهاب من الجو بتقنية الحرب الحديثة التي ابتكرت الطائرة المغيرة عشوائيا (النحلة / درون). تكررت هزيمة الجيوش العربية في حرب «النكسة». لأنها لم تكن راغبة في الدفاع عن نظام عربي مترهل في مصر. وسوريا. واضطر عبد الناصر والسادات إلى إعادة بناء الجيش المصري الذي ثأر لكرامته في حرب أكتوبر (1973). أما الأسد فعكف على بناء جيش طائفي يحمي نظامه الفاسد. ويرتكب المجازر في حماة وإدلب. ثم يؤسس مع ابنه بشار مؤسسة أمنية خانقة للشعب. ومراقبة للجيش الذي يتراجع، وينهار اليوم في الانتفاضة التي استولت عليها التنظيمات الدينية المتزمتة.

انهارت الدولة الشيوعية الروسية، بعد فشل الجيش الروسي أمام التنظيم الديني الذي سلحته أميركا في أفغانستان. وانهار النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية، لأن جيوش الآيديولوجيا رفضت الدفاع عنه. بعد الهزيمة المرة في الحرب العالمية الثانية، رفضت ألمانيا واليابان إعادة بناء جيوشها المهزومة. وقبلت بمظلة الحماية الأميركية في الحرب الباردة.

في حروب الانتفاضة العربية، رفض الجيشان التونسي والمصري مقاتلة الثوار والتنظيمات. في سوريا، كفل إلى الآن الحلف اللاطبيعي الفارسي / العلوي الحماية للنظام بارتكاب الترويع والمجازر. وها هو الجيش الطائفي ينسحب أمام التنظيم «الداعشي» و«القاعدي» من شرق سوريا. وشمالها الشرقي. ووسطها. وجنوبها.

جيوش إيران استخدمت على شكل ميليشيات في قمع الشباب الإيراني الرافض لنظام مذهبي خارج من تابوت التاريخ. إيران لم تهاجم إسرائيل. كلَّفت «حزب الله». فقتل 1200 لبناني بوحشية الطيران الإسرائيلي (2006). إيران سوف تقاتل في سوريا إلى آخر شيعي لبناني. فأعادت استخدام الحزب كمرتزقة في سوريا. وتحاول استخدام الجيش اللبناني لحماية خطوط الحزب اللوجيستية.

ستضحك، يا بنيَّ، على انهيار جيش المالكي الذي دربته أميركا. فقد اختفى مع ولادة «الدولة الداعشية» في الموصل. ثم انهار مرة ثانية في تكريت. ثم فرت فلوله للمرة الثالثة من الرمادي في حرب الأنبار الراهنة، تاركة وراءها في المرات الثلاث أسلحتها الثقيلة الروسية والأميركية.

لتغطية فشل أميركا أوباما في بناء جيش عراقي، فقد حمّل وزير الدفاع آشتون كارتر حكومة حيدر العبادي مسؤولية الفشل. ساخرا من جيش «لا يملك الرغبة وإرادة القتال». ثار العبادي على صراحة كارتر. فأعلن أن جيشه سيحرر الرمادي من «داعش» خلال ساعات. ثم خلال… أيام. ثم ترك فجأة للميليشيات العراقية العميلة لإيران، بقيادة «الحجي» قاسم سليماني، مهمة «تحرير» الرمادي (السنية) تحت شعارات مذهبية وصور إيرانية. المضحك المبكي أن الوزير الأميركي كارتر كف عن النقد اللامباح. وأعلن استئناف الطيران قصف «قندهار» العراق، مشكلا المظلة الجوية لميليشيات سليماني!

هل هزائم الجيش العراقي تشكل انتصارا لميليشيا «داعش»؟ على المدى الطويل سوف تفقد «داعش» زخم حماستها القتالية، نتيجة لحربها على أكثر من جبهة. ولتزمتها الداخلي المروِّع. وخسارتها الإعلامية للرأي العام العربي والدولي. ومحاولتها العبثية، لنقل حربها الإرهابية إلى الداخل السعودي.

ليست هناك تقنية أمنية متوفرة لأية دولة في العالم، أمام انتحاري مزنر بحزام الموت الجماعي. العرب الذين رفضوا استهداف «داعش» والميليشيات الشيعية للسنة، يرفضون استهداف «داعش»، لإخوتهم الشيعة في السعودية. أرسل العاهل السعودي ولي عهده ووزير داخليته، إلى الأخوة الشيعة، لطمأنتهم. ومواساتهم. فأمنهم من أمن السعودية أولا وأخيرا.

لكن هل التنظيم الإرهابي قادر على الحلول محل النظام العربي الذي فشل جيشه في سوريا. وتونس. ومصر. وليبيا. والسودان. واليمن؟ أجيب بأن فتح ملف التسويات النهائية في المنطقة العربية، لن يكون عمليا، إلا عندما تتوفر الإرادة العربية والدولية، لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة. تماما كما حدث في لبنان، بعد إنهاء السعودية الحرب الأهلية، بموجب اتفاق الطائف الذي بقي صالحا، لإجبار سوريا على سحب جيشها، بعد اغتيال رفيق الحريري (2005). بقي «حزب الله». وأحسب أن التسوية النهائية مستحيلة في المشرق العربي، مع احتفاظ إيران بميليشيا حزبية مسلحة تعطل انتخاب رئيس ديمقراطي في لبنان. وتعرقل إزاحة رئيس ديكتاتوري في سوريا.

الحكومة باقية إلى ما شاءت… إيران ولا انتخاب لرئيس إلا بتسوية إقليميّة
اميل خوري/النهار/2 حزيران 2015

يعيش لبنان اليوم العصر الإيراني كما عاش من قبل العصر المصري والعصر الفلسطيني والعصر الاسرائيلي والعصر السوري، وكان الأطول، لأن الخلافات بين الزعماء اللبنانيين جعلتهم، ويا للأسف، لا يعيشون العصر اللبناني الصافي، فكان كل عصر من هذه العصور يسمي الرؤساء ويشكل الحكومات فاعتاد اللبنانيون ذلك بكل أسف أيضاً واكتفوا بالأمن والاستقرار وإن على حساب حريتهم وسيادتهم لأنهم يوضعون دائماً بين خيارين: إما كثير من الأمن وقليل من الحرية، وإما كثير من الحرية وقليل من الأمن، فاختاروا الأمن ليعيشوا بهدوء وراحة بال وما استطاعوا أن ينعموا بالأمن والحرية معاً…

وإذا كانت تلك العصور هي التي تعيّن الرؤساء والحكومات لأنها كانت تمتلك أكثرية نيابية تأتي بها قوانين تفصلها على قياس الموالين لها، فإن إيران التي تعذّر عليها الحصول على هذه الاكثرية لا في انتخابات 2005 ولا في انتخابات 2009 عمدت إلى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وأبقت باب تعطيل عمل السلطة التنفيذية والسلطة الاشتراعية مفتوحاً للتوقيت الذي تشاء… إلى ذلك فلا انتخابات رئاسية إلا إذا وافقت إيران على إجرائها ولا أحد يعرف متى، ولا تطيير للحكومة إلا بتوقيت إيران، ولا اتفاق على قانون جديد تجرى الانتخابات النيابية على أساسه إلا بقرار إيراني فيصار إلى التمديد للمجلس مرة ثالثة خوفاً من الفراغ الشامل. لذلك ليس “حزب الله” ولا “التيار الوطني الحر” يقرران تطيير الحكومة ليدخل لبنان دائرة الفراغ الشامل إنما إيران التي تنتظر طريقة التعامل معها سواء قبل الاتفاق على البرنامج النووي أو بعده، حتى إذا لم يعجبها فجّرت لبنان بالفراغ كما فجرت اليمن بالحرب وقبلها سوريا والعراق، وما إثارة الخلافات الحادة حول التعيينات الأمنية والعسكرية سوى “مقبّلات”، وما التهويل على مصير الحكومة سوى شكل من أشكال الضغط والمساومة والابتزاز إلى أن يحين وقت تعطي فيه إيران إشارة الإبقاء على الحكومة أو ترحيلها كما فعلت سوريا مع حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة سعد الحريري عندما أعطت إشارة إسقاطها خلافاً لاتفاق الدوحة، بإعلان استقالة الوزراء العشرة من دارة العماد ميشال عون في الرابية، وبالتالي إسقاط مبادرة “السين – سين” أيضاً. فلا دور إذاً لإيران في الوقت الحاضر سوى زرع الألغام في العراق وسوريا واليمن ولبنان لتفجيرها ساعة ترى أن الرياح لا تجري بما تشتهي سفنها في المنطقة، أو إزالة هذه الألغام إذا جرت كما تشتهي.

إن حكومة الرئيس تمام سلام تمّ تشكيلها بعد تسوية سعودية – إيرانية وبعد مرور 11 شهراً، وبقاؤها رهن باستمرار هذه التسوية أو زوال أسبابها، وما التعيينات العسكرية والامنية سوى اختبار لنيات ايران، وهل ستفجر الحكومة قبل الاجتماع الاخير للاتفاق على البرنامج النووي آخر الشهر الجاري ليشكل ذلك ورقة ضغط في يد إيران، أم أنها تفعل ذلك في ضوء نتيجة الاجتماع، فإما دمار وخراب في المنطقة، وإما حوار واستقرار وازدهار؟ وما تصرف “حزب الله” حيال التعيينات العسكرية والامنية، وحيال كل موضوع مثير للخلاف سوى انعكاس لموقف إيران. فإذا تضامن الحزب مع العماد عون، فإن ساعة ترحيل الحكومة تكون قد دنت وأبواب الفراغ الشامل تكون قد فتحت. وإذا لم يتضامن معه فإن الساعة لا تكون قد دقّت ويستطيع العماد عون القول عندئذ إن “قراره مستقل” ولكن من دون “أن يترك من يتركونه”. فإلى متى يظل لبنان يعيش عصور هذا الخارج أو ذاك ولا يعيش عصره الصرف الذي لا غشّ فيه، ومتى يستطيع اللبنانيون أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم ولا يظلون محكومين أو مرتهنين لخارج سخّرهم لخدمة مصالحه، فلا حكومة تتشكل إلا بتسوية، ولا رئيس جمهورية ينتخب إلا بتسوية؟! لذلك فإن حكومة الرئيس سلام باقية إلى ما تشاء التسوية الإيرانية – السعودية التي جاءت بها، ولا انتخاب رئيس للبنان إلا بمثل هذه التسوية، ولا أحد يعرف متى وكيف، ومن الآن إلى أن تتمّ يخلق الله ما لا يعلم أحد…