المحامي حسن بيان/الغزو الإيراني المكشوف والمواجهة العربية الشاملة

311

الغزو الإيراني المكشوف والمواجهة العربية الشاملة
المحامي حسن بيان/النهار/27 آذار 2015

“إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا كما في الماضي… إن جغرافية إيران غير قابلة للتجزئة وإن ثقافتنا غير قابلة للتفكك… إن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية، وكل شعوب المنطقة جزء من إيران ونحن نريد تأسيس اتحاد إيراني في المنطقة”. الكلام هو لمستشار الرئيس الإيراني على يونسي، وهو الأقرب إلى مرجعية القرار السياسي في هرمية النظام السلطوية. ووضوح هذا الموقف عن المضمر السياسي الرسمي الإيراني، جاء ليتوج سلسلة مواقف صدرت عن مرجعيات دينية وأمنية وسياسية، من أبطحي وشمخاني وجعفري الى لاريجاني وسليماني، وكلها تشير إلى التمدد الإيراني في العمق العربي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أن إيران باتت تسيطر على أربعة عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

هذه المواقف الإيرانية التي تصدر عن منابر متعددة، ليست مفاجئة إلاّ لجهة وضوح أهدافها وأبعادها، لكن أخطر ما فيها، أن الجموح الإيراني المندفع إلى العمق العربي، أشّر على مسألة خطيرة جداً، وهذه الخطورة تتجاوز النفوذ السياسي للنظام الإيراني الذي يريد تكريسه بالاحتفاظ بموقع لنفسه على طاولة الترتيبات السياسية للأزمات التي تصنف ببعض الأقطار العربية، إلى تقديم نفسه محرراً لأرض يعتبرها في الأصل فارسية. فعندما يقول قائد ما يسمى في الحرس الثوري الإيراني بأن الحرس قد حرر 85% من الأراضي السورية المحتلة، وعندما يقول يونسي إنّ بغداد أصبحت عاصمة الإمبراطورية الإيرانية، كما كانت في السابق، وهي مركز الحضارة والثقافة والهوية، فهذا يعني، أن العرب محتلون وبالتالي هَم غرباء ، وتالياً فإن تحرير بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت من عربها هو استعادة لهويتها الأصيلة، وهي الهوية الفارسية. ماذا يعني هذا الكلام، أنه يعني بوضوح لا لبس فيه ولا التباس حوله، أن النظام الإيراني الحاكم في طهران يقدم نفسه في تعامله مع الأمة العربية، انطلاقاً من معطى واقعه الذي كان سائداً، قبل الفتح العربي لبلاد فارس، و قبل نشر الدعوة الإسلامية التي أصبحت معتقداً إيمانياً لشعوب فارس التي كانت تدين بالمجوسية والزرادشتية. يومذاك كانت المدائن البعيدة حوالى 30 كلم عن بغداد، مقراً شتوياً لأباطرة الفرس، باعتبارهم سلطة احتلال يعتبرون أن بلاد الرافدين حديقة خلفية لنفوذهم، إلى أن جاءت معركة القادسية التي أنهت السيطرة الفارسية على العراق، وبعد قرن ونيف من الزمن، أصبحت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية العربية.

إن تتالي المواقف الإيرانية التي تستعيد الماضي الفارسي، أربكت كثيرين، خصوصاً الذين يروجون لمواقف النظام الحاكم في طهران بأنه نظام مساند للقضايا العربية، كما أحدثت ارتباكاً لدى الذين يرتبطون بمرجعية القرار الفقهي والسياسي والأمني الإيراني، كونه أماط اللثام عن الحقيقة الفعلية لأهداف النظام، والتي لم تفلح معها كل التوضيحات والتفسيرات اللاحقة التي سعت للتخفيف من وطأة هذه المواقف على وضعها الذاتي قبل أن تكون شديدة الوطأة على الواقع السياسي العام.

فماذا يقول الذين التحقوا بالنظام الإيراني، باعتباره قاعدة المواجهة للتحالف الصهيو – الأميركي، وهم يرون بأم العين التنسيق العملاني السياسي والعسكري والأمني مع هذا الحلف في التعامل مع ملف العراق؟ وماذا يقول هؤلاء عندما يعتبر النظام الإيراني نفسه أنه قَدِم إلى بغداد ودمشق محرراً؟ وماذا يقول حكام العراق وسوريا؟ إن وضوح الموقف الإيراني حيال الأمة العربية، لم يفاجئنا، لأن بلاد فارس التي هزمت نظمها السياسية على أيدي العرب في ثلاث معارك مفصلية، ذي قار والقادسية الأولى والثانية، لم تستطع حتى تاريخه أن تهضم النتائج التي ترتبت على هذه الهزائم، ولهذا بقيت مشحونة بعامل العداء للعرب، وهي تتربص الفرص لاقتناصها، ثأراً من العرب وثأراً للهزائم التاريخية التي منيت بها في قديم التاريخ وحديثه ومنىً للنفس بإحياء أمجاد فارس الغابرة.

وإذ يشتد التركيز على بغداد، فلأن العراق كان مسرح المعارك التي انتصر فيها العرب على الفرس، ولأن العراق هو الساتر السياسي والجغرافي والقومي الذي حال سابقاً دون اندفاع المشروع الإيراني إلى العمق العربي. ولهذا فإن الأخطر من التصريحات والإعلانات السياسية التي تصدر عن المسؤولين الإيرانيين، وآخرها موقف يونسي، هو ذلك الذي يجري على الأرض، حيث تتعرض المناطق العراقية للتطهير العرقي والتهجير الجماعي في عملية “ترانسفير كبير” تذكِّر بالترانسفير الفلسطيني.

إن هذا الذي يشهده العراق اليوم ومعه أقطار عربية أخرى هو غزو إيراني استعماري مكشوف لأرض عربية، ومواجهته هي مسؤولية عربية شاملة، وإلاّ لن تجدي بعدها عملية البكاء على الأطلال، وستصبح عملية تحرير الأرض العربية بعد ذلك أكثر تكلفة إذا ما قيّد لهذا الاحتلال أن ينشب مخالبه في الجسم العربي.