جيرمي فريدمان/الاتفاق النووي قد يقود الى تحول في الثورة الايرانية

213

الاتفاق النووي قد يقود الى تحول في الثورة الايرانية!
جيرمي فريدمان/السياسة/15 أيار/15

لا شك ان جوهر الاتفاق النووي المقترح مع ايران هو رهان على توجهات المستقبل لنظام الحكم الايراني… وقد ذهب اثنان من وزراء الخارجية الاميركية السابقين, وهما هنري كيسنجر وجورج شولتز في مقالة نقدية نشرت اخيرا في “وول ستريت جورنال” الى ان الادعاء المحوري لمؤيدي الاتفاق هو ان ايران ستكون اقل عدوانية خلال السنوات العشر المقبلة, عما هي عليه اليوم.

وقد ألمحا بأنهما سوف يتفقان مع ذلك الرأي لو اقتنعا بأن ذلك سيتم في المسار الايجابي, وبعبارة اخرى نجد الانتقادات الاخرى للاتفاق كالانتشار النووي, وزيادة النفوذ في المنطقة وامكانية التثبت من تنفيذ القيود المقترحة, وهي وان كان صعبة لكنها ليست مستعصية على الحل! لكنهما يشيران بالفعل الى ثلاثة عقود ونصف العقد من عداء ايران العسكري للغرب وللؤسسات الدولية المعتمدة, فضلا عن سجل واشنطن المشكوك فيه في التنبؤ بمسار التحولات المحلية في بلدان مثل ليبيا, والعراق وافغانستان كأساس كاف للتشكك في تدابير هؤلاء المتفائلين.

اذا كانت المسألة ببساطة “دحرجة الزهر” حول مستقبل ايران, فهناك اسباب وجيهة لتغليب الحذر على التفاؤل, لكن كيف سيؤثر الاتفاق نفسه على المستقبل? وما اثره على سياسات ايران الداخلية, وما ينبغي ان يؤثر به هذا العامل على حسابات واشنطن?

يعتمد ذلك على الوضع الذي تجد فيه القيادة الايرانية نفسها اليوم ! لقد تأسس النظام الاسلامي في ايران في اواخر السبعينات من القرن الماضي وفي بداية الثمانينات, عندما اندلعت ثورة ايجابية كبيرة, وقد شهدت الستينات والسبعينات موجة من تلك الثورات التي اكتسحت اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية, وكان منطلقها الاساسي اقامة كيانات محترمة ومزدهرة للدول والشعوب التي عانت من السلب والنهب اثناء الحكم الاستعماري والاستغلال الاقتصادي والاضطهاد الثقافي.

اكتسبت الماركسية جاذبية هائلة لدى كثير من تلك الثورات, لكن النموذج الشيوعي السوفياتي حررنا من اوهام كثيرة بأن الماركسية تقدم حلولا فعالة للمشكلات التي نتجت عن الظلم وعدم المساواة. في ايران جذبت الماركسية سكان المدن من المتعلمين والعمال, ما جعل حزب “تودة” (الجماهير) الموالي للاتحاد السوفياتي من اقوى المنظمات السياسية في البلاد, وفي مواجهة ذلك قدم المفكرون الوطنيون كجلال علي احمد والثوريون المتدينون مثل علي شريعتي والملالي مثل اية الله سيد محمود طلقاني بديلا اسلاميا ايرانيا للماركسية, ورأوا ان الاسلام بمقدوره ضمان المزيد من العدل والقضاء على الفساد, وبناء نظام اقتصادي مستقر كما يخلق التلاحم الاجتماعي, ويؤكد على الهوية الثقافية والسياسية, ومن المفترض ان يقدم الاسلام حلولا ناجحة لمشكلات دولة كانت تعاني من التخلف, ولديها ارث كبير من السيطرة الاجنبية بأكثر مما يمكن ان تقدمه الماركسية.

كانت الحشود التي اسقطت الشاه من اكبر الحشود الشعبية في القرن العشرين, وضمت العمال جنبا الى جنب مع الشباب المتدينين والطلاب, وقد ساعد تصاعد التضخم وتفشي عدم المساواة الاقتصادية وبطء سرعة النمو الاقتصادي الذي ساد في البلاد منذ منتصف السبعينات على اشتعال الثورة ولهذا السبب سعى الخميني ومن حوله دائرته من المقربين, تساندهم المؤسسات الجديدة مثل الحرس الثوري, الى وضع برنامج للاصلاح الاقتصادي موضع التنفيذ يلبي احتياجات الجماهير, ويحول دون الارتداد نحو اليسار الماركسي, وتحدث الخميني عن امال المستضعفين الفقراء, وانشأ مؤسسة المستضعفين لاستخدام موارد الدولة لمساعدة المحتاجين, وبدأ برنامجا مكثفا لاصلاح الاراضي الزراعية وأمم الصناعات الكبرى, واستلهم بعض السياسات التي تعتبر في جزء منها وصفات اقتصادية ماركسية.

لم تكن هذه الاصلاحات ثابتة, كما لم تنجح, ومع الغزو العراقي في سبتمبر العام 1980 انتقل تركيز طهران من التغيير الداخلي الى مقاومة الاعداء الخارجيين, وقد ادى الدعم الذي حصل عليه العراق في الثمانينات وفي اوقات مختلفة من القوتين الاعظم الى مفاقمة الاحساس بالحصار ومهمة الانقاذ الديني في الجمهورية الاسلامية, ومنذ ذلك الحين اصبح التاريخ السياسي لايران تأرجحا مستمرا بين التعبئة ضد تهديد خارجي, ومحاولة للانتقال في النهاية لاهتمام النظام بالعودة الى المشكلات الداخلية. وعندما وضعت الحرب اوزارها امل الكثيرون ان يركز النظام على المهمات المحلية وخصوصا اعادة بناء الاقتصاد, وتبلورت امالهم في الانتخابات المدهش لمحمد خاتمي عام 1997, الذي حاول منح الاولوية للاصلاح الداخلي, وتخفيف التوتر الدولي, لكن جهوده قيدتها القوى العسكرية الايرانية المعارضة للغرب مثل الحرس الثوري الذي استطاع تأجيج التوترات الخارجية ضد الاصلاحيين, ووصلت ذروة هذه الموجة الارتدادية الى انتخاب محمود احمدي نجاد عام 2005, وهو قائد له اتجاه عسكري, مما عزز مخاوف الكثير من المراقبين حول الطبيعة العدوانية للنظام الاسلامي.

سببت ادارة محمود احمدي نجاد الشكوك المشروعة في ما يتعلق بامكانيات الاصلاح في الجمهورية الاسلامية, يشير كيسينجر وشولتز واخرون ولديهم اسبابهم الى سجلنا الضعيف في التنبؤ بالتحولات الداخلية, وان مثل هذه التنبؤات كانت خاطئة عن ايران في الماضي وليس لدينا ضمان بصحتها اليوم.

ورغم ذلك هناك سببان للتفاؤل حاليا: تدهور الموقف الاقتصادي في ايران- في جزء منه – بسبب العقوبات الى الحد الذي تم فيه انتخاب الرئيس حسن روحاني على برنامج انتخابي يستند في جزء كبير منه الى تحسين الاقتصاد, لدرجة ان المرشد الاعلى اية الله علي خامنئي دعم روحاني لان موجة احتجاجات عام 2009 اظهرت مدى التهاب الموقف, حتى ان خاتمي كان دائما يعامل بنوع من الشك من خامنئي, مما قلل من احتمالات نجاحه, ويبدو ان المؤسسة السياسية الايرانية بما فيها المحافظين والاصلاحيين, قد فهموا في نهاية المطاف ان النظام في مأزق حقيقي اذا لم يبدأ بالعمل من اجل شعبه!

والاتفاق النووي هو السبب الثاني لانه سيمنح روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف اساسا متينا لكي يقولا ان ايران على وشك تحقيق درجة كافية من الاستقرار الدولي بما يسمح بتوجيه الاهتمام الى المسائل الداخلية والمهمات المحلية للثورة.

اصبح الاصلاح الداخلي في قلب الخطاب السياسي الايراني اكثر من اي وقت مضى, ولم تناد به فقط المعارضة, بل ايضا في الاوساط الدينية وبين الملتزمين والموالين للنظام. هذا الجدل لا يقتصر على المجال السياسي فقط, فكثيرون يتساءلون كيف ينبغي ان يتجلى الحكم الاسلامي ثقافيا مثل عباس ميلاني مدير مركز الدراسات الايرانية بجامعة ستانفورد وما وصفه في مقالة نشرت اخيرا في الاطلانتيك بأن ايران في وسط حروب ثقافية حول دور الاسلام في المجتمع والنظام المهموم بالمحافظة على الحكم الاسلامي, واضفاء الشرعية عليه, وهي بحاجة ماسة الى اثبات انها تستطيع توفير النمو الاقتصادي لكي تظهر ان الحكم الاسلامي لا يعيق ايران ويعيدها للوراء.

ينبغي ان تصل ايران الى نقطة مثل الصين في سبعينات القرن الفائت في ظل ظروف اقتصادية يائسة, وظهور افلاس مشروعها الثوري العالمي وتقاربها مع الولايات المتحدة والذي منح النظام الشيوعي مساحة ليلتقط فيها انفاسه ويغير اهتمامه نحو الشؤون الداخلية, والحزب الشيوعي الصيني لم يتخل عن السلطة ولم يتخل بشكل علني عن الثورة, ومثل ايران رغم ان ثورتها كانت موجهة لتحسين الاوضاع الداخلية حتى تواجه الخارج.

كثيرون يلمسون اليوم معدلات النمو الاقتصادي على انها المصدر الرئيسي لشرعية بكين, وقد اوضح روحاني ايضا ان ايران عليها ان تختار بين العزلة الدولية او النمو الاقتصادي!

وكما هي الحال مع الصين, ينبغي الا نتوقع من ايران ان تجري فجأة الاصلاح السياسي الشامل, فمصالح ايران ليست متطابقة تماما مع مصالحنا, وهذا هو المرجح في المستقبل المنظور, فطهران تدعم وكلاء لها في انحاء المنطقة مثل حزب الله الذي يهدد المصالح الاميركية, ورغم ذلك فهناك مزيد من الحديث في ايران عن هذا الفيض من الموارد الذي يتوجه الى مغامرات خارجية, وكيف يمكن ان تستخدم بشكل افضل في الداخل?

كانت هناك ظاهرة مماثلة في الاتحاد السوفياتي في اواخر الثمانينات من القرن الماضي, كرغبة في الاصلاح الداخلي, مما ادى بالنظام الى ان يتخلى تدريجيا عن التزاماته الدولية التقدمية, وعلاوة على ذلك استطاعت الولايات المتحدة ان تتعامل مع كثير من دول الشرق الاوسط التي لها مصالح تختلف عن مصالحنا, ولدى واشنطن مزيد من اسباب التفاؤل مع ايران اكثر من اي وقت مضى, قل مثلا مع المملكة العربية السعودية.

ان الاتفاق النووي مع ايران قد يكون خطوة مهمة في طريق دفع النظام لكي يعود الى التركيز على مهماته الثورية الداخلية, وبمنح ايران قدراً من الامن والتعاون, فان الولايات المتحدة سوف تتيح لقوى الاصلاح تشكيل مسار الثورة الايرانية من دون حاجة الى التعبئة ضد التهديد الاميركي المفترض, وقد يعني ذلك اضعاف القوى العسكرية الكبيرة في طهران, كما يساعدنا على تمكين التغيير الذي نريده, بدلا من مجرد التمنيات الجوفاء!

نحن ما زلنا نراهن, ولكن في هذه الحالة ينبغي ان تكون اوراق اللعبة تؤمن لنا الفوز!

* استاذ في جامعة “هارفرد” الاميركية والمقالة

نشرت في “ناشيونال انترست”

ترجمة – أحمد عبدالعزيز