نديم قطيش/السعفة الذهبية مقابل المعادلة الذهبية

201

السعفة الذهبية مقابل المعادلة الذهبية
نديم قطيش/المدن/الإثنين 25/05/2015

لعل بين اخطر ما قاله أمين عام حزب الله حسن نصرالله في خطاب الامس هي الفكرة الأقل حضوراً في السجال معه. الفكرة العميقة التي تغيب تحت طبقات من الشحن والتعبئة والنفخ في مزامير الحروب الأهلية. امام ضغط المخاطر التي تتهدد وحدة وسلامة المجتمع اللبناني، بل كيان لبنان كوطن ودولة، من البديهي ان يتصدر واجهة الخطر كلام نصرالله المتجدد عن انخراطه في حرب النظام الأسدي على شعبه. وبديهي ان يصادر العناوين كل كلام على صلة بتحريض العشائر الشيعية على معركة مع عرسال السنية واهلها وجرودها، بحجة محاربة الإرهابيين.لكن نصرالله، وفي معرض تبريره لحادثة مقتل فتىً في معارك القلمون قال الكلام الدقيق والحقيقي عن أصل الخطر الذي يمثله حزب الله على المجتمع اللبناني وعلى شيعته قبل غيرهم.

في التبرير قال نصرالله “نحن عندنا برنامج شباب 15 و 16 نأخذهم على مخيم كي يتثقفوا ويتعلموا كيف يتعايشون مع الطبيعة، أحياناً يحصل حادث، شاب صار معه حادث نعيناه شهيد”. بهذه البساطة. لا يستأهل الامر تأملاً اكثر بالنسبة للرجل الذي لا يُخاطِب الا بمنطق البندقية والقبضة والدم، وكل استعارات العنف الثوري المسلح.

لنترك جانباً البعد القانوني لمسألة القصر والمسؤولية عن تعريضهم لمخاطر “حوادث” تؤدي الى نعيهم “شهداء”. فهذا ترف لا مكان له في مساجلة حزب الله، قبلاً، فكيف راهناً.

المثير في الكلام ورود كلمة “التثقيف” في سياق شرح ظروف مقتل الشاب، الذي بحسب نصرالله، قضى في احد المخيمات وليس على خطوط الجبهات. فأي “ثقافة” يملأ بها حزب الله رأس هذا الفتى؟ وكم عدد الفتية الذين “يثقفون” في معسكرات تدريب حزب الله؟ وفي اي مسارب تستثمر هذه “الثقافة”؟

حين كان حسن نصرالله يبشرنا “بتثقيف” هذا الفتى، كان يعبر ضمناً عن لبنان شديد الخصوصية وعن “ثقافة” عاجزة بالتأكيد عن إيجاد اي مساحة مشتركات مع ثقافة لبنانية عامة، و”ثقافة” هي أصل المشكل بينه وبين بقية اللبنانيين.

مرعبة بعض المفارقات في تزامنها ودلالاتها السوسيولوجيّة والسياسية والنفسية. منها مثلاً ان سيرة فتى نصرالله الذي قضى في مخيم “تثقيف”، استعيدت، فيما كان سينمائي شاب لبناني، هو إيلي داغر، يرفع السعفة الذهبية التي فاز بها في “مهرجان كان” عن فيلمه القصير”موج 98″، في إنجاز غير مسبوق للثقافة اللبنانية. الثقافة العامة، التي يجد فيها كل لبناني حقيقي مصدرا للفخر والإلهام والاهم، سبباً للتماهي.

في مفارقة اخرى تزامنت مع خبر مقتل فتى نصرالله في “معسكر التثقيف”، كان رئيس الولايات المتحدة الاميركية باراك أوباما يعلن عن فخره، واعتزاز وامتنان بلاده للاختراع الذي انجزه لبناني آخر هو زياد سنكري. اخترع سنكري جهاز Life Sense الذي يوفر رقابة متواصلة لحالة القلب على نحو يسمح بإرسال تنبيهات فورية إلى الفريق الطبي لإنقاذ المعرّض لخطر الإصابة بنوبة قلبية.

لا اعرف إيلي داغر، ولا زياد سنكري. ولا اعرف مواقفهما السياسية، ان كان لديهما متسع من الوقت لمواقف سياسية. لكنني أعرف أنهما، وكل على طريقته، وفي مضماره، قدم مساهمة راقية في تطوير ورفد الثقافة اللبنانية العامة، اكانت ثقافة فنية ام ثقافة علمية. واعرف أنهما يتشاركان مع عموم اللبنانيين، الكثير من الخصائص الرئيسية المساعدة على تكوين مجتمعات ناجحة ودوّل قابلة للبقاء، وقابلة للتطور والانخراط في العالم. وبالمناسبة هما من متخرجي الجامعات اللبنانية، التي لا تزال واحدة من المداميك الاساسية لبناء إنسان لبناني على صلة بعصره وزمانه، إنسان ينتمي الى ثقافة الحياة وتطوير ثقافة الحياة.

حين كان أيلي داغر وزياد سنكري، يصنعان قصتي نجاح باهرتين، ويرفدان الثقافة اللبنانية بنتيجتيهما، كان ثمة من يزرع في رأس فتى نصرالله في احد المعسكرات، نظرية المعادلة الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة.

منذ البدء كانت المشكلة هنا. في هذا الانشطار الثقافي بين عالمين.

ثقافة المعادلة الذهبية التي تدمر لبنان وثقافة السعفة الذهبية التي تبنيه. بهذه البساطة. نعم، بهذه البساطة.